بعد نهاية الحرب العالمية الثانية زادت الهجرة اليهودية بصورة مكثفة لفلسطين بتشجيع من إنجلترا و الولايات المتحدة الأمريكية و رئيسها هاري ترومان نفسه، و ذلك لتغيير كثافة اليهود علي أرض فلسطين استعدادً لقرار التقسيم.
و بالفعل صدر قرار التقسيم من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م، و يقضي بتقسيم أرض فلسطين إلي دولة عربية و دولة يهودية.
خريطة نوضح قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة 1947م
الحقيقة أن القيادة السياسية في مصر لم تكن علي وعي تام بما يجري علي الساحة الدولية، حتي أن الملك فاروق نفسه كان مندهشاً من حماسة الأمريكان و السوفيت لإقامة وطن قومي لليهود.
في نفس الوقت، كان الملك عبد الله يسعي إلي توسيع مملكته الجديدة في شرق نهر الأردن ، و من أجل هذا الهدف باع الملك عبد الله أرض فلسطين في اتفاق سري مع الإنجليز و الوكالة اليهودية يقضي بضم الضفة الغربية لنهر الأردن إلي مملكته في شرق الأردن، بدلاً من أن تقوم بها دولة فلسطينية ، و في المقابل تنسحب القوات الأردنية من الأراضي المخصصة للدولة اليهودية وفقاً لقرار التقسيم.
الملك عبد الله ملك الأردن
لم يكن الملك فاروق و لا الساسة المصريون علي علم بهذا الاتفاق، و إنما كانت تساورهم الشكوك في نوايا الملك عبد الله.
و كان الملك عبد الله يمني نفسه ألا تدخل مصر الحرب، و ذلك حتي يقود هو الفيلق العربي إلي الضفة الغربية لنهر الأردن و القدس و يضمها لمملكته في الشرق، و حتي لا تفسد مصر عليه اتفاقه السري مع الإنجليز و اليهود. و كان يعرف أنه إذا لم تدخل مصر الحرب، فإن السعودية و سوريا و العراق لن تدخلها. لذلك عمل الملك عبد الله علي الاتصال بالملك فاروق بالقنوات السياسية ليوصل له فكرة عدم جدوي دخول مصر بجيشها في الحرب، لأن النتائج محسومة لصالح اليهود و الإنجليز الذين يقفون وراءهم.
قبل حرب فلسطين بستة أشهر لم تكن القيادة السياسية في مصر قد خططت لما ستفعله عند إعلان نهاية الانتداب البريطاني في 14 مايو 1948، و كان أقصي ما قام به رئيس الوزراء النقراشي هو إقامة مركز قيادة عسكري في العريش فيه كتيبة مشاة معززة بمدافع هاون لمنع الاضطرابات التي قد تحدث في فلسطين أن تعبر إلي مصر.
كان إسماعيل صدقي و النقراشي يعارضان تدخل عسكري مصري في فلسطين علي اعتبار أن مصر عسكرياً ليست مستعدة. و كان رأي إسماعيل صدقي أن مصر ممكن أن تتعايش مع دولة يهودية علي حدودها الشرقية وفقاً لقرار التقسيم. أما الملك فاروق فكان يتنازعه آراء ساسته من ناحية و تشجيع السعودييين و العراقيين له لدخول الحرب من ناحية أخري، و كذلك رغبته في إثبات قيادة مصر للعالم العربي و قيادته هو شخصياً للأمة العربية و ما يترتب علي ذلك من مسئوليات.
و لكن قبل انتهاء الانتداب البريطاني لفلسطين بأسبوعين، حدث تغير كبير في الموقف المصري، و أصبح الملك فاروق و رئيس وزرائه النقراشي من المؤيدين لدخول جيش مصر الحرب. حدث هذا التغير كنتيجة لما لمسه النقراشي من رضا الإنجليز و موافقتهم علي دخول جيش مصر الحرب. كان الإنجليز يريدون أن تكون هناك مقاومة عربية إلي حد ما حتي لا يتحول انسحاب الإنجليز من فلسطين إلي قيام اليهود بمذابح و حمامات دم لعرب فلسطين.
