نص وحوار: مع الباحث والناقد والشاعر كريم مرزة الأسدي ونصه "رفيقة َالدّهر ِهلْ بـ (اليوم ِ) تذكارُ؟" / ميادة ابو شنب
ميادة ابو شنب
خاص: المثقف تستضيف، ضمن برنامج نص وحوار، الباحث والناقد والشاعر القدير كريم مرزة الأسدي لتحاوره حول نصه "رفيقة َالدّهر ِهلْ بـ (اليوم ِ) تذكارُ؟"، فأهلاً ومرحباً به.
كريم مرزة الأسدي باحث وناقد وشاعر له حضور دائم ومميّز في صحيفة المثقف
أصدر ثلاثة دواوين:
1 - (وطني...) - دار الوراق للنشر والتوزيع - قطع وسط - 192 ص - 1997 م، دمشق.
2 - (حصاد أيّام وأيّام) - دار الوراق للنشر والتوزيع قطع وسط - 156 ص -1998م - دمشق.
3 - (ملحمة وقصائد شعرية) - نشر ورسوم الفنان عيسى يعقوب - قطع كبير - 154 ص - 1999 م - دمشق.
وله ديوانان مخطوطان ينتظران الطبع، والديوان الكامل، وكل الشعر عمودي أو تفعيلة.
أما المؤلفات الأخرى المطبوعة فهي:
4 - (للعبقرية أسرارها...تشكّها...خصائصها...دراسة نقدية مقارنة) - دار فجر العروبة للنشر والتوزيع - دمشق 1996م - 208 ص - قطع كبير.
5 - (نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية...مقارنة بين النحو البصري والنحو الكوفي) - دار الحصاد للنشر والتوزيع - دمشق - 2003م - 208 ص - قطع كبير.
6 - (تاريخ الحيرة...الكوفة... الأطوار المبكرة للنجف الأشرف) - النجف 2007 م - 336 ص - قطع كبير.
7 - (شذرات من الأيام...) - النجف 2012م - 270 ص - قطع كبير.
8 - إضافة إلى العشرات من البحوث والمقالات والقصائد المنشورة في عشرات الصحف والمجلات والموسوعات والكتب والمواقع العربية والعراقية.
وله عدة مؤلفات مخطوطة تنتظر الطبع منها:
- (دعبل الخزاعي الوجه الآخر للشعر العربي)
-(الشعر وقضاياه... علما العروض والقوافي والتجديد في الشعرالعربي)
-(شعروشعراء - دراسات أدبية وقراءات نقدية).
- (هؤلاء بين أيدي هؤلاء)
الجوائز التي نالها:
1 - الجوائزوالتشكرات على المستوى المهني نال العديد من الجوائز الرمزية والأوسمة والتشكرات والتقديرات من السيد وزير التربية والتعليم والمديريات العامة للمناهج والكتب، والوسائل التعليمية، والامتحانات العامة، وتربية واسط، ومديرية تدريب المدرسين والقادة التربويين...ناهيك عما حصل عليه من الجزائر والمغرب طيلة أكثر من عشر سنوات قضاها في معاهد وثانويات القطرين، معظمها في الجزائر.
2 - أما على المستوى الإبداعي فالجوائز (الأوسمة) والتشكرات والتثمينات: اثنان من السيدة وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي السورية لمشاركته في مهرجانين للشعر العربي مع كبار شعراء العرب بمناسبة عيد الجلاء السوري 1997م، 1998 م، وجائزة من دار طلاس للطباعة والنشر (مجموعة كتب ثمينة) مع كتاب شكر وتقدير لوطنية وقومية الشاعر من السيد الأديب العماد - نائب رئيس الوزراء - صاحب الدار عن قصيدته بمناسبة حرب تشرين نشرتها الصحف السورية، وعدة جوائز وتشكرات من منظمة حقوق الإنسان العالمية عن قصيدته (إنسان وإنسان)، بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس المنظمة، ومن صحيفة نداء الرافدين الصادرة من دمشق، ومن دائرة المعارف الحسينية في لندن، ومن مجلة القصب اللبنانية (الأستاذ الشاعر جابر الجابري)، وغيرها...
ميادة ابو شنب: الباحث والناقد والشاعر القدير كريم مرزة الأسدي .. بعد أن لامست دفء الأمل في بحر قصيدتك البسيط المنبسط بين ضفة "رفيقة الدّهر" وضفة العراق، رغم الضباب الكثيف الذي يحجب نور الغد، حرّرت شراعي ليمخر عباب قصيدتك العصماء "رفيقة الدّهر هل بـ (اليوم) تذكار؟" وألقيت شباكي علّها تلتقط الدرر المنثورة بين غابات مرجان شعرك وتكشف سرّ الإبداع الذي تجلّى دون تكلّف أو تصنّع رغم قصر المدّة بين الدعوة للمشاركة بملف يوم المرأة العالمي في المثقف وبين نشر الملف. أهلاً وسهلاً بالباحث الناقد الشاعر كريم مرزة الأسدي في المثقف، في باب نص وحوار، لمحاورة نصه من خلال طرح بعض الأسئلة، تاركين الفرصة للقراء الكرام لطرح المزيد منها وإغناء الحوار بمداخلاتهم.
