يرويها محمد نبهان أحد قادة انقلاب 18 تموز 1963
بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على الانفصال الذي جرى في دولة الوحدة بين سوريا ومصر عام 1961 ، يتسائل السوريون الذين عايشوا هذه المرحلة عن الاستفادة التي جناها السوريون من الوحدة ؟؟؟؟
الحقيقة أن الوحدة السورية المصرية التي قامت في العام 1958 وانتهت في العام 1961 ، لم تكن بمستوى الآمال المعقودة عليها ، بل على العكس تماماً ، كان لها أثر سلبي جداً على سوريا ، تلك الدولة التي كانت تخطو خطوتها ما قبل الوحدة نحو أن تكون من الدول المتطورة والمتقدمة على مستوى العالم .
آثار الوحدة السلبية لم تنته بالانقلاب الذي قاده عبد الكريم النحلاوي وأدى إلى انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة ، بل تعدتها بتشكل كتلة لا يستهان بها تطلق على نفسها إسم كتلة الضباط الناصريين ، هؤلاء الذين جعلوا من الرئيس عبد الناصر قدوتهم ، وأصروا أن يعيدوا تجربة الوحدة ، مستغلين ضعف الدولة الجديدة الناتجة عن انقلاب الثامن من آذار عام 1963 ، فقرروا تنفيذ انقلابهم في الثامن عشر من تموز عام 1963 ، ليعيدوا سوريا لحظيرة الوحدة التي اتعبتها وأرهقتها ، مستغلين كما ذكرنا سابقاً حداثة الدولة البعثية ، ورعونة قادتها وفي مقدمتهم وزير الدفاع وقائد الجيش أمين الحافظ ورئيس مجلس الوزراء صلاح الدين البيطار .
وقد نشرت مجلة الأسبوع العربي قصة الانقلاب الذي نظمه الضباط الوحدويون في 18 تموز 1963 .
القصة بدأت قبل أربعين يوماً من انقلاب الثامن عشر من تموز ، عندما التقى الضابط الثلاثيني محمد نبهان بالضابط جاسم علوان ، وهما اشتراكيان ناصريان تحدثا خلال لقائهما عن رغبتهما الشديدة بالعودة لدولة الوحدة السورية المصرية برئاسة عبد الناصر ، واتفقا على مخطط للتنفيذ اشترك معهما فيه ضابط يسمى رائف المصري .
كانت الساعة الحادية عشر صباحاً من يوم الثامن عشر من تموز هي ساعة الصفر الخطة كانت تقوم على أن يبدأ الضابط محمد نبهان وهو ضابط شاب من منطقة السلمية بالاستيلاء على مبنى القيادة العامة في الأركان ومبنى الإذاعة عند ساحة الأمويين ، معتمداً في ذلك على قوات الفدائيين ومعظمهم من النازحين والذين كان مخطط لهم مهاجمة الحرس الذين يطوقون مبنى الإذاعة والأركان من الأمام والخلف في نفس اللحظة والسيطرة على آلياتهم وأسلحتهم ، معتمدين على الأسلحة الخفيفة التي استولوا عليها من سرية الأشغال المجاور للمبنى .
بنفس الوقت كانت هناك تحركات شعبية يقودها شخصيات من المدنيين أمثال محمد الجراح ويوسف مزاحم ، وكانت مخطط لها التحرك من أمام جامعة دمشق والتكية السليمانية ، حيث كان الفدائيين في حالة تأهب للقيام بهجومهم على مبنى الأركان.
ومن هنا ننتقل إلى الضابط جاسم علوان البطل الأساسي في المعركة ، الذي كان دوره يقوم على احتلال مبنى سلاح الإشارة في القابون ومبنى مدرسة الشرطة العسكرية القريب من الموقع .
بدأ الانقلاب ، هاجم الفدائيون مبنى الأركان والقيادة العامة للجيش ، حيث كان وزير الدفاع أمين الحافظ ينظر من نافذته ، وأرسل أوامره بأن يضرب الانقلابيين بلا هوادة ، وأمر اللواء سبعين بالتحرك نحو دمشق من أجل تعزيز قواته ، تحولت ساحة الأمويين إلى نهر من الدماء ، اختلطت دماء المدنيين بدماء العسكريين ، واختلطت الأوراق .
شعر الانقلابيون بالمأزق ، أرسل جاسم علوان برقية إلى سلاح الطيران المصري يطالبه فيه بالتدخل لحماية الناصريين ، ويطلب منهم التدخل لحماية انقلابهم ، إلا أن البرقية لم تكن محمية بل كانت مكشوفة والتقطها جهاز الرادار السوري ، واحبطت العملية .
فشلت العملية ، بسبب التخطيط الفاشل لها ، فشلت بعد أن ترتب عنها ، بحيرات من الدماء السورية التي سالت في ساحة الأمويين والقابون ، كان ذلك بسبب حداثة دولة البعث التي كانت مستعدة لأن تبذل الغالي والرخيص من أجل استمراريتها بالسلطة ومن جهة ثانية ، رداءة قادة الانقلاب الناصري الذين لم يفدهم دعم جمال عبد الناصر لهم ، الذي لم يهنئ له عيش وهو يرى سوريا دولة مستقلة بعيدة عن مصر.
خلال المحاكمة صدرت العديد من الأحكام العرفية بحق قادة الانقلاب ، أمثال محمد نبهان وجاسم علوان ومحمد الجراح وغيرهم ....
بكى محمد نبهان في سجنه نادماً أمام قضاة التحقيق الذين حققوا معه ، بينما هرب جاسم علوان إلى مصر ، ليستقبل هناك استقبال الأبطال وبقي هناك حتى العام 2005 حيث عاد بعدها إلى دمشق بوساطات من قبل مصطفى طلاس صديقه المقرب آنذاك .
هاجمت مصر دولة البعث في زمن جمال عبد الناصر ، وبقيت ترعى مختلف الحركات الانقلابية بشكل عام والناصرية الوحدوية بشكل خاص .
مانستطيع قوله في النهاية ، أن سوريا ، مادخلت في عصر الانحطاط والانكفاء إلى عندما تركت البعد الوطني التعصبي للوطن ، وانتقلت للفكر البعثي القومي ، الذي ماوجد إلا ليكون حبراً على ورق غير قابل للتطبيق .