بناء الهيكل في الأدبيات الصهيونية
مثلما عملت الحركة الصهيونية على اعتبار حائط البراق، المرتكز لعلاقة الجماعية اليهودية بالقدس، بادعاء أن هذا الحائط هو الجزء المتبقي من هيكل سليمان، فقد جعلت من العمل على إعادة بناء الهيكل محركا أساسيا لها في السيطرة على القدس ومواصلة العدوان على الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى.
بدأ الحديث عن إعادة بناء الهيكل مع إدخاله في الأدبيات اليهوديةـ الصهيونية في القرن السادس عشر الميلادي، وأخذ شكل الدعوة الحثيثة مع تسرب الصهاينة إلى فلسطين تحت الغطاء البريطاني، في العقود الأخيرة من العهد العثماني، وبعد سيطرة البريطانيين على فلسطين تحولت الدعوة إلى محاولات عمل في الاتجاه الذي يخدم التطلعات الصهيونية على هذا الصعيد.
تتحدث دائرة المعارف اليهودية " جويش انسيكلوبيديا " عن " أن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يقدموا إلى القدس، ويتغلبوا على قوة الأعداء، وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك".
بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين،أخذت التحرشات اليهودية بالحرم القدسي وحائط البراق طابعا أكثر جرأة واتخذت شكل العدوان المباشر بتشجيع بريطاني، حيث حرصت الحكومة البريطانية على أن ترسل لإدارة احتلالها في فلسطين، متحمسين للفكرة الصهيونية.
كان من هؤلاء اليهودي نورمان بنتويش، الذي شغل منصب السكرتير القضائي لحكومة الانتداب في فلسطين، وقد قال في كتاب أصدره عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر تحت عنوان: فلسطين اليهودية:" إن اليهود يرغبون في تشييد بناء عظيم من جديد تشييدا كاملا في مكان هيكل سليمان".
عشية ثورة البراق، أعلن الزعيم اليهودي الصهيوني " كلوزنر" في مقالة نشرتها صحيفة " بالستاين ويكلي" اليهودية :" إن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنما هو يهودي واعتبر" السير ألفرد موند" الزعيم اليهودي والوزير البريطاني السابق" أن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريبا جدا" و أعلن أنه سيكرس ما بقي من أيام حياته " لبناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى".
ترافقت هذه الادعاءات و التوعدات، بمطالبات أيضا، جاء بعضها في قالب غريب، فقد كتب إبراهيم روزنباخ، حاخام اليهود في رومانيا إلى الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين، يلح عليه بضرورة إباحة المسجد الأقصى لليهود ليقيموا فيه الشعائر الدينية اليهودية على اعتبار أنه مقام فوق الهيكل، حسب ما كتب روزنباخ.
بعد قيام دولة العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة، قال دافيد بن غوروين:" لا معنى لفلسطين دون القدس، ولا معنى للقدس دون الهيكل". كذلك صرح رئيس الحاخامية في الكيان الصهيوني بأن " عاصمة الدولة اليهودية لن تكون تل أبيب، و إنما ستكون القدس لأن فيها هيكل سليمان، ولأن الصهيونية حركة سياسية ودينية معا".
وعندما احتل الصهاينة الأجزاء المتبقية من القدس في عدوان حزيران من عام سبعة وستين، أخذوا يتصرفون كما لو أن قيامهم بإعادة بناء هيكلهم المزعوم، مسألة وقت فقط، حتى أن أحدهم، وهو المؤرخ" إسرائيل الداد" سئل عن مصير المسجد الأقصى في حال قيام الصهاينة ببناء الهيكل فقال :"إنه موضوع بحث، ولكن من يدري فلربما حدثت هزة أرضية".
وفي الوقت نفسه، أقام محام يهودي صهيوني، دعوى قضائية ضد حكومة كيانه، أمام ما تسمى محكمة العدل العليا، يطالب فيها بإعادة الأراضي التي يقوم عليها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة بدعوى أنها الأرض التي كان يقوم عليها هيكل سليمان، وذلك من أجل إعادة بنائه.
وعام تسعة وستين دعت صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية، حكومة الكيان إلى إقامة الهيكل من جديد، معتبرة أن بناءه هو الذي يلغي ما وصفته بألفي سنة من التشرد.
في تلك الأثناء كانت قد برزت إلى الوجود الجماعة المسماة" أمناء جبل الهيكل" التي شكلت رأس الحربة الصهيونية في الهجوم على المسجد الأقصى، والدعوة إلى إقامة الهيكل المزعوم مكانه، في حين كانت أوساط صهيونية أخرى، توالي عمليات الحفر حول الحرم القدسي، وتحت أساسات المسجد بغية تقويضه، وتسهيل مهمة الهيكليين ودعواهم.
يذكر هنا أن البروفيسور اليهودي" يشعياهو ليبوفتش" قد أكد أنه لا يوجد أساس ديني لمطالبة الجماعة المسماة أمناء جبل الهيكل بإعادة بناء ما يسمونه جبل الهيكل، وقال:
هذا الهيكل غير قائم منذ ألف وتسعمائة وعشرين عاما، فيما المسجد الأقصى قائم منذ أكثر من ألف و ثلاثمائة عام.
وأشار ليبوفيش إلى أن جبل الهيكل اصطلاح تاريخي متعارف عليه في الديانة اليهودية واستعمال هذا المصطلح لا يدل على أي شيء.