س1: ميادة ابو شنب: لقد وضع صفي الدين الحلي مفتاحاً يعرّف به البحر البسيط: "إنّ البسيط لديه يُبسَط الأمل"، وهو ما يحاكي أجواء قصيدتك الزاخرة بالأمل في إنصاف المرأة.
هل تعتقد أن اللغة العربية قد أنصفت المرأة من خلال تأنيث رموز الحياة: الحريّة، الكرامة والمساواة؟ وهل كان لمكانة المرأة المهمة في السابق، قبل الاستبداد الذكوري، تأثيراً على تشكيل اللغة؟
ج1: كريم مرزة الأسدي:
سيدتي الكريمة: بادئ ذي بدء أشكرك جزيل الشكر مع وافر امتناني لتفضلك بإجراء هذا الحوار.
نعم... اللغة العربية هي من أكثر اللغات التي أولت اهتماماً بالغاً بالمرأة منذ أن عُرف للعرب شعر، فهذا الشنفرى (ت 525م)، وهو من أوائل شعراء العرب لم يطلع علينا بقصيدته الشهيرة (لامية العرب)، إلا بذكر أمه:
أقيموا بني أمّي صـدورّ مطيـكمْ *** فأنـّي إلى قوم ٍ ســـــواكمْ لأميلُ
لأن رابطة الأمومة أقوى الصلات الإنسانية عاطفة ً، وأكثرها مودةً وقرباً، مبتعداً عن النزعة القبلية والعشائرية الذكورية، وقصيدته الثائية بحق زوجه، فمن يقرأها في ديوانه يتفكر في مدى احترام العرب لحقوق المرأة وعفتها، القصيدة التي عدّها الأصمعي أحسن ما قيل في خفر النساء وعفتهن، تقول بعض أبياتها:
ألا أم عمرو أجمعتْ فاســـتقلتِ *** وما ودّعتْ جيرانها إذ ْ تولـّتِ
وقد سبقتنا أم عمرو بأمــــرهـا ***وكانتْ بأعنــــاق المطي أظلـّتِ
بعيني ما أمستْ فباتتْ فأصبحتْ *** فقضّتْ أموراً فاسـتقلتْ فولّتِ
فوا كبدا على أميمةَ َبعدمــــــا *** طمعتُ فهبها نعمــةَ َالعيشِ زلّتِ
لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعهــا *** إذا مــا مشت ولا بـــذاتِ تلفّتِ
زوجه (أميمة) هجرته ورحلت دون أن تخبر أي أحد حتى جيرانها، الرجل لم يغضب، ولم يسخط، ولم تأخذه الحمية الجاهلية أبان جاهليتها، بل كافأها بأروع رائعة، وأرق الكلمات..(بعيني)...(فوا كبدا)، ثم (لقد أعجبتني)...أعجبته بماذا؟ إنها لا تسقط قناعها تعمداً لإبداء حسنها، ولا تتلفت لكي لا تجلب الريبة لعفتها وخدرها، يقول الأصمعي معقباً: وقد تلقي المرأة خمارها لحسنها وهي على عفة.
ولا تتخيلي أن صرخة (وا معتصماه !!) التي هيّجت المعتصم، وأججت كوامنه بما يختزنه من ودّ واعتزاز وحرص على كرامة المرأة، فشدّ رحاله، وجرّ عساكره الجرارة إلى عمورية، ففتحها (223 هـ)، ثأراً لصرخة امرأة مكلومة، هي جديدة في دنيا العرب، كلاّ...!!
فحرب البسوس قامت بين بكر وتغلب بسبب ناقة لامرأة هي بسوس بنت منقذ، خالة جساس بن مرة الذي قتل كليباً، فثارت ثائرة أخيه المهلهل، الذي خاطب ابنة أخيه المقتول قائلاً:
تُسألني بديلةُ عن أبيها *** ولا تدري بديلة ما ضميري
هذه الحرب ما شنّت بسبب الناقة كما يتناقل الرواة، ويردد الببغاوات! بل تكريماً لصرخة خالته البسوس، وإلا ما قيمة الناقة بالنسبة لهؤلاء الأمراء الذين يذبحون العشرات في المناسبات. أثرت هذه الحرب التي استمرت أربعين عاماً على شعر الحماسة والرثاء العربي، ولا ننسى من بعد هذه الحرب مقتل ملك الحيرة عمرو بن هند على يد الشاعر التغلبي عمرو بن كلثوم، لأن جلالة الملك مس من كرامة أمّ الشاعر، ونصف معلقته نظمها بعد الحادثة المشؤومة!، والشيء بالشيء يذكر، ليس هذا الملك فقط نسب إلى أمه هند تكريماً لها، فهذا المنذر بن ماء السماء، وذلك الحارث الأعرج في الشام لصق بأمه مارية فانتسب إليها الغساسنة، يقول حسان بن ثابت في مدح جبلة بن الأيهم:
أولادُ جَفنةَ حول قبر أبيهم *** قبر ابن مارية الكريم المفضل
شغلت المرأة مساحة كبيرة في الشعر العربي، وهذه تلميحات (أفاطمُ مهلاً بعض هذا التدلّل)، (كليني لهم يا أميمةُ ناصبٍ)، (ولقد ذكرتك والرماح...)، (يا عبلُ لا أخشى الحمام...)، (أجارتنا أنّ المزار قريبُ)، (لخولة أطلالٌ...)، (ألا ليت شعري...)، (يقولون ليلى...)، (لولا الحياء لهاجني استعبارُ)...المئات من غرر الشعر.
