طوق الحمامة في الألفة والآلاف

زائر

طوق الحمامة في الألفة والآلاف

عبارة عن مجموعة رسائل ألفها ابن حزم الاندلسي، تناولت الحب كأحد الظواهر الإنسانية، تناولا فكريا تامليا

يعد كتاب طوق الحمامة احد أعظم كتب التراث العربي والإسلامي في القرن الحادي عشر ، كيف لا وقد كان في أهم عصور نهضة الفكر والثقافة والفنون للمسلمين .

اول ما صدر من هذا الكتاب نسخة عام 1914 قام بنشرها المستشرق بتروف نقلا عن النسخة الوحيدة المحفوظة في مدينة ليدن بهولندا ، ورغم الأخطاء العديدة - الناتجة لسوء الترجمة والنقل والتحقيق - فقد حققت شهرة واسعة وترجمت الى معظم لغات العالم ، وتناولتها دراسات عديدة وتحقيقات كثيرة .

اما النسخة العربية المنقولة فقد كانت أيضا نقلا لا يخلو من الأخطاء، ولقد تم إصدار حوالي تسعة تحقيقات مختلفة ( على حد علمي وإطلاعي ) كانت تتفاوت في النقل والتحقيق والتعليق، اضع بين أيدي أعضاء وزوار المنتدى الأعزاء عرضا لإحدى النسخ التي أعجبني كثيرا تحقيقه وشرحه بل لقد تكلف المحقق جهدا جبارا في إخراج الكتاب بهيئته الموجودة، فأضاف للكتاب عدة جوانب مضيئة وتوضيحات مفيدة.

تم نشر الكتاب بواسطة المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وهي الطبعة الاولى في عام 1993وللاسف لم اجد في الرياض في عدة مكتبات تجارية نسخا منها، الا ما كانت نقلت الرسائل حرفيا دون التحقيق او الشرح وهو ما يجد فيه القارئ صعوبة كبيرة في فهمه مما يدعو الى فقد بعضا من قيمة الكتاب العلمية. لعل منا من يستطيع الحصول عليه عند السفر او شراءه عن طريق الانترنت .

اعود الى المولف ... فلا تكفيني السطور لأملاها كلمات تعبرعن شخص وعلم ابن حزم ، وحسب القاري الكريم ان يعرف ان مولفاته تتجاوز الثمانين، في الفقه واللغة والقانون( المذاهب الفقهية ) وللقارئ الكريم الاستزاده عنه من مؤلفاته او بما كُتب عنه .

الجدير بالذكر ان ابن حزم لم يكن الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحب بل كان يعرف لدى المسلمين اناذاك ما يعرف بحوار
" المأدبة "لأفلاطون ، وكذلك ما نقل عن الحضارات والثقافات الاخرى .
العشاق وقصصهم ومعاناتهم وكثير مما يسمعه ويقراه عن احوالهم ..
لا يعد هذا السبب الوحيد الذي يدفع فيلسوفا ومبدعا كابن حزم لان يقوم بذلك فحسب ، بل هو عبقريتة وإبداعه مع ما هيئه له الجو الحضاري والغنى المعرفي .

يتناول تحقيق الكتاب أيضا ، وصف النسيج الاجتماعي والثقافي في عصر ابن حزم ، كذلك وضع المرأة ان ذاك باعتبارها عنصرا أساسي في هذه العاطفة المعقدة ( الحب) فيه العديد من قصص الثقات والعبر والاشعار الخالدة.

يقع الكتاب في 30 بابا سأذكرها جميعها ،ونبذه موسعة عن الباب الاول، مع اكثر ما شدني في اقواله او اخباره او عباراته .

يتبع

زائر

يقول " الحب اوله هزل واخره جد ، دقت معانيه لجلالتها عن ان توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا بمعاناة . وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ،اذ القلوب بيد الله عز وجل ".

كما ذكر ابن حزم قصص لحب الخلفاء المهديين والائمة الراشدين وكثير من الخلفاء سيما من حكم الأندلس ، والعلماء الصالحين والفقهاء .

ولكن هذا الكلام عن الحب وليس ماهية الحب !! يقول ( وهذه نظرته او نظريته )" هو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في اصل عنصرها الرفيع " ( أي عالم المثل ).

كما يفند هنا راي الفلاسفة في ان الارواح مقسومة :

" ولقد علمنا ان سر التمازج والتباين في المخلوقات انما هو الاتصال والانفصال ، والشكل دأبا يستدعي شكله ، والمثل مثله ساكن، وللمجانسه عمل محسوس وتأثير مشاهد ، والتنافر في الأضداد والموافقه في الأنداد والنزاع فيما تشابه ، موجود فيما بيننا . . لقبول الاتفاق والميل والتوق والانحراف والشهوة والنفار ..
يقول الله عز وجل ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها ) الاعراف 189. فقد جعل علة السكون انها منه " .كما قال المصطفى عليه افضل الصلاة التسليم )الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) .
فليست العلة في الحب بحسن الصورة الجسدية ( الجمال ) او في الاخلاق بل هو في ذات النفس .
" ربما كانت المحبة لسبب من الأسباب ، وتلك تفنى بفناء سببها ، فمن ودك الأمر ولى مع انقضائه" .

يتوسع ابن حزم في مفهوم الحب عندما يذكر انواعه، على النحو التالي :

1 المتحابين في الله .
2 محبة القرابة 3 محبة الالفة 4 في الاشتراك في المطالب
5 محبة التصاحب والمعرفة 6 محبة البر7 محبة الطمع في جاه المحبوب
8 محبة المتحابين لسر يجمعهما ويلزم عليهما ستره
9 محبة بلوغ الذة وقضاء الوطر ( الشهوة الجسدية)
10 محبة العشق التي هي اتصال النفوس .
كل هذه الانواع ناقصة ومنتهية بانقضاء أسبابها الا محبة العشق فهي لا تنقضي الا بموت صاحبها!! على حد تعبيره .

وهنا يرد ابن حزم مثالا غريبا عجيبا ، اثار دهشتي من حيث انه تجربة علمية كنت اعتقد انها احدى الاكتشافات العلمية الحديثة!!
" فقوة المغنطيس ( او المغناطيس ) المتصلة بقوة جوهر الحديد لم تبلغ من تحكمها ولا من تصفيتها ان تقصد الى الحديد على انه من شكلها وعنصرها، كما ان قوة الحديد لشدتها قصدت الى شكلها وانجذبت نحوه، اذ الحركة ابدا انما تكون من الاقوى، وقوة الحديد متروكة الذات غير ممنوعة بحابس، تطلب ما يشبهها وتنقطع اليه وتنهض نحوه بالطبع والضرورة وليس بالاختيار والتعمد ..."
مثال غريب يوحي برموز معينة لا تخفى على القارئ الكريم .

ثم يستشهد ابن حزم هنا بروايات لافلاطون ، وما ورد في سفر التوراة، لا اجد مجالا هنا ذكرها .

يختم ابن حزم بابه الأول في وصف الحب بقوله " الحب داه عياء وفيه الدواء منه على قدر المعاناة ، وسقام مستلذ وعلة مشتهاة لا يود سليمها البرء ولا يتمنى عليلها الإفاقة ، يزين للمرء ما كان يأنف منه ، ويسهل عليه ما كان يصعب عنده حتى يحيل الطبائع المركبة والجبلة لمخلوقة "