موقف الحكومة الأردنية من قرار تقسيم فلسطين 29/11/1947م
1ـ أطماع الملك عبد الله فى فلسطين والدول العربية المجاورة
كانت أطماع الملك عبدالله ملك شرق الأردن تهدف إلى اتساع مملكته على حساب الدول المجاورة ، فكان يريد أن يضم سوريا ولبنان وفلسطين تحت عرشه باسم سوريا الكبرى . بعد أن أصبح حاكما لإمارة شرق الأردن ، ظهر طموح الملك عبد الله بجلاء لتوحيد الأراضي العربية المركزية فى سوريا الكبرى ، والتي تشمل فلسطين و سوريا و لبنان و الأردن بشكل نهائي ، ورغبة منه في عرش دمشق. (4)
After becoming the ruler of Tran Jordan, King Abdullah made no secret of his ambition to unite the central Arab lands of Greater Syria, which included Palestine, ، Syria, ، Lebanon , and Jordan . The ultimate object of. Damascus.
لذلك كان الملك عبد الله ملك شرق الأردن خصما لشكرى القوتلى بسبب مطامع الملك الأردنى ومساعيه من أجل إقامة مشروع سوريا الكبرى ،وكان مفتونا به. (5)
وكانت مطامع الملك عبد الله مزعجة لمصر أيضا فى عهد فاروق إذا كان يتطلع إلى زعامة العالم الإسلامى بل إلى الخلافة .(6)
وكان الجنرال جون جلوب باشا قائد الجيش الأردنى يفضل دائما فكرة سورية الكبرى بوصفها حجر الزاوية في السياسة البريطانية في الشرق الأوسط كما أوضح أن الحكومة البريطانية : " أنه ليس من الخيال تصور الجيش العربي باعتباره نواة لجيش سوريا الكبرى في المستقبل".. (7)
Middle East. As he explained to the British government: “It is not fanciful to imagine the Arab Legion as the nucleus of the Army of Greater Syria in the future.”
وقد وجدت بريطانيا ضالتها فى أطماع الملك عبد الله التوسعية ،وتحقيق المشروع الصهيونى فى فلسطين ، عن طريق بذر الشقاق بين الدول العربية المعنية بالأمر، وأن تتربص كل منها بالأخرى وتنعدم الثقة فيما بينهم ، وفى هذا انصراف عن القضية الفلسطينية إلى الشأن الداخلى ، وإن كان الملك عبد الله لا يستطيع إقامة مشروع سوريا الكبرى فلا غرو أن تمنيه بريطانيا بالجزء العربى من أرض فلسطين يضمه لشرق الأردن ويصبح تحت سلطة التاج الهاشمى فى الأردن ، ولن يتم ذلك إلا بقبوله قرار التقسيم ، وبذلك تنتهى القضية الفلسطينية وتصبح فلسطين فى طى النسيان كما قامت أمريكا على أنقاض الهنود الحمر .
وقد انقسم العالم العربي إلى كتلتين حول مخططات الهاشميين المؤسسيين للجامعة الدول العربية في ربيع عام 1945.والسفير البريطاني في القاهرة الذي قدم تقريرا عن الاجتماع الافتتاحي لجامعة الدول العربية مارس 1945، وتوقع آفاقا قاتمة للوحدة العربية بسبب "الشكوك المتبادلة والخوف" من القادة العرب بسبب الهلال الخصيب في العراق وعلى بلاد الشام من الأردن الذى يعتزم التوحد مع سوريا.. (8)
The British Ambassador to Cairo, who reported on the inaugural meeting of the Arab League in March 1945, predicted bleak prospects for Arab unity because of the “mutual suspicion and fear” of the Arab leaders caused by Iraq's Fertile Crescent and Jordan's Greater Syria plans to unite with Syria. He
2- لقاءات الملك عبد الله باليهود سرا وموافقته على التقسيم
والغريب أن الملك عبدالله كان موافقا على تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية قبل أن يصدر قرار التقسيم ، وكانت له لقاءات بالوكالة اليهودية الدولية ، فقد قابل " إلياهو ساسون " مندوب الوكالة اليهودية سنة 1946 برئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت إسماعيل صدقي الذى كان موافقا على الدولتين .ولقد خرج " إلياهو" من لقائه السرى برئيس وزراء مصر فى الإسكندرية، وقصد لقاء سرى آخر مع ملك شرق الأردن فى " الشونة " وأبلغه متهللا بموافقة مصر على التقسيم من خلال موافقة صدقى رئيس وزراء مصر الذى كان موافقا على الدولتين ، لكن الملك أبلغه أن الأهم موافقة فاروق ملك مصر ، ثم تطرق إلى الحديث مع "إلياهو" عن خطته لتحقيق حلم " سوريا الكبرى " كما طلب منه مساعدة مالية قدرها خمسة وثلاثون ألفا على دفعتين ، ولما وجد "إلياهو " صامتا بادره بقوله :إن الحكومة البريطانية ساعدته بما هو أكثر".وقد قدم "إلياهو ساسون " تقريرا عن مقابلته مع الملك عبد الله بتاريخ 12 أغسطس 1946 إلى رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية فى فلسطين "دافيد بن جوريون "والتقرير محفوظ فى الأرشيف الإسرائيلى برقم س..ز.أ.9036/25س .. (9)