ذكر الشعراء المرأة في نسيبهم، وحماستهم، وفخرهم، ورحيلهم، ولوعتهم، وعتابهم، ورثائهم، وعشقهم، وأطلالهم، لا ريب هذا كلّه أثر تأثيراً كبيراً في احتلال الأنثى صيغة مميّزة في كيفية مخاطبتها، والتفريق بينها وبين ابن نوعها، وبدقة متناهية من تلك الأيام الغابرة حتى أيامنا الحاضرة سواء على مستوى الضمائر أو الصفات أو الأفعال أو الأسماء، بل أصبح الإنسان منا يتعرف بسهولة عن أصالة المتكلم اللغوية من خلال الخلط لفظاً بينهما، ولو بقيد أنملة.
وبالرغم من أنّ الأسلام أجلَّ المرأة كثيراً في عصر صدر الرسالة، ولكن بعد الفتوحات والسبي، ووفود الأمم إلى ثغور وعواصم الخلافة الإسلامية، وانتشار ظاهرة الجواري والقيان والنخاسين، ربما أدى هذا إلى بدايات (الاستبداد الذكوري) للعنصر الأجنبي أولاً، ولو أنَّ الجواري لعبن دوراً أساسيأ ومهماً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، بل أصبحن أمهات أولاد، ومعظم الخلفاء من أولى الأمهات، وفي هذا العصر واصلت الأمة احترام ذاتها، وضاعفت جهودها لمنح المرأة حقها في التوصيف والدلالات والعلامات، وعلى سبيل المثال الموجز، والموضوع موسع، أن الفراء (ت 207 هـ)، إمام الكوفيين ذكر خمس عشرة علامة للتأنيث، ثمان في الأسماء، واربع في الأفعال، وثلاث في الأدوات، وهي من أكثر أسباب التأنيث في اللغة العربية، وإذا حذفت العلامة عاد الفعل أو الاسم إلى أصله المذكر، فالتذكير هو الأصل، ومع ذلك قال الرمز الأول في الشعر العربي، المتنبي العظيم:
وما التأنيث لاسم الشَّمْسِ عيبٌ *** ولا التذكيرُ فخـرٌ للهـلال
والحقيقة قبل إغلاق جواب هذا السؤال، لابد أنْ نشير أنّ اللغات البدائية عادةً لا تفرق بين المذكر والمؤنث، وإنما تخاطب الإنسان إنساناً، بل اللغة الإنكليزية، وهي أوسع لغات العالم انتشاراً، لا تتسع للفصل بين الجنسين عن طريق الصفات والأفعال، وإنما عن طريق الضمائر، وبعض الأسماء، ولا أعلم هل قمرهم المؤنث أجمل من شمسنا؟!!، وهل يقبلن بنات حوائنا أن نصفهن بنعوت الرجال، أو نجرد أفعالهن من تاء التأنيث الساكنة؟!! أسئلة تبقى يقينا بلا أجوبة، فالعيب ليس في لغتنا الجميلة، وإنما برجالات هذه العصور الذين سحقوا هامات الاوالي، ونعود للمتنبي:
ويدفن بعضنا بعضاً وتمشي *** أواخرنا على هام الأوالي
ونعلق في ختام الجواب على ما ورد من (الاستبداد الذكوري) في السؤال:
الكون كلّه قد بُني على الثنائية المتجاذبة المتكاملة طبعاً، والمتنافرة عنوة لاستمرارية الوجود والحياة، لأن التجاذب التام الختام!! وهذه الحقيقة العلمية والفكرية تسندها بقوة سورة الإخلاص في القرآن الكريم:(قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)، وثنائية الحياة - بغض النظر عن أيّ الجنسين متسلط فيها على الآخر – أكثر تقارباً وتلامساً بكثير من ثنائية الجمادات، هذا التجاذب صيّره العقل الجمعي المتخلف إلى تسلط واستبداد عبر التراكمات الاجتماعية التي مرّت على بني البشر بنسب تختلف حسب الظروف الموضوعية لكل مجتمع، وكلما ضاقت هذه الهوة المصطنعة ازدهرت الحضارة الإنسانية، والعكس صحيح، والمشكلة الكبرى إذا وقع القادة الكبار في هذا الوهم التسلطي، مما سيجرّ تسلطهم واستبدادهم على أبناء جنسهم الذكور، وعلى المقربين والأبعدين والناس أجمعين، فتبرز ظاهرة الطغاة، وبدرجات أدنى ظواهر الاستعباد والإرهاب، والاستيلاء على حقوق الآخرين، والشذوذ...، وكل هذا يبنى على أساس غريزة الجنس، ودافعها حب التملك - وكان الهدف السامي التجاذب النوعي لثنائيته الخصبة - ويمتد هذا المفهوم ويتطور كمرض اجتماعي، إن لم يجد رادعا اجتماعياً أو ثقافياً أو دينيا لكبته، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، لذلك يتطلع المثقفون والشعراء والمفكرون أن تأخذ المرأة تمام حقوقها، وتقوم بكامل واجباتها، وفي جميع المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية - وفق الشرع والأعراف السليمة - والفكرية، بل والدفاعية، لقيادة المجتمع مثلها مثل الرجل، والقرآن الكريم في معظم الآيات يقرن الرجال بالنساء دون تمييز إلا بالتقوى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
س2: ميادة أبو شنب:
منْ ذا توهـّمَ أنَّ (اليــومَ) مكرمة ٌ
فكلّ ُ ثامـــــن ِمنْ آذارَ (آذارُ)
نطالع في هذا البيت، من خلال الجناس التام بين آذار الشهر وآذار الأسطورة، تضمين حاذق.
