على أكثر من جبهة يواجه المقدسيون وحدهم، ودون سند حقيقي معركة الصمود والتحدي في مواجهة سياسة التهويد الصهيونية لكل ما يتعلق بوجودهم وحضورهم العقيدي والإنساني والثقافي.
فاستهداف واحد من أقدس مقدساتهم وهو المسجد الأقصى بات حدثًا عاديًا، واقتحام غلاة المتطرفين اليهود وبصورة يومية لهذا المسجد بات أمرا مألوفا يمر دون أن يواجه برد صارم، كما يقول الناشط المقدسي حاتم عبد القادر الذي يرى ضرورة أن يرتقي الفلسطينيون سلطة وجماهير وقوى وطنية وإسلامية إلى مستوى التحدي الذي يفرضه الصهاينة، ويحاولون من خلاله تغيير الوضع القائم في هذا المسجد أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين.
في حين يصف الشيخ عزام الخطيب مدير عام أوقاف القدس الأوضاع الأخيرة في المسجد الأقصى بأنها خطيرة جدا، ما يستدعي تحركًا عاجلاً عربيًا وإسلاميًا لوقف التعديات الصهيونية اليومية من اقتحامات واعتداءات على المصلين، ومنع الحراس وموظفي الأوقاف من القيام بعملهم.
ويرى مقدسيون أن اتفاقية صيانة المقدسات الإسلامية التي وقعها العاهل الأردني ورئيس السلطة محمود عباس لم تمنع الصهاينة من الاستمرار في حملة التهويد المتصاعدة ضد مسجدهم العظيم، بل إنها زادت حدة وخطورة باستهداف حراس الأقصى وسدنته ومنعهم من العمل وإبعادهم عن أماكن عملهم، كما حدث مع الحارس سامر أبو قويدر الذي طلب منه ضابط صغير في شرطة الاحتلال شفهيا مغادرة مكان عمله في الأقصى بدعوى أنه ممنوع من دخول بموجب أمر من قيادة شرطة الاحتلال، لكن قويدر الذي رفض الامتثال للتعليمات الشفوية بمغادرة مكان عمله، مؤكدًا انتهاء الأمر الشرطي بمنعه من الدخول إلى الأقصى.
250 أمر إبعاد عن الأقصى
وتشير معطيات مؤسسات حقوقية مقدسية ومنها مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إلى أن نحو ما يزيد عن مائتين وخمسين أمر إبعاد عن المسجد الأقصى تم رصدها من قبل وحدة البحث والتوثيق في المركز منذ العام 2007، أي في الفترة التي شهدت هدم التلة التاريخية لباب المغاربة.
وكان على رأس المبعدين في حينه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني والذي لا زال ممنوعا من دخول الأقصى، والشيخ علي شيخة مستشار الحركة الإسلامية لشؤون القدس والمسجد الأقصى، كما كان من المبعدين الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا، وحاتم عبد القادر مسؤول ملف القدس في حركة فتح، والعديد من المبعدين كانت صدرت بحقهم أوامر إبعاد لأكثر من مرة، ومنهم الشيخ ناجح عفانة مدير المسجد الأقصى ورئيس قسم المخطوطات فيه.
ولم يقتصر التهويد على الأماكن المقدسة، فحسب، بل طالت الحملة التجار المقدسيين، حيث سجلت خلال الشهر الماضي أكثر من 25 عملية دهم لأسواق البلدة القديمة، كما يقول زياد الحمري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مشيرا إلى اضطرار التجار وقبيل كل عمليات دهم إلى إغلاق محلاتهم، علما أن مطالبات الضريبة لبعض التجار تتجاوز المليوني شيكل. وحذر الحموري من أن وضعا كهذا فيما لو استمر سيفضي إلى إغلاق مزيد من المحال التجارية إغلاقا نهائيا، في حين المعطيات المتوافرة والتي قد لا تكون دقيقة تماما تشير إلى وجود أكثر من 250 محلا تجاريا اضطر أصحابها على مدى السنوات العشر الماضية إلى إغلاقها بفعل الركود الاقتصادي وحملات الدهم الضريبي المستمرة التي استنزفت مواردهم.
ضرائب باهظة
وتقدر حجم المطالبات الضريبية من دخل و " أرنونا " بما يزيد عن 300 مليون شيكل سنويا، في حين أن أعدادا كبيرة من التجار وضعت البلدية وضريبة الدخل يدها على حساباتهم البنكية، وهناك مخاطر تتهدد بعض العقارات في البلدة القديمة من القدس والمملوكة لتجار بفعل هذه الحجوزات.
ويقول ناشطون مقدسيون إن الحملة التي تستهدف المقدسيين، تطال الحجر والبشر، وفي هذا يشير ناصر قوس مدير نادي الأسير إلى الزيادة الكبيرة في أعداد الأطفال والفتية المقدسيين الذين يتعرضون للاعتقال والتنكيل والحبس المنزلي، حيث سجل خلال الشهرين الفائتين اعتقال أكثر من 70 فتى وطفلا من حارتي السعدية وباب حطة والواد داخل البلدة القديمة، وأعداد غير محددة من المعتقلين من أحياء سلوان، رأس العمود، العيسوية، ومخيم شعفاط، وهي مناطق باتت بؤر مواجهة ساخنة مع الاحتلال الذي فاقم من قمعه لهؤلاء الفتية.