حقيقة إن لقاءات الملك عبد الله السرية باليهود قبل الحرب أضحت لا شك فيها ، والاتفاق فيما بينهما على قيام الدولة اليهودية فى فلسطين وضم الجزء العربى إلى شرق الأردن لا جدال فيه ،وقد أكدته المصادر القريبة من الملك عبد الله ، فقد أورد عبد الله التل قائد الكتيبة السادسة فى الجيش الأردني كثيرا من الوثائق واللقاءات مع اليهود قبل المعركة وبعدها ، وكان لعبد الله التل اتصالات بالملك عبد الله ، وله علاقات بالخاصة الملكية الذين كان لهم اطلاع على لقاءات الملك باليهود ، بل إن عبد لله التل حضر تلك اللقاءا ت السرية مع اليهود أثناء الحرب مكرها حتى يعلم ما يدبر فى تلك اللقاءات وينعكس أثره على أرض المعركة ويصحح ما يستطيع ،وإن اعتزل فإن الملك لن يكف عن الاتصال باليهود ،ولديه من ينافقه فى تلك اللقاءات التى أوضح عبد الله التل خطرها ، وأنها كانت من أسباب الكارثة التي حلت بفلسطين كما سيتضح فيما بعد ، يقول عبد الله التل تحت عنوان (الملك عبد الله يجتمع باليهود قبل15/5/1948) :
" كانت اتصالات الملك عبدالله باليهود مستمرة ، ويعلم بها أهل عمان وخاصة الذين يترددون على قصره .وكان يحضر اليهود إلى قصره عن طريق مطار عمان حيث تنزل بهم الطائرة ، وكأنها طائرة بريطانية فلا يجرؤ أحد على التعرض لها ، ثم ينقل ركابها بسيارة من سيارات الخاصة الملكية إلى القصر الملكى .وفى كثير من الحالات كان الملك عبد الله يلتقى بهم على الحدود الأردنية الفلسطينية ....... وقد اجتمع الملك عبد الله بشرتوك سرا فى (جسر المجامع )على الحدود الأردنية مع فلسطين يوم 12 /4 /1948 وكان من أهم ما اتفق عليه فى هذه الاجتماع هو قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه.. (10)
إذ كان هذا الموقف السرى غير المعلن للملك عبدالله من التقسيم إلا أن موقفه المعلن يعبر عن رأى الشارع العربى فى رفض التقسيم ، والإعلان عن بذل الجهود لتحرير فلسطين ، وطرد اليهود منها ، فبمجرد صدور قرار الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين تبارى الحكام العرب فى كسب تأييد الشعوب العربية ومجاراتها فى أحلامها بالتصريحات والعبارات الحماسية التى تسكن الجماهير الثائرة ، وتضفى على الحاكم العربى ثوب الزعامة والبطولة . ومن تصريحات الملك عبدالله ملك الأردن قبل بدء الحرب فى فلسطين " إننى أطمنكم بأن الجيش العربى سيحتل القدس فى 48 ساعة ثم يزحف إلى رأس الحية " مشيرا إلى تل أبيب. (11)
ترى إلى أي حد وصل الاستخاف بعقول الشعب العربى الذى وثق فى قادته غاية الثقة ؟ولعل من يعرف هذه المعلومات التى دأب الملك عبد الله على ترديدها يدرك أنه لم يكن يجهل قدرات العدو كما دأبت المراجع،لكنه كان متعاونا مع اليهود فى سبيل إقامة دولتهم وبالتالي تشريد الفلسطينيين ، لذلك يجب أن نفرق بين الموقف السياسى السرى والمعلن لأهداف معينة ، وجهود الجيش الأردنى فى الميدان الذى بذل قصارى جهده ، وكان جنوده حقيقة يرغبون فى إحدى الحسنيين :النصر أو الشهادة ، لكن حيل بينهم وبين ما يشتهون ، وقد وقفت آمال الملك عبد الله سدا منيعا بينهم وبين قتال اليهود ، كيف يحارب الجيش الأردنى إذن وهو مقيد بقرارت ساسته الذين دخلوا الحرب للظهور بمظهر البطولة والزعامة المزيفة وكسب ود الجماهير العرب بأنهم المدافعون عن قضايا العرب ومقدساتهم .والحقيقة أنهم دخلوا فلسطين لتنفيذ المشروع الصهيوني على أرضها ،والقضاء على القضية الفلسطينية برمتها عن طريق ضم القسم العربي من فلسطين بعد قيام الدولة اليهودية إلى شرق الأردن وإنشاء مشروع سوريا الكبرى تحت حكم الملك عبد الله ملك الأردن ، وباختفاء اسم فلسطين تنتهي القضية ويصبح الفلسطينيون لاجئين بلا هوية ولا دولة ينتمون إليها .
