لجنة تتولى وضع الدستور الدائم تشكيل اول حكومة دائمة
تاريح سوريا المعاصر غني بالاحداث والتغيرات وامتد على عدة مراحل ، فسوريا الملكية في عهد فيصل بعد الاستقلال عم الدولة العثمانية ، الى سوريا تحت "الانتداب" الفرنسي وما فيها من نضال سياسي وثوري انتقل بنا الى الاستقلال الثاني وتشكيل حكم ديموقراطي مدني
ومن ثم استلام العسكر الحكم وتسلسل عمليات الانقلابات ليعود مفتاح الحكم الى رئيس مدني ( شكري القوتلي ) ويسلمه جمال عبد الناصر لتحقيق حلم العرب الكبير بانجاز الوحدة
الوحدة بين سوريا ومصر استمرت حوالي ثلاث سنوات لم تعد سوريا ( كما مصر ) موجودة باسمها واصبحت الجمهورية العربية المتحدة تضم كلا البلدين ، وفشلت بعد عمر قصير عاشته لاسباب لا مجال لذكرها هنا.
وهكذا عادت سوريا وانفصلت ، لتعيد تكوين ذاتها من جديد ولتصبح هذه الفترة من اهم المحطات تأثيرا على حاضرنا الحالي في تاريخ سوريا المعاصر والتي سنحاول استعراض تفاصيلها من خلال هذه الزاوية للتعرف على تفاصيل تشكل حاضرنا من خلال مراجعة الماضي
وهكذا تعتبر مرحلة ما بعد الانفصال بين سورية ومصر في أواخر أيلول عام 1961 مرحلة جديدة حافلة من مراحل التاريخ السوري المعاصر, حيث شهدت حركا سياسيا نشطا, تجلى في تشكيل عدد 5 حكومات, وتشكيل لجنة لإعداد دستور دائم للبلاد وغيرها
ونستعرض في صحيفة الأيام في عددها رقم 7494 الصادر في 24 كانون الأول الماضي عددا من المواضيع الهامة منها تسمية اعضاء اللجنة التي ستتولى وضع الدستور الدائم ومرسوم تشكيل حكومة جديدة صادر من رئيس الجمهورية الدكتور ناظم القدسي بناء على أحكام دستور مؤقت, هي الأولى في ما سمي حينها العهد الدستور الجديد, برئاسة معروف الدواليبي, وذلك بعد قبول استقالة الحكومة الانتقالية برئاسة عزت النص.
وكانت انتخابات عامة جرت في الأيام الأولى من كانون الأول عام 1961 للاستفتاء على الدستور المؤقت الجديد ولتشكيل مجلس نيابي جديد والذي ترأسه فور تشكله الدكتور مأمون الكزبري.
وتألفت حكومة الدواليبي من 16 وزيرا من بينهم جلال السيد نائبا لرئيس الحكومة وزيرا للزراعة, ورشاد برمدا وزيرا للدفاع والتربية والتعليم, واحمد قنبر وزيرا للداخلية, وفؤاد العادل وزيرا للثقافة والإرشاد القومي والإعلام, والدكتور رشيد الدقر وزيرا للمالية, ومحمد عابدين وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل.
يشار الى ان حكومة الدواليبي هي ثالث حكومة تم تشكيلها عقب الانفصال في 28 ايلول عام 1961 وذلك بعد حكومة كل من الدكتور مأمون الكزبري واستمرت حتى 20 تشرين الثاني عام 1961, وحكومة عزت النص التي تشكلت في 20 تشرين الثاني واستمرت لغاية 22 كانون الاول عام 1961.
كما ان حكومة الدواليبي هي الحكومة السابعة والعشرين لسورية منذ 30 ايلول عام 1945.
يشار الى ان الدواليبي من مواليد عام 1907 من حلب, شغل عدة مناصب منها نائب حلب في مجلس النواب السوري منذ عام 1947 حتى 1963, ووزير الاقتصاد الوطني السوري عام 1950, رئيس مجلس النواب السوري سنة 1951, ورئيس الوزراء ووزير الدفاع السوري في أواخر عام 1951 واستمرت يوم واحد فقط.
يذكر ان الدواليبي توفي في الممكلة العربية السعودية عام 2004 عن عمر ناهز 97 عاما
الدكتور ناظم القدسي
أخر رئيس جمهورية شرعي لسورية
بقلم : غزوان مجج الأتاسي
طوت يد المنون في عمان وفي السادس من شباط 1998 م رائداً من رواد المدرسة الدستورية العربية ، المرحوم الدكتور ناظم القدسي الرئيس الشرعي للجمهورية العربية السورية (1961 ـ 7 آذار 1963) تلك المدرسة التي سعت جاهدة لتحطيم آثار معاهدة سايكس ـ بيكو وتذليل الحدود المصطنعة بين الدول العربية وخاصة الفاصلة بين بلاد الشام والعراق بحكمة وهدوء وتعقل ، ومع كل أسى وحسرة ، كانت بعض الدول العربية لمغنم شخصي أو إقليمي أو خشية فقدان كياناتها المصطنعة تقف مع فرنسا وبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية مستخدمة الزعامات الرخيصة النفوس الضعيفة والعساكر ـ التي تخشى ذوبانها في اتحاد عربي متماسك ـ والرضع من الفساد والتفرقة ضد هذا التوجه القومي السليم . وهكذا وقفت الرجعية القبلية والتقدمية الكاذبة والشعوبية الحزبية جنباً إلى جنب مع الحقد والصهيونية والشيوعية والإمبريالية لتقف صفاً واحداً أمام طموحات المدرسة الدستورية ناعتة إياها بكل افتراء قبيح بينما تسارعت موجات شذاذ الآفاق الصهاينة بالهجرة إلى فلسطين لخلق مشكلة مستديمة طيلة هذا القرن وبناء قاعدة استعمارية تحرس مكتسبات حلفاء الشر والتعاون .
زحفت الرئاسة إليه بإرادة شرعية شعبية عارمة متمثلة في مجلس النواب العربي السوري المنتخب في خريف عام 1961 م إثر انفكاك الوحدة بين سورية ومصر، دون أن يزحف إلى المنصب والرئاسة بانتهازية استخدام سلاح الشعب ، أو غوغائية الحزب الواحد أو الطائفة أو الإقليم أو استهلاكية الشعارات البراقة والعمل بعكسها ، أو الزعم بالحصول على نسبة 99 , 99 % من أصوات الناخبين أو زواجه القسري الكاثوليكي مع كرسي الحكم .
