عمّان – مهند صلاحات
بعد الرحلة الطويلة من الوطن إلى المنفى، ومن المنفى في المنفى، إلى الوطن المنفى، وسجال أطول مع أحكام النفي من دول عربية، وأحكام بالإعدام من النظام العراقي السابق، ورفضٍ لدخول العراق بعد سقوط النظام السابق على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي،
ويذكر أن الشاعر مظفر النواب عاد إلى سوريا بعد رحلة طويلة بدأها بعد خروجه من العراق هرباً من حكم بالإعدام عليه على خلفية انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، وأن الشاعر العراقي الذي يقيم في دمشق منذ حوالي عشر سنوات، يحظى بمعاملة كريمة من القطر العربي السوري التي تؤمن له سكنه ومخصصات مالية منتظمة، وهو لم يعد إلى بغداد منذ أن خرج منها قبل عدة عقود.
وحين سقطت مدينة بغداد على أيدي القوات الأمريكية وقوات التحالف، تلقى مظفر النواب عدداً من التهاني لسقوط النظام السابق الذي كان قد حكم عليه بعدد من الأحكام بالإعدام نال عفواً عن أحدها، وهرب من السجن في الثانية إلى إيران إبان حكم الشاه وتم تسليمه للنظام السابق مرة ثانية، وفي المرة الثالثة نال عفواً بوساطات ونفي من العراق، إلا أنه وعلى الرغم من عداواته الشخصية مع النظام العراقي السابق، غضب من تلقيه التهاني بسقوط بغداد وطالب المثقفين بفتح بيوت عزاء لسقوط بغداد في أيدي القوات الأمريكية، معلناً موقفه ضد الاحتلال الأجنبي لبلاده رغم سقوط النظام "الديكتاتوري فيها" على حد وصفه.
ويشار كذلك إلى محاولات قد جرت لنشر الأعمال الكاملة لمظفر النواب على أن تشتمل ما كتبه من شعر شعبي ومسرحيته الشهيرة "عربانة" ، إلاّ أن هذه المحاولات لم تفض إلى شيء، وسبق أن نشر في الأسواق أكثر من كتاب يحمل عنوان "الأعمال الشعرية الكاملة لمظفر النواب" إلا أن هذه الكتب لم تكن من إصداره أو بموافقته، بل هي جهود لدور نشر عربية قامت بجمع قصائد النواب من الصحف والمجلات وغيرها، كما كانت قصائده ودواوينه تُحظر في العديد من الدولة العربية على مدى عشرات السنوات السابقة، وقد اشتهرت قصيدته "وتريات ليلية" وتناقلتها الأوساط الثقافية تحت مسمى "القدس عروس عروبتكم" والتي يحمل فيها المسؤولية عن هزيمة عام 1967 واحتلال فلسطين للأنظمة العربية واصفاً إياها بالتخاذل، وقد جاءت اتهاماته عميقة وحادة وجارحة وبذيئة أحياناً، ووصفه النقاد شعره بأنه يصدر عن رؤية تتجذر معطياتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية العربية، وتمتد أغصانها في فضاء الروح حتى المطلق.
واسمه مظفر بن عبدالمجيد النواب، والنواب تسمية مهنية، وقد تكون جاءت من النيابة، إذ كانت عائلته في الماضي تحكم إحدى الولايات الهندية. ينتمي في نسبه للإمام موسى بن جعفر الكاظم، الذي مات غيلة بالسم في عصر الخليفة هارون الرشيد، فهاجرت العائلة ومن يلوذ بها إلى الهند باتجاه المقاطعات الشمالية: بنجاب-لكناو-كشمير وحكمت أحد المقاطعات الهندية.
وبعد الاحتلال الانجليزي للهند، أبدت العائلة روح المقاومة والمعارضة المباشرة للاحتلال البريطاني، فاستاء الحاكم الإنكليزي من موقف العائلة المعارض والمعادي للاحتلال، وبعد قمع الثورة الهندية-الوطنية عرض الإنكليز على وجهاء هذه العائلة النفي السياسي على أن يختاروا الدولة التي تروق لهم، فاختاروا العراق، فارتحلوا إلى العراق.
ويرفض الشاعر مظفر النواب أن يُعمل فيلم حول سيرة حياته، وحياة أسرته المليئة بالأحداث والمنافي البعيدة، رغم عروض كثير من القنوات الفضائية الأوروبية كان آخرها من القناة الفرنسية الخامسة.