قلنا أن مندوب رئيس الوزراء البريطاني الجنرال سبيرس قد جاء حاملاً رسالة ود إلى الرئيس القوتلي الذي كان موجوداً في قصره بالزبداني …
إلا أن الفرنسيين ظنوا من هذه الرسالة أن الجنرال سبيرس يناصبهم العداء فسعوا إلى حكومته حتى استاطعوا أن يحملوه على اعتزال عمله في سوريا أواخر عام 1944 …
بعد اعتزال الجنرال سبيرس ، تم تعيين المستر ترنس بدلاً عنه وقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس القوتلي في 23 ديسمبر 1944 وألقى خطاباً بمناسبة تقديم أوراق اعتماده أكد فيها على أهمية سورية لاستقرار الوضع في المنطقة .
ويقول الرئيس القوتلي في متابعة روايته عن استقلال سوريا : بعد أن ألقى المستر ترنس كلماته بمناسبة استلام أوراق اعتماده وبعيد كلماته بحق سوريا ، قلتُ له : يسرني أن أسمع منكم تأكيد التصريحات التي أعلنتها الحكومة البريطانية في سوريا بمناسبات عديدة ، ونحنُ نعمل على تسوية المشاكل والمصاعب للوصول إلى تفاهم متبادل يقوم على احترام حقوق الشعوب وأمانيها المقدسة وهذا ما ستصنعهُ سوريا وتحرض عليه بكل طاقاتها …
آذان المغرب ينقذ الموقف : يقول الرئيس القوتلي : ذات يوم دعاني الملك عبد العزيز آل سعود لزيارة المملكة العربية السعودية من أجل مناقشة بعض الأمور الهامة المتعلقة بالوضع في المنطقة بشكل العام والوضع في سوريا بشكل خاص .
وقد قبلت الدعوى لما تربطني مع الملك عبد العزيز علاقة صداقة وأخوة متينة ، وخلال وجودي في المملكة العربية السعودية قابلت المستر جوردن وزير بريطانيا المفوض هناك ، وطلب مني العمل للتفاهم والتعاقد مع الفرنسيين ، إلا أنني قابلت طلبه بالرفض القاطع ، فعاد ليخبرني أن حكومته متفقة مع فرنسا على تسوية الوضع في سورية ، وأن من مصلحة بريطانيا تحقيق هذا الاتفاق نظراً لظروف الحرب وحرصها على دوام العلاقات الودية مع فرنسا .
وعندما اشتد إلحاح الوزير البريطاني على توقيع اتفاقية بين سوريا وفرنسا ، واستمر رفضي القاطع لهذا الموضوع ، أمر جلالة الملك عبد العزيز المؤذن أن يؤذن لصلاة المغرب فانتهى الحديث وأنقذ الموقف .
لاتهددني يا فخامة الرئيس :
وعند زيارتي للقاهرة بزيارة عمل استمرت لثلاثة أيام ، جائني اللورد كيلرن السفير البريطاني المفوض في القاهرة ، ليخبرني أن المستر تشرشل أبلغه أنه قادم من يالطة إلى مصر وأنه يرغب بالاجتماع بي ، فقررت تأجيل سفري لمقابلته .
وصادف ذلك كله أن جاء الملك عبد العزيز في زيارة رسمية للقاهرة بدعوى من الملك فاروق ، فعقدت عدة أجتماعات بيني وبين الملكين بفندق بحيرة قارون بالفيوم ، جرت فيها مباحثات تاريخية حول مستقبل وقضايا الأمة العربية الهامة .
وفي مساء يوم الأحد 18 شباط 1945 قابلت المستر تشرشل في القاهرة ، وكانت مقابلة طويلة حضرها المستر أنطون إيدن وزير الخارجية البريطاني ، والسير ادوارد كريج والسير الكسندر كادوجان والمستر ترنس الوزير البريطاني المفوض في سوريا وغيرهم من رجالات الانكليز ، ودار الحديث في هذه المقابلة حول ضرورة التفاهم بين سوريا وفرنسا … فاعلنت أمامهم أن بلادي عازمة على الخلاص من فرنسا ونيل استقلالها وحريتها ولايمكن أن تتحول عزيمتها بأي شكل من الأشكال … وأن السلم لن يستتب في الشرق إلا بجلاء فرنسا عنه … وأن سوريا مستعدة لبذل آخر قطرة دم من دماء أبنائها في سبيل الحرية والاستقلال .
وهنا التفت إلي المستر تشرشل وأجابني بلهجته القوية :
لا تهددني يافخامة الرئيس فإنني الآن قادم من يالطة حيث كنا نقرر مصير العالم …
فالتفت إليه وأجبته بكل ثقة :
ونحنُ أبناء سوريا والعرب من هذا العالم أيضاً ونريد أن نعيش في أمان وسلام وأن نساهم في سعادة البشرية وتأمين الاستقرار في هذه البقعة ، ولايمكن أن يتحقق شيء من هذا مادامت فرنسا موجودة في الشرق …
واستمر الأخذ والرد فيما بيننا وانتهى دون الوصول للغاية التي كان يرمي لها المستر تشرشل من إقناعي بتسوية الأمور مع فرنسا …
مجلة المصور 24 آذار 1950
رحمك الله أيها الرئيس شكري القوتلي ، فلولاك ولولا أمثالك من الرجالات السوريين الوطنيين ، لما عجزت بريطانيا عن تحقيق غايتها بإخضاع سوريا عن توقيع اتفاقية ذل وخنوع مع الفرنسيين ، ولما استطاع السوريين من نيل حريتهم واستقلالهم التام عن المستعمر الفرنسي في السابع عشر من نيسان عام 1946.
عن سيريا نيوز