يبدو أن الفقيد لم يحتمل متاعب الشيخوخة وإرهاصات الفتنة المحيطة بالعراق والأمة العربية حول مشروعية تفتيش القصور الرئاسية من عدمها ، وهو الموقع نيابة عن سورية عام 1945 على ميثاق الأمم المتحدة المسكين الذي تذبح الشعوب وتنهب ثرواتها وتنتهك أعراضها تحت هيكله ، فتوقف قلبه عن الخفقان دون أن يتوقف فكره عن الشموخ وأمله عن العمل المخلص لوجه الله والوطن بما ترك من مثل وقيم وطنية وقومية حقه ، ورؤية موضوعية متجردة مخلصة لمشروع وحدة أو اتحاد عربي بين بلاد الشام والعراق كان أول من دعا إليها مع مجموعة من الأخيار ضمهم حزب الشعب ومدرستهم الدستورية العربية بزعامة فخرية للرئيس الراحل هاشم خالد الأتاسي وقيادة فعلية للعميد الراحل رشدي الكيخيا مع صفوة الأساتذة الجامعيين والمثقفين السوريين منذ عام 1948 إلى جانب أقرانهم العرب في العراق وبلاد الشام .
كان الفقيد رئيساً لمجلس النواب السوري 1955 / 1956 وكنت واحداً من ضمن مئات يرقبون الجلسة التي تم فيها تمرير قانون عمالي المستفيد الأول منه عمال شركة نفط العراق في سورية ، ودوت الشرفات بالتصفيق لتمرير القانون ، فيطرق بمطرقته طرقتين قائلاً : " لا استحسان ولا استهجان ، نتابع أعمال الجلسة " وبمعنى أوضح فإنه قد أشار إلى أن العبرة للشرعية لا للشعارات الغوغائية التي انتقلت وتنامت في العواصم العربية مع تنامي الفوضى والاستبداد والاستبعاد والتسارع في استنزاف الثروات العربية .
لنلقي نظرة موضوعية على شخصية الراحل بجسده والخالد بمثله وقيمه وفكره ومنها :
1 ـ الأمانة في التعامل والإيمان والثقة بالله والتواضع : قدم إليه مالك أرض في (خان شيخون ـ محافظة حلب) يشكو إليه جاراً له قد تجاوز على ملكه ، وطلب منه أن يكون وكيلاً محامياً عنه في الموضوع ، فما كان من القدسي بعد أن استمع إلى بينة الشاكي إلا أن طلب منه أن يقسم يميناً على القرآن الكريم بأن كل ما أفاد به إنما هو صدق وحق وذلك قبل أن يقبل الوكالة عنه ، وبعد أن أقسم ، استدعى الخصم وقام بحل الخلاف ودياً بين الجارين وقبل أن يصل الأمر إلى القضاء فالعبرة لديه ولدى أمثاله من المحامين الحق والعدل ، وليس القانون أو المردود المادي من القضية ، ولما سأله أحد أقاربه عن ضرورة الحراسة وهما ذاهبان إلى صلاة الفجر في المسجد القريب من سكن الرئيس أجاب أن الذي يتوجه إلى الصلاة لربه لا ينبغي عليه إعلام أحد وليس له أن يخشى أحد . لقد ملأ التواضع قلبه فعلاً حيث طلب من المعزين عدم الإعلان في الصحف والتبرع بأجورها لدور البر والإحسان ، وذلك عند وفاة زوجته في العام الماضي ووصيته له بمثل ذلك نفذت حين وفاته .
2 ـ الموضوعية في العمل الوطني : دأب المرحوم القدسي مع مجموعة نواب حزب الشعب والكتلة الدستورية والمستقلين المتجردين عن المنافع على ترسيخ مبدأ سمو الدستور ، وعدم جعله ألعوبة لتجديد الرئاسة ـ ودستور سورية لعام 1950 م (والقدسي أحد صانعيه) أرقى من أي دستور عربي وضع في هذا القرن ـ وتفعيل مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء وتكافؤ الفرص وحماية المصالح الوطنية مما أزعج فرنسا بشكل خاص ، يذكر (باتريك سيل) في كتابه (الصراع على سورية) أن القدسي قد صرح له بتاريخ 3 / 11 / 1960 في معرض الحديث عن وزارته 1950 / 1951 بما يلي : " لقد وجدوا أنهم (الفرنسيون) لا يمكن أن يحتملوا كوننا نعمل من أجل الوحدة العربية ، وكانوا يخشون أيضاً من أن نعمل على انتزاع بنك سورية ولبنان من سيطرة فرنسا ، إن حكومتي هي أول من أمم المشروعات الأجنبية في الشرق الأوسط ، لقد استولينا على شركات المياه والكهرباء في حلب ، وشركة الكهرباء الفرنسية في حمص (وحماة) وشركات الكهرباء والنقل الإنجليزية في دمشق وإدارة حصر التبغ الفرنسية ، فاعتقد الفرنسيون من ثم أن لدينا بالنسبة للبنك خططاً مماثلة " ص 145 .
ولم يرضخ القدسي ومدرسته لابتزاز العسكريين وأصحاب المصالح الضيقة وتعرض وزملاؤه للسجن والاغتراب والإبعاد منذ عهد الانتداب الفرنسي حتى يومنا هذا وكان شرف الخصومة والخلاف في الرأي من الآخرين يمنعهم من استخدام القوة والقمع والتنكيل بالمعارضين ، بالوقوف الذي استخدم فيه خصومهم كافة أصناف التضليل وأخس أصناف الافتراء والانتهازية ساعين لمصالحهم الشخصية والحزبية على حساب الوطن ، وأصدق دليل على ذلك رفض القدسي مجابهة القوات المتآمرة على الشرعية في 8 آذار 1963 بقوة السلاح حقنا للدماء ، بينما لم يتورع القائمون على الحكم أثر هزيمة حزيران 1967 من إلقاء القبض على زعماء البلاد الشرعيين الذين أسهموا في استقلال البلاد ونهوضها من أمثال رشدي الكيخيا ، رشاد جبري ، أحمد قنبر وزجهم في سجن تدمر عوضاً عن رص الصفوف لإنقاذ الجولان السوري المحتل من قبل الصهاينة.