و بالفعل عرض النقراشي المسألة علي مجلس النواب في جلسة سرية مساء يوم 12 مايو 1948م أي قبل إعلان انتهاء الانتداب بيومين، ووافق المجلس علي دخول الحرب.
أما علي الجانب اليهودي، فقد كانت الوكالة اليهودية تمثل القيادة السياسية اليهودية و يرأسها ديفيد بن جوريون، و القوة العسكرية متمثلة في الهاجانا و هو جيش الدفاع، بالإضافة إلي جماعات أخري متطرفة مثل جماعتي أرجون و شتيرن الإرهابيتين.
أما استراتيجية التنفيذ لليهود علي الأرض فكانت تتلخص في ثلاث نقاط:
أولاً: تأمين احتلال و السيطرة علي الأراضي المخصصة للدولة اليهودية وفقاً لقرار التقسيم سواء بالتعاون مع الإنجليز أو بالعمل المسلح ضدهم، و هو ما حدث في احتلال يافا و حيفا مباشرةً بعد انسحاب القوات البريطانية منها.
ثانياً: السيطرة علي كل التلال و المواقع المرتفعة الكاشفة لما حولها، و كل مفارق الطرق المهمة، و كذلك المناطق القريبة من حدود الدول العربية المجاورة، دون النظر إلي كون هذه المناطق تخضع للجزء اليهودي أو العربي، و ذلك لتطويق ميدان الصراع و التحكم فيه.
ثالثاً: العمل بكل الوسائل علي دفع أكبر عدد ممكن من السكان العرب إلي الهرب من أراضيهم و بيوتهم و مزارعهم. فكانت مذبحة دير ياسين الذي كان هدفها الأساسي زرع الرعب في قلوب العرب ليهربوا بأنفسهم و أولادهم من المذابح التي تنتظرهم. و لقد ورد في مذكرات اسحاق رابين الذي كان في ذلك الوقت ماجور في الهاجاناه أنه قام وحده بطرد ما بين خمسين و ستين ألفاً من العرب من بيوتهم و قراهم في المنطقة الواقعة بين اللد و الرملة.
اقترب موعد انتهاء الانتداب البريطاني علي فلسطين، و اتفقت الدول العربية علي أن يتولي الملك عبد الله مركز القائد الأعلي للجيوش العربية في فلسطين، و تولي المصري اللواء محمد أحمد المواوي القيادة العامة للقوات العربية، بالإضافة إلي قوة خفيفة من المتطوعين يقودها البكباشي أحمد عبد العزيز تعمل علي المحور الشرقي من خط العوجة إلي بير سبع إلي الخليل و بيت لحم.
كانت الجيوش العربية تتكون من الفيلق العربي الأردني و الجيش المصري و فرق من العراق و سوريا و متطوعين ليبيين و مصريين.
و في مساء يوم 13 مايو 1948م عبرت أول كتيبة للجيش المصري كوبري الفردان عند قناة السويس متجهة إلي فلسطين.
و لقد كان دخول الجيش المصري إلي فلسطين علي ثلاث محاور رئيسية : محور الطريق الساحلي من خان يونس إلي مستعمرة نتسانيم شمال غزة ، و محور العوجة إلي بيت لحم ثم الخليل و تعمل عليه قوات المتطوعين بقيادة أحمد عبد العزيز، و محور شمال النقب الممتد عرضاً من الخليل إلي الفالوجاً و عراق المنشية و المجدل علي ساحل البحر المتوسط.
