بقلم: أ. سليمان أبو جاموس
رئيس قسم إدارة الأعمال
ما هو الممكن؟
وما هو المحال؟
وما هو الحد الفاصل الذي يفصل بينهما؟
هل الممكن يتحول إلى محال أو المحال يتحول إلى الممكن؟
وبنفس المعنى ما هو الحد الذي يفصل بين الحلم والواقع بين الخيال والحقيقة؟
قد أقول شيئا؟ فتوافقني وتقول شيئا عاديا أو ممكنا، وقد يسمعني آخر ويقول عن الشيء نفسه شيئا محالا، أو
حلما، أو خيالا، كل هذا وارد. فنفس الشيء قد يرى من عدة أوجه وكل رأي صادر عن صاحبه يكون متأثرا
برؤيته لذلك الشيء، وهذا يقود إلى أن الممكن في بعض الأحيان (برأي البعض) يكون محالا (برأي بعضهم
الآخر) أو العكس أي المحال (برأي البعض) يكون ممكنا (برأي بعضهم الأخر).
دعونا نأخذ حقائق على الطبيعة لمعرفة كنهها مع ما سبق ذلك. فكلنا نذكر مؤتمر بال في سويسرا سنة 1897
عندما عقد المؤتمر الصهيوني الأول. فقد كان من نتائج المؤتمر إنشاء وطن قومي لليهود ووضعوا برنامجا
لذلك وفترة زمنية لتحقيقه وهي 50 سنة. وعندما اطلع أحد الصهاينة على النتائج قال وطن قومي خلال 50
سنة؟ هذا محال! ممكن برأي المؤتمر ومحال برأي أحدهم! ليس في الاختلاف مشكلة، المشكلة الحقيقية هي
في تحويل المحال إلى ممكن وكل ذلك يحسم على الطبيعة بفعل الممارسة الفعلية. لاحظ أنه نتج عن المؤتمر
الأول شقان للصهيونية الفكرية والعلمية، بمعنى آخر لا معنى للفكرية أن لم يمارس الفكر على الواقع. ولاحظ
إنهم وضعوا 50 سنة للوصول إلى هدفهم. إن لم يكن مبرمجا حتى تسهل عملية التقويم والتصويب للوصول
إلى ذلك الهدف. وحتى تسهل عملية الرقابة وتصحيح خط المسار إذا ما وجهت المسيرة بتحديات . كان
المفروض من العرب وقتها أن يجمعوا على أن ذلك يمثل حلما وخيالا ومحالا وأن تصديهم للمخطط ممكننا.
رسالة النجاح، العدد 23 ، حزيران 1984
لكن الواقع أثبت أن محال الصهيونية أصبح ممكنا، وأن الممكن العربي أصبح محالا. وانشأ الوطن (حسب
رأيهم) بعد 51 عاما. لاحظ دقة التخطيط والمتابعة. إذ لو كان هناك عرب لعملوا على تأخير تنفيذ المخطط
عشر سنوات -مثلا- اوعشرين. لكن الأرقام أثبتت ما نحن بغير حاجة إلى تفصيلة (كالتقاعس والغباء والبعد
عن تحمل المسئولية). وعندما ألقى ياسر عرفات خطابه المشهور في الجمعية العامة سنة 1974 قال أحد
فقرات خطابه مخاطبا أعضاء الأسرة الدولية:
لقد مررتم ومرت دولكم بالمرحلة التي أعاني وشعبي إياها أي مرحلة الاحتلال. فقد كانت معظم دولكم
خاضعة لاستعمار أو احتلال. وقد مررتم بمرحلة الحلم في الاستقلال، وها أنتم تمثلون دولكم المستقلة! كثير
عليّ إذا حلمت بدولة فلسطينية لشعبي المشتت؟ مرة أخرى نعود هل حلم عرفات ممكن أم محال؟ وقد أجاب
البعض بعبارات فلسفية عن مثل هذا التساؤل بقولهم: "إن الأماني لا تأتي جزافا ولكن تشتريها التضحيات ".
وقولهم : "أن الأماني بغير عمل هي نوع من أحلام اليقظة". إذن من الذي يحسم بين الممكن والمحال؟ تحسم
الاستمرارية، فالقدرة هي كل الأمور التي تساعد على × الرغبة × الأمور من خلال هذه المعادلة: القدرة
فرض الإرادة من عسكرية وسياسة واقتصادية واجتماعية وثقافية وحضارية...الخ، والرغبة في كل الأمور
التي تجعل الإنسان سعيدا في انتمائه لهدفه وراغبا فيه، والاستمرارية إن الأمور لا تأتي مرة واحدة وبخاصة
الأمور العظيمة التي يختلط فيها الممكن والمحال. بل لا بد من المواصلة برغم صعوبة الطريق، وبرغم
المكابدة والمعاناة، نهاية الأمر أننا جميعا نحلم بأن نكون كبقية البشر، فهل ذلك ممكن أم محال؟ الذي يحسم
الأمر هو الممارسة الفعلية على الواقع وأملي أن لا تختلط ويصبح الممكن محالا!.