وبينما كان الناس فى حيرة من أمرهم بسبب قرار التقسيم لا يدرون أيهم أقرب إلى مصلحتهم ،أيرضخون لمشيئة هئية الأمم ويقبلون قرارها القائل بتقسيم بلادهم أم يرفضونه ويقاتلون من يحاول فرضه عليهم ؟
راح فريقان من عقلائهم يتساءلون : ترى ما هو رأى الملك عبد الله فى هذا القرار ؟ وهل هو على استعداد لمقاومته بالقوة ؟
وإذا كان هو على استعداد لمقاومته ، فهل الجيش العربى الذى يتولى قيادته على استعداد لتعضيده ؟إن فكرة التقسيم من وضع أصدقائه الإنجليز وما كان الملك فى وضع يسمح له بمخالفة هؤلاء الأصدقاء . (12)
ولعل من يقف على علاقات الملك عبد الله باليهود يعيد النظر فيما كتبه الدكتور هيكل بقوله معلقا على مثل هذه التصريحات : انظر إلى أى حد بلغ بالعرب الجهل بالعدو ، ومن هنا فإن الخطأ أولا وآخرًا ليس في عدم استعداد هذه الجيوش استعدادًا يكفل لها أداء مهمتها ، وجهلهاالمطبق بقوي العدو الذي تحاربه . وإنما الخطأ بعد ذلك خطأ الزعماء السياسيين الذين لم يدخلوا في حسابهم هذه الهيئات الدولية ومدي خضوعهم لها . (13)
وما كان الاحتلال يستطيع أن ينفذ شيئا لولا أعوانه المخلصون من العرب ، وقد نقل القائد عبد الله التل قائد الكتيبة السادسة فى الجيش الأردنى عن خواص الملك اجتماع الملك عبد الله بمندوب الوكالة اليهودية أكثر من مرة قبل الحرب. (14)
ولم يمض على هذا الاجتماع ساعات حتى تلاه اجتماع آخر لوضع النقاط النهائية قبل الحرب ، يقول عبد الله التل تحت عنوان : ( كان الاجتماع قبل الحرب بأيام ) :
قبيل انتهاء الانتداب البريطانى ببضعة أيام ،أراد اليهود أن يطمنئوا إلى محافظة الملك عبد الله على وعوده التى قطعها لهم بتأييد مشروع التقسيم وعدم اللجوء للقوة .....وقد تقرر الاجتماع ليلة 11ـ12 /5 /1948فى عمان والتقى الملك مع جولدا مايرسون إحدى الشخصيات البارزة فى الوكالة اليهودية .وقد قدمت جولدا مايرسون طلبات الوكالة اليهودية ،وخلاصتها كما رواها من كان حاضرا الاجتماع :
1ـ أن يعلن جلالة الملك الصلح مع اليهود ولا يبعث بجيشه إلى فلسطين بالمرة .
2ـ أن يرسل جلالته واليا ليحكم القسم العربى من فلسطين بحسب قرار التقسيم .
3ـ ومقابل ذلك تقبل الوكالة اليهودية ضم القسم العربى من فلسطين إلى التاج الهاشمى .
وقد رفض الملك الشرط الأول ،لأنه يظهره بمظهر الخارج على إجماع الدول العربية التى صممت على إرسال جيوشها لإنقاذ فلسطين ، وإنما تعهد الملك ألا يحارب الجيشان الأردنى والعراقى اليهود وأن يقف الجيشان فى الحدود التى رسمها التقسيم ولا يتعداها ، وقبلت جولدا رأى الملك وأخذت عليه عهدا بذلك . ....ولم تعد رحلة جولدا لعمان سرا ، فقد شرع الملك عبد الله بكشف النقاب عنها ، ويتندر بخشونة هذه المرأة اليهودية وجبروتها. (15)
ويقول عبد الله التل فى مقدمة مذكرات : وإننى حينما أستعرض فى خاطرى أسماء أولئك الذين ساعدوا العدو على اغتصاب فلسطين وتشريد عرب فلسطين أجدهم فى عالم آخر تلفهم صفحات سود من تاريخ الكارثة ، فملك الأردن قضى صريع رصاصات على عتبات المسجد الأقصى ، ورئيس حكومته شنق نفسه ...... وحتى الجنرال جلوب الذى كان يدير ـ فى الخفاء ـ دفة السياسة فى العالم العربى قد طرد من وطنى شر طردة وبقى الوطن لأهله .وهؤلاء الطغاة من أعدائى وأعداء الوطن لا أهاجمهم اليوم وأفضح سرهم،لأنهم زالوا أو اختفوا عن مسرح السياسة ، فقد حاربتهم وكشفت جرائمهم وهم فى أوج سطوتهم وجبروتهم سواء أثناء وجودى فى فلسطين أو بعد هجرتى إلى مصر. (16)
3- اتخاذ الملك عبد الله إجراءات سرية لتنفيذ قرار التقسيم
وقد سعى الملك عبد الله لاتخاذ إجراءات تنفيذ القرار فور صدوره فى 29 نوفمبر 1947 ، يقول عبد الله التل : ولما كان الملك مرتبطا مع الإنجليز بسياسة ضمنية تعترف بتقسيم فلسطين وتؤدى بالتالى إلى تهويدها ، فقد أخذ يبحث عن الشخص القوى الذى يستطيع تنفيذ السياسة البريطانية بالنسبة لقضية فلسطين . ولم يجد الملك مشقة كبيرة فى العثور علي ضالته المنشودة ، وذلك لأن الإنجليز أشاروا عليه بإعادة رجلهم الأول إلى الحكم ألا وهو توفيق أبو الهدى ....... لأنهم يعلمون أن توفيق أبو الهدى يستطيع إرهاب الشعب الأردنى أطول مدة ممكنة ريثما تنفذ بريطانيا سياستها المرسومة لتهويد القدس . (17)
ولعل السؤال الذى يطرح نفسه : إذا كان الملك عبد الله موافقا على التقسيم ، فلماذا أرسل جيشه للقتال فى فلسطين ؟! قد تقدم من خلال ما أوردناه أن الملك أراد أن يكتسب شعبية وزعامة بين الجماهير العربية .
