قلم: ابراهيم العلي
إنّ القطر العربي السوري هو من أولى الجهات التي توجه إليها اللاجئون الفلسطينيون إبان النكبة التي نزلت بهم، ليحلّوا ضيوفاً على الشعب السوري الذي فتح لهم البيوت والمساجد والمدارس. وقُدِّر عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية عام 1948 حسب التقديرات الموثّقة بـ(85000) لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكان الجزء الشمالي من فلسطين، وخاصة صفد وحيفا ويافا. سارعت الحكومة السورية إلى مدّ يد العون والمساعدة للاجئين الفلسطينيين وتهيئة الظروف الكفيلة بتمكينهم ومن العيش بكرامة وشرف مع مواطنيها جنباً إلى جنب، وأخذت تعمل على احتواء أزمة اللاجئين وتنظيم وجودهم على الأراضي السورية، فصدر العديد من القوانين والتشريعات التي استهدفت توفير الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين في سورية، وكانت البداية منذ عام 1947 حيث صدّقت سورية بتاريخ 28/8 الاتفاقية المعقودة بين حكومة الجمهورية العربية السورية ووسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت بشأن تسهيل كافة الأمور والمساعدة المقدمة للا?ئين الفلسطينيين.
وبتاريخ 25/ 1/ 1949 أصدرت القانون رقم (450) القاضي بإحداث المؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب بغية تنظيم شؤون الفلسطينيين ومعونتهم وتوفير مختلف حاجاتهم وإيجاد الأعمال المناسبة لهم واقتراح التدابير لتقرير أوضاعهم في الحاضر والمستقبل.
ثم تتابع بعد ذلك صدور العديد من القوانين والتشريعات والقرارات الإدارية التي تستهدف استثناء الفلسطينيين من شرط الجنسية بالنسبة إلى ممارسة بعض المهن في سورية، كمهنة ممارسة الصيد في المياه الإقليمية السورية (القرار 769 عن مجلس الوزراء بتاريخ 22/11/ 1948) والتوظيف في إدارات الدولة ومؤسساتها (المرسوم التشريعي رقم 33 بتاريخ 17/9/1949) وممارسة مهنة المحاماة في سورية (المرسوم رقم 51 بتاريخ 13/8/1952)، إضافة إلى العديد من المهن الأخرى.
كذلك صدر القانون رقم (260) بتاريخ 10/7/1956 ليزيد من فرص اندماج الفلسطينيين في سورية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذا البلد؛ فقد تضمن القانون نصاً واضحاً يُعامَل من خلاله الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية العربية السورية كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة التعليم، وذلك مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.
ويحسب لهذا القانون أنه عامل الفلسطينيين كالسوريين تماماً من جهة، ومن جهة أخرى فقد أكد موقف الجمهورية العربية السورية الرافض للتوطين بكافة أشكاله وصوره، وهو ما تجلى من خلال تأكيد احتفاظ الفلسطينيين بجنسيتهم الأصلية.
وصدر في 2/10/1963 القرار رقم (1311) لتنظيم وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا؛ فقد قرر وزير الداخلية آنذاك، بعد الاطلاع على المادة (23) من القانون رقم (89) لسنة 1960 إعطاء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الجمهورية العربية السورية أو المشمولين برعايتها وثائق سفر بناءً على طلبهم، ويشترط على المقيمين منهم في الجمهورية العربية السورية أن يكونوا مسجلين لدى مديرية مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين العرب، وحائزين تذكرة إقامة من المديرية العامة للأمن العام. وتتولى وزارة الداخلية السورية (إدارة الهجرة والجوازا? والجنسية وفروعها في المحافظات) إصدار وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين وتمديدها وتجديدها وإضافة واقعات الأحوال المدنية إليها، وتتولى البعثات القنصلية أو أي جهة تُعهَد إليها رعاية المصالح السورية في الخارج إصدار الوثيقة المذكورة وتمديدها وتجديدها وإضافة الوقوعات المدنية إليها، وذلك بالنسبة إلى الفلسطينيين المشمولين برعاية الجمهورية العربية السورية والموجودين بالخارج، على أن تُشعَر إدارة الهجرة والجوازات والجنسية بذلك.
ومن أهم المواد الأخرى التي يتضمنها القرار رقم (1311) لسنة 63، المادة رقم (10) التي تخول صاحب وثيقة السفر الممنوحة للاجئين الفلسطينيين خلال مدة صلاحيتها حق العودة إلى الجمهورية العربية السورية من دون تأشيرة عودة.
إن القوانين التي صدرت بحق اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وكذلك القرارات الأخرى، أدت الدور الحاسم في تشريع عملية الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السوري. فيحق للفلسطيني في سوريا، تبعاً للقوانين الصادرة، تملّك أكثر من محل تجاري (ملكية المتاجر) والتمتع كذلك بحقوق الانتفاع الناتجة من حق الإيجار، وفي هذا المجال عومل الفلسطيني معاملة المواطن السوري في استثمار المتاجر.
وكذلك يحق للفلسطينيين الانتساب إلى النقابات السورية (مثل نقابة الأطباء، المحامين، والمقاولين إلخ)، ويكون للفلسطيني الواجبات والحقوق ذاتها التي تكون للمواطن السوري في النقابات السورية.
ويرى البعض أن هناك فجوة في قوانين تملّك الشقق السكنية بين الفلسطيني والمواطن السوري؛ إذ يحق للفلسطيني تملك شقة سكنية واحدة للعائلة (كل شخص متزوج وأسرته) بصيغة (طابو) السجل العقاري، فيما يحق للمواطن السوري تملك العديد من الشقق بصيغة (الطابو)، وهو ما يمكن تفسيره بأن الغرض من هذه التشريعات هو تيسير إقامة الفلسطينيين المؤقتة في سورية، لا الاستقرار النهائي الذي لا يمكن أن يكون إلا في وطنهم، وهو حق مكفول بموجب قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المختلفة.
