للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| | الروائي المصري سعيد سالم ..رسالة نجيب محفوظ لي أغنتني عن كل شيء | |
حاوره عذاب الركابيأرى الله بقلبي الأخضر. أكثر من خمس عشرة رواية، وعشر مجموعات قصّصية، ومسرحيتان، وعدد مهم من الدراسات النقدية، بالإضافة إلى الأعمال الدرامية الإذاعية والتلفزيونية، والمقالات التي أخذت شكل اليوميات الصحفية،تعدّدت فنون الكتابة لديك، صف لي هذه المغامرة الشاقة العذبة، وأنت المسافر أبداً وجواز سفرك قلب نابض بحبّ الكلمات؟ هى حقا مغامرة بالعمر كله، كتبتنى هى أكثر مما كتبتها. بدأت هذه المغامرة دون أن أدرى الى أين ستصل بى وأنا فى عمر الصبا، بكتابة مايشبه التأملات والتى ما زلت أحتفظ بوريقات منها حتى اليوم فيما يدور من حولى من أمور حياتية وقدرية تطرح على عقلى الصغير أسئلة لا أعرف أجوبة لها من جهة، ولا أجد من يجيبنى عنها من جهة أخرى بحكم فقدانى أول وأهم الانتماءات الانسانية وأكثرها ضرورة لطفل، إذ مات أبى وأنا فى حوالى الثانية من العمر. كانت الأسئلة عن السعادة والرزق والحياة والموت والحظ والجريمة والفقر والغنى والسلطة والعدل والظلم، وكثيرا من المعضلات الانسانية الأخرى التى لم أجد غير القراءة بنهم وسيلة لمحاولة فهمها. كنت دائما أميل الى الصمت والتأمل والتفكير فى الاجابات عن تلك الأسئلة، وكان مكانى المحبب للتعايش مع هذه التساؤلات هو البحر. كان بيتنا فى حى رأس التين الشعبى بالاسكندرية يطل على شاطىء البحر مباشرة ولايبتعد كثيرا عن قصر الملك فاروق، وكان من الطبيعى أن أتعلم السباحة كسائر أقرانى من أبناء بحرى، وكان السباح العالمى عبد اللطيف أبوهيف وزميله حسن عبد الرحيم يقومان برعايتنا وإرشادنا الى العوم الصحيح بشاطىء الميناء الشرقى. وقد نشرت قصة الحارة بملحق الأهرام عام1983 وفيها مقابلة بين حارات حوض السباحة فى النادى الاجتماعى العريق، وحارة الحدينى المتواضعة التى كنا نسكن بها. كنت أجلس على الشاطىء وحيدا بالساعات أتأمل انطباق السماء على البحر عند الأفق البعيد، وأتخيل العوالم والبشر الذين يعيشون خلف هذه البحار واتمنى رؤيتهم والحديث معهم.. البحر كان يغمرنى بفيض من الأفكار المتدفقة على عقلى الصغير بغير حساب فأكاد أرى الله بقلبى الأخضر وأتذوق حلاوة الايمان بخالق هذا الكون العظيم المتسع الذى لاتبدو له نهاية، وأكتسب بالفطرة طباع أهل السواحل كسعة الصدر والمرح وحب الناس بكل اجناسهم. كلما كبرت أدركت السعادة بمفهوم مختلف حتى أيقنت فى النهاية أنها تنبع من داخل الانسان أكثر مما تأتى بها المؤثرات الخارجية،وقد كانت فكرة السعادة محورا جوهريا فى معظم أعمالى الأدبية. هكذاساهمت ظروف البيئة الساحلية والمجتمع الشعبى البسيط واليتم المبكر وغياب المرشد وندرة الأصدقاء من نفس العمر فى تكوينى النفسى والعاطفى والفكرى بالاضافة إلى تعليمى الأولى بمدرسة أبى شوشة لتحفيظ القرآن الذى رسخ فى وجدانى موسيقا اللغة العربية وحببّنى فى دراسة الموسيقا. ومع قيام ثورة يوليو وأنا فى التاسعة من العمر بدأ اهتمامى بفكرة الوطن، وكانت أعمالى الروائية الثلاثة الأولى تعبيرا فنيا