عاد فارس الخوري من هيئة الأمم المتحدة سنة 1949 وكان وقتها قد ذهب لتمثيل كلٍ من سوريا والعرب والعالم الإسلامي هناك ، وكما هي العادة نجح فارس الخوري بمهمته خير نجاح ، ولدى عودته إلى سوريا زحفت دمشق بكاملها وفي مقدمتها رئيس الجمهورية شكري القوتلي لاستقباله في مطار دمشق . وعندما نزل فارس الخوري من الطائرة سأل ابنه سهيل عن طربوشه ، لكن سهيل كان قد نسي الطربوش في البيت .
وهنا تقدم الشيخ محمد بهجت البيطار وخلع عمامته وناولها لفارس الخوري وسط أمواج من التصفيق قائلاً له : أنت أولى بها .....
هذه القصة ليست تنظيراً وطنياً ، بل هي حقيقة التعايش والتآخي الديني الذي كانت تعيشه سوريا بمختلف أزمانها وعصورها ، هي حقيقة الصورة التي كتب عنها كل من زار سوريا وجلس مع ابنائها بمختلف طوائفهم ومذاهبهم ، هي حقيقة سوريا وابنائها وشعبها .
ومن قصص التآخي الرائعة الأخرى التي عاشتها سوريا ، أنه في العام 1955 قرر عدد من شباب منطقة ( معلولا ) أن يؤسسوا جمعية خيرية من أجل إعانة الفقراء في تلك المنطقة ، فقرروا أن ينزلوا إلى دمشق من أجل تلقي المساعدات اللازمة لتأسيس جمعيتهم ، وكان بالفعل أن تم المناداة في الكنائس والمساجد على الناس من أجل دعم هذه الجمعية ، وبالفعل تأسست هذه الجمعية بسرعة قصوى ، وتمكنت من إعانة العديد من الأهالي الفقراء في ( معلولا ) ونشرت العديد من الصحف الرسمية وغير الرسمية خبر تأسيس تلك الجمعية الخيرية في معلولا ، ومنها جريدة ( العَلم ) ذات التوجه الإسلامي ، التي ذكرت في أخبارها الخبر التالي :
جمعية خيرية في معلولا ....
تألفت في دمشق جمعية خيرية تضم خيرة شباب معلولا هدفها إعانة الفقراء دون التفريق المذهبي ، وقد جرى انتخاب الهيئة الادارية ففاز السادة :
كرم خوري رئيساً ، موسى قوبا نائباً للرئيس ، غطاس سنجار أميناً للسر ، نقولا قوبا محاسباً .
فنرجو لهذه الجمعية الخير والتوفيق في خدمة هذا الوطن .
جريدة العلم 15 آذار 1955 العدد 2385 .
ومن القصص الجميلة أيضاً ، أنه في العام 1957 توفي أحد أعضاء البرلمان المنتخبين عن دائرة دمشق ، فجرت انتخابات برلمانية تكميلية على ذلك المقعد الشاغر ، وكان أن تنافس على ذلك المقعد مرشح عن حزب البعث يدعمه مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق ومرشح عن الاخوان المسلمين يدعمه المرشد العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي ، وفي خضم المنافسات الانتخابية ، أعلن سهيل فارس الخوري عن دعمه وتأييده لمرشح الإخوان المسلميين ، وعبر عن موقفه بقوله : ( نحنُ ننتخب لسوريا ولجل سوريا ، ولا ننتخب لدين ولأجل دين ) وبالفعل نجح مرشح الإخوان المسلمين بالحصول على منصب عضو بالبرلمان نتيجة لدعم سهيل فارس الخوري الذي وضع اعتبار الوطن أولاً وأخيراً قبل أي حسابات أخرى .
نحنُ هنا إذ نذكر قصص التآخي والتعايش بين أبناء الشعب الواحد ، نعلم أننا لانستطيع إعادة التاريخ السوري إلى الحياة ، ولكننا على أقل تقدير نسعى جاهدين لإعادة هذا التاريخ إلى ذاكرة السوريين .