القاصة: أحلام العرباوي/ المغرب
الغريبــة
عندما رآها أهل الحي أول مرة، كانت قد فرشت زاوية منزل الحاج التهامي بورق الكرتون والبلاستيك، وجلست عليه، تنظرالى المارة بعيون منكسرة. وجهها انمحت ملامحه، وحلت محلها خطوط طويلة وعميقة غزته في كل الاتجاهات. عيونها مازال ينبعث منها سحرغامض رغم سنين عمرها الكثيرة جدا. شعرها كان ملفوفا في خرقة، بهتت الوانها، حتى ماعاد الناظريستطيع تمييزها. وبعض الشعيرات البيضاء المنفلتة، كانت تزيد منظرها البائس بؤسا وسوءا. تساءل الناس عن هوية تلك المرأة المسكينة ونسجت حولها القصص والاساطيرفي كل بيت. أما هي فكانت صامتة، تعيش على صدقات بيت الحاج، وبعض الجيران فيما بعد, دون ان تنبس باكثرمن كلمات شكرغيرمفهومة، أو بصرخات تمزق صمت المكان بين الحين والاخر. في لحظات صفوها كانت تضحك كالاطفال مع المارة، وتاكل بشراهة مايقدم لها من طعام, وقد تنهض من فراشها لتتحرك قليلا، أوتلاعب القطط والكلاب.
لكنها سرعان ما تعود الى صمتها وحزنها الغريب، وتستلقي على فراشها الذي غادره الدفء منذ زمن طويل. وتحدث نفسها بكلام لا يعلم معناه الا الله. كان البعض يعتقدون انها نصف مجنونة، والآخرون يؤكدون انها مجنونة تماما, دون ان يستطيع اي فريق تاكيد رايه بشكل قاطع. ظلت هكذا طيلة الوقت، تثيرالشفقة في القلوب, خاصة ان الجو بدأ يتغير بشكل مفزع، مع بداية فصل الشتاء البارد جدا هنا. بعض الرحماء وهبوها غطاء ثقيلا, يقيها البرد القارس الذي يجمد في ليالي الشتاء. مياه الامطارالغزيرة, التي اغرقت الشوارع والازقة على غيرالعادة. لكنهم لم يستطيعوا، أو لم يفكروا بتدبرسقف يؤويها من المطر,ومن المتشردين والسكارى الذين يتربصون بها في ظلمة ركنها المنعزل.. في المساء عندما يغلقون الأبواب والنوافذ. اقاصيص كثيرة كان الناس يتحاكونها عن تلك المراة، يقولون إنها كانت ذات يوم باهرة الجمال، تزوجها رجل غني جدا من ابناء المنطقة، لكنه بعد سنوات من السعادة لم تستطع خلالها الانجاب، تخلى عنها، وتزوج ثانية فرفضت العيش كمتسولة مع زوجها وزوجته, وانطلقت في دروب الوحدة و متاهة الليل، وحياته الصاخبة المثيرة, وربت عدة ابناء يتامى، سرعان ما تخلوا عنها بعد اشتداد عودهم وشيخوختها.أما آخرون فيؤكدون انها انجبت بالفعل, لكن ابناءها تخلوا عنها بعد انكشاف ماضيها. غيران فريقا اخر، كان يؤكد على ان المراة فرت وهي طفلة من بيت أبيها الشيخ الجليل مع شاب، لم يتزوجها ابدا. ومهما تكن بداية قصتها، فنهايتها يشهد عليها كل أبناء الحي الذي تنزوي في زاوية منه غيرمكثرتة لشيء. الحاجة زوجة التهامي هي اقرب شخص اليها، فكثيرا مارآها الناس,تلاطفها وتتحدث اليها عن ابنائها, وتطمئنها الى حتمية عودتهم اليها في النهاية, والاخرى تبكي بدموع ساخنة وتجيب بكلمة امين.ذات صباح,عادت الخادمة الى بيت الحاج ومعها فطورمي فاطمة غيرممسوس,سالتها الحاجة متعجبة:
ـ لماذا تعيدينه؟
ـ مي فاطمة غيرموجودة,وفراشها أيضا..
تنهدت الحاجة وهي تعتقد ان ابناء مي فاطمة جاؤوا، وأخذوها..
عندما لاحظ الجميع اختفاء المراة الغريبة,تنفسوا الصعداء دون ان يتحدث احد بامرها بعد ذلك.لكن كل من كان يمرقرب زاويتها الصغيرة, كان يرى طيفها هناك جالسا يبتسم .
__________________