ومن ناحية أخرى أراد أن يرابط الجيش الأردنى فى الجزء العربى فى فلسطين لا يتجاوزه تنفيذا لقرار التقسيم ، وعدم الاشتباك فى معارك حقيقة مع اليهود .باختصار إن عبور الجيش الأردنى إلى فلسطين ظاهره قتال اليهود وتحرير فلسطين ، وحقيقته تنفيذ قرار التقسيم وضم الجزء العربى منها إلى شرق الأردن تحت حكمه ، وقيام الدولة اليهودية طبقا للخطة المتفق عليها مع اليهود. ولضمان تحقيق هذا الهدف الذى ينشده على الأرض أصر الملك عبد الله على تولى القيادة العامة للجيوش العربية ، وتحت ضغطه وإصراره وافق الحكام العرب مكرهين .
وقد أكدت المعارك على الأرض صدق ذلك ، وأن الملك عبد الله كان وفيا مع اليهود فى وعوده، قلقا من إخوانه العرب لايثق بهم ، بل إن ثقته باليهود ووعودهم أشد من ثقته بالعرب ، لكن اليهود خانوا وأخذوا أكثر مما هو محدد لهم فى قرار التقسيم . فبعد يومين على لقاء الملك عبد الله باليهود ليحدد معهم السياسة العامة فى الحرب ، دفع بالجيش لعبور الحدود إلى فلسطين يوم 14/5/1948 , وأرد أن يخطب فيهم يشجعهم على القتال ، وما كاد يبدأ حتى هبت عاصفة لم يرَ مثلها ، ومن يدرى لعل تلك العاصفة كانت ظاهرة ربانية أرسلت لتصفع الباطل وتحتج على سوق الأبرياء إلى معركة ظاهرها الإخلاص وباطنها شر مستطير أودى بفلسطين ومعها كرامة الأمة العربية بأسرها . (18)
وعلى أى حال ومهما كانت اتفاقيات الدول العربية السرية التى أخفتها عن الشعوب ، فإن جميع هذه الدول أعلنت رسميا أنها ترسل بجيوشها إلى فلسطين .......هذا ما كانت الشعوب العربية تعتقد به ،وهذا ماكانت تريد أن يكون .....ولقد سارت الجيوش بروح قوية وعزم أكيد ، ولا عجب فقد ظن الجنود الأبرياء أنهم مرسلون إلى الحرب حقا لملاقاة اليهود ومقاتلتهم وجها لوجه وظنوا كذلك بأن الحكومات العربية قد منحتهم الفرصة التاريخية لإرواء غلتهم بالانتقام لشرف العرب الذى دنسه اليهود ، أما الشعوب العربية فقد أبدت سروا وحماسة منقطعة النظير . (19)
ولننظر إلى قادة الجيش الأردنى فى حرب فلسطين ، لندرك سبب المأساة التى أودت بها .