عن الاهتمام بمفهوم الانتماء، والحق أن تجربة الحب الأول والأخير فى حياتى كانت هى المفجر الذى أشعل فتيل موهبتى، بينما كان الوطن يعانى من آثار النكسة، حيث جندت فى سلاح الحرب الكيماوية، حين اكتشفنى جندى مجنون بالقراءة، وأكد لى أننى سيكون لى شأن فى عالم الكتابة بعد أن قرأ بعضا من تأملاتى التى أشرت اليها.. وهكذ كان فريد شرعان أول من علمنى النشر وأول من أوقعنى فى حرفة الأدب، فكانت أعمالى التى قاربت الثلاثين كتابا حتى بلغت السبعين.بين القصة والروايةأول رواياتك كانت جلامبو عام1976، ومروراً بـ بوابة مورو عام 1977، و عمالقة أكتوبر 1979، و آلهة من طين 1985و عاليها واطيها 1985و الأزمنة 1992، وحتّى آخرالروايات الحبّ والزمن الصادرة عن دار الهلال2011.. ومن خلال سيرتك الذاتية ومتابعتي لأعمالك عرفت أنك بدأت روائياً لماذا؟ هل تعتقد ككثير من المبدعين الذين حاورتهم أن الرواية أسهل من القصّة القصيرة؟ أم ماذا؟ ما الفرق بين الرواية والقصّة القصيرة؟؟لست أعتقد أن الرواية أسهل من القصة القصيرة، أو ان القصة القصيرة أسهل من الرواية. المسألة ان لكل مضمون شكل يناسبه. والفنان المتمكن هو الذى يستطيع إنجاح عملية التوافق والتجانس بين الشكل والمضمون، على أن يكون الصدق الفنى وليس شيئا غيره بمثابة المأذون الذى يعقد هذا التزاوج الفنى بينهما. ومن تجاربى العملية فى هذا الشأن أننى كنت قد بدأت كتابة عاليها واطيها باعتبارها قصة قصيرة وكان عنوانها حينئذ عاليها أسفلها ، وما أن تجاوزت صفحات قليلة حتى أيقنت أن الشكل المناسب لموضوع انقلاب الأهرامات بأبعاده العريضة ليس هو القصة القصيرة، وإنما هو الرواية ومن ثم فقد مضيت فى كتابة رواية عاليها واطيها التى صدرت طبعتها الأولى عن مطبوعات وزارة الثقافة السورية بعنوان عاليها أسفلها عام 1985 وطبعتها الثانية عن دار المستقبل بالفجالة عام1992 والثالثة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام1994.غير أن مسألة الشكل قد تتسم بالمرونة فى يد من يتقن تطويع أشكال التعبير الدرامى لمضمون العمل، فكان ان حولت نفس الرواية مرة إلى مسلسل درامى شهرى لإذاعة الإسكندرية أذيع خلال شهر أكتوبر عام1999، ثم حولتها مرة الى مسرحية قصيرة من ثلاثة فصول، وأخيرا حولتها الى حلقات تلفزيونية كوميدية أذيعت عام 2008 بقناة ارت حكايات وفيما بعد أعيدت اذاعتها بقناة نايل كوميدى. القصة القصيرة هى لقطة خاطفة منتزعة من الزمن، أما الرواية فهى الزمن نفسه.موجود في جميع أعماليفي روايتك الحبّ والزمن تقول الكتاب الذي أقرأه الآن عليكم أيّها الأخوات والأخوة، هو مذكرات شرعت في كتابتها منذ حوالي أربعين عاماً بدأت بنكسة1967وانتهت بحادثة المنصة عام1981، وعنونتها آنذاك بالشرخ ص8.. لماذا قلت مذكرات ولم تقل سيرة ألم يكن الكاتب موجوداً في كلّ أعماله؟ما رأيك؟ هذه الروائية مرغريت دوراس تؤكّد لانكتب شيئاً خارج الذات .. في أي عمل من أعمالك الروائية كنت موجوداً بقوة؟؟لايمكن أن ننكر أن كل مايكتبه الراوى لابد أن يمر قبل تدوينه على الورق بمصفاة نفسه تحتجز ماتحتجز وتمرر ماتمرر بتمام تشكيلها الوجدانى والثقافى والمعرفى، وبما اشتملت عليه من تجارب حياتية مختلفة، فضلا عن حتمية توافر الموهبة قبل الكلام عن أى شىء آخر.