كُؤوسُ ذِكْراكِ
حَطَّمَتْني على شِفاهِ فَرَحٍ
لَمْ يَنْسَ طَعْمَكِ المُفْعَمَ بِعِطْرِ الآلهَة
وأنا
ما فَتِئْتُ خَيطًا مُعَلّقًا بفضاءِ عَينَيْكِ
ما نَضُبَتْ علائِقي الوَرديَّةُ منكِ
ولا
مِنْ نُضْرةِ سماواتٍ مُرَصَّعةٍ
بانْثيالاتِكِ اللاَّزورْدِيَّة!
حقولُ شقاوَتي
تَهالكَتْ على وَصْلِ غيْثِكِ
كمْ تاقتْ تَخْضَرُّ بينَ ثرْثرَةِ أناملِكِ
وكمِ اسْتَغاثَتْ
أنِ اجْبِليها بِعصا خُلودِكِ عصافيرَ نَدِيَّةً
تَرْتسِمُ دَيمومَةَ لَوْعةٍ..
بضوْءِ عُهْدتِكِ العَصِيَّة!
مُهْرةَ روحي الحافِيَة
ألا هُزِّي عتمَةَ وَجهي الذَّاويَة
سَرِّحيها نَوْرانِيَّةَ عدالَةٍ..
في مساماتِ جهاتِ مَوازينِكِ
عَلَّني.. أَنْغَمسُ بِكِ خُبزَ براءَة.
لا تُقْصيني أيا طوفانِيَ المُشْتَهى
نوافيرُ فَرارِكِ.. فَجَّرَتْ ضوْئِيَ اللَّيْلكِيّ
طاغيَةُ الحُمْرةِ باتتْ شهْقاتُ خيالي الكافِرِ
كَجذْوَةٍ مُجَمَرَّةٍ غَدتْ خفَقاتي!
ثنايا انْكِساراتي
ما فَتِئَتْ تُؤْنِسُني بصوْتِكِ المُتَهَجِّدِ
حُضورُكِ ..
ما انْفكَّ يُبْهِرُني صُداحُهُ
يَجْلِبُ ليَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ المطرَ
يَجعلُني أذْرِفُ كُلَّ عنادِلَ لِبْلابي!
مَنْ يُنجِدُني مِنْ سطْوةِ صوتِكِ
حينَ تَفتحُ لِيَ غِرْناطةُ السّماءَ؟
أو حينَ أَنهَمِرُ غيومًا على كُلِّ موْجَةٍ
تَنْداحُ مِنْ شَفتيْكِ “حياتي”؟
أنَّى تَعْتَلينَ مَوْجَةَ ذُهولي الخَرساءَ
فأَخْلُصُ مِنْ آثامي؟
أنا مَنْ جِئْتُكَ مَوْلودًا
بِلا حُجُبٍ وَلا أَقْنِعَة
ما كُنتُ لاهِيًا عَنْ نَقاءٍ.. عَبَّدَ القلوبَ بِطُهْرِكِ
وَنفضَ عنّي كُلَّ عرائي!
تمَرُّدُ خفْقَتي المَهْووسةِ.. لا تَلْجُميها
لا تُحيليني وَطنًا.. مُثْقَلًا بِالمَناقيرِ
أَبَدًا
مَناقيري.. ما خَنعَتْ لِدَساتيرِ هُرائِهِم!
على أَوْتارِ “حياتي”
عَزَفْتُ هَيْكلَكِ المُنيفِ بِكِ..
ضوْءًا أَزلِيًّا لا يَنْضُبُ
نَصَّبْتُكِ على عَرْشِ عَتمتي
لِيَسْتَدِلَّ بِخُشوعِكِ خُشوعي.
حُنْجرَتي الماسِيَّةُ.. ذابَتْ مَزاميرَ اسْتِغْفارٍ
على امْتِدادِ جَذْوَتِكِ!
كانَ ابْتِهالي أَعْمَقَ عَبَقًا..
