قلم: علي هويدي
إثر نكبة فلسطين في عام 1948 واضطرار أكثر من مئة ألف فلسطيني إلى اللجوء إلى لبنان، حيث استقبلهم على الحدود الجنوبية آنذاك رسميون لبنانيون على المستوى الأول من الدولة، حينها قال بشارة الخوري، أول رئيس للجمهورية اللبنانية للفلسطينيين: "ادخلوا بلدكم". وبعد توقيع اتفاق الهدنة بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي في 1949/3/23، اتخذت السلطات اللبنانية قراراً في صيف العام نفسه بإغلاق الحدود، وعدّت أي لاجئ يصل إلى لبنان بعد هذا الزمن مخالفاً للقانون. ينفرد لبنان عن غيره من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين بأنه لا يوجد نص خاص يعرِّف من هو اللاجئ الفلسطيني. ويُعَدّ اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أجانب من الفئات الخاصة، لكنهم لا يحصلون على بطاقات تمثل هذه الفئة، بل تُعطى لهم بطاقات صادرة عن المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين. ولا يحصل اللاجئ الفلسطيني المعترف به رسمياً من الدولة اللبنانية على أيٍّ من الحقوق المدنية والاجتماعية. والبطاقة الشخصية الصادرة عن هذه الدائرة مع بطاقة الأونروا، هما الدليل على وضعية اللجوء، وهما شرطان أساسيان للإقامة والتنقل والسفر والحصول على المستندات الرسمية وإجراء المعاملات. هذا وتُكتسب وضعية اللاجئ في لبنان من خلال الولادة لأب مسجل كلاجئ فقط.
ويقيم اللاجئون الفلسطينيون المسجلون رسمياً إقامة قانونية، وذلك تطبيقاً لأحكام المرسوم رقم 136 الصادر عن وزير الداخلية في 1969/9/20، الذي أعفى اللاجئين الذين يقيمون في لبنان بموجب بطاقة صادرة عن المديرية العامة لإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين من تجديد بطاقة الإقامة المفروضة على الأجانب. وكان هذا القرار ثمرة محاولات تصحيح أوضاع اللاجئين الفلسطينيين بعدما كان القانون اللبناني وفقاً لقرار وزير الداخلية رقم 319 تاريخ 1962/8/2 يعدّهم أجانب، وقد أعفى المرسوم رقم 7706 الصادر في 1954/12/29 الفلسطينيين من دفع رسوم للحصول على وثائق السفر، غير أن هذا الإعفاء ألغي لاحقاً. ويستطيع اللاجئ الحصول على وثيقة السفر من لبنان أو من السفارات اللبنانية في الخارج. وثمة فئتان أخريان للاجئين في لبنان: الأولى أصحابها غير مسجلين في سجلات وكالة الأونروا، لكنهم مسجلون في سجلات الأمن العام، ويصل عددهم إلى نحو 35 ألف لاجئ، ويحصلون على خدمات أقل من المسجلين. مثلاً، لا يحق لهم تجديد وثائق السفر الخاصة بهم لأكثر من سنة، بخلاف المسجلين لمدة خمس سنوات. والثانية فئة فاقدي الأوراق الثبوتية من اللاجئين، ويصل عددهم إلى نحو أربعة آلاف لاجئ، وهؤلاء ليس لهم أية شخصية قانونية في البلد.
خطوات باتجاه القوننة
في الأشهر الأولى من اللجوء أدت المنظمات الدولية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعيات خيرية دولية أخرى ومنظمات غير حكومية، دوراً بارزاً في تقديم المساعدات الطارئة للاجئين الفلسطينيين. وفي تشرين الثاني عام 1948 أسست الأمم المتحدة منظمة تسمى "هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين"، وذلك لتقديم المعونة للاجئين وتنسيق الخدمات. بعدها تأسست "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى – أونروا" في 1949/12/8، بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تزامن البدء بعمل الأونروا في عام 1950 مع وصول عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان المسجلين رسمياً في سجلات الوكالة الدولية إلى 127600 لاجئ. وقد بدأت الوكالة بتقديم خدماتها لكل لاجئ مسجل منذ تاريخ 1951/5/1 حصراً كما جاء في تعريفها، لتكون أول خطوة قانونية تربط العلاقة بين الدولة اللبنانية المضيفة واللاجئين، فكان التنسيق في إعداد قوائم التسجيل وتقديم المساعدات. وقد حددت الاتفاقات التي عقدت بين الأونروا وحكومة لبنان أماكن مخيمات اللاجئين وحدودها العقارية التي بقيت على حالها، رغم تضاعف أعداد اللاجئين في لبنان بأكثر من 315%.