ومن ثم فأنا أقر بوجودى فى جميع أعمالى ولكن بنسب مختلفة، ووجودى هذا متحقق بقدر لا مفر منه ولا بأس به من المكر الفنى، بحيث يذوب هذا التواجد فى كيان العمل الفنى، أو ينصهر معه، او أن يكون معه نسيجا ناعما متكاملا، وتلك هى رسالة الفن الحقيقية أن يحيلنا الذاتى الى الموضوعى ولكن بيسر واقتدار.يقول الكاتب الأمريكي هنري ميللر في مذكرات الثمانين إنّ المستقبل هو للرواية الأوتوبوغرافية رواية السيرة الذاتية ما رأيك بهذا القول؟ ألا ترى أن أغلب كتّاب الرواية العرب يعتمدون على السيرة، وإن كان المؤلف يختفي وراء شخصية علم أو رواء ضمير ؟؟ليس للإبداع الفنى قاعدة لأن سيكولوجيته شديدة التعقيد، وما ينطبق على مبدع ليس بالضرورة أن ينطبق على مبدع آخر، بل أن ما ينطبق على المبدع الواحد أحيانا قد لا ينطبق عليه هو نفسه أحيانا أخرى، حسب حالته الوجدانية لحظة الإبداع المركبة.. من جهة أخرى فما المانع أن يكتب روائى متمكن من أدواته الفنية رواية تمثل فى حقيقتها سيرته الذاتية، سواء أكان متخفيا وراء شخوصه كما فعلت أنا وكما فعل أستاذنا نجيب محفوظ، أو كان ظاهرا بوضوح ،ودون أن يتخفى بأى شكل كما فعل جمال الغيطانى فى تجلياته حين تحدث عن أبيه وأمه بصراحة وشجاعة، وكما فعل فؤاد قنديل مؤخرا فى روايته المفتون .أريد أن أضيف أن مثل هذه الظاهرة ليست بالضرورة أن تكون مقترنة بالروائيين العرب، فهى منتشرة أيضا بين كتاب الغرب والشرق بصورة أو بأخرى، حتى لو اندرج العمل تحت التصنيف الفانتازي.لو لم تكن الكتابة متنفسك.. وأداتك لمقاومة بلادة الواقع.. وروتين الحياة.. وزخرفية العلاقات ماذا كنت ستفعل؟ قل هل يمكن أن تتصور حياتك من دون هذا الانتحار الجميل الكتابة؟؟كثيرا ما توقفت عن الكتابة لفترات مختلفة، امتدت أحيانا الى عدة سنوات.. عندما لا أجد جديدا أكتبه أو عندما تنعدم رغبتى فى الكتابة أو أعجز عن ممارستها، بغض النظر عن الأسباب، أستطيع أن صف حالى حينذاك وصفا دقيقا بأننى مخلوق كئيب تعس حائر يفتقد لحياته المعنى أو الهدف او الحافز.. تهجرنى البهجة وأفتقد عشقى الجنونى للحياة بكل طهرها وعهرها. يقتلنى الفراغ والملل مهما تعددت مشاغلى وأعبائى الدنيوية الأخرى.لقد تبين لى بعد هذا العمر الطويل أن الكتابة الابداعية هى حياتى الحقيقية التى أمارسها بحب وشغف، بل وبشهوة فى معظم الأحيان نابعة من داخل الذات قادمة من خارج الزمن، أشبه بالأفعال الغريزية الأخرى كالأكل والنوم والجنس، إن لم تتفوق عليها جميعا فى المتعة. إن التوقف عن الكتابة يعنى لى الموت، واذا كان خلاصى الأرضى فى الحب وخلاصى السماوى فى الإيمان فإن الكتابة الابداعية عندى هى المعبر الذى يصل بين الخلاصين.ضريبة باهظةيرى الدارسون أنّ شاعر الحداثة الفرنسي الكبير آرتور رامبو قد آثر الحياة على الكتابة.. هل تصدّق هذا؟ لو كان كذلك، أهي معاناة الكتابة وآلامها وليلها الطويل أم ماذا؟ قل لي وأنت الكاتب الكبير هل الكتابة حياة أم أن الحياة كتابة .. أيّ التعبيرين الأقرب إلى رؤاك؟؟