كتاب العرب والعلمانية تأليف الدكتور أحمد برقاوي, وهو من منشورات دار طلاس في دمشق, صدرت الطبعة الأولى منه في حزيران / يونيو 2007م, ويقع في 112 صفحة من القطع المتوسط.
في مقدمة كتابه يلخص الكاتب السبب الذي دفعه للكتابة حول موضوع العلمانية قائلاً: " السلطة في الوطن العربي ذات نظام سياسي هجين بين العلمانية والنزعة الدينية فضلاً عن أنه غير ديمقراطي وإلى جانب ذلك يقع في تناقض مع الحركات الإسلامية, ومما يزيد من مأزق هذه السلطة أن بعض القوى الإسلامية راحت تطرح الديمقراطية نظاماً للحكم وذلك اعتقاداً منها أن
الأغلبية الآن هي إلى جانبها, لكنها لم تطرح يوماً في بياناتها السياسية العلمانية كجزء من النظام الديمقراطي,........ نحاول في هذا الكتاب الذي نقدم للقارئ العربي أن نحدد له العلمانية كمفهوم, ونرصد تطور علاقة العرب به مثقفين وسياسيين, وسنقدم تصورات احتمالية حول مستقبل العلمانية في الوطن العربي"
يقسم الكتاب لثلاثة فصول: استعرض الكاتب في الفصل الأول منه معنى كلمة العلمانية وأصلها,
ويقول بأن العلمانية لم تشتق من العلم ولكن أصل الكلمة هو secula وتعني العالم الدنيوي, لذلك فمن الخطأ أن نرد أصل العلمانية إلى العلم, فالعَلمانية من العَلم أي العالم ولا يجوز لفظها إلا بفتح العين وإلا فقدت الكلمة مضمونها.
وفي تحديده لمضمون الكلمة يعتبر أن العلمانية تعني:
1ـ فصل الدين عن الدنيا كمجالين مختلفين, فالدنيا هي جملة أشكال الحياة المجتمعية والثقافية والعلمية, أما الدين فهو علاقة فردية تقوم بين المؤمن والإله.
2ـ فصل الدين عن الدولة: فالدولة الدينية تفرض على الناس خياراتها وقوانينها دون أن تعبر عن حركة التاريخ وحاجات المجتمع. أما الدولة العلمانية فهي ليست الدولة المعادية للدين بل هي التي تجعل من الدين خياراً فردياً وعلاقة بين الإله والإنسان, وهي ليست الدولة الإلحادية فهي لا تنتمي إلى أيديولوجيا دينية أو إلحادية إنها دولة الخيارات الحرة للإنسان.
3ـ المواطنة من وجهة نظر العلمانية هي انتماء الفرد إلى الدولة بمعزل عن معتقده الديني. وهي تترجم حق الإختلاف في دولة القانون حيث يتساوى فيه أفراد المجتمع بوصفهم مواطنين يملكون حقوقاً متساوية.
ثم يتحدث عن علاقة العلمانية بالديمقراطية فيقول أنه يمكن أن تكون الدولة علمانية في جانب فصل الدين عن الدولة ولكنها يمكن أن تكون بنفس الوقت دولة استبدادية. ولكن العلمانية يجب أن تكون جزءاً من نظام سياسي عام هو النظام الديمقراطي, فالديمقراطية تقود بالضرورة إلى العلمانية ولكن العلمانية قد لا تقود بالضرورة إلى الديمقراطية.
والعلمانية لا تلغي الهويات الأخرى بل تجعل منها هويات نائمة وتقوي الانتماء إلى الهوية الكلية. والعلمانية تلغي الطائفية لأن الهوية العلمانية هي هوية المجتمع ككل.
وفي الفصل الثاني يتحدث الدكتور برقاوي عن بذور العلمانية في الإصلاح الديني الإسلامي ومصيرها وقد اعتبر المؤلف محمد عبده واضع جرثومة العلمانية في الفكر المصري والعربي.
فعبده اقترح تصوراً للدستور الواجب لمصر, وهو يظهر أن الحكم مدني من جميع الوجوه.
وقد تحدث المؤلف عن أخلاف محمد عبده الذين تابعوا مسيرته ومنهم علي عبد الرازق, وخالد محمد خالد ومحمد شحرور.
يتابع برقاوي استعراضه التاريخي هذا ويتطرق لفكرة الحاكمية التي طرحها أبو الأعلى المودوي وتبناها سيد قطب. والتي تقوم على مفهومين متناقضين: الجاهلية وهي حكم البشر, والحاكمية وهي الحكم لله.
وبعد أن يستعرض آراءً لمجموعة من المفكرين القائلين بفكرة الحاكمية يقول إن هذه الفكرة أفضت إلى فكرة الخروج على الحاكم الجائر, وأفضت إلى نزعة عدائية للمجتمع المحكوم بغير الحاكمية. ففكرة الحاكمية تحولت إلى وسيلة إكراه متعددة الجوانب فهي سلب لحرية الاعتقاد, ولحرية التعاقد الاجتماعي ولحرية إبداع قوانين بما يتناسب مع مستوى التطور الإنساني وحقوق الإنسان.
وقد عادت فكرة الحاكمية للظهور من جديد بسبب الهزائم التي منيت بها حركة التحرر العربية, فإخفاق التنمية وغياب الديمقراطية وازدياد النهب هي التي تقف عملياً وراء عودة الخطاب الإسلامي القائم على فكرة الحاكمية, والذي وجد تأييداً شعبياً له.
في الفصل الثالث من الكتاب يتناول الكاتب موضوع الحرية والديمقراطية, فيتحدث عن الحرية والتحرر, ثم يتناول موضوع الديمقراطية وعلاقتها بالوطنية والمجتمع المدني والوحدة ومسألة الهوية والمؤسسة والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والتحرر الوطني وموضوع المرأة ليؤكد أن الديمقراطية هي النظام الأكمل والأشمل والأنسب لمجتمعاتنا.
ويقول إن الطريق إلى الديمقراطية هو الكفاح, ولكنه يجب أن يمر عبر توسطات كثيرة وزمن ضروري, وهو مشروط بالواقع نفسه.
لكن الثورة الديمقراطية هي ثورة سلمية, وهي ثمرة المجتمع الذي يسعى لتنظيم نفسه من أجل هدف واضح وهو الديمقراطية, وهذا لا يعني إقلالاً من شأن الدين في حياة الأمم وفي حياة العرب خاصة, فالإسلام هو المكون الرئيس للثقافة العربية بالمعنى الأخلاقي والقيمي, وهو جزء لا يتجزأ من وعي الهوية, إلى جانب المسيحية أيضاً.
يروج الكاتب لفكرة الديمقراطية كحل لمواتنا الحضاري, وبرأيي فإن تبني شعارات جاهزة كحل سحري لموات مجتمعاتنا هو نوع من تضييع الجهود التي يجب أن تذهب للبحث عن حل حقيقي لما نعانيه من مشاكل قاتلة. وبرأيي فإن مفتاح الحل لمشاكلنا هو في تفعيل المجتمع, عن طريق تغيير السلوكيات الانحطاطية التي نعاني منها في مجتمعاتنا, كغياب الحس بالمسؤولية وعدم إتقان العمل والفوضى وعدم احترام الوقت وعدم احترام القانون والترفع عن تطبيقه.............إلخ
مشكلتنا أراها في سيطرة هذه السلوكيات الانحطاطية والتي أنتجت الطائفية وأنتجت العنف وأنتجت الاستبداد, ومهمتنا هي في نشر الوعي بين الناس لغاية تفعيل هذا المجتمع والنهوض به.