و لم تكن هذه المحاور متصلة ببعضها، لذلك كانت الطرق الفاصلة بينها الأكثر خطراً، لأن استيلاء العدو علي هذه الفواصل يعني فصل محاور الجيش المصري عن بعضه ، و تحويل كل محور إلي جيب شبه محاصر. و هو ما حدث بالفعل بعد ذلك في حصار قوات الجيش في الفالوجا.
بدأت العمليات يوم 14 مايو 1948م ، و بدأ هجوم الجبش المصري علي المستعمرات اليهودية في منطقة غزة، و قامت بطائراته بالإغارة علي تل أبيب فضربت محطات توليد الطاقة و المطار العسكري. و في يوم 15 مايو، وصلت طلائع القوات المصرية مدينة غزة.
و في 20 مايو اقتحمت القوات المصرية مستعمرة دير سنيد الاستراتيجية لليهود علي الطريق من غزة إلي تل أبيب بعد قتال استمر عشر ساعات، فقد كانت المستعمرة محصنة تحصيناً شديداً “علي أحدث فنون الهندسة العسكرية” كما جاء في إشارة قائد القوات المصرية إلي عثمان باشا المهدي رئيس أركان حرب. و استمرت المعارك داخل المستعمرة حتي حسمها الجيش المصري لصالحه و رفع العلم المصري علي المستعمرة يوم 24 مايو.
كان أداء الجيش المصري في بداية الحرب جيداًً، و عند بدء سريان الهدنة الأولي في 11 يونيو 1948 ، كان الجيش المصري قد استولي علي خان يونس و دير البلح و غزة و بييت حانون و بير سبع و دير سانيد و الخليل و بيت لحم و المجدل و أسدود و الفالوجا و عراق المنشية و بيت جبرين و نيتسانيم و عجور و عرطوف. و الحقيقة أن كل هذه المدن كانت تتبع الأراضي المخصصة الدولة الفلسطينية وفقاً لقرار التقسيم. لذلك لم يبد اليهود مقاومة عنيفة إلا في دير سانيد.
أما علي الجانب الأردني ( الفيلق العربي)، فقد استولي الفيلق علي القدس القديمة يوم 21 مايو، كما حاصر الحي اليهودي (القدس الغربية) و سقط منها الجامعة العبرية و مستشفي هداسا.
و الحقيقة التي تكشفت بعد ذلك هو أنه كان هناك اتفاق مسبق بين قيادة الجيش الأردني بقيادة جلوب باشا الإنجليزي و جيش هاجاناه اليهودي علي ما هو مخصص لكل منهم وفقاً لخطة التقسيم، فلا يعتدي أي منهم علي مواقع الآخر.
و بعد سريان الهدنة الأولي في 11 يونيو 1948، تدفقت الإمدادات علي اليهود من الخارج، و بدأوا في تعزيز مواقعهم، و لم يتوقفوا عن خرق الهدنة بالهجوم علي مواقع الجيوش العربية و الاستيلاء علي الأراضي و طرد الأهالي من قراهم.
و فوق ذلك كله، بدأت الجبهة العربية في التصدع نتيجة انسحاب القوات الأردنية من المواقع التي تحتلها لتفسح المجال للقوات اليهودية لتحقيق المزيد من المكاسب علي الأرض.
يقول حسنين هيكل في كتابه ” العروش و الجيوش 1″ أن ديفيد بن جوريون أصدر تعليمات إلي رئاسة أركان جيش الهاجاناه بضرورة احتلال مثلث جنين طولكرم لاترون، و لتحقيق ذلك فإن عليها أن تبدأ بإزاحة القوات الأردنية و العراقية من اللد و الرملة ( و كلها مناطق مخصصة للعرب بمقتضي قرار التقسيم).
و كان ذلك يواجه الجنرال “جلوب”- قائد الفيلق العربي الأردني- بمعضلة لأن هذه المناطق واقعة ضمن ما هو مخصص للعرب بمقتضي قرار التقسيم. و لكنه في نفس الوقت لديه أوامر واضحة من الإنجليز بعدم مهاجمة قوات اليهود. فأرسل جلوب إلي الملك عبد الله ليعاونه في هذه المسألة.