هناك مقولة سائدة بأن الحياة إما تعاش وإما تكتب، وأنا لا اتفق مع هذه المقولة. ان الكتابة حياة حقا، وهذا التعبير أقرب الى نفسى من التعبير الآخر الذى يقول بأن الحياة كتابة وإن كنت لا أرفضه.الحياة بحر زاخر بالخير والشر والجمال والقبح والعدل والظلم، وعلى من يريد كتابتها أن يقبل بكل الرضا بالاستيقاظ المفاجىء قبيل الفجر لتدوين كلمة أو فكرة او جملة يخشى نسيانها ليضمها الى عمله الإبداعى فى اليوم التالى. عليه أن يقبل بالتضحية بمكاسب عديدة يحول التفرغ للابداع دون تحقيقها، وهذا مافعلته بالتخلى عن إتمام رسالة الدكتوراه من أجل كتابة القصص والروايات حتى وصفنى الدكتور بكر رئيس قسم الهندسة الكيمائية بهندسة الإسكندرية وكان هو أستاذى المشرف على البحث، وصفنى بالمجنون.هناك ضريبة باهظة مفروضة على المبدع الصادق الذى يكتب بقلبه لا بقلمه، فالانفعال الزائد والتوتر الشديد المصاحب دوما لحالة الابداع يسبّب أمراضا عضوية لاينجو منها أديب، أخفها القلق العصابى anexiety neorosis، وقد يؤدى إلى مرض القولون العصبى وأحيانا ضيق الشرايين بمخاطره العديدة..ولقد تعرضت للإصابة بجلطة فى القلب خلال فترة تجميعى لعناصر الفساد فى عصر مبارك أثناء كتابتى رواية الحب والزمن، فقد تألمت بشدة حين قرأت عن مسئول وزارة الطيران الكبير الذى اصطحب أسرته وأسرة وزير آخر من القاهرة الى المصيف بمرسى مطروح على طائرة من طائرات الدولة دون ركاب سواهم، وبعد وصولهم تبين أن زوجة الوزير قد نسيت حقيبة مهمّة بالمنزل فعادت الطائرة بالخادمة وحدها حيث عادت مرة أخرى بالحقيبة إلى مرسى مطروح. هذا الإجرام الرهيب فى حق الشعب والاستهتار بمقدراته جعل الغيظ يقتلنى والشعور بالعجز يمزقنى ويقهرنى، فلم أستطع النوم لأيام متتالية حتى صحوت فجر يوم على ألم يمزق صدرى، تمنيت الموت لأتخلص من بشاعته وكان جلطة حادة بالقلب. ودائما تذكرنى الدعامة التى ركبوها فى أحد شرايينى برواية الحب والزمن وبانتهاء عصر الفساد الأعظم، وقيام ثورة25 يناير الرائعة.ما تعليقك على قول العبقري مكسيم غوركي متى أصبحت الكتابة بليتك الكبرى، فلن ينقذك منها سوى الموت ؟إنّنى من العشاق المتيمين بمكسيم المرّ منذ صباى، ولست أعترض على مقولته إطلاقا ً.الأستاذ سعيد سالم كاتب قصّة قصيرة بامتياز مارأيك بما ابتكره مبدعو الحداثة وهو مصطلح القصّة القصيرة جداً والتي اهتمت بها الصحافة الثقافية العربية مؤخراً، وأصبحت لها رابطة في المغرب.. أهي قصة قصيرة فعلاً أم قصيدة نثر ظلّت الطريق؟؟ليس بالضرورة أن يقترن مصطلح القصة القصيرة بمصطلح الحداثة، فالقصة القصيرة جدا تكتب من زمان بعيد وهى تعتبر أشد تعقيدا من القصة القصيرة العادية، ومن يكتبها يجب أن يكون متقنا لفن اختصار الكلمات بحيث يمكن ان تحوى جملة واحدة رحيق الحياة كلها، لدرجة ألا تحتمل القصة جملة اخرى تالية لها، وأصداء السيرة الذاتية تعبر تماما عما أقول.الفعل الثقافي لم يعد مقنعاً للمواطن القاريء العربي، وهو يعيش الكوارث المتلاحقة على حدّ تعبير جبرا إبراهيم جبرا، قل أين الخلل؟ في النتاج الثقافي أم في سيكولوجيا المثقف نفسه؟ ماذا تقترح لثقافة هادفة؟