“أيُّها المارُّون بين الكلمات العابرة.. آنَ أنْ تنصرفوا وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا.. آنَ أنْ تنصرفوا، ولتموتوا أينما شئتمْ ولكن لا تموتوا بيننا..فلنا في أرضنا ما نعملْ ..ولنا الماضي هنا ولنا صوتُ الحياة الأولْ.. ولنا الحاضرُ والحاضرُ والمستقبلْ.. ولنا الدنيا هنا والآخرة.. فاخرجوا من أرضنا.. من برِّنا.. من بحرنا.. من قمحنا.. من ملحنا.. من جُرحنا.. من كل شيء، واخرجوا من مفردات الذاكرةْ.. أيها المارُّون بين الكلمات العابرة “
لم تكن تلك الكلمات إلا سوطا للكيان الصهيوني، فرغم امتلاكه البنادق وآلالات الحرب إلا أنهم لم ينسوا جلادهم وهو “محمود درويش “،ابن فلسطين البار الذي لم يخلع عباءة الحنين للوطن يوما؛ فهو الشاعر الذي عشق تراب فلسطين، ولم ينساها في كل قصائده ، حتى أن هذه السطور التي خطها في قصيدته ”عابرون في كلام عابر ” أثارت غضب “الكينيست” الاسرائيلي ، وشغلهم حبه القريب في القلب والبعيد وراء البنادق الذي كان وبقي ولا يزال حتى بعد رحيله فلسطين.
وكعادة هذا الكيان اللقيط “اسرائيل”، يشن هجماته على غزة تقريبا في نفس التوقيت من كل عام ، وكأنه يحيى ذكرى ميلاد شاعر الثورة والوطن “محمود درويش” ، على طريقتهم التي لا تخلو من القتل والدماء وانتهاك الحرمات ، فقد وُلد ”درويش” في 13 مارس 1941، في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا، حيث كانت أسرته تملك أرضًا هناك، وكان عضوًا بالمجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ودائما ما ارتبط بالمقاومة وهو ما أدى به إلى الإعتقال والنفي لعدة مرات .
شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وحرر مجلة الكرمل، وكان يقيم في باريس قبل عودته إلى وطنه، حيث إنه دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي اقتراحًا بالسماح له بالبقاء وقد سمح له بذلك،كما عُرف عنه نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين،و كان أكثر من عبّروا عن روح القضية الفلسطينية.
توفي ” درويش” في الولايات المتحدة عن 67 عاما، إثر مضاعفات مفاجئة أعقبت خضوعه لعملية جراحية في القلب، في مسقط رأسه”البروة” ضمن الأراضي المحتلة عام 48، ونعى درويش رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس معلناً الحداد ثلاثة أيام في الاراضي الفلسطين
أما الشاعر المصرى رفعت سلام فقال عنه “ثمة قوس لم ينغلق، وقصيدة لم تكتمل، وصوت لم يكن استسلم بعد للصمت والسكون، وفيما ننتظر اكتمال القوس والقصيدة، جاء بلا انتظار الموت ليضع نقطة أخيرة ما، بعد رحلة شعرية امتدت لأكثر من أربعين عاماً متواصلة بلا انقطاع”
والكاتب الإسبانى خوان غويتيسلولو: “محمود درويش أحد أفضل الشعراء العرب فى القرن الحالى ويرمز تاريخه الشخصى إلى تاريخ قومه استطاع تطوير هموم شعرية جميلة مؤثرة احتلت فيها فلسطين موقعاً مركزياً، فكان شعره التزاماً بالكلمة الجوهرية الدقيقة، وليس شعراً نضالياً أو دعوياً، هكذا تمكن درويش شأنه فى ذلك شأن الشعراء الحقيقيين من ابتكار واقع لفظى يرسخ فى ذهن القارئ باستقلال تام عن الموضوع أو الباعث الذى أحدثه”