3 ـ الموضوعية في العمل الإداري : أبقى الرئيس القدسي على ثلاثة من المحافظين من عهد الوحدة بين سورية ومصر نظراً لموضوعيته في التعامل ، بالرغم من معرفته التامة بميولهم إلى سياسة عبد الناصر، وعرفهم أننا طلاب وحدة من قبل أن تقوم في مصر حركة انقلابية عام 1952 وقال لهم آثرت أن أبقيكم في مناصبكم لأنكم تقومون بعملكم بكفاءة واستقامة ومن المؤسف أن واحداً من هؤلاء المحافظين كان من أعمدة المشاركين في انقلاب 8 آذار 1963 على الحياة الدستورية ورئيسها نظام القدسي ، وما هي إلا أشهر حتى زج البعثيون بشريكهم في السجن بعد أن فتكوا بزملائه (الناصريين) في صيف 1963 رمياً بالرصاص بمحاكمات ميدانية مؤسفة لم تستغرق اليوم الواحد . وبعد المحنة أصبح المحافظ من (المؤمنين) بالديمقراطية ، حسبما ذكر، كغيره من (الثوريين) وما أكثرهم ، أثر فشله بالحصول على السلطة أو زوالها وما زالت مصيبة العالم العربي كامنة في ازدواجية الشخصية لدى الكثيرين من المتهافتين على المنصب وبارزة عند توليهم السلطة أو إخراجهم منها .
4 ـ الموضوعية في السياسة العربية وسياسة الود مع لبنان والأردن والعراق والعمل لوحدة أو اتحاد : إن ديمومة المؤسسات الدستورية في لبنان منذ استقلاله لم تتعرض للاهتزاز إلا عام 1958 في الصيف الأول من قيام الوحدة بين سورية ومصر، حيث قامت حرب أهلية وتكررت المأساة عام 1975 مما سنح للصهاينة تهييج واستغلال النعرات الطائفية واحتلال جزء من الأرض اللبنانية والتدخل في كافة الشؤون اللبنانية ، لقد حرصت المدرسة الدستورية العربية السورية على نقاء العلاقات مع لبنان وتمتين الروابط معه دون تدخل في خصوصياته ، وكانت الصلاة الوثيقة والمعاملة الندية على كافة المستويات الشعبية والرسمية بين سورية ولبنان خير ضمان لأن يبقى لبنان سائراً في ركاب المدرسة الدستورية العربية التي تجاوزت الطائفية والمذهبية والإقليمية ومع إيمان راسخ بسياسة حسن الجوار والمصلحة المشتركة وانتماء قومي عربي أصيل وضرورة العمل لوحدة أو اتحاد عربي بين أقطار بلاد الشام والعراق حمل القدسي مشروعه الاتحادي العربي إلى الجامعة العربية 1949 وإلى المرحوم الملك عبد الله بن الحسين وإلى المملكة العراقية 1950 / 1951 .
لا يخامرني شك بأن إعلام هذه المدرسة ومن سار على دربهم وكل عربي وإنسان عاقل منصف قد ساءهم ما جرى من عسف وهمجية وقتل للأبرياء في مجزرة قصر الرحاب وانقلاب تموز 1958 في العراق ، مثل اشمئزازهم من الحوادث المشابهة في نجد والحجاز والأحساء واليمن ومصر وسورية ولبنان والجزائر.. ودير ياسين وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا وقانا والقدسي أحدهم دون شك ، لكن هذا لا يمنع رجل الدولة الحصيف أن يضع المصالح العربية العامة فوق النظرة الشخصية ويجتمع بمحاوره الرئيس العراقي (عبد الكريم قاسم) في (الرطبة) شتاء 1962 / 1963 قبيل وقوع الانقلاب على الأخير في 8 شباط 1963 وذلك من أجل التقارب السوري العراقي وخدمة مصالح الشعب العربي الواحد ، وهذا ما لم يفعله الحزب الواحد (حزب البعث) حيث العلاقات العراقية السورية ، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعسكرياً ، لم تمر في هذا القرن بأسوأ مما مرت به خلال العقدين الأخيرين في عهد الحزب المتفرد بالسلطة في كلا البلدين بينما كان عميد حزب الشعب المرحوم رشدي الكيخيا يقول في صيف 1950 : " ولكن هل من الخيانة أن نطلب اتحاداً فيدرالياً أو وحدة مع بلد شقيق ؟ نعم إننا نطالب باتحاد فيدرالي أو وحدة مع العراق ، لقد قلنا ذلك ونقول ذلك الآن .. أين يمكن لبلد صغير كبلدنا أن يجد الخلاص إن لم يجده في الوحدة " ص 133 المصدر السابق نقلاً عن جريدة لوريان .
وأدراك العلة لا يحتاج إلى عناء ، لأن القدسي ومدرسته تستمد رصيدها من الجموع الشعبية العارمة المتنوعة والمجردة من المصالح الخاصة في كل من العراق وبلاد الشام ، وسلطته في الحكم كانت قد نبعت من اختيار نيابي دستوري حر صريح ومنافسة معقولة . تطوع المرحوم القدسي إلى الإسهام والعمل والخدمة في الحقل العام بفضل علم ورؤية صادقة وتجرد ونزاهة وإحساس بما ينفع مواطنيه الذين أولوه الثقة على الدوام في المجالس النيابية التي جرت في أجواء ديمقراطية وفاز فيها عن مدينة حلب في المجالس ، 36 ، 47 ، 49 ، 54 و 1961 ، كما فاز برئاسة الجمهورية بانتخاب نيابي مشهود ، لا بكذبة كبرى لفئة أو فلسفة خنفشارية لحزب أو حركة وصولية والزعم بالفوز لحصول المرشح الوحيد على نسبة 99 ,99 % من الأصوات وهي نسبة لم يحصل عليها أنبياء الله أو القدسيون .
5 ـ مبدأ الصدق : إن أهم ما يميز أصحاب هذه المدرسة هو الصدق في كل أمر، صدق في الانتماء وفي المبدأ والعمل والشعور مع الآخرين وابتعاد عن الرخص في الشعارات وعدم المساومة على المسلمات الدستورية الأساسية التي تكفل حرية الرأي والتعبير وتضمن احترام حقوق الإنسان والنزاهة في التصرفات والعفة عن المال العام والزهد في المنصب وأخلاقيات قل نظيرها عند معظم الحكام في عالمنا العربي المعاصر.