كان هناك حوالي خمسين ضابطا بريطانيا في الجيش العربي الأردني الذى اشترك فى حرب فلسطين بما يقرب من 4500 جندى ، وقام جلوب باشا القائد الإنجليزى للجيش الأردني بتقسيم القوات الأردنية كالتالي:
الوحدة العسكرية القائد الرتبة المنطقة العسكرية
القائد العام للجيش العربي الأردني جون باجوت جلوب جنرال (فريق أول) القيادة العامة (الزرقاء)
القائد الميداني نورمان لاش بريجاديير (عميد)
اللواء الأول ويتضمن الفوجين الأول والثالث ديزموند غولدي كولونيل (عقيد) منطقة نابلس العسكرية
الفوج الأول بلاكدين كولونيل (عقيد) منطقة نابلس العسكرية
الفوج الثالث ويليام نيومان كولونيل (عقيد) منطقة نابلس العسكرية
اللواء الثاني ويتضمن الفوجين الخامس والسادس سام سيدني أرثر كوكبر يجاديير (عميد) قوة دعم
الفوج الخامس جيمس هاوكن ميجور (رائد) قوة دعم
الفوج السادس عبد الله التل ميجور (رائد) منطقة القدس العسكرية
اللواء الثالث ويتضمن الفوجين الثاني والرابع تيل أشتون كولونيل (عقيد) منطقة رام الله العسكرية
الفوج الثاني سليد ميجور (رائد) منطقة رام الله العسكرية
الفوج الرابع حابس المجالي لفتنانت كولونيل (مقدم) منطقة اللطرون، اللد والرملة
اللواء الرابع أحمد صدقي السيد كولونيل (عقيد) قوة دعم: رام الله, الخليل, والرملة
إن الجيش الذى يقترن اسمه باسم العرب ليس إلا قطعة من القطعات العسكرية التى يتكون منها الجيش البريطانى . ولاغرو فإن رئيس أركانه ـ وإن شئت فقل قائده ـ جلوب باشا الإنجليزى الأصل ، والأموال التى تنفق على تجهيزه وتزويده بالأسلحة والأعتدة والرجال تدفعها الخزانة البريطانية . ولعل التقرير الذى أرسله كلايتون الوسيط البريطانى بين الدول العربية وحكومة بريطانيا يضىء لنا هذا الجانب ، ومنه :
سرى جداً
الموضوع : محادثات مع زعماء البلاد العربية ـ اقتراحات بشأن تقسيم فلسطين ......رقم القيد 45ـ 1947 بتاريخ 14 ديسمبر 1947 .
إلى صاحب السعادة : السفير البريطاني بالقاهرة ـ صورة إلى القائد العام .
......أما فيما تختص بالقسم الثاني من الاقتراح فيرمى إلى أنه كل ما تم لهذه القوات احتلال بلدة من بلدان فلسطين يعلن ضمها إلى المملكة الأردنية وستعمل القوات الأردنية جاهدة على احتلال البلاد التى تقع فى القسم العربي ، وقد أكد لى سعادة رئيس وزراء شرق الأردن أن القوات الأردنية ستتحاشى مهاجمة القرى اليهودية ، وإنما ستقوم من وقت لآخر بهجمات خفيفة على هذه القرى لمنع الشبهات عنها ، وأضاف أنه عندما يتم احتلال المنطقة العربية من فلسطين ، فإن الحكومة الأردنية ستقوم بالاتصال بزعماء اليهود فى فلسطين لحملهم على تقديم الضمانات الكافية لعدم محاولة توسيع دولتهم أو الإغارة على القرى العربية المتاخمة لمنطقتهم ، .......ورأيت قبل أن أختم حديثي مع الرئيس الأردني أن أسأله عما إذا كان قد عرض هذه المقترحات على صاحب الجلالة الملك عبد الله ، فقال ما نصه :" وهل يحق لى أن أبدى اقتراحات أو أن أتحدث باسم صاحب الجلالة دون عرضها عليه وموافقته عليها ،وعرضت على سعادته أن أدون مقترحاته كتابة وأن يذيلها بتوقيعه وأن ينص فيها على أن جلالة الملك عبد الله موافق عليها ، فلم يمانع فى ذلك ،فدونتها فعلا ووقعها بإمضائه . (20)
ثانياً: تنفيذ الملك عبد الله خطة التقسيم على أرض فلسطين
كان جنود الجيش الأردنى يعتقدون حقا أنهم خرجوا من بلادهم لتحرير فلسطين وتطهيرها من اليهود ، وصمموا على رفض قرار التقسيم ،و منع اليهود من إقامة دولتهم فى فلسطين ، ولم يكونوا يعلمون أنهم خرجوا من ديارهم لتنفيذ قرار التقسيم ، والوقوف عند حدود القسم العربى الذى سيجرى ضمه إلى المملكة الأردنية ، ويستولى اليهود على الجزء المخصص لإقامة دولتهم عليه . وأن الذى سيقوم بهذه المهمة القائد الأعلى الجيوش العربية الملك عبد الله ملك الأردن بموجب اتفاقياته السرية مع أصدقائه اليهود .حقيقة لقد حيل بين الجيش الأردنى وبين ما يشتهى ، ومنع من قتال اليهود حتى إنه لا يكاد يشتبك مع اليهود فى معركة حتى تجد قائده الإنجليزى جلوب ينقذ اليهود بأوامره المفاجأة ويحول دون وقوع خسائر فى صفوف اليهود.
