للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| | غسان كنفاني .. المناضل العاشق ليافا وغادة السمان | |
غسان كنفاني .. المناضل العاشق ليافا وغادة السمان
قراءة: عمرو العامري في حياة كل مبدع يجب أن تكون هناك جذوة حب. هذا الحب هو الشعلة التي تضيء درب هذا المبدع .هي وحيه وبوصلته وجراحه التي من دمها يغني . وعندما لا تكون هناك قصة حب، عندما لا تكون هناك امرأة تذر الملح على الجرح فإن هذا المبدع يختلق وجودها. يغمض عينيه ويستدعيها من أقانيم الغياب فتحضر”هي” ويضيء “ هو”. هكذا كان قدر غسان كنفاني الشهيد الفلسطيني والمقاتل والروائي العظيم مؤلف روايات (أرض البرتقال الحزين) و (رجال في الشمس) و (عائد الى حيفا) و (برقوق نيسان) وغيرها من الروايات والقصص والمسرحيات.. قدره أن يحب الجميلة والمبدعة غادة السمان.. وقدره ان يستشهد ولم يتجاوز عمره الستة وثلاثين عاما. الفدائي عندما يهزه الحب لقد أحبها حبا هزه من الاعماق وحوله وهو المقاتل والفدائي الى طفل يستجدي الحب ويستعطفها .. يستعطف غادة الجميلة والفاتنة والشقية والموزعة بين قلوب كثيرة. مأساة هذا الحب ومنذ البدء ان غسان كان متزوجا وأبا لطفلين ...وكانت غادة فراشة تتنقل بين الزهور . كانت هناك لعنة منذ البدء... وبقيت واستمرت.. حب معطوب وهذا قدر كل حب عظيم...في كل حب عظيم هناك مأساة..هناك جلاد وضحية...هناك دموع ورماد وألم هناك قلوب تفر الى الزهرة وأخرى تبقى على الارض. احبها غسان منذ البدء أما هي فربما ؟ ربما تكون أحبته لكن بألم أقل ...بفجيعة أقل .. انها تقول : ( لا أستطيع الادعاء - دون كذب - أن غسان كان أحب رجالي إلى قلبي كامرأة .. كي لا أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي دور الاعتراف بهم - بعد الموت - وبالنار التي أوقدوها في زمني وحرفي ...ولكن بالتأكيد كان غسان أحد الأنقياء القلائل بينهم ) ببساطة لم يكن غسان إلا حبا ، لكنه كان الأنقى، الأنقى وكفى ، كما تقول غادة أما هو فقد كانت له كل شيء. (دونك أنا عبث) هكذا كان يقول . منذ البدء خاطبها قائلا: ( غادة...عندما أمسكت الورقة لأكتب كنت أعرف أن شيئا واحدا فقط أستطيع أن أقوله وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته وربما ملاصقته التي يخيل إلي الآن أنها كانت شيئا محتوما وستظل كالاقدار التي صنعتنا : اني أحبك ) ثم يقول: ( اني أحبك الى حد أستطيع أن أغيب فيه بالصورة التي تشائين,اذا كنت تعتقدين أن هذا الغياب سيجعلك أكثر سعادة،وبأنه سيغير شيئا من حقيقة الأشياء ). ما بين أيدينا هو رسائل غسان الى غادة ..لا رسائلها هي ...رسائله التي نشرتها بعد موته بعشرين عاما مبررة ذلك بأنهما اتفقا أن ينشر أحدهما رسائل الاخر..عندما يموت ..غير ان الحقيقة هي أنها نشرتها لترضي غرور الانثى داخلها بأن هناك مناضلا وكاتبا وانسانا أحبها ذات يوم حبا الى حدود التلف . لا ندري او ( انا لا أدري ) ما الذي طلبت منه...؟ ربما الزواج كما هي كل أنثى..غير انه قال لها : ( أنا جبان في سبيل غيري لم أكن أريد أن اطوح بالفضاء بطفلين وأمراة لم يسيئوا إلي قط..مثلما طوح بي العالم القاسي قبل عشرين عاما ..اما انت فقد كان ما يهمك هونفسك.) رسائل حب من المنافي وظل يجري خلفها . يستعطفها . يستجدي حبها من خلال رسائله ومن كل المنافي . من : غزة , القاهرة , بيروت , السودان , لندن . ظل يبحث عنها ويناديها تارة باسمها وأحيانا بالحبيبة وبالشقية وبالجنية وبالطليقة وبجهنم : ( أفتقدك يا جهنم ,يا سماء.. يا بحر..