قدمت للقارئ، في الهامش، ما تعنيه من هذا التضمين كي يرى ما تريده وليس ما يريده. ومن جهة أخرى، أطلقت العنان للقارئ ليخمّن أنّه من هنا جاء اختيار هذا الشهر للاحتفاء العالمي بالمرأة.
"الحقيقة أنَّ الطاقة الخلاّقة المبدعة تكمن في الروابط الإنسانية بين دائرتي العقل الراقي، والخيال الخصب." (عبد الفتاح المطلبي الشاعر القاص بين النقد والإبداع/كريم مرزة الاسدي)
من هذا البيت ومقولتك المقتبسة من مقالك، هل بإمكاننا استنباط تأييدك أن الإنسان أدرك بـ "عقله الراقي" الكون من حوله وحاول بـ "خياله الخصب" تجسيد الآلهة القادرة على الخلق والابداع، في الماضي البعيد؟
ج2: كريم مرزة الأسدي:
التهميش يكتب لمساعدة القارئ غير المتضلع بالشعر وأسراره، أو باللغة وإيحاءاتها، أو بالرموز ودلالاتها، ويروم المرور مستمتعاً غير متعمق، وإلا فالنص الأدبي يفسرُّ ما يريد منه المفسّر، حسب ثقافته، وبيئته، وظروفه الموضوعية والذاتية، ومكانه، وزمانه، بمعنى لكل فرد قراءته الخاصة به، ومن وجهة نظري أنّ أقرب وأروع ربط بين الكلمتين المتجانستين، هو أنْ تكون كلمة آذار الأولى تمثل المرأة أم الخصوبة الحقيقية في عيد ميلادها، تتجسد في أسطورة آذار مصدر انبثاق الحضارات عند بلاد ما بين النهرين، والتي تبناها الكرد، نعم هنالك مدلول له مغزى في الثامن من آذار للأسطورة نفسها، وهذا فائض عن التوظيف لعجز البيت.
كلا، لا نستطيع أن نستنبط هذه الألهة الأسطورية من وحي العقل، لأن الأسطورة وهم عقيم ليس لها أي حيز في عقل الإنسان، ونحن نتداولها عن طريق الموروث كالسعلوة والطنطل وعشتار وتموز توظف للتمني العقيم، وإلا كيف يدرك العقل أو الخيال أموراً غير موجودة أساساً في الكون.
ألا كلُّ شيءٍ ما عدا الله باطلُ *** وكلّ نعيمٍ لا محالةَ زائلُ
أما مقولتي في مقالتي عن الأستاذ القاص والشاعر المطلبي حاولت أن أصيغها بدقة، فذكرت أن الطاقة الخلاقة المبدعة تكمن في الروابط الإنسانية بين الخيال الخصب والعقل الراقي، بمعنى أن الخيال الذي يمكن تحقيقه واقعياً، كالطيران والغوص في أعماق المحيطات، والجلوس على القمر... وحتى الصعود للمريخ، لأن القمر والمحيطات والمريخ وطيران الطيور لها حيز في عقل الإنسان، يمكن للخيال أن يجوب حولها ويصل إليها في لحظات، فمن هنا الخيال يرسم ويصور، ويأتي العقل الراقي عندما تتاح له الفرصة ليؤسس على ما رسمه الخيال خطوة خطوة حتى يكمل المشروع الإنساني الحضاري، ومن هنا أيضاً كان الشعراء والملهمون أكثر حضوراً وخلوداً، وأوسع شهرة من العلماء.
س3: ميادة أبو شنب:
يا عرشَ (بلقيسَ)، يا (زبّاءُ): لوعتنا
جفَّ الثرى و(قصير) القومِ غدّارُ!!
..........
(خنساءُ) ما خنِستْ، (حسّانُها) صخَرٌ !
لو كـــــــانَ للمفلِق ِ الإبــــداع ِمعيارُ
(ولاّدة ٌ) وسمتْ من (شـــهْريارَ) لمىً
(للشهرزادَ)، وما تؤتيهِ أقمـــــارُ
يجول خيالك في فضاءات التاريخ ويلتقط نجمات لا يخبو بريقها (من الملكات: بلقيس وزنوبيا، ومن الشاعرات: الخنساء وولّادة، ومن القصص: شهرزاد ومن الاساطير: آذار وعشتار) وتوظّف هذه الاسماء كرموز تجسّد حقيقة الأنثى في قصيدتك.
