القرامطة
كان اضطهاد الخلافة العباسية للعلويين و ملاحقتهم في كل مكان و خاصة أيام الخليفة المنصور سبباً رئيسياً في هروب العلويين إلي أطراف الدولة العباسية و ميلهم إلي التطرف و التعصب الأعمي ضد كل ما هو عباسي و رغبتهم في تقويض الخلافة العباسية انتقاماً منهم. فظهرت فرق كثيرة شيعية متطرفة استوطنت و أسست دويلات شيعية بعيداً عن السلطة المركزية في بغداد ، فظهر البويهيون الشيعة في فارس و الفاطميون الشيعة في بلاد المغرب و القرامطة الشيعة في الجزيرة و الصليحيون الشيعة في اليمن.
و القرامطة هي فرقة سياسية دينية من غلاة الشيعة أسسها حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط و هو إسماعيلي العقيدة ، و الإسماعيلية هي أحد الفرق الشيعية المتطرفة. نشأت دولة القرامطة في منطقة الإحساء في شبه الجزيرة العربية و جعلوا مركزهم في جزيرة أوال ( البحرين حالياً) ، و كان أول أمرائهم أبو السعيد الحسن بن بهرام الجنابي (286 -301 هج / 899 م – 913 م ) و سمي أتباعه بالجانبيين و هو أقوي رجال هذه الدولة و أطولهم حكماً . و يليه في الأهمية الحسن بن أحمد بن بهرام المعروف بالحسن الأعصم ( 350 – 358 هج / 961 م – 969 م ). ثم جاء بعده أبو يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي ( 358-366 هج / 969 م – 976 م ) ، و بعد وفاته صار حكم الدولة القرمطية إلي مجلس من شيوخ القرامطة يسمي مجلس الخمسة ، و كانت الدولة قد ضعفت و لم يعد يحسب لها حساب.
كان القرامطة قوة عسكرية بدوية تعتمد في حياتها علي الغارات التي تشنها علي الدول المجاورة . و كان القرامطة من ألد اعداء العباسيين، و صاروا يهاجمون الخلافة العباسية في العراق . و كانوا علي علاقة صداقة في بادئ الأمر مع الخلافة الفاطمية علي اساس أن كلاهما يدينون بالمذهب الشيعي ، ثم أنقلبوا علي الفاطميين و هاجموا أملاكهم في الشام و فلسطين.
حاولوا الاستيلاء علي دمشق سنة 289 هج بقيادة أميرهم زكرويه و لكن الخليفة العباسي المكتفي استطاع التصدي لهم و قتل قائدهم زكرويه سنة 290 هج.
و في عهد الخليفة العباسي المستكفي عام 905 م / 292 هج توسع القرامطة فسيطروا علي شرق الجزيرة و مصر و بدأوا يتجهون إلي الشام و أسسوا مركزاً للدعوة في الرملة في فلسطين.
و في عام 317 هج هاجم القرامطة مكة المكرمة و انتزعوا الحجر الأسود من الكعبة و بابها و قاموا بأعمال دموية بشعة فقتلوا من الحجاج 30 ألفاً ، ثم عادوا لديارهم و معهم الحجر الأسود ووضعوه في كعبة بديلة في الإحساء ليحج إليها الناس ، و ظل الحجر الأسود معهم حتي هددهم الخليفة العزيز بالله الفاطمي فأعادوه سنة 339 هج .
و كان ظهور دولة السلاجقة السنية في بغداد ووراثتها لأملاك الدولة البويهية إذاناً بزوال دولة القرامطة ، لأن دولة القرامطة الشيعية كانت تعتمد علي الدولة البويهية الشيعية في بغداد و الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر و و أن أي من الدولتين البويهية و الفاطمية لن يفكر في محو دولة القرامطة حتي يستخدموها ضد الخليفة العباسي كلما لزم الأمر.
و لكن بعد زوال دولة بني بويه في بغداد و الضعف الذي دب في الخلافة الفاطمية أصبحت دولة القرامطة لقمة سائغة للسلاجقة الذين أعدوا جيشاً كبيراً هاجموا به دولة القرامطة في البحرين و الإحساء عام 1078 م / 470 هج و هزموهم هزيمة قاسية في معركة الخندق في الإحساء و أنهوا وجودهم هناك.
لم يتبق من القرامطة إلا فلول صغيرة اشتغلت بقطع الطريق و الإغارة علي مصر فتصدي لهم صلاح الدين الأيوبي حتي أفل نجمهم نهائياً.