الأستاذ الدكتور (سامي صقار) العراقي المتقاعد ينشر مقاله في الأردن بعنوان " حقائق تاريخية " الرئيس ناظم القدسي والوحدة العربية ـ شيء من الذكريات لينصف الراحل من خلال حضوره لبعض من مواقف القدسي ، والأردني أ . عبد الله كنعان يشيد بمزايا الفقيد إلى " قدر رجالات سورية أن يكون تكريمهم بأن يموتوا خارج وطنهم " والكاتب السياسي البريطاني (باتريك سيل) يكتب مقالاً بعنوان " dreams of arab unity nazim al - gudsi ـ ناظم القدسي ، أحلام حول الوحدة العربية " وغيرهم .. بالوقت الذي لا يعلم فيه الكثيرون من ابناء سورية الذين ترعرعوا في فترة التغييب من هم جهابذة المدرسة الدستورية العربية السورية التي كافحت لنيل الاستقلال والرئيس القدسي واحد من روادها .
ثمة ملاحظات ثلاث من المفيد التفكر بها في هذه المناسبة .
الأولى : لمصلحة من كان الانقضاض على الحياة الدستورية البرلمانية السورية ؟
والثانية : لمصلحة من توتر العلاقات السورية عربياً ودولياً بصورة شبه مستمرة في غير العهود الدستورية ومن المستفيد من ذلك ؟
والثالثة : ما السر في حدوث الانقلابات وتأزم العلاقات إثر كل تقارب عربي ، ولمصلحة من ؟ وماذا نسمي المنفذين لذلك ؟ إن جميع المنفذين إضافة للعاملين وراء الستار يخشون المدرسة الدستورية التي تركت وأثبتت على قصر الفترات التي حكمت بها جزئياً 1950 / 1951 / 1954 / 1955 / 1962 بصمات لا تنسى في الصدق والوطنية والأمانة على أرواح المواطنين وكراماتهم والمال العام .
يعزز هذه الملاحظات ظاهرة تستحق الدراسة من مؤسسات عربية وإنسانية موضوعية علنا نأخذ العبرة ونتجاوز ما نوصم به من صفات تلصق بالدول عديمة النماء ، الأمر الذي يضطر الحاكمين إلى السكوت والصمت عن حقوق الأمة المنهوبة من نفط ومياه وتتجلى هذه الظاهرة باغتيال أو وفاة أو إبعاد أو اغتراب الساسة السوريين والعاملين بالحقل العام خارج سورية ، عدا عن الذين اغتيلوا أو تم تصفيتهم داخلها وعلى رأسهم الشهيد الدكتور عبد الرحمن شهبندر وعدد لا يحصى من الشهداء في فترة الانتداب ، وأكثر منهم في فترة الاستقلال ، ومن هؤلاء الساسة الذين وافتهم المنية خارج سورية وفاة أثر الغيظ أو المرض أو الاغتيال نذكر بعضاً من الرؤساء والوزراء والنواب والساسة على اختلاف أحزابهم ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في الفقرة التالية ، لأنهم بنظر دستور 1950 متساوون أمام القانون ولا يجوز إبعادهم عن وطنهم كما لا يجوز سجنهم بدون حكم قضائي صادر عن القاضي الطبيعي إثر محاكمة علنية تتوافر فيها أسباب العدالة .
لقد سبق الرئيس القدسي إلى دار الآخرة في ديار بعيدة عن مسقط الرأس خارج سورية الرئيس شكري القوتلي حزب وطني ، ورشدي الكيخيا عميد حزب الشعب ، ود . عدنان هاشم الآتاسي حزب الشعب ، وعبد الفتاح أبو غدة ، إخوان مسلمون ، وخالد العظم ، ديمقراطي ، وميشيل عفلق حزب البعث ، وأكرم حوراني البعث العربي الاشتراكي ، د . نور الدين الأتاسي حزب البعث ، غسان جديد حزب قومي سوري ، قتل ، أديب الشيشكلي ، حزب التحرير قتل ، محمد عمران حزب البعث قتل ، صلاح البيطار حزب البعث قتل .
نزار صباغ ، الإخوان المسلمون قتل ، بنان علي الطنطاوي (زوجة عصام العطار) قتلت طبقاً لعنوان سكن زوجها .. إلخ لأن القائمة طويلة وطويلة جداً .، جزى الله كلاً منهم بعمله .
رجعت النفس المطمئنة للقدسي إلى بارئها الذي هو أدرى بها ، وبقيت رؤيته ونظرة مدرسته الثاقبة التي عرضها على الجامعة العربية منذ نصف قرن صالحة لأمسنا ويومنا وغدنا ، ولو اتبعت لما اعترانا الهوان من كل جانب مع ديون مالية ثقيلة وهي " هم في الليل وذل في النهار" ومن العجب أننا في زمن تسير الأمور فيه لتكريم ما بعد الكماليات ونسيان الأساسيات أو تناسيها ومع كل أسى وحسرة أخذ التكريم يحيط بلاعبي كرة فارغة منفوخة ، أو جميلة أو مغن أو غانية أزياء أو ممثلة أو تسلط المحطات والأضواء عبر الأقمار على مثل ذلك وما هو أتفه من ذلك .
إن حق تكريم الفقيد وفكره وتقويم عمله واجب شعبي ورسمي وقومي وخاصة من أولئك الذين يدعون الموضوعية وخدمة المصلحة العامة ، سواء كانوا من العاملين في الجامعة العربية أو الحكومات الوطنية أو النتديات والمؤسسات الفكرية أو العاملين في الحقل العام .