"لا نستطيع أن نحكـّم عقولنا الحسية بالفنون والحب والأديان فدوائرها أوسع مكتسحة دائرتي الخيال والعقائد حتى تخترق دائرة الوهم، ربما تصل للهولسة، وما الخيال سوى حركة النفس في المحسوسات المادية أبان غيبوبتها، وللمتخيل أن يركب ويحلل ما يشاء من محسوساته الغائبة، أمّا الوهم فهو ما يخطر في الأذهان دون أن يكون له أساس مادي، ويقع في مساحة اللامعقول واللاممكن الوجود كالأساطير وما أبعد" (عبد الفتاح المطلبي الشاعر القاص بين النقد والإبداع/كريم مرزة الاسدي)
في إطار أية دائرة استحضرت هذه الرموز؟
ج3: كريم مرزة الأسدي:
بدايةً نوجز تلخيصاً: قصيدتي استندت على ما سنحت به اللحظة من مخزون عقلي بتاريخه الشمولي، وفكره التأملي وفلسفته المتمازجة، وعلى محاكاة الأساطير، والخيال الخصب، بخلطة متجانسة من أزمنة مختلفة، قد تخمرت في العقل الباطن، وأطرها العقل الواعي بلمسات بسيطة، فولدت هذه الحبكة (ميثوز) - المناصرة للمرأة - غير العسيرة، ودون تخطيط أو تردد أو خوف...
سيدتي الكريمة: كما تعلمين، الإنسان - هذا الذي يُقتل في أوطاننا برصاصة تافهة طائشة - كائن غاية التعقيد والتركيب، سبحان خالقه!! يقول الجواهري في لفتة إنسانية بارعة:
يا جلق الشام إنا خلقة عجب *** لم يدر ما سرها إلا الذي خلقا
ومن عجائب خلق الله، جلَّ قدرةً، هذا التباين الرهيب بين دقائق مخلوقاته، وكبار حجهما، إذ لا يوجد منها فردان متشابهان مطلقا، بل حتى ظواهر طبيعته، لذلك أقول في أحد أبيات قصيدتي عن الإنسان مضمناً هذا التباين، مبهوراً به:
ما كان نيسان تهواه القلوب شذىً *** لو أن كلَّ شهور الدهر نيسانُ
من هنا وُجدت نظرية (التوازن في الطبيعة)، وعندما أخل الإنسان الطائش بتوازنها، عاد ليتباكى للعودة إليها مقرّاً بعجزه، من هذا المنطلق نعود لنقول: إنَّ الإبداع كالشعر والفن شيء، والعلوم البحتة، والإنسانية كالبحث والتاريخ والنقد - إن صح التعبير، فهو بين بين - شيء آخر، الشاعر لحظة نظم القصيدة وإبداعها، لا يعرف هذه الحدود بين العقل والخيال والوهم، ولا يدير بالاً لها، بل الوقت بتأمله الواعي، وتفحصه المتأني قليل الأهمية بالنسبة لأمر جودة القصيدة المولود، وربما يتعذر على الشاعر المبدع أن ينظم قصيدة أياما، ومن بعد يضع القصيدة الخالدة في ساعات، وليس للحفظ أهمية آنية للنظم، إنما الشاعر يحفظ لينسى (كقصة أبي نؤاس والأصمعي)، والنسيان له وظيفة نفسية وإبداعية، إبداعية لكي لا ينحل من إبداع غيره تعمداً، ونفسية إذ ينقل المحفوظات من عقله الواعي إلى عقله الباطن لا إرادياً، فتصبح من كيانه اللاشعوري، وكأنها تتخمر، وتتلاقح مع كل المعلومات والمحفوظات والصور التخيلية والتجارب الحياتية والآلآم النفسية، وعلى حين غرّة، قد يكون الشاعر سادراً في ذهوله، أو غاطاً في نومه، وإذا بالشرارة تنفجر لحظة إبداع، فتلتهب النار المتأججة بين الجوانح والثنايا والأعماق، فيهرع للقلم التائه والورق الضائع ليخط أروع ألحان الحياة، وأنغام التاريخ، ولا يبالي من بعد أن تحرق هذه الخريدة حياته، أو تضيء دربه، يقول (كيتس): إنه عندما يقرأ قصائده التي كتبها من قبل في لحظات الإلهام يعجب منها، ولم يكن هو إلا آلة تسجل ما تملي عليه الشخصية الثانية،، وكذلك قال (وليم بليك)، بأنه يكتب الشعر بما يملي عليه في لحظات، وهذا أبو القاسم الشابي يهجم عليه الشعر في الليالي فيمنعه الراحة والنوم، والجواهري ينظم قصيدة من أروع قصائده (يا دجلة الخير) في ليلة براغية واحدة. ولكن يغلبهم في دنيا الخلود أشواطاً وأشواطاً على حلبة السباق. فذلكة الأقوال: إنّ العالم والباحث والمؤرخ والناقد يحتاج إلى الوقت الكافي، والتأمل الصافي، والتروي الوافي، والتحقيق الدقيق، والتحليل العميق، والتواضع الرفيع، وما هكذا الشاعر في لحظات الإبداع، وإنمّا يقفز على كل هذه الحواجز، وينتصر زاهياً، ويُخلّد راغما...!!