الخلل ليس فى النتاج الثقافى ولا فى سيكولوجيا المثقف نفسه فى معظم الأحيان.المواطن عندنا مسكين حين نقارنه بمواطن الغرب. المشكلة الجوهرية فى أسلوب التعليم عندنا ابتداء من الطفولة، فالطفل الذى لايتدرب منذ نعومة أظافره على القراءة ولا يتعود سماع الموسيقا ورسم اللوحات الطبيعية لايمكنه أن يتذوق الأدب حين يكبر. كارثة أخرى هى أن نسبة الأمية مرتفعة فى الوطن العربى، فضلا عن الارتفاع الشديد فى أسعار الكتب، حتى أن كثيرا من الناشرين أعلنوا إفلاسهم، وأن ظاهرة جديدة قد انتشرت اليوم بين الكتاب، وهى أن يدفع المؤلف وبعضهم من أصحاب الأسماء التى باتت معروفة للناشر تكلفة طباعة روايته مقابل بعض النسخ. لن تتحقق ثقافة هادفة مالم نصنع شعبا قارئا وتلك معضلة بحاجة الى الكثير من الجهد والوقت. لقد جعلت ظروف حياتنا المتعثرة البائسة من القراءة نوعا من الترف والرفاهية، فالكل مشغول بالبحث عن لقمة العيش وعن العدل والحرية والكرامة، بل وعن أبسط حقوق الإنسان، دون قدرة على تحقيقها.اللاهثون بلا موهبة الرواية تاريخ.. وذاكرة.. ومخزون.. وتراكم فكري معرفي وحياتي، كيف تفسّر هذا الركض حتّى اللهاث من قبل الكتاب شعراء، ونقاد، وصحفيين، وفنانين لكتابة الرواية؟ أهو زمن الرواية فعلاً؟ أم أنّ لقب الروائي هو الأكثر حضوراً وانتشاراً؟هؤلاء اللاهثون بلا موهبة لايعنينا أمرهم فلن يبقى منهم شىء. وأعتقد أن الذى يغريهم على اقتحام هذا المجال هو أن مساحة الحرية المتاحة فى الكتابة عند الرواية أكبر بكثير من المساحات المتاحة فى الشعر والقصة القصيرة والمسرح، وفى جميع الأحوال فإن البقاء دائما لن يكون الا لصاحب الموهبة الحقة سواء فى عالم الرواية أو فى غيرها، اما مسألة الظهور والانتشار فهى ليست المقياس الحقيقى لقيمة الكاتب.وعرفت ككاتب يوميات ثقافية متميزة.. ما رأيك بصحافتنا الثقافية؟ لماذا هي متهمة بأنها صحافة علاقات ومجاملات وتلميع بعض الأسماء، ومتجاهلة المواهب الحقيقية؟ أهي مرآة مهشّمة لهذا الحد؟؟ يجب أن نتفق أولا على أنه اذا أصبح الوطن نفسه مرآة مهشمة بفعل الجهال والظلاميين، فسوف ينعكس هذا بلا شك انعكاسا سلبيا على الصحافة الثقافية. لقد كانت صحافتنا الثقافية فى الستينات وجزء من السبعينيات فى ذروة مجدها حين عرفت وانتشرت أنا وأبناء جيلى من خلال القصص القصيرة والمقالات النقدية التى كانت تنشرها لنا الراحلة حسن شاه أسبوعيا فى صحيفة الأخبار وكان مصطفى عبد الله ومجدى العفيفى ومرعى مدكور المحررون الأدبيون على اتصال وثيق ودائم معنا. كما كان الشاعر فاروق جويدة مشرفا على صفحة أدبية بالأهرام نشرت لى عشرات القصص القصيرة أنا ومحمد الجمل ومصطفى نصر وكثيرون غيرنا. كنا ننشر بلا مجاملة ويكتب عنا النقاد بلا انحياز فقد كتب عنى على الراعى وعبد العزيز الدسوقى ونجيب محفوظ من قبل أن أراهم أو أتعرف عليهم..ومع نهاية السبعينيات انحسر هذا المد بالتدريج وظهرت الشللية والتجمعات والمجاملات وتبادل المصالح، حتى دخلنا مؤخرا فى نفق مظلم أعاننا الله على الخروج منه بسلام..ولكنى أعتقد رغم ذلك أن العمل الأصيل يفرض نفسه فى جميع الظروف.