ما يلفت الانتباه في هذا الشأن، كما يقول أحد النشطاء الميدانيين في البلدة القديمة، ويشاطره الرأي ناشط آخر من سلوان، ارتفاع وتيرة الشعور والحماسة الوطنية لدى الشبان المقدسيين في الآونة الأخيرة، مع تصاعد حملات القمع ضدهم، وارتفاع منسوب التهويد والأسرلة التي تتعرض له مدينتهم. وفي هذا يشير الناشطان، إلى فعاليات الاحتجاج شبه اليومية ضد هذه الممارسات في الآونة الأخيرة، والتصدي لبعض مظاهر التهويد من قبيل ما يسمى بـ "مهرجان أنوار القدس" الذي انطلقت فعالياته في الخامس من الشهر الجاري ويستمر حتى الثاني عشر من الشهر ذاته، وكان رد الشباب المقدسي عليه تنظيم فعاليات ومسيرات تم قمعها بالعنف، خاصة ما حدث في شارع الواد بالبلدة القديمة مساء أمس السبت.
وكان رئيس بلدية الاحتلال في القدس نير باركات، قال عشية انطلاق المهرجان :إن "مهرجان الأنوار الدولي" يعد معلمًا مهمًا في الحياة الثقافية المقدسية، ويجعل مدينة القدس عاصمة للثقافة في العالم، وتستقطب إليها السياح والزوار من جميع أنحاء المعمورة"، على حد تعبيره.
مهرجان وتهويد
وأطلق على "مهرجان الأنوار" في سنته الخامسة اسم "نور القدس 2013"، ويشارك في تنظيمه والإشراف عليه ما يسمى بـ “سلطة تطوير القدس”، وبلدية الاحتلال، ومكتب رئيس حكومة الاحتلال، و"وزارة شؤون القدس ويهود الشتات"، ووزارات السياحة والمالية، وسلطة الآثار، والشرطة، وشركة "تطوير الحي اليهودي"، و"شركة تطوير القدس الشرقية".
ووفقًا لمركز معلومات وادي حلوة، فإن سلطات الاحتلال تحاول من خلال مهرجان "الأنوار" إظهار المدينة بوجه يهودي، وإلغاء الحضارة والتاريخ العربي الفلسطيني بالمدينة، مستخدمة في ذلك عدة طرق، سواء عن طريق تهويد أسماء الشوارع وطرق مدينة القدس بالنشرات التي توزع على الزوار، أو من خلال دعوة الفنانين من كل أنحاء العالم للمشاركة في المهرجان الصهيوني، وبالتالي إظهارها بأن القدس عاصمة للصهاينة، إضافة إلى حشد الآلاف منهم لزيارة القدس والمشاركة في أيام المهرجان بتوفير المواصلات.
وقال تقرير للمركز بهذا الشأن: "من أخطر ما في المهرجان هو النشرة التي توزع فيه باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية، حيث بينت النشرة مسارات المهرجان الثلاثة (الأبيض، والأزرق، والأخضر)، والتي تقود الزائر الى حارات القدس القديمة (حارة الأرمن، والشرف، والنصارى)، إضافة إلى أبوابها (باب العامود، والجديد، والخليل)، لكن الخطورة تتمثل في تغيير أسماء الشوارع والطرقات والأزقة، لتكون يهودية وعلى سبيل المثال المسجد الأقصى "جبل الهيكل"، ساحة البراق "حائط المبكى"، باب النبي داود "باب صهيون"، شارع وادي حلوة ببلدة سلوان "شارع معاليه هشالوم"، مغارة الكتان "مغارة صدقياهو"، باب الجديد "شاعر هحداش"، مأمن الله "مميلا"، شارع سوق خان الزيت "بيت هباد".
بدورها؛ حذرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، في بيان لها، من أهداف هذا المهرجان، واعتبرته، محاولة لنزع القدسية عن القدس وعن محيط المسجد الأقصى، بما يتخلله من برامج وأشكال "فنية" تتعارض مع قدسية المدينة، وتعارض الطابع التاريخي الإسلامي العربي لها.
وطالبت المؤسسة بمقاطعة هذا المهرجان بشكلٍ كاملٍ وعدم التعاطي معه لا من قريب أو بعيد، خاصة وأن الاحتلال يحاول جذب المجتمع المقدسي والفلسطيني للمشاركة بهذا المهرجان من خلال تخصيص حملة إعلامية وإعلانية باللغة العربية.
وقالت: "إن تنظيم المهرجان موقعًا وتوقيتًا بالتزامن مع الذكرى الـ46 لاحتلال كامل القدس، يأتي ضمن مشروع التهويد للقدس والمسجد الأقصى المبارك، وضمن مشروع طمس وتزييف التاريخ الحضاري الإسلامي العربي العريق لمدينة القدس".