إن المنصف لا يطمح من التكريم مصادرة مقبرة أم الحيران ـ حيث سقى الله ثراها وهي تضم القدسي إليها ـ ليجعل منها مزاراً يوقد فيه البخور ويغشاه السخف والخرافة ـ لا سمح الله ـ أو إقامة تمثال يلقى مصير الأصنام التي حطمها إبراهيم عليه السلام ، أو أن يرد للفقيد بعضاً من لواعج الشوق لمسقط رأسه (حلب الشهباء) على مدى خمس وثلاثين عاماً ، إنما يتوخى أن يسمع الصدق ويتفكر به ويعمل ويسعى لما فيه خير نفسه ووطنه وأمته ، إن التكريم تخليد للفكر الحر المجرد الذي نادى بوحدة أو اتحاد بلاد الشام والعراق كنواة لتكامل عربي اشمل ، وهذا التكريم يجب ألا يتراخى مع الزمن كما تأخر تكريمنا قروناً للفيلسوف العربي ابن رشد الذي استفادت من علمه أوروبا وخسرنا من سجنه واضطهاده في حياته ، وندمنا على ذلك بعد وفاته ، ولا يجمل بالرجال الأوفياء الأشداء الندم خاصة وإن المدرسة الدستورية العربية لم تخطئ في فكرها ولم ولن تندم على عملها لأنه كان خالصاً للحق وللوطن
ميثاق جامعة الدول العربية
يصدق على هذه المعاهدة وفقاً للأوضاع الدستورية المرعية في كل من الدول المتعاقدة.
وتودع وثائق التصديق لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وتصبح المعاهدة نافذة من قبل من صدق عليها بعد انقضاء خمسة عشر يوما من تاريخ استلام الأمانة العامة وثائق تصديق أربع دول على الأقل.
(حررت هذه المعاهدة باللغة العربية في القاهرة بتاريخ 25 جمادي الآخر سنة 1369 الموافق 13 ابريل سنة 1950 من نسخة واحدة تحفظ في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتسلم صورة منها مطابقة للأصل لكل دولة من الدول المتعاقدة).
إمضاءات
عن المملكة الأردنية الهاشمية (عوني عبد الهادي)
عن الجمهورية السورية (ناظم القدسي)
عن المملكة العراقية (نوري السعيد)
عن المملكة العربية السعودية (يوسف ياسين)
عن الجمهورية اللبنانية (رياض الصلح)
عن المملكة المصرية (مصطفى النحاس)، (محمد صلاح الدين)
- عن المملكة المتوكلية اليمنية: أوافق على هذه المعاهدة مع ملحقها على ما في كتابي لسعادة الأمين العام الموضح في المحضر اليوم. (السيد علي المؤيد)
الرئيس الدكتور ناظم القدسي الذي تولى مناصب رفيعة عديدة في سورية فكان رئيسا للجمهورية العربية السورية وتولى رئاسة المجلس النيابي وحقائب وزارية عديدة وهو إلى ذلك من المناضلين الوطنيين في سبيل استقلال سورية...
الرئيس ناظم القدسي كان يعشق صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم بل إن صوتها كان يهدئ له أعصابه اذا انفعل أو اضطرب أو غضب من أمر ما فمهما بلغت به حالة الغضب فإنه يهدأ حالا مجرد أن يسمع صوت أم كلثوم..
وأولاده عرفوا نقطة الضعف هذه فيه فصاروا اذا رأوه غاضبا اسرعوا حالا ووضعوا في جهاز الغرامافون اسطوانة لأم كلثوم فيهدأ في الحال وأصبحوا - أي أولاده - ممنونين جدا لأم كلثوم.
وعندما سافر ناظم القدسي ذات يوم إلى القاهرة على رأس وفد برلماني ودعه أولاده في المطار وقبل أن يصعد سلم الطائرة طلبوا منه أن يبلغ شكرهم وامتنانهم لأم كلثوم على مساعدتها لهم من خلال صوتها على امتصاص غضب والدهم
الحكومات في عهد القدسي
في عام 1936 جرت الانتخابات النيابية في ظل الانتداب الفرنسي ، ووقف الفرنسيون على الحياد ، فكانت انتخابات نزيهة فاز بها نواب مشهود لهم بالنزاهة و الوطنية .
تم انتخاب فارس الخوري رئيسا لمجلس النواب ، وهو في الثالثة والستين من عمره وكان من أكثر رجال الكتلة "واقعية" في التعاطي السياسي
تولى امانة سر مجلس النواب السيد ناظم القدسي النائب عن حلب ، والعائد حديثا للوطن بعدما درس الحقوق في الجامعة الامريكية ببيروت
تعينت الوزارة من جميل مردم بيك رئيسا للوزراء و هو الرجل المشهور بدهائه ، و تعين سعد الله الجابري وزيرا للداخلية والخارجية ،و عبد الرحمن كيالي وزيرا للعدلية والمعارف ، وشكري القوتلي وزيرا للداخلية والدفاع
وكان من اول اعمال المجلس اصدار العفو العام عن المبعدين الذي عاد بموجبه سلطان باشا الاطرش والحاج فاتح مرعشي والدكتور عبد الرحمن الشهبندر وغيرهم من الوطنيين الى ارض الوطن .
سنستعرض البعض من محاضر جلسات المجلس النيابي لنرى مستوى الحياة النيابية ، والدور الذي كان يقوم به النواب في تلك الفترة .
و سننقل ما ورد فيها حرفيا وفق محاضر جلساتها المنشورة في الجريدة الرسمية :
جلسة 31/كانون الاول /1936 :
موضوع تزوير الانتخابات
- امين السر ناظم القدسي :
سنتلو عليكم تقرير لجنة التحقيق بالطعون بتزوير نتائج انتخابات المجلس النيابي :
لقد اجتمعت اللجنة لمدة عشرة ايام وهي مدة غير كافية لاتمام التحقيق ، وتطلب اللجنة امهالها المزيد من الوقت .
-النائب فائز الخوري ( نقيب محامين دمشق و شقيق رئيس المجلس فارس الخوري ):
سبق وطعن البعض في نتائج الانتخابات النيابية كما حصل عام 1928 واجرينا التحقيق ، واضطررنا اخيرا للتصديق على النتائج الانتخابية ، فلقد رأى المجلس انه من الحكمة التصديق ، فالتوسع بالتحقيق لا يعطي نتيجة ، والاحزاب التي تنجح اكثريتها لا تفسخ الانتخابات التي ينجح فيها الاقلية من معارضيها ، واقترح ان تبت اللجنة بالطعون اليوم دون تأخير .
-الشيخ سعيد العرفي نائب دير الزور :
ان اللجنة قد اخذت على عاتقها ان تجعل هذا المجلس مبنيا على على أساس صحيح ، والنتائج تتبع المقدمات فان كانت المقدمة فاسدة فالنتيجة فاسدة ، واقترح امهال اللجنة .
