في حوار مفتوح أقامته كلية الفنون الجميلة بدمشق...بسـام كـوسـا: "لـو لـم أكـن فنـانـاً لكنـت دبـا
ً"!
علي الحسن
«التلفزيون هو لقيط وابن غير شرعي، وهو كالثقب الأسود المتوحش الذي يمتص الطاقات الهائلة» هذا ما قاله بسام كوسا في حوار مفتوح أقامته مؤخراً كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق وفيه عدّ كوسا «التلفزيون فن الثرثرة» ولا يرى في ذلك نقيصة إنما توصيف فثمة ثرثرة جيدة وأخرى رديئة ذلك أن أكبر مسلسل باعتراف كوسا يمكن أن يصبح ساعتين والثماني والعشرون الباقية حشو وثرثرة بينما السينما هي تكثيف لتاريخ أمة في ساعتين.
حالة مسعورة... وحقد وغيرة...
وحتى لا تصبح الحالة عدائية مع هذا «الثقب الأسود» فإن السؤال الذي يطرحه كوسا هو: كيف يمكن استثماره بأفضل الطرق وليس أردأها، مؤكداً في الوقت ذاته أن الدراما إلى جانب المسرح والسينما والتلفزيون تعاني من حالة مسعورة مضطربة لجهة ضغط أو معركة «صراع المال والفكرة» والتلفزيون لا يحقق ما نرغبه بالشكل الأعلى لطغيان المنطق الاستهلاكي عدا عن كونه بلا ذاكرة، ومع ذلك فإنه من خلال الدراما يمكن أن نبعث رسائل اجتماعية وجمالية وإنسانية للآخرين، معترفاً أننا كسوريين كنا قساة عندما أبرزنا العيوب في المجتمع في حين لا يجد كوسا غضاضة في حديثه عندما أشار إلى الجوانب السلبية في المجتمع «نمشي في الشوارع التي تعج بالزمامير.. والزبالة وأنا أعمل في الفن كي تكون الشوارع أقل زبالة.. محمومون ولكن لا نصل بالموعد المحدد.. نحن مسرعون ولكن لا نذهب إلى مواعيدنا الأخلاقية والمهنية الإنسانية» والمثقفون معهم أفكار وليس معهم أموال، وفن الدراما- حسب كوسا- يحوي ما هب ودب وبعضهم أعضاء في النقابة لا يعرفون من ينتخبون، والحلقة التلفزيونية الواحدة يعمل بها مئات الناس «نأتي بمجتمع بكل اضطراباته وبحقده وغيرته وحسده لنعمل مسلسلاً وهكذا هو المجتمع» وخطورة التلفزيون تكمن برأي كوسا أنه يشبه المجتمعات وأنه قضى على فنون عدة «فنانون تشكيليون أصبحوا مهندسي ديكور يخرجون بأعمال بائسة وروائيون تحولوا إلى التلفزيون لأنه أكثر ربحاً» مؤكداً أنه في التلفزيون لا تولى الحالة الجمالية والبصرية الاهتمام الكافي وهذا سببه العين غير الذكية للكاتب والمخرج فالثقافة البصرية عامة تعاني من ضعف فنحن أمة خطابة وحكي و«ظاهرة صوتية» لم يضعها الكوسا بين مزدوجتين!!
الارتماء في حضن الفن التشكيلي
بسام كوسا لم يمدح الدراما السورية ولم يتوقف عند النقاط المضيئة فيها وقال إن العاملين في حقل الدراما لا يعرفون كيف يسمعون الموسيقا بشكل جيد ولا يعرفون باللون «أتمنى أن أرى واحداً منهم في معرض تشكيلي علماً أن هذا جزء من صميم مهنتهم» وبدا كوسا ميالاً للفن التشكيلي الذي عده «القطاع الإبداعي الأقوى في سورية والمتفوق على الدراما رغم ما أحدثته من ضجيج» ولا يأتي ذلك حسب كوسا تحيزاً للفن التشكيلي وهو خريج كلية الفنون الجميلة والذي يتحدث أمام أساتذتها وطلبتها إنما يرى فيما ذهب إليه منطقياً، مشدداً على أنه لا يوجد فنان تشكيلي مرتاح فالأساتذة في الكلية «كحتوا كحت» حتى يعتاشوا وعائلاتهم والفن التشكيلي ورغم عيوبه فإنه- برأي كوسا- الأكثر رقياً لأنه فن فردي بينما الدراما فن جمعي فيه «المخرج البهيم ومهندس الديكور الذي لا يرى الألوان» داعياً إلى ضرورة الارتماء في حضن الفن التشكيلي «ثمة رابط عضوي وكيميائي بين الفنون التشكيلية والدراما.. رابط متين ولا يمكن أن يكون هناك دراما مهما كان نوعها دون الفن التشكيلي». الامتصاص والاستعراض
وفي معرض رده على أسئلة الحضور قال كوسا: إن «بعض المخرجين ذهبوا إلى الصورة... أنزور لا يهمه أي شيء فقط الكادر جميل... لقد كسر قوانين» معقباً «الخطورة تكمن بذهابنا إلى الجانب الجمالي البصري بصرف النظر عن أدوات التعبير (الهارموني) وتحميل العمل ما لا طاقة له» مؤكداً أن «ثمة مخرجين استعراضيون تحت لافتة الإبداع».