س4: ميادة ابو شنب:
إنـــّي أتيتُ بلا زادٍ سوى ألمي
هذا العراقُ، فروحي منهُ أشطارُ
إنّ الفعل "أتيت" مثقل بدلالة بُعدك عن العراق، وتنفّس عبق الحرّية في الغربة لا يشغل الشاعر العاشق عن وطنه حتى لو فاضت أنهار تاريخه بالدماء.
كيف تحيل الألم إلى زاد؟ وكيف ستلملم أشطار الروح لتعود الى أحضان العراق؟
ج4: كريم مرزة الأسدي:
قيل قديماً (المعنى بقلب الشاعر)، وكنت أعني بصرختي الموجعة (إنّي أتيتُ بلا زاد)، أي لستُ بصاحب قرار نافذ للمشاركة في إنقاذ العراق من انحراف العقل الجمعي الطائفي، والمحاصصة النفعية، وتزوير الشهادات، والإرهاب الخارجي والداخلي، والجهل والتخلف والأمراض والفقر...، وليس المقصود بـ (إنّي..) كاتب هذه السطور، وإنّما الشاعر يعبر عن ضمير الأمة، فهي ترمز لكل مثقف عراقي وطني غيور، مفعم بالوطنية والإنسانية، وسبق أن كتبت مقالة جريئة، نشرها موقع (المثقف) تحت عنوان (الثقافة العربية متهمة...!!)، وضمنتها الفقرة التالية عن المثقف العراقي: يجب " أن يكون المثقف الحقيقي المبدع المتفهم لواجبه الأخلاقي، مشاركا حقيقياً في صنع القرار، لرفد الحضارة والإزدهار، غير مُهيمَن عليه بسياسة التبعية والإحتواء، إنْ لم نقلْ الإزدراء، والاّ فاستميحكم عذرا، نحن، وكل منـّا، على الأغلب:
كالعيس ِ في البيداءِ يقتلها الظما*** والماءُ فوقَ ظهورها محمولُ
لا ريب أنّ هموم الوطن شغلي الشاغل بدافع غريزي، صقلته الثقافة والتجربة والغربة، وضيقي من الزمن، وتبرمي منه لهموم موضوعية أو ذاتية دافعها موضوعي، وليس بدافع مصلحي ذاتي مطلقاً، فكاتب هذه السطور، لم يتقدم حتى بطلب العودة أو التقاعد، ولا زوجه، وهذا حقّ ضمنته القوانين لهما، لا منّة من أحد، لأنهما أديا خدمات تربوية جليلة لوطنهما، وخرجا لأسباب سياسية منذ عامي 1978م، 1980 م على التوالي.
نعم الأغتراب يمنحني فضاء الحرية الآمنة، والحاجة الماسة لأحضان الوطن والشعب والأمة، فأسكب كلّ المواويل، والأوجاع، والآلام شعراً من زاده المتزايد، وهي مشاعر إنسانية، تطرب كلّ أذان، والإنسان وجهة الإنسان، وأضيف إلى الشعر- رغم العينين الكليلتين - تاريخاً وأدباً ونقداً خدمة للأمة والأجيال، أما العودة فتتطلب مستلزمات يصعب توفيرها في مثل هذا العمر العليل، فالأسباب موضوعية، وليست بذاتية، ونعود للمتنبي الحكيم ثالثة:
بمَ التعلـّلُ لا أهـــلٌ ولا وطنُ ***ولا نديمٌ ولا كــــــــأسٌ ولا سكنُ
أريدُ من زمنـي ذا أنْ يبلـّغني*** ما ليس يبلغهُ منْ نفسِـــــهِ الزّمنُ
ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ***تجري الرّياحُ بما لا تشتهي السّفن
(وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ)
س5: ميادة ابو شنب:
يا أمّنا أنــــــتِ حصنٌ إنْ يفرّقنا
داعي الشقاق، وخلفُ الأمِّ ثوًارُ
تخاطب الوطن بـ "أمّنا" التي تمنح الأمن والأمان، كما توحي الاستعارة التصريحية. والكثير من الشعراء تبع هذا الدرب في التعبير عن حبّ الوطن بتأنيثه وخاطبه كأمرأة كاملة الأوصاف.
ما هي أوجه الشبه، بين الأمّ أو "رفيقة الدهر" وبين الوطن، التي تداعب خيال الشاعر حتى يصهرهما معاً في بوتقة أرقى المشاعر؟
ج5: كريم مرزة الأسدي:
نعم أختي الفاضلة، الأم مدرسة، والوطن مدرسة...، والأم هي الحياة بتمامها وكمالها، فالأم هي الخصوبة، ولولاها لما وجدت الأمة، فالأمة إحدى اشتقاقاتها، فخصوبة الوطن من جلال خصوبتها، وجذوره من عطاء مشيمتها، وحضنه من دفء حضنها، وربيعه من ريعان ربيعها، وجماله من لطف جمالها، وعزّته من صميم عزّتها، وتبرّجه من زهو تبرّجها، ويعجبني ابن الرومي العبقري الخالد، فهو أول من ربط بين المرأة والأرض حين يخاطب رياضها:
ورياضٍ تخايل الأرض فيها *** خيلاءَ الفتاةِ في الأبرادِ
ويخشى شاعرنا نسيانك، يكرر رؤيته لتبرج الرياض قائلاً:
تبرّجتْ بعد حياءٍ وخفرْ *** تبرّج الأنثى تصّدت للذكرْ !!