-رئيس المجلس : اطرح تقرير اللجنة على التصويت فمن يوافق عليه يشير برفع اليد..
فرفعت الايدي .
السيد حكمت بيك الحراكي نائب معرة النعمان :
لا يجوز التصويت برفع الايدي بل يجب تلاوة الاسماء .
-رئيس المجلس : يكون التصويت برفع الايدي ، او بالقيام وقوفا ، او بالتصويت العلني بقراءة اسم كل نائب وسماع موافقته او عدمها ، و ادعو امين السر لقراءة اسماء السادة النواب ويجيب كل نائب بموافق او غير موافق .
و هنا تلا امين السر الاسماء واجابوا كلهم بكلمة موافق ، عدا نائب واحد .
موضوع فساد موظفي المصرف الزراعي
تلي تقرير موقع من اربعين نائبا جاء فيه :
ان المصرف الزراعي الذي تشكل باموال المزارعين لتسهيل مصالحهم الزراعية قد اصبح بما يجبيه من فوائد باهظة مصرفا استثماريا لا يهمه الا الكسب و تأمين الاكراميات لموظفيه فاذا داوم الصرف على هذا السلوك انتقلت الثروة الزراعية من ابناء الامة الى المصرف فيرجى انزال الفائدة الى ادنى حد ممكن .
رئيس المجلس : يحال الى الحكومة للنظر فيه .
موضوع البت بشكاوي المواطنين
امين السر : يوجد عدة مضبطات ومعاريض موقعة من مواطنين مختلفين بطلبات مختلفة فهل نتلوها .
- رئيس الوزراء جميل مردم بيك :
لا حاجة لتلاوة هذه المضابط ويكتفى باحالتها للوزارة المختصة ، فاذا كان المجلس سيستمع لكل طلب او عريضة ستجدون انفسكم امام طغيان من الاستدعاءات .
- رئيس المجلس فارس الخوري :
في الدستور مادة تنص على انه يحق للسوريين ان يقدموا للسلطات والمجلس النيابي العرائض المتعلقة بامورهم الشخصية او العامة
السيد نوري الفتيح نائب دير الزور :
اقترح ان تتشكل في المجلس لجنة الاستدعاءات فللمظلوم الحق ان يراجع هذه اللجنة التي تنظر في استدعاءه ثم تسأل الوزارة المختصة و تأخذ الجواب فان وجدت ان المشتكي على حق ، تعرض ذلك على المجلس .
- رئيس المجلس : بعد التصويت تقرر ذلك .
موضوع تولي الحكومة اصدار القوانين بدلا من مجلس النواب
-رئيس المجلس: تقدمت الوزارة بمشروع يمنحها حق اصدار القوانين خلال عدم انعقاد دورة المجلس و لمدة ثلاثة اشهر ، وسنسمع تقرير اللجنة الدارسة لهذا المشروع .
السيد فائز الخوري يتلو تقرير اللجنة :
ان الامم في دور الانشاء تحتاج الى العمل السريع الحازم والادارة الناجحة ، وهذا يبرر تخلي مجلس النواب استثنائيا عن حقوقه في اصدار القوانين وتفويض الحكومة بذلك لمدة محدودة قصيرة تبلغ ثلاثة اشهر .
هذه الحكومة التي منحناها الثقة وبتنا نرجو الخير على يد رجالها ، وهم من اقدر الرجال حزما ووطنية و اننا نقترح قبول مشروع الحكومة
السيد سليمان المعصراني نائب حمص :
اننا نطلب ان تحدد لنا الحكومة الخطوط الكبرى لمشاريعها التي تنوي اصدار القوانين بها لكي نطمئن بعدما نعطيها ما تطلبه من تفويض
- السيد رشدي كيخيا نائبا عن حلب ( اسس فيما بعد مع ناظم القدسي حزب الشعب المناوئ للحزب الوطني وريث الكتلة الوطنية ) :
اعتقد ان طلب الحكومة في محله لما يتمتع به رجالها من ثقة ومصداقية ، ونظرا للحالة الاستثنائية للبلد والتي تتطلب اصلاحا شاملا وعملا سريعا ولكن ارجو ان تقدر الحكومة هذه البادرة ولا تكون هذه الحالة الاستثنائية دستورا تمشي عليه الحكومة في الايام القادمة .
-السيد منير العجلاني ( نائب دمشقي والمرشد العام لحركة الشباب الوطني وفرقة القمصان الحديدية وهو صهر الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الزعيم الدمشقي المعارض للكتلة الوطنية ) :
اننا امام مشروع نتنازل فيه عن سلطاننا و حقوقنا الى حكومة نثق بها ، و ان حق اصدار القوانين لا يمكن ان يمنح للحكومة بهذا الاطلاق ، لان هذا العمل انتحارا والاجدر بنا ان نعلن انحلال المجلس اذ لا فائدة منه .
فاذا اردتم ان تمنحوها صلاحيات لتكن محددة و واضحة .
-رئيس المجلس: لا تترددوا في اعطاء الحكومة حق اصدار القوانين لمدة ثلاثة اشهر فقط، و بعدها سيجتمع المجلس ونقر اعمالها او نفسخه .
واذا كنا لا نريد ان نعطي الحكومة حق اصدار القوانين فالاولى بنا ان لا نعطيها الثقة .
-السيد جميل مردم بيك رئيس الوزارة :
ان الحكومة لم تتقدم اليكم بهذا المشروع حبا في شهوة الحكم ، انما تقدمت به للمصلحة العامة ، وبالنسبة لتحديد المشاريع التي ستصدر الحكومة بها القوانين فلا يمكن تجهيزها في بضعة ايام .
-السيد سعيد العرفي نائب دير الزور :
نطلب من الحكومة ان تكون قوانينها مستمدة من روح الشعب و ان لا تكون ذات ذيول واذناب .
-السيد رشدي الكيخيا :
لقد بحث النواب الكرام هذا الموضوع مليا ، واطلب ان يوضع اقتراح الحكومة على التصويت فاما ان يقبل او يرفض .
وهنا تلى امين السر الاسماء فردا فردا ، فوافق عليه الجميع .
ورفعت الجلسات الى ما بعد ثلاثة اشهر موعد الدورة الثانية .
تقييم عمل الحكومة
بعد مرور ثلاثة أشهر وعندما افتتحت الجلسة التالية .