المديرية العامة لشؤون اللاجئين
على المستوى القانوني، اختلفت معاملة السلطات اللبنانية للاجئين بين فترة وأخرى؛ ففي أوقات، عدّتهم أجانب، وفي مراحل لاحقة صنّفتهم لاجئين يتمتعون بحالة إقامة خاصة. وفي الخمسينيات خضع اللاجئون الفلسطينيون لقوانين الأجانب غير المقيمين. وبعدها أنشأت الدولة اللبنانية عام 1950 "اللجنة المركزية لشؤون اللاجئين"، وصدر في 1959/3/31 المرسوم رقم 42 مستحدثاً إدارة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في وزارة الداخلية. ولأسباب غير مبررة رسمياً، عمدت الدولة اللبنانية في مطلع عام 2002 إلى تغيير اسم الدائرة من "المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان"، إلى "المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين". وفي 1960/4/26 قضى المرسوم رقم 3909 بإنشاء هيئة عليا لشؤون الفلسطينيين ذات طابع سياسي – أمني.
عقدان من القساوة الأمنية
مع بداية الخمسينيات، باتت السلطات اللبنانية تخشى النتائج السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمكن أن تعكسها قضية اللاجئين الفلسطينيين. وفي تلك الفترة بدأت مشاريع ومخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تظهر تباعاً، وهذا ما أقلق اللبنانيين على مستقبل المعادلة الطائفية في البلد، ودفع الدولة اللبنانية إلى التعاطي الأمني بقسوة مع قضية اللاجئين. وظلّت هذه الأجهزة هي المسؤولة عن السجلات الشخصية للاجئين، إلى أن تأسست مديرية شؤون اللاجئين.
وقد كان تدخل السلطة اللبنانية عاملاً مؤثراً وحاسماً في كثير من حالات توزيع اللاجئين. وكثيراً ما تدخلت الدولة لتثبّت اللاجئين في مكان ما أو لنقلهم قسراً من مكان إلى آخر؛ فقد قامت الدولة ـ بالتنسيق مع الأونروا ـ بإسكان بعض اللاجئين في مخيم الرشيدية، الذين رُحِّلوا من منطقة بعلبك (ثكنة غورو)، وأيضاً عائلات اللاجئين من "حارة حواسة" في مخيم البص، وعائلة كاتب هذه السطور كانت تسكن في تلك الحارة؛ إذ رُحِّلت العائلات إلى مخيم الرشيدية في 1967/1/29.
إنّ إقامة اللاجئين محصورة داخل المخيمات وفي المدن والمناطق. وتحدد بطاقة الإعاشة الصادرة عن الأونروا والمعترف بها من الدوائر اللبنانية مكان إقامة اللاجئ. غير أن السلطات اللبنانية كانت تسمح للفلسطينيين المقيمين خارج المخيمات بتغيير مكان الإقامة بعد إعطاء العلم والخبر للجهات المعنية. أما المقيمون داخل المخيمات، فكان يلزمهم التقدم بطلب، وذلك وفقاً للمرسوم رقم 927 الصادر في 1959/3/31، غير أن هذا الواقع تبدل بعد التغيرات الكثيرة التي حصلت على الصعيدين الفلسطيني واللبناني، وأهمها توقيع اتفاقية القاهرة، والاعتداءات الإسرائيلية على المخيمات، والحروب في لبنان والتهجير الذي أعقبها، وإن كان القرار لم يُسقط قانوناً.
ولا تكاد تخلو ذاكرة أي لاجئ فلسطيني عاش مرحلة عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، من أثر سلبي على واقع الحياة اليومية للاجئ، سواء في المخيمات أو التجمعات أو المناطق، حتى إن مؤتمر الدار البيضاء في 1965/9/11، لم يكن ليخفف من القيود المفروضة على اللاجئ. وبقيت الأمور كذلك حتى توقيع اتفاق القاهرة في 1969/11/3، الأمر الذي انعكس إيجاباً على الحياة اليومية للاجئ والانفلات من القبضة الأمنية. إلا أنه بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وتصفية الوجود السياسي والعسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان? وتحديداً في حزيران من عام 1987، أُلغيت اتفاقية القاهرة من طرف واحد، حيث وافق البرلمان اللبناني في جلسته المنعقدة في 1987/5/21على الإلغاء، ووقّع الرئيس اللبناني أمين الجميّل قانوناً جديداً يلغي الاتفاق.