هذه هي جدلية الحياة ما بين الأرض الصماء، وأمنا منبع الحياة المعطاء، فالأوطان بأهلها وناسها من أم وحنين، وأب وبنين، متداخلة، متكاملة، وإلا فالطبيعة صماء...بكماء...عمياء... لا تعي ولا تقي، ولله في خلقه شؤون!!
ثمّ ماذا...؟!
ولأن الأم من خصوصيات الفرد، وكلّ فرد يرى أمه أم الدنيا، و (ست الحبايب)، ولا تضاهيها أم أخرى، كان الوطن القرين لها بالمواصفات أماً للشعب أو الجماعة، تقدسه العقول الواعية، والقادة العظام، فالأم والوطن توأمان ليس لهما مثيلان ولا قرينان!
س6: ميادة ابو شنب: ماذا في جعبتك من ذكريات عن ولادة هذه القصيدة؟ أي بيت جسّد بداية الولادة؟ وهل كانت القصيدة على البحر البسيط منذ ولادتها؟
ج6: كريم مرزة الأسدي:
أنا شاعر مطبوع، وكثيراً ما ارتجل الشعر ارتجالاً، والمطلع هو حجر الأساس لبناء أي قصيدة تتولد في مخيلتي وعقلي غالباً، ولابد أن يأتي بالمستوى الذي يهز وجدان المتلقي عقبى تجاربي في تاريخ الأدب العربي، وقبل هذا وذاك التذوق الشعري فنٌ وإحساس غامض لا يدري الشاعر نفسه كيف تتزاحم الكلمات والشوارد، وتتباين القابليات حسب موهبة الشاعر، وذخيرته اللغوية والفكرية والتخيلية: يقول المتنبي العظيم:
انام ملء جفوني عن شواردها ***ويسهر الخلق جراها ويختصم
وعندما تتم ولادة البيت الأول سرعان ما تتهافت الشوارد على ذهني إلهاما دون تكلف أو تصنع مع حدو وشدو دون اللجوء مطلقاً إلى علم العروض والقوافي الذي أجيده تماماً بكلّ خفاياه وزوياه، لأن أذني هي الأساس والمرجع والمنهل، وكما يقول جواهرينا - ويعجبني هذا العجز وأكرره - (وخلّها حرّة تأتي بما تلدُ)، قد أتأمل في وجهة الإعراب، أنى يكون المعنى أقوى، وقد ألجأ إلى المدرسة الكوفية مرات، فتتشكل في الساعة الأولى ما يقارب عشرة أبيات، ثم اواصل واواصل ذهاباً وإياباً مع كأس قهوة، أو كرعة شاي، وعادة عندما أشرع بنظم القصيد، يفرّ النوم من عيني فرارا، فاواصل الحبك، بل حتى لو غفوت، أفزّ مرّات لأضع أبيات، ونفسي طويلة جداً في الشعر، وقلصتها أخيراً، نعم سيدتي الكريمة منذ البداية، ولدت القصيدة من البسيط، ومع البسيط أمل وعمل، وأشكرك على فضلك الجليل، وصبرك الجميل، وسرد الشعراء طويل، ولكم جميعاً الأحترام والسلام بعد الختام.
ميادة أبوشنب: شكراً لك مجدداً الباحث والناقد والشاعر القدير كريم مرزة الأسدي وشكراً للحوار الممتع، والآن نترك الباب مفتوحا لمداخلات السيدات والسادة لطرح المزيد من الاسئلة لاثراء الحوار أكثر.
المثقف - نص وحوار
ميادة أبوشنب
2013/6/6
.............
رفيقة َالدّهر ِهلْ بـ (اليوم ِ) تذكارُ؟ / كريم مرزة الأسدي
قصيدة انتصار لحواء لتكملة المسيرة السمحاء بعد عجز حوار الفرقاء، وتاريخ الدماء!! بمناسبة عيد المرأة العالمي 8/ 3/ 2013 م، تلبية لطلب صحيفة (المثقف) الغراء قبل عدّة أيام من هذه المشاركة.
رفيقة َالدّهر ِهلْ بـ (اليوم ِ) تذكارُ؟!