إن الإنجليز أداروا المعركة بإتقان فهم أعطوا اليهود الوعد بإقامة دولتهم فى فلسطين وسعوا لتثبيت أركانهم فى كل موضع فى فلسطين ، وتدريب عصاباتهم على القتل والتدمير . ومن ناحية أخرى يتظاهرون بصداقاتهم للعرب ، بل يعدونهم بإعطائهم الأسلحة فى حربهم مع اليهود ، والعرب دائما مؤمنون بصداقة بريطانيا لهم ، ويلقبونها بالحليفة، ولعل عبد الله التل يوضح الدور المزدوج للانجليز بقوله تحت عنوان : )حليفة العرب تعطى الاسلحة لليهود سرا ):
عندما أعلن الإنجليز الجلاء عن فلسطين ثبت للعرب خيانتها ، وقد تجلت خيانتها وغدرها بتسليمها كميات كبيرة من الأسلحة لليهود فى حيفا منها بنادق انجليزية ومدافع عيار 6 أرطال ومدافع( بيات ) صاروخ ومدرعات البوليس الفلسطينى جميعها ودبابات ( تشرشل) الثقيلة ،وهذه الأسلحة ظهرت فى الميدان ولم يكن لدى اليهود منها شىء قبل ذلك التاريخ . ومهما جرى لفلسطين ومهما وقع فيها من مصائب وكوارث ، فإن مسلك القوات الإنجليزية لن ينسى ، وسيذكر العرب بأن الخطة الجائرة التى اتبعتها قوات الانتداب لحماية اليهود فى المرحلة التى كان اليهود فيها ضعفاء مع أنها تخلت عن العرب فى المرحلة ذاتها ، كان لها أثر كبير فى النتيجة المحزنة التى وصل إليها عرب فلسطين .. (21)
1- دخول الجيش الأردنى الحرب دون خطة قتال
سكان الحي اليهودي في القدس يفرون منه في 28 مايو/أيار 1948 بعد سقوطه في يد القوات الأردنية
كانت الخطة التى رسمها رؤساء أركان حرب الدول العربية العربية فى اجتماع عقدوه فى الزرقاء ، وحدد مهام كل جيش من الجيوش العربية ومنطقة دخوله والطريق الذى يسلكه ،لكن الفريق جلوب باشا الإنجليزى بوصفه رئيس أركان حرب الجيش العربى ، فغيّر الخطة من تلقاء نفسه بثمان وأربعين ساعة ، وما كان لأحد أن يعترض إذ كان يصدر أوامره باسم القائد الأعلى،الملك عبد الله.وعندما اجتمع الملك عبدالله بالرئيس السورى شكري القوتلي وسأله الأخير عن السبب فى تغيير الخطة فقال له الملك ( سأحتل القدس غدا ، وتل أبيب بعد أسبوع ) (22)
معنى ذلك أن هناك خطة متفقا عليها بين أركان حرب البلاد العربية ، لكن جلوب باشا أذهبها أدراج الرياح ، وحرك الجيوش حسب هواه .
وعلى أى حال فإن الجيش الأردنى دخل فلسطين دون خطة قتال ،يقول عبد الله التل : الجيش يدخل فلسطين دون أمر حربى للعمليات :
ومهما كانت اتفاقيات الدول العربية السرية التى أخفتها عن الشعوب ، فإن جميع هذه الدول أعلنت رسميا أنها ترسل بجيوشها إلى فلسطين .......هذا ما كانت الشعوب العربية تعتقد به ، وهذا ماكانت تريد أن يكون . (23)
ثم يوضح أثر ذلك على الحرب ، فيقول تحت عنوان : ( الجيش العربى الأردنى ليس لديه خطة هجومية ): عملت على تقوية الروح المعنوية بين سكان القدس لئلا يتسرب اليأس إلى نفوسهم ، ولم أشعرهم قط بأنه ليس هناك خطة هجومية ، بل كنت أشجعهم فى كل مناسبة . وقد نجحت فى ذلك نجاحا كبيرا، لأن سكان القدس ثبتوا معنا فى الدفاع عن المدينة العزيزة ، وكانوا يعيشون فى الأمل : أمل الهجوم على اليهود ، ولوعلموا بأن (عمان) لم تكن جادة فى حربها مع اليهود لتسرب اليأس إليهم منذ الشهر الأول فى تاريخ الكارثة بدلا من الشهر العاشر . (24)
2- إنقاذ يهود القدس من الاستسلام تحقيقا للوعود السرية مع اليهود
كانت الأوضاع العربية على الإجمال فى الأسبوعين اللاحقين لمنتصف مايو(أيار)قوية وقريبة من النصر. (25)
ولم تكد الحرب تبدأ فى 15 مايو 1948 حتى ظهرت الخيانة ، فلم يكد قائد الكتيبة السادسة عبد الله التل يحاصر اليهود فى القدس وتكاد تستلم حتى تحرك الإنجليز وأعوانهم لإنقاذ اليهود، ويروى عبد الله التل ذلك بقوله : كان الحصار الذى فرض على القدس حصارا محكما للغاية ، فلم يتمكن اليهود من تقديم أية مساعدات ليهود القدس الذين كانوا فى النزع الأخير . حتى إن الطائرات اليهودية لم تنجح فى إمداد القدس بأية مساعدة ، خاصة بعد أن ضربت الطائرات المصرية مطار دير ياسين بالقنابل وهو المطار الذى بناه اليهود فى فترة الحرب .......ثم يقول: مائة ألف يهودى مهددون بالفناء أو الاستسلام : ساءت حال يهود القدس الجديدة لدرجة خطيرة .....وكنا نلتقط برقيات الاستغاثة ومنها ما يأتى :
" الساعة 1400 التاريخ 8/6 /1948
من القدس إلى تل أبيب 276 (ص هـ ل) الجيش العام لإسرائيل إذا لم تنجدونا لا فائدة من المقاومة ولابد من التسليم ".