فقرر الملك عبد الله أن يفسح لليهود لتحقيق أغراضهم. و لكي يفعل ذلك دون أن يثير الشكوك، أرسل إلي قادة الدول العربية يطلب منهم المدد العسكري بدعوي أن القوات الأردنية المدافعة عن اللد و الرملة ليس لديها ذخيرة كافية للدفاع عن المنطقة ، و هي تتعرض لضغوط القوات اليهودية. و كان الملك عبد الله يعلم أن القوات العراقية و المصرية ليس لديها ما يكفيها هي أصلاً، و بالتالي لن تستطيع أن ترسل ذخيرة إضافية للقوات الأردنية.
و بالفعل انسحبت القوات الأردنية من اللد و الرملة، و بدأت القوات اليهودية دخول المناطق المخصصة للعرب وفقاً لقرار التقسيم بدون قتال، و هو ما تكرر بعد ذلك في الجليل الأعلي و في النقب حتي شاطئ خليج العقبة.
و ليس أدل علي هذا التصدع الذي حدث في الجبهة العربية من الإشارة التي وردت في يوميات الحرب لحسنين هيكل ، و جاءت كالتالي:
18 يوليه 1948
الساعة 2400
من: إدارة المخابرات الحربية
إلي: الجيش بالنيابة
إدارة المخابرات الحربية سري جداً
رسالة شفرية 2300 يوم 18/7/ 1948
وصلتنا المعلومات التالية من مندوبنا بعمان و أصبح شعور الأهالي تجاه الجيش الأردني غير مرض، تكررت حوادث إطلاق النار علي الإنجليز الضباط. بدأ الانقسام يدب بين الضباط و الجنود الأردنيين تجاه القادة الإنجليز. تكررت حوادث تعدي جنود العراق علي الأردني لعدم قيام الأردني بواجبه تماما.
و الحقيقة أن هذه الإشارة تشير إلي تقاعص الجيش الأردني في الحرب، كما تشير أيضاً إلي عدم رضاء الجنود و الضباط الأردنيين عن الأوامر التي تصدر لهم من قيادتهم العليا التي تأتمر بأمر الإنجليز.
ثم تجددت الهدنة في 18 يوليو 1948، لكن اتفاقيات الهدنة كانت بالنسبة للإسرائيليين حبر علي ورق، أما الجيوش العربية فقد ظلت حائرة لا تدري كيف ترد علي خروقات الجانب اليهودي، فاكتفت برصد الخروقات و ارسالها إلي مراقب الهدنة من الأمم المتحدة. و نورد مثال علي ذلك ما اورده حسنين هيكل من يوميات الحرب في كتابه ( العروش و الجيوش 1) في يوم 20 يوليه 1948:
الساعة 1615
من: هيئة المستشارين
إلي: العمليات الحربية – الجامعة العربية
201600- 201/20
ع ح 1 من القيادة العراقية. يهاجم العدو القري المنعزلة جنوب حيفا. جبح و اكزم و عين غزال. فرصة الهدنة تساعده علي القضاء علي مقاومتها. سكانها 30 ألف عدا اللاجئين. نرجو إخطار الجامعة و لجنة الهدنة و الصليب الأحمر لمنع الاعتداء…أفد.
و مع تصاعد الخروقات اليهودية، بدأ اليهود في شن غارات جوية علي مدن القاهرة و عمان و دمشق، و ذلك للتأثير سلباً علي معنويات الشعوب العربية، و القيادات السياسية، حتي أن الطائرات الإسرائيلية حلقت فوق قصري عابدين و القبة يوم 18 أكتوبر.
و بسبب الخسائر التي منيت بها القوات المصرية، جري تغيير القائد العام للقوات ليصبح اللواء أحمد فؤاد صادق بدلاً من اللواء المواوي. و بعد استشهاد أحمد عبد العزيز، تولي قيادة المتطوعين القائمقام عبد الجواد طباله.
