ع
رفت الأندلس ستة عصور سياسية هي:
عصر الولاة (95-138هـ). حكم الأندلس خلال هذه الفترة ثمانية عشر واليًا؛ يعيَّنهم تارة الخلفاء الأمويون في دمشق وأخرى عُمالهم في إفريقيا، وأول هؤلاء الولاة، عبد العزيز بن موسى بن نُصَيْر وآخرهم يوسف بن عبد الرحمن الفِهْرِي.
امتاز هذا العصر بالصراع القبلي بين العرب والبربر الذين كانوا يفخرون بأنفسهم، لأن فتح الأندلس تم على يد رجل منهم هو طارق بن زياد، ولذلك كانت ثورات البربر لا تهدأ في الأندلس خلال هذه الفترة. ثم ظهر نزاع قبلي آخر بين من عرفوا بالبلديين والشاميين؛ فالبلديون هم عرب الأندلس في حركة الفتح الأولى والشاميون هم الأفواج اللاحقة، وقد دار صراع بين الفريقين. وكذلك كان ثمة صراع قبلي ثالث بين المُضريَّة واليمنية ترك بصماته على هذه الفترة.
لم يكن هذا العصر مهيئًا لنهضة أدبية أو علمية بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي كان يمور فيه، ومن ثم لا نجد خطوطًا أدبية مميزة لهذه الفترة.
الدولة الأموية. ينقسم هذا العصر إلى قسمين: الأول [b]إمارة قرطبة (138 - 300هـ)، وتأسست على يد عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان الذي عرف بعبد الرحمن الداخل. وقد استطاع الداخل بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق وقضاء العباسيين على كثير من الأمويين أن ينجو بنفسه ويخوض مغامرات كثيرة جعلت منه صقر قريش الذي أسس مجدًا للأمويين في الأندلس، حيث تناوب على حكم إمارة قرطبة من بعده ستة من أبنائه وأحفاده.
وفي هذا العصر نمت قوة المسلمين بالأندلس وانعكس أثرها في سياستهم الخارجية، على حين أن النشاط الداخلي شهد حركة من البناء والعمران جعل من قرطبة العاصمة درة بين العواصم المشرقية والغربية. كما كان الأمير الحكم بن هشام مؤثرًا للعلماء والفقهاء، وإن كان عبد الرحمن الأوسط هو أشهر أمراء قرطبة في رعاية العلوم والآداب والفنون.
نهضت الحركة الأدبية في هذا العصر، إذ كان حكامه بحكم طبيعتهم العربية يعنون بالشعر والنثر وفصيح القول؛ فجعلوا بلاطهم عامرًا بأهل العلم والأدب. كما كان عبد الرحمن الداخل نفسه شاعرًا وأديـبًا. ومن أشهر مقطوعاته الشعرية وصفه للنخلة التي أهاجت شجنه وذكرته بوطنه حين يقول:
|
تَبَدَّتْ لنا وسط الرَّصافة نخلةٌ |
|
تناءت بأرض الغرب عن وطن النخل |
فقلت شبيهي في التغرُّبِ والنَّوى |
|
وطول التنائي عن بَنِيَّ وعن أهلي |
نَشَأْتِ بأرض أنت فيها غريبةٌ |
|
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي |
|
وكذلك كان الحكم بن هشام بليغًا فصيحًا شاعرًا مجيدًا، ومن شعره يفخر بإقرار الأمن في البلاد:
|
رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعًا |
|
وقِدمًا لأمت الشَّعب مُذْ كنتُ يافعًا |
فسائل ثغوري هل بها الآن ثغرةٌ |
|
أبادرها مُسْتَنْضِيَ السيف دارعًا |
تُـنَـبِّيك أني لم أكن عن قِرَاعِهم |
|
بِوَانٍ وأني كنت بالسيف قارعًا |
|
ومن قوله يتغزل:
|
ظل من فرطِ حبه مملوكا |
|
ولقد كان قبل ذاك مليكا |
إن بكى أو شكا زِيْدَ ظُلْماً |
|
وبعادًا يدني حِماماً وشيكا |
تركته جآذرُ القصر صَبا |
|
مستهاماً على الصعيد تريكا |
|
ولا نستثني من زمرة الأمراء الشعراء عبد الرحمن الأوسط في مثل قوله:
|
إذا ما بدت ليَ شمس النهار |
|
طالعة ذكرتني طروبا |
أنا ابن الميامين من غالب |
|
أشُبُّ حروبًا وأطفي حروبا |
|
وكذلك آخر أمراء قرطبة عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن وكان شاعرًا مطبوعًا ومن رقيق غزله قوله:
|
يامهجة المشتاق ما أَوْجَعَك |
|
ويا أسير الحب ما أخْضَعَكْ |
ويارسول العين من لحظها |
|
بالرد والتبليغ ما أَسْرَعَكْ |
|
ومن شعراء الإمارة من غير الأمراء عاصم بن زيد العبادي، الذي جعل من محنة العمى موضوعًا لشعره، ومن أجمل تصويره لمحنته قوله:
|
ورأت أعمى ضريرًا إنما |
|
مَشْيُهُ في الأرض لمسٌ بالعصا |
فبكت وجدًا وقالت قولة |
|
وهي حَرَّى بلغت منّي المدى |
ففؤادي قرِح من قولها |
|
مامن الأدواء داء كالعمى |
|
أما الشاعرات فتعد حَسانة التميمة سيدة شواعر عصرها غير منازعة، ومن جميل قولها مدحها للحكم بن هشام:
|
أنت الإمام الذي انقاد الأنام له |
|
وملَّكَتْهُ مقاليد النُّهى الأمم |
لا شيء أخشى إذا ماكنت لي كنفًا |
|
آوي إليه ولايعرونِيَ العدم |
|
وقد كان الشعر في هذه الفترة يسير على الاتجاه المحافظ في المدرسة المشرقية ويتبع منهج القدماء في بناء القصيدة واستيحاء صورها من عالم البادية وترسم موضوعات الشعر التقليدي في مدحه وفخره وهجائه، كل ذلك في عبارات فخمة وألفاظ جزلة وبحور طويلة وقوافٍ رنَّانة.
وعلى كلٍ فقد نهض الأدب في هذا العصر نهضة واسعة بسبب عناية الحكام بالأدباء والعلماء وتيسير سبل حياتهم.
[/b]
07.10.09 1:22 من طرف للنشر