ص199كانت أزمة المياه فى الأحياء اليهودية بالقدس من أهم العوامل التى كادت تدفعهم للاستسلام لولا الهدنة الأولى ....ونشأت عن ذلك حالة لا تطاق وكادوا يموتون جوعا . (26)
وهذا ما أكدته البحوث الأجنبية من نجاح الجيش الأردنى من طرد القوات اليهودية ( الإسرائيلية ) من الأحياء العربية من القدس فضلا عن الحي اليهودي في المدينة القديمة . (27)
the Arab Legion succeeding in expelling Israeli forces from the Arab quarters of Jerusalem as well as the Jewish quarter o; the old city.
وبالرغم من قلة أسلحة الجيش العربى وضعف تدريبه مقارنة باليهود إلا أنه استطاع أن يكبد اليهود خسائر فادحة ،وتقدموا فى معظم الميادين حتى كانوا قاب قوسين أوأدنى من عاصمتهم تل أبيب وأكبر موانيهم حيفا ، والقدس يحاصرها الجيش العربى الأردنى بجنودهم الأبطال البواسل الذين صبروا وصابروا ورابطوا فى حصارهم لليهود فى القدس ، وماذا يبقى لليهود فى فلسطين إذا سقطت عاصمتهم تل أبيب وأكبر موانيهم حيفا وأعظم مدن فلسطين القدس ؟! ماذا يبقى لليهود بعد ذلك سوى بعض المستعمرات المتناثرة فى فلسطين يسهل القضاء عليها .لكن هل الحليفة (الإنجليز )تقف مكتوفة الأيدي وهى ترى صنيعتها تسقط أمام عينيها ؟! وهل تسقط الاتفاقيات السرية التى عقدها الملك عبد الله مع اليهود ويرضى بأن يستمر جيشه فى حصار اليهود فى القدس حتى الاستسلام أم أنه سوف يتدخل فى الوقت المناسب لإنقاذ اليهود ؟
على أى حال فإن اليهود فى أول أسبوعين من القتال يعيشون فى مأزق ،ولابد أن يتدخل أعوانهم لإنقاذهم ، وها هى بريطانيا تتدخل فى الوقت المناسب ، يقول قائد معركة القدس عبدالله التل : بريطانيا تتقدم لإنقاذ الصهيونية.
حينما أيقنت بريطانيا من قرب هلاك ربيبتها إسرائيل ولم يمض على الجيوش العربية إلى فلسطين أكثر من أسبوعين ،سارعت لنجدة اليهود ـ سياسيا ـ تلبية لاستغاثة كبار الصهيونيين الذين نشطوا لإقناع الإنجليز والأمريكان بخطورة الوضع فى فلسطين ، فتقدم المندوب البريطانى لمجلس الأمن فى آخر شهر مايو 1948 باقتراح يقضى بوقف القتال لمدة أربع أسابيع وتعيين وسيط دولى للتوفيق بين العرب واليهود .وقد استخدمت بريطانيا نفوذها للتأثير فى جميع أعضاء مجلس الأمن ،فأقر المجلس الاقتراح البريطانى فى 29 مايو 1948 بوقف القتال فى فلسطين لمدة أربع أسابيع وتعيين الكونت برنادوت وسيطا منتدبا من قبل هيئة الأمم المتحدة مهمته التوفيق بين العرب واليهود .. (28)
هذا دور الإنجليز طلاب الهدنة بين الفريقين المتقاتلين ، هل الإنجليز يطلبون الهدنة حبا فى إنقاذ أصدقائهم العرب من الهزيمة المحققة؟ بالطبع لا، بل إنقاذا لليهود ودولتهم من الزول إن استمروا فى القتال .
3- الحكومة الأردنية تقبل الهدنة الأولى قبل صدورها وتضغط على العرب لقبولها
وإذا كان هذا دور الإنجليز ، فما دور أصدقائهم العرب نحو إنقاذ اليهود ودولتهم ، لقد آن الأوان ليثبت العرب لليهود صدق وعودهم ، وأنهم لا يخلفون معهم وعدا ،فقد جاء دور الحكومة الأردنية لثبت حسن نواياها لليهود .يقول عبد الله التل :(الحكومة الأردنية تضغط على الدول العربية ):
بعد أن أبلغ مجلس الأمن قراره إلى اليهود والدول العربية وطلب الرد على هذا القرار ،اجتمعت اللجنة السياسية فى عمان لدراسة قرار مجلس الأمن واتخاذ الخطوات اللازمة بشأنه .
