السمة العامة على الفعاليات التي تنظم في إطار الاحتفالات العربية بالقدس كعاصمة للثقافة العربي لعام 2009 هي أنها تفرغ من معنى الفعالية ثقافية أو أدبية أو فنية وكذلك الحدث الثقافي الذي يفترض أن يرتبط بالقدس.
فغالبية الندوات فيما يبدو تصطدم بالواقع السياسي العربي، وهو ما يحولها مهرجانات خطابية إنشائية توزع الاتهامات، وتقول ما قيل من سنوات لتكون النتيجة إنها لا تضيف للقدس شيئا ولا تمنح المواطن أو الحاضر أي جديد، وهو ما يضاعف اجترار الحديث عن المدينة المقدسة وإفسادا لاحتفالياتها التي لا تضيف لها ولا لسكانها المصلوبين.
النظام المسئول
في هذا السياق جاءت ندوة "احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية" التي أقيمت أمس الأول السبت 5-9-2008 بنقابة الصحفيين المصرية، والتي زخمت بالعديد من الشخصيات مثل الفنان المصري محمود ياسين، والدكتور حسام عقل أستاذ النقد الأدبي، والمفكر الفلسطيني عبد القادر ياسين، فضلا عن شخصيات سياسية أخرى منها السفير محمد صبيح ود. عبد الحليم قنديل وعدد آخر من النشطاء والمعارضين، والذين اكتفوا بإلقاء كلمات مقتضبة عن القضية والتحذير من تهويدها، ملقين باللائمة على شماعة "الأنظمة العربية"، حيث حمل الحاضرون الأنظمة العربية مسئولية تنفيذ المخطط الصهيوني لتهويد المدينة المقدسة، وتنوع الهجوم ما بين إلقاء القصائد الشعرية واتهام الدوائر العلمية والبحثية بتجاهل تاريخ القدس.
وكان قد افتتح الاحتفالية الفنان المصري محمود ياسين والذي ألقى 3 قصائد لعدد من الشعراء حول القدس، حملت أغلبها هجوما على تخاذل الأنظمة، ومنها ما جاء في قصيدة "ماذا تبقى من أرض الأنبياء؟" لفاروق جويدة، والتي يقول فيها:
والدهر يرسم صورة العجز المهين لأمة
خرجت من التاريخ
واندفعت تهرول كالقطيع إلى حمى الأعداء
في عينها اختلطت
دماء الناس والأيام والأشلاء
سكنت كهوف الضعف
واسترخت على الأوهام.
في حين جاءت كلمة المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين موضحة موقفه من الحكام العرب، إذ قال: "كل الحكام العرب بلا استثناء متواطئون على تهويد القدس"، كاشفا النقاب عن أن العرب جميعا خصصوا 4 ملايين دولار لوقف تهويد القدس، بينما خصص الكيان اليهودي مليار و100 مليون دولار لتهويد المدينة المقدسة، منها 38 مليون من حاخام يهودي فقط، وأوضح أنه يتم الآن استدعاء الصهاينة من كل فج عميق للاستقرار في القدس، والعرب يتفرجون.
مبادرة عربية
ولفت ياسين إلى أن الأنظمة العربية لا تزال تتمسك بما يسمى المبادرة العربية للسلام، والتي طرحت منذ أكثر من 7 سنوات، بينما رفضها الصهاينة منذ اليوم الثاني لطرحها، حيث قام شارون باجتياح الضفة الغربية بالكامل.
وواصل ياسين: القدس تسربت من أيدينا ووعدنا الحكام ألا يتحركوا إلا إذا دمر الصهاينة الأقصى.. حينها سيقولون للأقصى رب يحميه.
بينما كان هجوم الدكتور حسام عقل -أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس- من نوع آخر، حيث انتقد تجاهل الدوائر العلمية والبحثية في مختلف الدول العربية لتدريس تراث القدس، والاعتناء بالدواوين الشعرية والنثرية التي تذكر بالقضية، وألمح إلى أن هناك دراسة تؤكد أن المدينة عربية لحما ودما، وأنه منذ احتلالها خرجت أصوات مقاومة في صورة دواوين شعرية تدعو للاحتجاج والمقاومة، وبالفعل كان لها أثر معنوي كبير في نفوس المقاومين، إلا أنها قوبلت بتجاهل من قبل مؤسسات العرب البحثية والعلمية.