و عندما بدأت القوات الأردنية في تنفيذ مخططها بضم الضفة الغربية للأردن، بدأت المشاحنات بين القوات الأردنية و الأهالي الفلسطينيين. و منها ما ورد في يوميات الحرب في ( العروش و الجيوش 1) لهيكل، في يوم 31 أغسطس 1948
الساعة 2045
من: رئاسة القوات
إلي: راح
الآتي بعد تبلغ لنا من بيت لحم
” مرت بنا ست لوريات محملة بالجنود و ثماني مصفحات تابعين للجيش الأردني متجهين للخليل. و الأهالي ثائرين ضد الأردنيين”.
و الحقيقة أن القوات المصرية كانت من الفروسية أو السذاجة أن وثقت في القوات الأردنية علي الرغم كل الإشارات التي تنبئ بعدم جدية الموقف الأردني في الحرب.
و إذا أردنا استجلاء الحقيقة عن أسباب هزيمة مصر في حرب 1948م، يتضح لنا أنه كان هناك أسباب سياسية مهدت لهذه الهزيمة و أسباب أخري عسكرية علي أرض المعارك.
أما الأسباب السياسية فهي:
أولاً: مساندة إنجلترا و الولايات المتحدة و فرنسا لليهود في الحصول علي دولة خاصة بهم علي أرض فلسطين. هذه المساندة تمثلت في تشجيع هجرة اليهود بأعداد ضخمة لفلسطين، و إمدادهم بالأسلحة و الذخيرة ، و منعها عن الجانب المصري، و تدريب اليهود علي الفنون العسكرية.
و علي الرغم أن إنجلترا وافقت علي دخول الدول العربية الحرب بجيوشها، إلا أنها كانت تعلم تمام العلم أن القوات العربية بتسليحها و قدرتها لن تستطيع أن تحقق نصراً علي قوات اليهود التي تفوقها عدداً و تسليحاً و قدرات عسكرية. كما انها مارست ضغطاً كبيراً علي حكومات الدول العربية لكي تضمن قيام دولة يهودية في الأرضي التي خصصت لها بموجب قرار التقسيم.
ثانياً: غياب استراتيجية واضحة لدي القيادة السياسية في مصر التي لم يكن لديها الدراسات السياسية و العسكرية و التاريخية عن فلسطين و خطورة المخطط الصهيوني، و طبيعة و اسباب و ابعاد المساندة الغربية لقيام هذه الكيان فوق أرض عربية. كما لم يكن لديها مخابرات بالمعني الاحترافي، بحيث تكون قادرة علي معرفة ابعاد المخطط الإنجليزي اليهودي، و تواطؤ الملك عبد الله في هذا المخطط.
ثالثاً: دخول الملك عبد الله في اتفاق سري مع الإنجليز و الوكالة اليهودية ، و هو ما أحدث تصدع في الجبهة العربية، لأن الأردن كانت هي الدولة المعنية الأولي بموضوع فلسطين، و لكنها في نفس الوقت هي الدولة التي قرر ملكها ألا يدافع عن فلسطين و ألا يسمح حتي بقيام دولة فلسطينية لها حدود مع دولته، و إنما قرر أن يلتهم الأرض الفلسطينة لتكون ضمن حدود مملكته. كما أن قيادات الجيش الإردني ( الفيلق العربي) كانت كلها من الضباط الإنجليز. مما يعني أن الفيلق العربي كان يأتمر بأمر الإنجليز و ليس بأمر لقيادة العربية.