اتفاق الطائف واللقاء الذي لا يزال مؤجلاً
بعد اتفاق الطائف في عام 1991، وبسط السلطة التشريعية نفوذها على الأراضي اللبنانية كافة، طُرح عدد كبير من مشاريع تحسين ظروف عيش اللاجئين، لكن في كل مرة كانت تلك المشاريع تصطدم بخوف بعض اللبنانيين من عملية التوطين، الأمر الذي استغلته أطراف طائفية ومذهبية، وحولته إلى مادة إعلامية لشن حملة شعواء اتسمت بالسلبية الشديدة حتى كان لها تأثير مباشر على السلطة اللبنانية التي أصدرت توجيهات واضحة إلى الأونروا بمنع إنشاء البنى التحتية والمساكن في مخيمات اللاجئين بلبنان وترميمها، وخصوصاً في بيروت. لهذا، اتخذت الحكومات اللبنانية المتعاقبة موقفاً ثابتاً يقضي بمنع التوسع الأفقي للمخيمات، رغم الازدحام السكاني الذي يتزايد يوماً بعد يوم، ليصل إلى أضعاف مضاعفة.
إثر توقيع اتفاق الطائف، أُلِّفت لجنتان، واحدة لبنانية وأخرى فلسطينية، مهمتهما فتح حوار مع الفلسطينيين بشأن حقوقهم المدنية والاجتماعية. وكانت النتائج الأولية إيجابية؛ فقد وافقت الدولة اللبنانية على إعطاء اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في المديرية العامة لشؤون اللاجئين كامل حقوقهم المدنية والاجتماعية باستثناء الجنسية والوظائف العامة، مقابل تسليم القوى الفلسطينية السلاح الثقيل في المخيمات وخارجها، وتفاعل الطرف الفلسطيني إيجاباً، واتفق الوفدان على آلية لمتابعة تنفيذ المطلوب من الدولة اللبنانية، إلا أنه من دون إعطاء أية أسباب، طلب الطرف اللبناني تأجيل الموعد المقرر، ولا يزال الموعد مؤجلاً حتى الآن.
إلغاء مرسوم تأشيرة الخروج والعودة
إثر توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، أثار القرار الليبي بطرد الفلسطينيين المقيمين هناك في عام 1995 مخاوف السلطات اللبنانية من قدوم أعداد كبيرة منهم إلى لبنان تمهيداً للتوطين، فأصدرت حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري في 22 أيلول 1995 المرسوم رقم 478 الذي قيّد حرية تنقل اللاجئين ومنع مغادرتهم لبنان أو العودة إليه إلا بموجب تأشيرة خروج وعودة تصدرها مديرية الأمن العام بموجب رسوم محددة ولمدة شهر أو ثلاثة أشهر أو ستة أشهر. لكن المرسوم أُلغي في ظل رئيس حكومة الرئيس سليم الحص بتاريخ 1999/1/11. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، وتحديداً في 2001/3/21 وُجِّهت صفعة قوية إلى الحقوق المشروعة للاجئ في لبنان، حيث صدر القانون رقم 296 الذي بموجبه منع اللاجئ الفلسطيني من حق التملك، ولو لشقة واحدة، أو انتقالها إليه بالوراثة، وبعدها قانون حق العمل في 2010/8/17 الذي لم يعط اللاجئ الفلسطيني من حقه في العمل إلا "من الجمل وبره".
خلاصة
وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية، فإن لبنان ينتهك حقوق اللاجئ الفلسطيني؛ فهي تنص صراحة على وجوب حماية اللاجئين ومنحهم كافة حقوقهم المدنية والسياسية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، واتفاقية جنيف (1951)، والميثاق العالمي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)، والميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية (1966)، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات عن أسباب تقاعس الأمم المتحدة عن الضغط على الحكومة اللبنانية لتوفير حقوق اللاجئين المشروعة.
المصدر: مجلة العودة – العدد 51