بادر السيد رشدي كتخدا نائب حلب قائلا :
سادتي الوزراء لقد تقرر بالاجماع منحكم حق اصدار القوانين ، وقد مضت اربعة اشهر على ذلك دون ان نرى أي عمل او اصلاح يشعر الامة انها انتقلت الى عهد جديد ، و هاهي دوائر الدولة لا زالت تغص بالموظفين الذين لا يتورعون عن عرقلة اعمال الحكومة الوطنية .
موضوع ملاحقة الموظفين الفاسدين
السيد فخري البارودي نائب دمشق :
ان رئيس الوزارة كان قد وعد باحالة بعض الموظفين السابقين للمحاكم وانا ارجو منه ان يبر بوعده ، ويضرب بيد من حديد على ايدي الموظفين الذين يضعون العراقيل في سبيل تقدم هذه الامة .
-السيد ابو الهدى الحسيبي نائب دمشق :
لا تخلو وزارة من جماعة شاع سوء تصرفهم ، وهناك منهم من اشتهروا بسوء اخلاقهم حتى ضج منهم الناس ومن استعمال نفوذهم في استباحة المصونات .
وقد اعطى مجلسنا الوزارة اوسع السلطات فهل استعملتها للتخلص من شر هؤلاء .
-السيد وهبي العجيلي نائب الرقة :
ما دامت الخزينة بحاجة ، والعامل وصاحب الشهادة بلا عمل ، والتجارة على شفا جرف ، والمزارع منهوك القوى ، والحدود مهددة ، مطموع بها ، وفوق ذلك لا زال الكثير من المعاول الهدامة متربعين على كراسي الوظائف يمتصون دماء الامة وينتقمون من ابنائها فماذا فعلت الحكومة
السيد عبد القادر رحمو الشهابي نائب الباب :
اطلب نقل قائمقام الباب المعروف بافعاله الكثيرة غير المرضية ، فقد حبس السيد عبدالله النجار خمسة ايام بشكل غير مشروع ، ولم نعهد في القانون ان القائمقام له صلاحية حبس الناس ، فلماذا المحاكم اذاً ....
و ان الوطن السوري واحد ونقله الى مكان آخر مصيبة للامة ايضا ، لكن نقله اهون الشرين .
الرئيس : يحال الطلب الى لجنة الداخلية .
موضوع القضاء
- نائب حلب السيد هرانت سلاحيان :
ان موظفي العدلية من قضاة وغيرهم ، لا يوجد لهم وقت محدد لرؤية المحاكمات وقبول المراجعات ويحضر المواطنون ويستنظرون امام باب المحكمة لساعات ، والدعوى الصغيرة تمر عليها السنين دون بت .
يجب أن تقدم المحكمة اسباب التأخير في حال حصل ، ويكون القاضي مسؤولا امام القانون عن سبب التأخير .
- رئيس المجلس : يحال الى لجنة العدلية .
مناقشة النواب لاداء الحكومة
-السيد جميل مردم بيك رئيس الوزارة :
نعرض عليكم مشروع الموازنة للاطلاع عليه ومناقشته
السيد منير العجلاني أثار في تقييمه لعمل الحكومة عدة مواضيع قائلا :
بعد تدقيق المشروع الذي تقدمت به الحكومة اقول ان هذه الموازنة يا سادتي ليست موازنة دولة حديثة .
فانكم تبحثون فيها عبثا عن الاموال التي اعتمدت للتجارة وللصناعة وللاعمال فلا تجدون شيئا، اما الزراعة فانها تنتحر .
موضوع العدالة الضريبة
فالضرائب لم تزل هي هي ، ودوائر الحكومة كما عهدناها ، مثل ذلك كمثل صاحب مطعم غيّر قائمة الطعام وبقي طعامه كما هو .
مكافحة الفساد
لقد كنا ننتظر تطهير الحكومة من الموظفين العاجزين فلم تفعل ، وقد قام احد الاحزاب في الخارج بجعل شعاره المكنسة ليكنس الوسخ من المؤسسات فليكن شعارنا ( كنس كل الاوساخ ) .
اما الوظيفة والموظفون فهي في بلادنا كالمقاهي يدخلها من اراد، ولا ادري ما يمنع الحكومة من تسريح بعض الموظفين ، وهيئة الموظفين تشبه السمك اول ما يفسد فيه هو الرأس ، فراقب الرؤوس وارم بالفاسد الى الارض .
موضوع التعليم
اما انت يا سيدي وزير المعارف فلقد قلت انك تشتغل في وضع مناهج التعليم واقول لك اننا نحتاج الى العلم ، ولكننا بحاجة اكبر الى الاخلاق فلا يمكنك ان تعهد بالتعليم والتهذيب الى رجال لم يعرفوا بالتهذيب .
موضوع الجفاف و حال الزراعة
اما الزراعة فهي مقياس رقي الامم والفرق بين العصور القديمة والعصور الحديثة انه كانت هناك قديما سنوات سمان وسنوات عجاف.
اما في العصر الحديث فقد استطاع الانسان تخزين المياه بعد حفر الابار وانشاء قنوات الري ، ويخيل الي اننا ما زلنا في العصر القديم لان السنوات العجاف لا تفارقنا .
موضوع البطالة
اما العمال فمن يتعهدهم ، ففي الدول المتقدمة وزارات مخصوصة لا شغل لها الا العناية بالعمال والعاطلين منهم وتلتمس لهم شغلا وتساعدهم بالمال وتصلح من نظام معيشتهم .
موضوع فرض الضرائب
اما الضرائب ، فلا يجوز للدولة ان تنتزع من فم الرجل لقمته المغموسة بالدم ، بل يجب عليها ان تترك ما يكفيه لمعيشته ثم تأخذ مما يزيد على حاجته .
-رئيس الوزراء جميل مردم بك :
ايها الاخوان انني اعرف ان الوقت محدود ، و لا يمكن ان نطلب من المجلس النيابي كل شيء ، وبالمقابل لا يمكن ان نطلب من الحكومة كل شيء .
الامة وضعت ثقتها بكم ، وبدوركم وضعتم ثقتكم بنا ، لا اريد ان ادافع عن سياسة الحكومة ، ولا ان اطلب ثناءا على اعمالها ، ولكنني اريد ان يحكم على اعمالها بنزاهة ، لان النقد النزيه يصلح الامر .