أما علي أرض المعارك، فكانت أسباب الهزيمة كالتالي:
فارق الخبرة العسكرية و العدد و العدة بين الجيش المصري و جيش الهاجاناه اليهودي، فلم تكن لدي قيادة الجيش المصري سابق خبرة في قيادة أي معارك حربية، لأن الخطط الحربية ليست معلومات مكتوبة في الكتب و إنما تجارب و ممارسات علي أرض الواقع. فآخر الحروب التي خاضها الجيش المصري كانت بقيادة إبراهيم باشا في الشام سنة 1839م. و منذ ذلك الحين لم يشارك الجيش المصري في أي معارك حربية. أما جيش الهاجاناه اليهودي فقد شارك جنوده و ضباطه في الفيلق اليهودي في الحرب العالمية الأولي ثم في الحرب العلمية الثانية، و أعطيت له مهام عسكرية في الحرب العالمية الثانية مثل طرد حكومة فيشي من سوريا. فأكتسب اليهود خبرات كبيرة في هذه الحروب متعددة الجبهات. و من حيث العدد و العدة نقل حسنين هيكل في كتابه ( العروش و الجيوش 1) عن اللواء حسن البدري، المؤرخ العسكري للجيش المصري، أن القوات الإسرائيلية كانت تفوق القوات المصرية في العدد بنسبة 1:2. و بلغت نسبة تفوق القوات الإسرائيلية علي المصرية في المعدات و الذخائر من حيث الكم و الكيف نسبة 1:3،5
قيام القوات الأردنية بالانسحاب من مواقعها بأوامر من قيادتها السياسية المتواطئة مع الإنجليز و اليهود ضد العرب. فأدت بانسحابها خسارة أراضي واسعة كانت مخصصة للدولة العربية وفقاً لتقسيم فلسطين، و هي الجليل الأعلي و صحراب النقب. كما أن الانسحابات الأردنية أدت إلي كشف المواقع المصرية و محاصرتها من قبل قوات العدو كما حدث في الفالوجا.
كان الإنجليز يتحكمون في توريد الأسلحة للجيش المصري، و عندما بلغ تقدم الجيش المصري في فلسطين مبلغاً مقلقاً بالنسبة لهم، رفضوا طلبات مصر بتوريد الأسلحة و الذخيرة، و بدأ الجيش في الجبهة يعاني من نقص شديد في الأسلحة و الذخيرة.
فرق المقاومة الفلسطينية المساندة للجيش المصري كانت أضعف من التصدي للهاجانا، و كانت تتمثل في قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني و قوات الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، فانكسرت بسرعة أمام اليهود لأنها كانت أقل تنظيماً و خبرة و تسليحاً، و الحقيقة أن هذه الفرق كانت تقاتل بشجاعة الرجال و فقط، و لم يتوفر لها أي اساليب
أخري.
استخدام الجيش المصري لأسلحة فاسدة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فقيادة الجيش المصري اعتمدت علي سماسرة السلاح لشراء أسلحة الجيش، و أصر الملك علي شراء الأسلحة من إيطاليا التي كانت تربطه بها علاقات قوية، و كانت النتيجة أن الأسلحة جاءت من مخلفات الحرب العالمية الثانية في مخازن الجيش الإيطالي، فكان بعضها فاسد و أدي إلي إصابات في صفوف الجيش المصري.
و نقطة أخري مهمة أوردها الحاج أمين في شهادته هي ” أنه بينما كان اليهود يعملون بقوة و تصميم بوحي من مصالحهم العامة و تنفيذاً لبرنامجهم الصهيوني الخطير، كان بعض المسئولين في بعض الدول العربية يعملون إما بوحي الاستعمار الأجنبي أو بتأثير مصالحهم الخاصة . و قد نتج عن تضارب الأهواء و المصالح، و تباين الغايات و الأهداف و التخاذل بين دول الجامعة، وقوع هذه الكارثة الأليمة. ”
و مما لا شك فيه أن ملف هزيمة حرب فلسطين ما زال مفتوحاً، و سيظل كذلك لمدة غير قصيرة، حتي نستلهم منه الدروس الكافية و الكفيلة بعدم تكراره.