المكتبات ودورها الحضاري في تاريخ الأمم: الحضارة الإسلامية أنموذجا
أحمد صالح بن الناصر [size=24
أعظم ما عني به الإنسان هو الكتابة والتوثيق والعلم، فقد تركت الأمم والحضارات السابقة مصنفات ومجلدات ومخطوطات ملأت رفوفا وخزائن مكتبات الدنيا التي أنشأت من أجل حفظ هذه الذاكرة، وهذا التراث العظيم ونقله إلى الأجيال القادمة وعني بتصنيفها وتنظيمها وتسهيل الوصول إلى هذه الكنوز..
ويشكل دراسة تاريخ هذه المكتبات جزءا مهما من دراسة التاريخ الفكري للحضارة الإنسانية لأن تاريخها يبدأ مع بداية هذه الحضارة ويسير معها ، ويعد دراسة تاريخ المكتبات في الإسلام من المواضيع التي لم تعط حقها من الدراسة1 ، لذلك ارتأينا أن نعطي ولو صورة موجزة عن تاريخ هذه المكتبات ، ودورها الحضاري في تاريخ الأمة الإسلامية خاصة وتاريخ الإنسانية عامة.
ـ فما هي المكتبات؟ و ماهي أشهر المكتبات في التاريخ الإسلامي؟ وما هو الدور الحضاري الذي لعبته في تاريخ وحضارة الأمة الإسلامية؟ وما هو واقع المكتبات اليوم في وادي ميزاب؟
تمهيد:
من أجل توضيح الصورة ارتأينا أولا أن نعرف المكتبة ، وما هي الأدوار التي تقوم بها . فقد عرفتها اليونسكو2 في اجتماعها السنوي : "بأن المكتبة مهما اختلفت التسميات هي كل مجموعة منظمة من الكتب المطبوعة و المطبوعات المسلسلة أو أي وثائق أخرى سمعية بصرية، بالإضافة إلى خدمات الموظفين المكلفين بتسهيل استعمال هذه الوثائق لأهداف التربية والبحث والترفيه " نستنتج من هذا أن المكتبة تقوم بوظائف أساسية هي تخزين المعلومات ومعالجتها و تسهيل الوصول إليها واسترجاعها، وقد جاء تعريف اليونسكو كنتيجة لواقع موجود منذ آلاف السنين التي كان فيه هدف المكتبة الرئيسي هو جمع مصادر المعلومات في مكان واحد وحفظها لتبليغها إلى الأجيال القادمة.
مكتبات الحضارات القديمة :
بما أن الحضارة تبنى بالتراكم وهي أيضا حلقات متتالية منذ فجر الإنسانية وتأثير وتأثر بين ثقافات الأمم، لذلك لابد أن نعرج أولا إلى بدايات المكتبات وتاريخها منذ القدم إلى أن نصل إلى الحضارة الإسلامية، فقد عزى المؤرخون ظهور المكتبات الأولى إلى مهد الحضارات بلاد الرافدين وأرض النيل حيث وجدت بها وثائق مكتوبة على الألواح الطينية في كل من بابل ونينوى بالعراق وأشهر مكتبة هي مكتبة أشور بانيبال Assure Banipale التي كانت دار لحفظ السجلات والمحفوظات؛ كما أن المصريين القدماء أسسوا مكتبات عديدة، نذكر منها مكتبة رمسيس، مكتبة أتفو وساعد في ذلك أن مصر كانت مصدر مادة الكتابة في القديم فكان يعتمد في ذلك على البردي Papurus
أما في عصر اليونان فقد بدأ التقدم الفعلي للمكتبات وتزامن مع القترة التي شهدت نشاط المفكرين أمثال أرسطو وأفلاطون، أسس بطليموس سوتر أول ملوك أسرة الإسكندر الأكبر في مصر مكتبة الإسكندرية Alekcendria Biblioteka، وهو أعظم وأشهر حدث في تاريخ المكتبات من حيث أنظمة تصنيفها وخدماتها، يقول ألفرد هيسل3 " أن إنشاء مكتبة الإسكندرية سنة 285 ق.م. هو أهم حدث في تاريخ العالم القديم ، وهي أشهر مكتبة يونانية بالرغم من أنها أنشأت في مصر "، وقد بنيت بنمط معماري راقي مقسم إلى مخازن وقاعات مطالعة موجهة للشمس، وضمت قاعات للمحاضرات، وأماكن لرصد النجوم وقد كانت تسعى لجمع التراث القومي اليوناني و التراث البشري الموجود في حوض المتوسط، وترجمة التراث العالمي إلى اللغة اليونانية ، ثم محاولة إيجاد ببليوغرافيا شاملة وموثوقة للتراث اليوناني وتراث البحر الأبيض المتوسط والشرق؛ من أجل ذلك استعانت المكتبة بعدد كبير من العلماء الذين امتازوا بالثقافة الواسعة والعلم الغزير كأمناء للمكتبات، يساعدهم في ذلك جماعات من الجغرافيين و الفلكيين و الأطباء و الرياضيين وبسبب ضخامة المقتنيات التي وصلت إلى حوالي نصف مليون مادة مكتبية فقد قسمت المكتبة إلى قسمين : البروكيوم و السيرابيسيوم. وقد أتت يد الدمار على هذه المكتبة ولهذه الحادثة عدة روايات فهناك من يقول أنها أحرقت سنة 47 ق.م. من طرف يوليوس قيصر، وهناك من المغرضين أعداء الإسلام من يزعم أن المسلمين هم الذين احرقوها عندما دخلوا الإسكندرية عام 642 هـ فاتخذها الغرب سببا لنعت المسلمين الفاتحين بالوحشية، لكن العديد من المتخصصين فندوا هذه الرواية منهم سيغريد هونكه التي تقول في كتابها "شمس الإسلام تسطع على الغرب " أن العرب عندما دخلوا الإسكندرية لم يكن هناك منذ زمن طويل مكتبات عامة، وأن ما اتهم به عمرو بن العاص من إحراق مكتبة الإسكندرية هو مجرد اختلاق بدليل عدة بحوث، ولأن عمرو تميز في فتوحاته بالتسامح وتحريم النهب والسلب والتخريب. وهناك اتفاق بين مصر واليونسكو على ضرورة إعادة بعث هذا المعلم الحضاري في تاريخ الإنسانية، وقد افتتحت مؤخرا4
[/size].
13.11.08 2:02 من طرف للنشر