واريد ان اقول كلمة الى بعض اخواننا النواب :
ان النيابة هي عبء ثقيل ، ومن واجب النائب ان يفكر بأن هدفه الصالح العام ، وليس تحقيق اغراضه الشخصية ، ولا يجوز للنواب استعمال نيابتهم في تحقيق اغراضهم الشخصية .
شكايات كثيرة تصلنا وتنم عن بعض التدخلات الشخصية واقول ان الحكومة واقفة بالمرصاد لكل من يشذ عن القانون .
فإني ارجو بعض اخواننا النواب ولا اقصد جميعهم ، رجاء حارا بأن يقوموا بواجبهم في خدمة المصلحة العامة حتى النهاية ، والسلام عليكم .
المرجع :
- محاضر جلسات مجلس النواب ، الجريدة الرسمية 1936
1962.. مأمون الكزبري: دستور 1950 أساسا للبحث لوضع دستور دائم لسورية
اللجنة العامة للدستور تقر نظامها الداخلي, ولرئيسها وحده الحق في إعطاء التصريحات والبيانات عن أعمالها"عقب إقرار دستور مؤقت لسورية في كانون الأول عام 1961 وذلك بهدف إعادة تنظيم البيت الداخلي عقب الانفصال بين سورية ومصر بانقلاب عسكري في 28 أيلول عام 1961, وتم بموجب الدستور المؤقت انتخاب ناظم القدسي رئيسا للبلاد, وانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي النيابي
ونصت المادة الرابعة من الدستور المؤقت الذي تضمن 8 مواد أن المجلس التأسيسي سيتولى وضع دستور للجمهورية خلال مدة أقصاها 6 أشهر ثم يتحول إلى مجلس نيابي
ونستعرض في صحيفة الأيام في عددها رقم 7513 الصادرة في 17 كانون الثاني عام 1962 مادة بعنوان "إقرار النظام الداخلي للجنة الدستور العامة".. حيث أشار رئيس المجلس التأسيسي والنيابي الدكتور مأمون الكزبري أن لجنة الدستور العامة قررت بالإجماع اتخاذ دستور عام 1950 أساسا للبحث في وضع مشروع الدستور العتيد ودراسة جميع الاقتراحات المعدلة التي يبديها أعضاء اللجنة
ونصت المادة الاولى النظام الداخلي للجنة الدستور العامة الذي تضمن 15 مادة بأنه تنعقد لجنة الدستور العامة بدعوة من رئيسها ويعتبر اجتماعها قانونيا اذا حضر أكثر أعضائها في الدعوة الأولى ويكتفي بمن حضر في الدعوة الثانية, وللجنة ان تعتبر نفسها في حالة انعقاد دائم لفترة تحددها.
وقضت المادة الرابعة من النظام الداخلي أن للجنة مكتب مؤلف من الرئيس ونائب الرئيس ومقررين تختارهم اللجنة العامة من أعضاء اللجنة التحضيرية
ونصت المادة الخامسة بان اللجنة العامة تختار من بين أعضائها لجنة تحضيرية من 17 عضوا, حيث تقوم اللجنة التحضيرية بوضع مشروع الدستور لعرضه على اللجنة العامة.
وتضمنت المادة 8 من النظام الداخلي بان جلسات اللجنة العامة سرية ولأعضاء المجلس التأسيسي الحق في حضورها دون الاشتراك في المناقشة ولهم ان يتقدموا باقتراحات خطية وللجنة ان تستدعي صاحب الاقتراح لتوضيح وجهة نظره.
واعطت المادة التاسعة من النظام الداخلي لرئيس اللجنة وحده الحق في اعطاء التصريحات والبيانات عن اعمال اللجنة.
وفيما يتعلق بالتصويت, نصت المادة 10 بان يكون التصويت في اللجنة بالمسائل المعرضة عليها بالطريقة العلنية ولا يجوز للعضو ان يستنكف عن ابداء الراي, فيما نصت المادة 11 على انه متى تم اخذ الراي اعلن الرئيس النتيجة.
وحددت المادة 13 بان تتخذ القرارات في اللجنة بالأكثرية المطلقة للحاضرين.
ويتضمن دستور عام 1950 نحو 165 مادة حيث يتبنى هذا الدستور نظام الحكم البرلماني حيث طالب العديد من الشخصيات المعارضة مؤخرا بإعادة العمل به.
يشار إلى ان تلك المرحلة التي امتدت نحو عام ونصف, من 28 ايلول عام 1961 ولغاية 8 اذار عام 1963, شهدت تشكيل 5 حكومات وإعداد دستور مؤقت للبلاد, كما شهدت انقلابا عسكريا أواخر آذار عام 1962 قاده النحلاوي نفسه إلا أن هذا الانقلاب فشل عقب 6 أيام من تنفيذه, وانتهى بابعاد عدد من الضباط بينهم النحلاوي نفسه
غرفة نوم الرئيس ناظم القدسي
وفي عام /1961/ تم فصل الوحدة بين سورية ومصر حيث تضافرت جهود الذين تضررت مصالحهم من جراء الوحدة وأعلنوا الانفصال سياسيا ودون أن يبدي الرئيس جمال عبد الناصر أي معارضة أو مقاومة غير أن الأمور لم تخل من مؤيدي الوحدة في سورية ولكن القائمين بالانفصال سرعان ما ضمّوا صفوفهم وأعلنوا الإنفصال وعينوا ناظم القدسي رئيسا للجمهورية السورية لم يترك الشاعر هذه المناسبة تمر دون أن يتناولها ولكن ثورته الدائمة ضد اليهود هي التي حرّكته ليستغل المناسبة ويتناولها ليدعو الحكومة الجديدة بشكل أو بآخر لمتابعة الجهاد ضد الوجود الصهيوني فكتب قصيدة يذكر فيها ناظم القدسي ويحض فيها على الجهاد بقوله:
العرب نحن ونادي العرب نادينا بالذل والخسر أمسى من يعادينا
إنا لقـوم أبت أخـلاقنا شـرفا أن نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
يا قوم لبّـوا فهذا ناظم جمعـت له الأمور وجمع الشـمل يهنينا
في القدس شرذمة لم ترع حرمتها بالكيد والغدر نالت ثأر حطينا
فاجمعـوا أمركم من خلف قائدنا نسعى إلى دحرها والله يحمينا