كوسا وصف نفسه بأنه شغيل وليس موهوباً «أنا أشتغل على نفسي أكثر من الموهوبين» داعياً طلبة الفنون الجميلة إلى «استثمار» سنوات الدراسة والاستفادة من الأساتذة مستخدماً تعبير «الامتصاص» «امتصوا الأساتذة والمعرفة منهم إن لم تفعلوا ذلك فإنكم ستندمون». معترفاً أنه أمضى السنوات الأجمل في كلية الفنون «قضيت هنا أهم السنوات في حياتي» ومعترفاً أيضاً بفضل الأساتذة «لقد قدموا لي خدمات جليلة دون أن يعلموا» ولم يجد ما يمنعه من الاعتراف ببعض سلوكياته كطالب أيام الكلية «كنت أكذب على أساتذة الكلية أحياناً.. أكون في سفر ويكون عندي تصوير أو بروفات».
«الاستاتيك» والمقاطعةوحول المسرح يقول كوسا: إن هذا الفن ليس جزءاً من ذاكرة هذه الأمة إذ لا تاريخ له عندنا في حين أن بعض المسرحيين العرب المتشددين ربطوا المسرح بذاكرة الأمة فتحدثوا عن «عاشورا» و«المولوية» والحكواتية «وخيال الظل» وقالوا إنها جزء من المسرح أو ذاكرته علماً أنها- يؤكد كوسا- لا تستند إلى جذر علمي إنما هي ظواهر «استاتيكية» ثابتة فالمولوية «تفتل لحد الآن» ومازلنا في المسرح نستخدم الصندوق المفتوح أو (العلبة الإيطالية) فنحن لا نمتلك تاريخاً حضارياً في المسرح وحتى شكل السيناريو هو أوروبي وشكل الرواية العربية مستورد و«ألف ليلة وليلة» ليست عربية وشهريار وشهرزاد ليسا عربين وقد أصدق- يقول كوسا- إن «كليلة ودمنة» عربية!!
وعن السينما يقول كوسا «السينما لا تحتاج إلا إلى عقل ضخم وليس إلى إنتاج ضخم» وذلك رداً على تساؤل أحد الحضور حول دخول قطاع الإنتاج إلى السينما، مؤكداً «أنا مقاطع للمؤسسة العامة للسينما منذ خمس سنوات لأدائها الرديء وعدم فعاليتها». العصا والكفة
أليسار حاجوج الطالبة في كلية الفنون الجميلة أثارت في مداخلة لها حفيظة أساتذة الكلية عندما قالت: «إن الأساتذة يطلبون منا الاشتغال والتركيز على الجانب البصري... وأرى أنه يجب التركيز أيضاً على الجانب الأدبي.. وما يمكن أن يحمله من رسائل للمتلقي» ليمسك كوسا هنا العصا من المنتصف «دائماً هناك صراع بين طموح الطالب وقانون الأكاديمية» مخاطباً الطالبة «لا يمكنك أن تذهبي باتجاه التجريد أن ترسمي يداً.. المسألة الأكاديمية قاسية وحادة وعنيفة ولكن ليست مهمتها إنشاء مدارس فالأساتذة قادرون على فتح الحوار» ليعلق الدكتور عبد الرزاق معاد رداً على المداخلة «يفتقد طالبنا إلى الحوار وإلى الثقافة لا يحب البحث ويقف جامداً أمام المضمون هو يريد أن يشتغل كيفما كان» وفي ظل هذا الاحتدام المعلن الذي يخفي ما هو أعمق مالت الكفة لمصلحة الأساتذة عندما قال كوسا: «خطورة المراهق اعتقاده أنه يعرف كل شيء» وكان قال في بداية حديثه: الطالب في السنة الأولى يعتقد نفسه بيكاسو مثلما يعتقد الداخل حديثاً إلى المعهد العالي للفنون المسرحية أنه سيعطي دروساً لأهم النجوم. سؤال تقليدي وجواب استثنائي
تعليقاً على سؤال لأحد الحضور يتعلق بسايكلوجية اللون عند بسام كوسا وكيفية تعاطيه الروحي والنفسي والفكري معه روى كوسا حكاية عن لقاء صحفي أجراه معه صحفي جزائري وحكاية سؤال أخير أراد ذاك الصحفي أن ينهي به حديثه بعد أسئلة معدّة بشكل جيد... يقول السؤال وإن كان مكروراً تقليدياً باعتراف الصحفي نفسه «لو لم تكن فناناً فماذا ستكون؟» فيقول بسام كوسا إني أجبته: «أكون دباً» فالتبس الأمر على الصحفي الجزائري لاستثنائية الجواب على سؤال تقليدي فاستفسر منه فربما ثمة مصطلحات مختلفة تبعاً للهجة!! فكرر كوسا الإجابة مشدداً على الحروف «أكون دباً»!!
16.03.09 4:47 من طرف .