في مقابل ذلك، يحق للفلسطيني أن يتملك عدة شقق وأراضٍ زراعية، لكن بعقود غير مسجلة في السجل العقاري، أي من طريق (الكاتب بالعدل). وفي المنازعات حيال هذه الملكية يكون المالك الطرف الأضعف على عكس المالك بصيغة (الطابو) والسجل العقاري.
وللفلسطيني في سورية حق التقاضي وحق توكيل المحامين، شأنه في ذلك شأن المواطن السوري، وله مطلق الحرية في الحرية والسفر داخل الأراضي السورية، والسكن في أية قرية أو مدينة سورية. إضافة إلى ذلك، تسمح القوانين في سوريا بأن يمتلك اللاجئ الفلسطيني فيها المنقول (سيارات، جرارات، وسائط نقل... إلخ) بكافة عناصره ومشتملاته، شأنه في ذلك شأن المواطن السوري.
لذلك، تبدو الحقوق المدنية للاجئ الفلسطيني كاملة في سورية، ما عدا حق الترشّح لعضوية مجلس الشعب والانتخابات، فيما يترشح الفلسطيني لرئاسة وعضوية كافة النقابات السورية.
وينبغي الإشارة أخيراً إلى أن القانون السوري قد قسّم اللاجئين الفلسطينيين إلى أربع فئات حسب تاريخ اللجوء:
فئة اللاجئين عام 1948: يمثّل هؤلاء الشريحة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في سورية. وتشرف على شؤونهم الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب.
ويتمتع هؤلاء بحقوق المواطن السوري في كافة المجالات الوظيفية والمهنية والعلمية، عدا أمور تخص الانتخاب والترشّح لعضوية مجلس الشعب، مع الاحتفاظ بالجنسية العربية الفلسطينية. ويؤدي اللاجئون الذين وفدوا إلى سوريا في عام 1948 خدمة إلزامية عسكرية في جيش التحرير الفلسطيني، ويحصلون على وثائق سفر خاصة باللاجئين الفلسطينيين، لتسهيل الانتقال من سورية وإليها، ولا تقييد لحركتهم داخل البلد. كذلك فإن لهم الحق في العمل والتدرج الوظيفي إلى أعلى الدرجات في السلم الوظيفي، ويتلقون خدمات صحية وتعليمية تنظيمية، حيث يشار إليهم دوم?ً بعبارة "من هم في حكم السوريين"، وخاصة عند التسجيل في المعاهد والجامعات السورية المختلفة.
فئة اللاجئين عام 1956: سُجِّل هؤلاء على قيود مؤسسة اللاجئين وعلى قيود "الأونروا"، وينطبق عليهم ما ينطبق على المنتسبين إلى الفئة الأولى، ما عدا أنهم لا يستطيعون دخول سوق العمل إلا من خلال التعاقد بصفة مؤقتة. ولا يخضعون للخدمة الإلزامية.
فئة اللاجئين عام 1967: بالنسبة إلى من استطاع التسجيل على قيود المؤسسة من هؤلاء، فإنه يعامل معاملة فئة اللاجئين عام 1956. أما بالنسبة إلى غير المسجلين، فإنهم يعاملون معاملة الأجنبي، إذا كانوا من حملة وثائق السفر المصرية (قطاع غزة) ومعاملة العربي المقيم إذا كانوا من حملة جوازات السفر الأردنية (المؤقتة).
فئة اللاجئين عام 1970 (فاقدو الأوراق الثبوتية):
هناك الآلاف من الفلسطينيين في سورية ممن لا يحملون أي أوراق ثبوتية على الإطلاق، وهؤلاء ممن التحقوا مبكراً بصفوف المقاومة الفلسطينية بعد حرب حزيران 1967، وتركوا مواطنهم الأولى في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية، وانتقلوا إلى الأردن، ومنه إلى سورية، ولم يتمكنوا من الحصول على جوازات سفر أردنية بعد أحداث أيلول الأسود 1970، أو على وثائق سفر مصرية (لأبناء قطاع غزة)، وعاشوا في كنف منظمة التحرير الفلسطينية، بالإضافة إلى الفلسطينيين الذين لجأوا من لبنان نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان واستقروا في سورية، والذين أُطلق عليهم في ما بعد اسم المهجرين.
أوضاع هذه الفئة هي الأكثر تعقيداً؛ إذ إن الغالبية العظمى منهم لا تملك وثائق، بعد إلغاء أو انتهاء مفعولية جوازات السفر التي كانوا يحملونها، وهؤلاء لا يستفيدون من خدمات الأونروا؛ لأنهم غير مسجلين في لوائحها.
لقد شهدت الفترة الأخيرة حراكاً فصائلياً فلسطينياً بالتنسيق مع الحكومة السورية لتنظيم وجود هذه الفئة على أراضي الجمهورية العربية السورية، وسعت إلى منحها تذكرة الإقامة الموقتة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، أسوة ببقية الفئات المذكورة سابقاً لكي يتمكن اللاجئ من خلالها من السفر والدخول والخروج والاستفادة من القوانين التي سنّتها الحكومة السورية لتقنين وجود اللاجئين الفلسطينيين، واتخذوا في سبيل ذلك العديد من الإجراءات، كإحصاء هذه الفئة والطلب منها تقديم البيانات العائلية المتعلقة بها.
المصدر: مجلة العودة العدد 51