افتقدك الى حد الجنون ) . وعندما تعب وأراد أن يمتلكها كانت قد مضت ...بعدت...وعرف أنها قد مضت الى فضاء طليق .. غير أنه كان يأمل أن تبادله الحب... الحب فقط : ( لست أطمع منك بالعودة , فالعصافير لا تسكن أعشاشها مرتين.. وحين نفضت عن ريشك كسل القرار عرفت أنك لن تعودي ) . ويتابع كنفاني نفسه قائلا : ( ليس عندي أيتها الطليقة، يا خبزي ومائي وهوائي الا الندم ,ان العمر خديعة يا طليقة..وإلا كيف يمكن أن يكون عمري معك عمرا وعمري دونك عمر أيضا ). ويمضي في ألمه قائلا : ( ولكننا مخطئون,المرأة توجد مرة واحده في عمر الرجل.. وكذلك الرجل في عمر المرأة.. وعدا ذلك ليس الا محاولات التعويض بذل النسيان والندم ) . لقد أحس انه فقدها. عرف بحس الرجل أنها في سماوات أخرى.. وكانت فاجعته مرتين : فقد الوطن ثم فقد الحبيبة: ( واذا نسيت ذات يوم اسمي ولون عيني فسيكون ذلك مواز يا لفقدان وطن...وكما صار في المرة الاولى سيصير في المرة الثانيه...وسأناضل لاسترجاعه لأنه حقي وماضي ومستقبلي الوحيد لان لي فيه شجرة وغيمة وظلا وشمسا وغيوما تمطر الخصب وجذورا تستعصي على القلع) . غير انها كانت قد مضت.. الحب لا يستجدى ولا يوهب . لقد غاب ذلك حتى عن غسان : ( أنا لا اريد منك شيئا. وحين تتحدثين عن توزيع انتصارات يتبادر إلى ذهني أن كل انتصارات العالم إنما وزعت من فوق جثث رجال ماتوا في سبيلها ). فلسطين و يافا و..غادة هي تقول انها ابتعدت عنه لأنها كانت حريصة على استقراره العائلي..وهو يعرف أنه قدره.. قدره أن يتحطم.. ولم يجد عزاء سوى الهروب الى أخته فايزة.. لماذا الأخت؟ أ لأنها النسخة المصغرة من الأم ؟ لقد كانت اخته تعرف قدره..لقد قالت له اذا كان هناك شيء “ما” سوف يحطمك فهو الحب. وقالت أيضاً : ذات يوم ستصل أصابع امرأة الى قلبك وستطحنه...وإذ تجىء الي يوما فسأفهمك وحدي وحدي من دون النساء ). ومضت غادة ولم تقل لنا في كتابها ( رسائل غسان كنفاني الى غاده السمان ) مالذي حدث بعد ذلك..غير أننا نعرف انه قتل في سبيل فلسطين وفي سبيل يافا وقبل ذلك في سبيل حب لم يعرف منه سوى الإذلال والحرمان : ( أيتها المرأة الطليقة يا من قبلك لم أكن ، وبعدك لست الا العبث ) غير اننا نعرف أنه لم يتوقف عن حبها ...قال ذلك لاخته : ( ربما تسمعين ذات يوم أني كففت عن حبها, اقول لك الآن لا تصدقي..اني أحبها بطريقة لا يمكن أن تذوي، كتبت لها ما لم أكتبه في حياتي ومعها ومن اجلها تحديت العالم والناس ونفسي وتفوقت عليهم جميعا). وربما سأل أحدكم أين هي امرأته وأطفاله...؟ لن أجيب عنه انه هو يقول عن زواجه : ( وفي ذات الصباح الذي قررت أن اتزوجها كنت على وشك الاتفاق مع امرأة نصف ثرية ونصف جميلة ونصف تحبني ونصف شابة على أن نعيش معا . كانت تلك المرأ ة نصف الطريق الى السقوط وأردت أن أجعلها محطتي كي أقبل الرحلة كلها فيما بعد الى قرار القاع السحيق والمنسي .. وجاءت آني - زوجته - ذلك اليوم في واحدة من الومضات التي تبرق في ضمير كل إنسان على ظهر هذه الارض ... وكانت فرارا ) . ثم يقول مخاطبا أخته ،بعد أن سألته ان كان سعيدا مع زوجته : ( لا، لا ان الحب شيء وعلاقتي بها شيء آخر .. وحين عجزت عن ردم الهوة بيننا ، ردمتها بطفلين ) .. هل كان يكرهها.. مرة أخرى يقول : ( وتخليت عن حياتي السابقة في سبيلها. كانت وما زالت امرأة رائعة ربما الشيء الوحيد في هذا الكون الذي أستطيع برضا لا حدود له أن اقدم لها حياتي اذا ما تعرضت لخطر الغياب). أما انا فأقول كما قال هو : (هناك رجال لا يمكن قتلهم إلا من الداخل..من داخل نفوسهم) . | |
|