قال الكاتب الكبير نجيب محفوظ عن روايتك بوابة مورو عبارة شديدة الموضوعية والأهمية أشهد بأنها جذبتني إلى قراءتها، بسحر فيها لاشك فيه، وهي عمل جيد في تصويره للبيئة، وبما قدمته من شخوص حيّة، وأسلوبها ينبض بالحياة والتلقائية .. كيف كانت مشاعرك وقتها؟ ماذا تقول الآن لعبقري الرواية الراحل؟ هل ترك فراغاً في حياتنا الثقافية؟؟أقول للأستاذ عليك رحمة الله ورضوانه يامن كنت مؤمنا بحق، ولكن على طريقتك الفذة النادرة كما تجلت فى أصداء السيرة الذاتية لقد قضينا معك اجمل وأعظم أيام حياتنا لسنوات عديدة ونحن ناتنس بمجلسك الرائع وحديثك الثرى الممتع وننهل من فيض علمك ومعرفتك ونتعلم منك أجمل الخصال.حين تلقيت رسالة الاستاذ عند عودتى من العمل كنت جائعا جدا، وكانت رائحة تقلية الملوخية التى أعشقها تفوح فى أرجاء المنزل. كنت أنوى قراءة الرسالة بعد تناول الغداء، ولكنى لم أطق صبرا وقد رأيت اسم الأستاذ على ظهر المظروف.فتحته بلهفة والتهمت سطورها، لكنى لم أستطع تناول الطعام لشدة فرحتى..شعرت أن كلمات الأستاذ قد أغنتنى عن كل شىء فى الحياة. ويسعدنى إرفاق الرسالة اليكم وهى أولى رسائله التى بعث بها إلىّ ضمن تسع رسائل منه سبق نشرها من قبل فى مواقع أدبية عديدة.لم أتنبّأ بالثورة، بل حرّ ضت عليها.رواياتك الثلاث الأخيرة الشىء الآخر و المقلب وخاصة الحب والزمن التى نشرت على حلقات مسلسلة عام2007 بجريدة الدستور قبل إصدارها عن دار الهلال فى عام2011 تنبأت بقيام ثورة على النظام الفاسد، كيف اختلف تناولك للموضوع ذاته فى الروايات الثلاث من وجهة نظرك ومن وجهة نظر النقاد؟أولا أنا لم اتنبأ بالثورة وإنما كنت أحث وأحرض عليها بشدة، وقد بدأت اجتهاداتى فى هذا الصدد ب الشىء الآخر باستخدام الرمز والفانتازيا الخفيفة، ثم تشجعت قليلا فى المقلب من خلال فانتازيا موحية دون ترميز، وأخيرا تجرأت فى الحب والزمن على الواقعية الانتقادية المباشرة لدرجة استخدام الأرقام أحيانا واستخدام الأسماء الحقيقية للمفسدين أحيانا اخرى بما فيهم حرم رئيس الدولة.وعن الشىء الآخر قال الدكتور حامد أبو أحمد ..لقد حاول سعيد سالم في روايته الجميلة أن يمزج بين الواقعى والسحرى ليقدم لنا صورة عما يدور في بلادنا خلال هذه الأيام.وإضافة الى استخدام بعض عناصر الواقع السحرى،وهى ذات تقنيات خاصة،نجده قد لجأ الى استخدام تقنيات حداثية أخرى جعلت روايته تنطوى على نوع من الخصوصية التى تميزه بين أقرانه من كتاب الرواية.ان هذه الرواية تجمع بين التوصيف والتحذير والبحث عن حلول في زمن استنام فيه الكتاب للراحة وتعايشوا مع الأوضاع السائدة،ومن هنا يصبح صوت مثل صوت سعيد سالم ضروريا ولازما لمواجهة الأوضاع المتردية .كما قال عنها الدكتور محمود اسماعيل تتمحور هذه الرواية حول موضوع محدد هو أزمة المثقف الملتزم في مجتمع فاسد،ويرجع هذا الفساد الى طبيعة النظام الأوتوقراطى العسكرى المتسلط،ولاغرو،فالعداء بين المثقف والسلطة عداء تاريخى،فالسيف والقلم لايجتمعان.السلطة تنشد تكريس الوضع القائم والمثقف الملتزم ينشد التغيير.