حينَ حَضَرَ رُواؤُهُ جِرارًا
يَتَهَجَّى قِراءاتِهِ في مَحاريبِ حَنانِكِ!
كانَ صِيامي أَنْقَى أَجيجًا
يَتْلو على مَسامِعِ مائِكِ عَطَشَه!
بادِليني صَلاةً..
تَعْجَزُ عن قوْلِها لُغَةٌ قاصِرَة!
ها طَعْمي قَدِ اكْتَمَلَ في حَضْرَةِ نيرانِكِ
وَها دُنُوُّكِ.. كَفيلٌ بِإِعادَتي مُتعبِّدًا..
إِلى نِصابِ مَعْبَدِكِ.
لا تَقْتَلِعي أَوْتادَ جَأْشي
فَأَذوبُ على مُنْحَنى وَهْمٍ..
فيهِ مَحْوي
جَلْبِبيني بِظِلِّكِ الأَخْضرِ
حينَ تَخْلَعُ الأَقمارُ قِشرَتَها
أرْجوكِ.. اقتَرِبي مِنّي
وَانْتَشِليني مِنْ سُدَفِ عَتْمَتي الحَدْباء!
أَتُراني اسْتَسْقَيْتُ رَمادَ فُؤادٍ
تَلاشى في تَقاسيمِ قَفَصٍ جَليدِيٍّ؟
أتيحي لِشِفاهِ لَيْلي..
أَنْ تَلْثُمَ مَعْزوفاتِكِ
لِتُشْرِقَ شُموسُكِ مِنْ أقداحي مَواسِمَ حَصاد!
مُنْذُكِ
وَبَيادِري.. ما اسْتَباحَتْها إلّا تَسابيحُ ذِكْراكِ!
مُنْذُكِ..
وَسَنابِلي العَتيقَةُ.. تَدَّخِرُ قَمحَكِ
بارِكي طَواحينَ قَلْبٍ لا تَنْبِضُ..
إلّا بِأعاصيرِكِ اليانِعَة
اِعْصِفي بي عَسْجِديني.. بِراحَتَيْكِ الشَّفَّافَتَيْنِ
لَوِّنيني.. بِسَطْعِكِ
كَيْ يَنْضُوَ عن روحي أَترِبَةَ الغِيابِ.
نَأْيُكِ آسِنٌ..
يُحَوِّطُني بِمائِكِ المُقَدَّسِ
أَخْشاهُ يَسْلِبُني نَبْعِيَ المُلَوَّن!
تَخَطَّفيني مِنْ بَيْنِكِ مَلائِكَةَ حُروفٍ
تُذْكي هَجيرَ قَناديلي بِاشْتِهاءاتِ الكَواكِبِ!
وَحْدَكِ.. مَنْ رادَفَ جَرْفُها حَرْفَها
وَغَدَوْتُ طَمْيًا.. على ضِفافِ رَحيلِكِ!
يا مَنْ كُنتِ كَمائِنَ اقْتِناصي..
بِفِتْنَتِكِ الآسِرَة
أنا المَسكونُ بِدَفْقِ الظَّمَأِ
لِتَفاصيلِ شُموخِكِ
مَتى تَغْدينَ شارَةً عَذراءَ.. على عَوْدَتي الأبَدِيَّة؟
أنا مَنْ تَكَلَّلْتُ بِمَواسِمِ الدُّوارِ
تُراقِصُني طُقوسي المَنْذورَةُ..
على إيقاعِكِ الضَّبَابِيِّ
عَلَّني أسْتَعيدُ نَبْضِيَ..
إِنْ مَكَثْتِ بَيْني وَبَيْني!
ألْقيني بِحضْنِ وَقتٍ يُمْعِنُ في عِناقِكِ
كَم أجادَ التَّفَلُّتَ مِنْ بَينِ أصابِعي
وَنَحَّاني مُغَرِّدًا وَحْدَتي
دَعيني..
أَتَوارى خَلْفَ صُداحِكِ
حَيْثُ طابَ لَهُ المُكوثُ الرَّيَّانُ
على هَوامِشِ ضوْئِكِ