وبنـتُ حـواءَ أجيالٌ وأعمــــــارُ
منْ ذا توهـّمَ أنَّ (اليــومَ) مكرمة ٌ
فكلّ ُ ثامـــــن ِمنْ آذارَ (آذارُ) (1)
أمَّ الوجــــــودِ لقدْ خبّأتكِ حِكـَماً
للكالحاتِ، إذا مــــــا هبَّ إعصارُ
أنتِ - كما زعمَ الماضون من نفري-
بنتُ الجمال ِ، وفي الصدرين إيثارُ
كمْ صاحبتني خلالَ العمر صاحبة ٌ
منْ ذكـــــرها عبّقَ التاريخَ أسفار
كانتْ دليلاً لعقلي حيـــــنَ يوهمني
فقصّـرتْ أنْ تضيءَ الشـّمسَ أشعارُ
لا يقهــــرُ السـّرَّ ما بالكون ِ معرفة ً
فالنفـــــسُ نفـْسٌ، وللجنسين قهـّارُ
يا عرشَ(بلقيسَ)، يا (زبّاءُ):لوعتنا
جفَّ الثرى و(قصير) القومِ غدّارُ!!(2)
يــاليتَ عصرَكما طــــالتْ طوائلهُ
ما بين بحر ٍوبحر ٍ، قد رسا العــارُ
يا بنـتَ حواءَ: والدنيــا مفــــارقة ٌ
فالمـــــجدُ مجدكِ، والأيّـــامُ أقــــدارُ!
(خنساءُ) ما خنِستْ، (حسّانُها) صخَرٌ !
لو كـــــــانَ للمفلِق ِ الإبــــداع ِمعيارُ (3)
(ولاّدة ٌ) وسمتْ من (شـــهْريارَ) لمىً
(للشهرزادَ)، وما تؤتيهِ أقمـــــارُ (4)
مَنْ ذا الذي مات َمِنْ حبٍّ لوالدهِ ؟!
لكنْ تـُعَلـّلُ للعشـّـــــــاق ِ أعذارُ!!
لا يبخسُ القلبُ ما بينَ الجوانـــحِ لا
والشعرُ ملهمــهُ للحبِّ (عشــتارُ) (5)
*****
إنـــّي أتيتُ بلا زادٍ سوى ألمي
هذا العراقُ، فروحي منهُ أشطارُ
أنـّى ولجتُ بغسق ِ الليل ِمكتئباً
شعّــتْ لعينيهِ بالآمــال ِ أنــوارُ
إنـّي أحاذرُ تاريخاً مظالمــــــهُ
وأفقهُ القبرُ، والمحصولُ أصفارُ !!
إنَّ الحرائــرَ إنْ قــــــادتْ مسيرتهُ
بالإلفِ حنواً، يشدّ ُ العزمَ أحرارُ !
تـُذكي لنا الدربَ دونَ اللهب زعزعة ً
ولا تهيمنُ فوقَ الرأس ِ أحجارُ !!
شتـّانَ بيــنَ نـَفور ٍ إرثـــهُ جدبٌ
وبينَ لطــــــفٍ تروّي فاهُ أمطــارُ
إنْ جــــرَّ آدمُها مـــن عنتهِ طرفاً
تقرّبتْ من سناها في الدّجى الدارُ
يا أمّنا أنــــــتِ حصنٌ إنْ يفرّقنا
داعي الشقاق، وخلفُ الأمِّ ثوًارُ
فقدْ تكاملَ في الشطرين وردُهما
والنقصُ وهمٌ مــن االجهّال ِ ينهارُ
اللهُ أكبرُ مــــــــنْ خـَلق ٍله خـُلقٌ
منْ جبلةِ العدل ِ، والتكبيرُ إكبارُ
لقد طلعتً وأنفاســـــــي موحـّدة ٌ
وهــــــا ختمتُ وبالأشعار ِ إشعارُ !!
................
(1) لا يخفى التضمين (ثامن آذار)، والجناس التام بين آذار الشهر الثالث، و(آذار) الأسطورة، وهو مركز انبثاق الحضارة وتفجّرها.
(2) الملكة بلقيس معروفة ملكة سبأ، سنة وفاتها غير محددة في اليمن، الزباء (زنوبيا) - ت 274 م - ملكة تدمر، و(قصير) بن سعد اللخمي وزير جذيمة الأبرش ملك الأنبار والحيرة، و كان (قصير) وفياً حكيماً نصوحاً لمملكته ووطنه بعكس سياسي هذا العصر !! ومع ذلك لم يأخذ الأبرش بنصحية القصير حتى قتلت الزباء جذيمة - ق 254 م - ثأراً لأبيها كما يذكر الطبري، ويزيد اسمها نائلة بنت عمرو، وجدعت أنف قصير.
(3) إشارة للمناظرة الشعرية بين الخنساء والشاعر حسان بن ثابت بحضرة الحكم بين الشعراء في سوق عكاظ الشاعر النابغة الذبياني. والخنساء هي تماضر بنت عمرو السلمية توفيت 24 هـ / 645 م -
(4) (ولاّدة) بنت الخليفة المستكفي - ت 1091م - أميرة وشاعرة عربية أندلسية اشتهرت بقصيدة حب مع الشاعر الشهير ابن زيدون، وهنالك إشارة لقولها: " وأعطي قبلتي من يشتهيها "، والملك شهريار مع زوجته شهرزاد مشروع قصة ألف ليلة وليلة.
(5) (عشتار): آلهة الجنس و الحب الجمال والحرب، عند البابليين القدماء، ملهمة الشعراء.زوجة تموز إله الخصوبة في بلاد الرافدين القديمة.
خاص بالمثقف