وبديهى أن تفضى تلك المعادلة الى الصدام بين الخصمين اللدودين ومن ثم يكون المثقف أكثر من غيره مستهدفا من قبل السلطة الغاشمة،فتصادر على فكره وتطارده وتحاصره حتى يصبح أسير الدفاع عن وجوده..ذاك هو مصير منصور عبد الرازق كما صوره سعيد سالم ببراعة،إذ تتمحور أحداث الرواية حول عجزه وهو عجز تمثل في إخصائه سياسيا وعضويا،ففقد توازنه واختل عقله ودمرت كينونته،والأخطر مايفضى اليه ذلك العجز من تداعيات على المستوى الفردى والأسرى،وعلى الصعيد العام ..وعن المقلب قال الدكتور أحمد فؤاد إن رواية المقلب حازت الكثير من فنيات الخطاب السردي على مستوى موقع السارد وعلى مستوى بناء الحدث بزمانيته ومكانيته وعلى مستوى تصوير الشخصيات وعلى مستوى اللغة السردية وغيرها من المستويات الجمالية للبنية السردية، ولا غرابة في ذلك، فهي من الروايات الأخيرة للكاتب الكبير سعيد سالم أحد المواهب الإبداعية الحقيقية في الربع الأخير من القرن العشرين.وكشفت الرواية كذلك عن البراعة الفنية في تصوير الشخصيات والقدرة على إدارة الصراع بينها بإحكام، وقد أتيح للمؤلف الفرصة في تقديم تعليقاته الشخصية ورؤيته الخاصة لما يحدث في المجتمع، دون أن يؤثر هذا على الصدق الفني والتبرير الموضوعي، وكان الفضل في ذلك للشخصيات التي كانت فاعلة وساردة في آن واحد، وهو ما يمكن معه تأكيد أن النص السردي في هذه الرواية وصل إلى قمة التماهي بين المؤلف والسارد والشخصية، وهو ما يقنع القارئ فنيًّا، ويساعد على تكامل أركان منظومة العمل السردي، ولا يستثنى من ذلك سوى اعتماد المؤلف على بعض الهوامش لتفسير الكلمات الغريبة على القارئ .وعن الحب والزمن قال الدكتور صلاح فضل إن هذا المزج بين المادة التوثيقية والتخييلية يضفي علي السرد طابعا سياسيا حميما, يكاد يصل في بعض لحظاته إلي أن تصبح الوثائق هي لوثة الراوي القريب جدا من الكاتب الضمني, فهو شغوف بالبحر والغناء, مشغول بكتابة شيء عن نجيب محفوظ, والمشاهد الأخيرة من الرواية تبرر ذلك بحرفية بالغة, فهو يكاد يذوب في الماء مرتكبا ما لا يجرؤ علي فعله سوي الاسكندرانية .آخر رواياتك الحبّ والزمن دار الهلال 2011، وآخر مجموعة قصصية هوى الخمسين في العام نفسه، ونزيف الكتابة لديك ينبيء بالكثير.. ماذا سنقرأ لك في الأيّام القادمة؟؟آخر رواية كتبتها فى العام الماضى كانت بعنوان الفصل والوصل لكن الظروف النفسية الصعبة التى يكابدها الوطن والتى أكابدها ومعى كل الكتاب نتيجة للأحوال المضطربة التى تعيشها البلاد، تجعلنى مصدود النفس عن مجرد محاولة السعى لنشرها فى أى مكان، مفضلا الاحتفاظ بها مخطوطة على الكمبيوتر لزمن ما فى ظرف ما، أما الآن فلا عزيمة عندى ولارغبة فى الاتصال بأى دار نشر لتقوم بنشرها. أما آخر مسلسل اذاعى كتبته فهو الحب والزمن عن نفس الرواية إذ حولتها الى ثلاثين حلقة اذاعية درامية لاذاعة الاسكندرية تذاع فى رمضان القادم بإذن الله. وهناك مسلسسل درامى تلفزيونى بعنوان المقلب عن روايتى المقلب بعد أن حولتها الى سيناريو وحوار، وقد أجيزت بقطاع الانتاج بتلفزيون القاهرة منذ أكثر من عام، وأتمنى أن تتحسن الظروف المالية للقطاع حتى يأخذ هذا المسلسل حظه من الذيوع، خاصة وأنه يعالج مشكلة ملحة فى مصر وهى مشكلة القمامة. | |
|