قراءة في رواية أوراق الموتى.. مربكة
(أوراق الموتى.. مربكة) رواية للأديبة إحسان سليم شرباتي، تتحدث عن جريمة قتل، مقتل فارس الأكرمي المتزوج من وعد العريان، هذا الزواج القائم على المصلحة المادية بعيداً عن الحب وعن كل ما هو إنساني، فزواج وعد صفقة رابحة للقاضي عبدو العريان والد (وعد) فهو وراء هذا الزواج الفاشل، حيث عرف القتيل فارس الأكرمي بثرائه الفاحش.. هو صاحب المخازن والعقارات يعمل بتجارة الذهب، أما وعد فكانت غارقة في حب الفنان بهاء، وهي دائمة الاتصال والتفكير به حتى ساعة وقوع الجريمة.
الرواية تعلن عن رؤية نسائية من خلال تركيزها على قضايا اجتماعية، وتسهم المرأة كفرد اجتماعي يصارع للخلاص منها وإثبات تقاليد أخرى مغايرة، من هذه القضايا علاقة المرأة بذاتها، وعلاقتها بالموروث، وبالرجل وبالمجتمع.
أجل، إنها رغبة المرأة في التحرر وفي البحث عن مجال لا تكون فيه مجرد أداة وظيفية مسلوبة الإرادة ولا مجرد مثير للرغبة الجنسية.
تتقاطع هذه الرواية من حيث الانتماء مع الرواية البوليسية، فالقارىء من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة من الرواية أمام حدث مذهل جريمة قتل، هذا المنحى البوليسي للرواية يقوم على حبكة ملغزة، وعلى علم القارىء ببعض المعطيات التمويهية أو الحقيقية وعلى جهل المخبر بالحقائق، فالقاتل لا يُعرف إلا في الفصل الأخير من الرواية عندما يعلن والده أمام القاضي في المحكمة (أجل لقد قتلتُه.. قتلت ولدي وعشيقَها، أشفقتُ عليه على شبابه من عاهرة تنام الليل خارج أحضانه، وتترك ولدي يجلس وحيداً يأكله الحزن والمرض) ص64.
وتعتمد الرواية في عرض الأحداث على أسلوب الخطاب غير المباشر إلى جانب الخطاب المباشر، يقوم على تمثل الراوي صوت الشخصية والنطق بلسانها، وتكمن وظيفة السرد في نقل اللقطات على صعيدي الزمان والمكان كالحديث عن زمن وقوع الجريمة.
(كانت الساعة الخامسة صباحاً، وكانت ابنتي وعد هي التي تتحدث.. جاءني صوتها عبر الأسلاك خائفاً قلقاً بكلمات قليلة أخبرتني بالحادث المروع) ص65.
كما تكمن وظيفة السرد في إيضاح التغيرات الطارئة على الأحداث، وهنا يغلب الوصف وتبرز براعة الكاتبة في اختيار التعابير حسب المتطلبات والمواقف من خلال التغيرات النفسية.
فالسرد الذي تختطه الكاتبة سرد تصويري في أماكن كثيرة من الرواية، أقرب ما يكون لعين الكاميرا السينمائية، حيث تتابع حركة الشخصية وكلامها وحركة الذاكرة، التي تعود إلى الوراء وتتحرك عبر زمن آخر يتداخل مع الزمن الحاضر.
ونلحظ في الرواية كثافة الحوار الذاتي للشخصية سواء أكان مع نفسها أو مع الآخر، وتتصف هذه الحوارية غالباً بالصدق وتكشف أغوار النفس الإنسانية كما هو في هذا الحوار بين وعد والمحقق حسين:
- أنا ما سألتك كيف ذهبت إليه، سألتك عن الخيانة...
- انتفضت بشراسة وقالت:
- ألا تعتقد أني كنت أيضاً مهانة ومغدورة ومتوجعة ص 41
أما بالنسبة للشخصيات فقد اجتهدت الكاتبة في رسمها، فهناك شخصية فارس الأكرمي: زوج وعد، شاب متعلم في بلاد الغرب يتصف بالثراء والشهرة، أصيب بالعجز الجنسي ثم بالمرض النفسي، مات مغدوراً.
أما وعد زوجة فارس الأكرمي نلمس ترهل عواطفها تجاه فارس، الذي يحتاج إلى الحنان والعطف، تخونه لتشبع رغباتها وأهواءها وتفسر ذلك بحجة أنه عاجز جنسياً وتعتبر ذلك حقاً من حقوقها .
أما شخصية القاضي عبدو العريان والد وعد فهو انتهازي وصولي: (ولم يعد همُّ القاضي، وهدفه الوحيد إلا الوصول إلى الصفوف الأمامية).ص6
أما شخصية الفنان بهاء، فكانت متميزة، شخصية المثقف الشديد الحساسية نحو الأشياء، على عكس شخصية وعد التي تتصف بالخواء الفكري والروحي. (وعد...لم أركِ يوماً تنظرين إلى لوحتي، ولا فكرت يوماً أن تناقشيني بها، لم أجدك يوماً مولعة بكتاب ولا بموسيقى، وكأن العالم يبدأ من حذائك الأنيق وينتهي عند ثوبك الأغلى ) ص 8.
أما شخصية المحقق حسين الديراني بقيت شخصية ثابتة لم تتطور ولم تصل إلى نتيجة ومعرفة بشخصية المجرم. وهناك شخصيات ثانوية في الرواية ومساعدة مثل شخصية البواب محمود وشخصية عبير عشيقة القاضي وشخصية (أبو فارس)، الذي ظهر مُجسداً الرّمز، فَقتْلُ ابنه كان قتلاً رمزياً جاء لإثبات التطهر والتسامي من تصرفاته الغريبة، وهناك تأويل آخر: فقتل فارس كان قتلاً ورفضاً لكل ما هو غريب وأجنبي من الأفكار والرؤى، التي كان يحملها فارس الأكرمي، الذي تعلم في الغرب وحمل الأفكار الجديدة.
لم تغفل الكاتبة الملمح السيكولوجي في رسم شخصياتها، وعنصرا التشويق والإقناع قد تحققا من خلال تضافر عدّة عناصر وآليات فنية، من إخفاء بعض الأمور وكشفها في حينها.
وتبقى الرواية فقيرة بالشخصيات النسائية والذكورية، ولم تتعمق في رسم الشكل الخارجي للشخصيات، كما أن الرواية فقيرة في وصف المكان والزمان، فقد وردت أسماء بعض المدن والمنازل والفنادق دون الاهتمام بالوصف مثل (باريس- لندن- بيروت- السجن- منزل بهاء) والكاتبة لم تتحرر من إيقاع السرد ولم تكسر النمط البانورامي.
وتجسد هذه الرواية صورة حية لبعض المصائر الإنسانية في مجتمعنا، ولكنها تنفتح على حقائق أكثر رعباً.
جاءت شعرية هذه الرواية في اكتمال البناء الفني وتوظيف الحوار وفي تعدد الأصوات.
عوض الأحمد
«أوراق الموتى.. مربكة»
رواية إحسان شرباتي
دار المنهل للطباعة والنشر