وأضاف حسام عقل: "التاريخ يعيد نفسه، كما أن أخطاءنا تتكرر عبر مختلف الأزمان، مشيرا إلى أن الفرنجة استولوا على القدس في 492 هجرية، ثم خرج الناصر صلاح الدين بعد احتلال دام 90 عاما مع 10 آلاف عمامة من الشيوخ والعلماء وحدث التحرير، وقال أحد الشعراء واصفا هذا المشهد:
لست أدري بأي فتح تهنى *** يا منيل الإسلام ما قد تمنى".
وأكد أننا لسنا أقل وطنية من الحاخام توماسان بلاس الذي قال: "القدس أثمن عندي من السلام"، مشيرا إلى أن الرهان الآن ليس على الحكام، ولكن على الطفل الذي يعيش مغبرا بتراب المدينة المقدسة حاملا بيده حجارة التحرير.
مأساة القدس
وعلى نفس الوتيرة تحدث السفير محمد صبيح -الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية وسفير فلسطين السابق- حيث شدد على أننا في لحظات حرجة للغاية، موضحا أن هناك مخططات ليس فقط لتهويد القدس ولكن لمحو آثارها الإنسانية، واقتلاع سكانها الأصليين عبر هدم 8 آلاف و500 منزل بالقدس الشرقية.
وكشف صبيح أنه تم إقامة جدار عازل حول المدينة بطول 127 كم ويسمى جدار كوثال، يخرج أحياء عربية بأكملها من القدس إلى خارجها، وذكر أن هناك حاخاما يهوديا يدعي ميسكوفيتش تبرع بمليار دولار لتنفيذ مخطط التهويد.
كما لفت إلى الضرائب الباهظة التي تفرض على السكان العرب الأصليين والتضييق عليهم في المسكن، وقال: يجب ألا نحتفل بالقدس فقط في المناسبات، فهي درة العالم العربي وشرفه.
وأشار إلى أن هناك سيدات وأطفالا يدخلون للمسجد الأقصى من دروب ومسالك وعرة، كما أن الذين تهدم منازلهم ينصبون خياما للإقامة بها تمسكا بحقهم في المدينة المقدسية.
وعرضت الدكتورة لمياء محمود -نائب رئيس شبكة صوت العرب- الدور الذي قامت به الشبكة لخدمة القضية الفلسطينية، موضحة أنها أنشئت عام 1953 أي بعد احتلال فلسطين عام 48 بخمسة أعوام، وأنه تم إنشاء إذاعة صوت فلسطين من القاهرة عام 1960، فضلا عن الاستعانة بالعديد من المناضلين لنقل صورة الكفاح والصمود من داخل الأراضي الفلسطينية، والاستعانة ببرامج تعمل على الحفاظ على هوية المقدسيين، وأوضحت أنه يتم وقف كل البرامج العادية في حالة الأحداث الجسيمة كفرض الحصار على الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) وحرب غزة وغيرها، حيث يتم توجيه كل المواد الإذاعية لخدمة الحدث، كما يتم توجيه الدعوة للتبرع.
وفي نهاية الاحتفال قدمت فرقة الفالوجة الفلسطينية عرضا للتراث الفلسطيني، ولم يدع قائد الفرقة الفرصة، حيث أكد على حتمية الدور المنوط بوزارات الثقافة في مختلف الأنظمة العربية لنشر الثقافة الفلسطينية وإقامة فعاليات ومهرجانات تخدم القضية، ليكمل بذلك حلقة الإدانة التي تنال كل الحكام العرب بلا استثناء وتطبق عليهم جميعا قفص الاتهام تمهيدا لمحاكمة التاريخ لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احمد بهنسي
اسلام اون لاين