وفى اجتماعات اللجنة السياسية فى عمان فى 25 مايو نطق الوفد الأردنى بلسان الفريق جلوب وادعى أن الجيش العربى لا يستطيع الاستمرار فى الحرب لنقص كبير فى الذخائر والمعدات . وحينما فند بعض أعضاء الدول العربية ادعاءات الوفد الأردنى برياسة توفيق أبو الهدى ، هدد أبو الهدى بانسحاب شرق الأردن من الجامعة العربية إذا لم تقبل الهدنة فى فلسطين .ولما كانت بقية الدول العربية ترى أن انسحاب شرق الأردن فى تلك الفترة العصيبة قد يخلق مشكلات يصعب تقدير مدى خطواتها ـ كانسحاب العراق مثلا مجاراة للأردن ـ فقد نزلت تلك الدول على طلب الأردن وانصاعت لتهديداته المخزية التى ستظل وصمة عار فى جبين الأردن . على حد تعبير عبدالله التل . (29)
بدأ القتال 15 مايو واجتمعت الجامعة العربية بعد عشرة أيام من القتال فى 25 مايو للتشاور فى الهدنة المقترحة ، و مائة ألف يهودى فى محاصرين وعلى وشك التسليم ، لمصلحة من الاستجابة لقرار الأمم المتحدة لقبول الهدنة وفك الحصارعنهم ، بل الأدهى وأمر أن يؤمر قائد الكتيبة الأردنية عبد الله التل المحاصر لليهود فى القدس أثناء تشاور مجلس الأمن بشأن الهدنة و قبل تنفيذها بعشرة أيام بأن يوقف القتال ضد اليهود فى القدس ، وأن يكتفى بصد هجمات اليهود .وأورد عبد الله التل البرقية الثالثة التى وردت إليه بشأن وقف العمليات العسكرية ضد اليهود فى القدس ، هى : " من قائد اللواء الرابع إلى قائد الكتيبة السادسة (أى : عبدالله التل ) ومن س م 17 .مكتوم جدا (أى سرى جدا) 2/6/1948.البرقية الثالثة من القيادة .مجلس الأمن يبحث الآن الأجوبة بخصوص وقف إطلاق النار ، ولكن تحت شروط . خلال مدة الأيام القادمة سوف لا تقومون بأى هجوم ولكن ستصدون أى هجوم يقوم به العدو ،انتهى ". (30)
ويعلق عبد الله التل على قبول الهدنة بقوله : الجريمة الكبرى.
ليس لى إلا أن أصفها بالجريمة الكبرى وهى أخف وصف يمكن أن توصف به موافقة الجامعة العربية على شروط الهدنة التى قدمها برنادوت بدون قيد أو شرط .فقد وافق أعضاء اللجنة السياسية على أكبر خطيئة فى تاريخ الحروب بالشرق العربى ألا وهى السماح بفك الحصار عن مدينة القدس وانقاذ مائة ألف يهودى كانوا على وشك التسليم أو الموت جوعا وعطشا . وافقوا قبل أن يفكروا قليلا فى نتائج ما أقدموا عليه .
وافقوا قبل أن يفكر أحدهم بعد عشرة أيام فقط من ذلك اليوم المشئوم ، وافقو لأنهم وثقوا من وفد الأردن فى اللجنة السياسية وصدقوا رئيس الحكومة الأردنية.
وافقوا قبل أن يفهموا أن القدس هى كل شىء فى فلسطين وأن من يحتلها ينهى المعركة كلها . وافقوا قبل أن يسألوا ليفهموا كيف كانت حال مائة ألف يهودى فى القدس ، هم سبع يهود فلسطين وقبل أن يعلموا مقدار الدماء والدموع والجهود التى بذلناها فى القدس حتى جعلناها تترنح لتهوى صاعقة على رأس الصهيونية فتزيلها إلى الأبد . وافقوا قبل أن يفكروا قليلا فى نوايا الإنجليز وعزمهم على إنقاذ الصهيونية وخاصة القلب : القدس ........وإننى أعتبر جميع الدول العربية مسئوله عن ذلك القرار فى اليوم الأسود بعمان؛ لأن الواجب كان يقضى بإخراج الأردن من الجامعة العربية فى ذلك التاريخ ما دامت النتيجة واحدة ، وما يريده الأردن من فواجع وكوارث لابد أن يتحقق .أما إذا كانت الدول العربية فى ذلك الحين حسنة الظن فى عمان ،فتكون الجريمة قد تمت نتيجة الجهل الفاضح وسوء الإدراك لما يجرى على مسرح السياسة ، وفى هذا مسئولية لا تقل عما سبق ........ووردت الإشارة اللاسلكية تنبىء بوقف الرمى ومنع التحرش باليهود ، وقد كان ذلك قبل يوم الهدنة الرسمية بعشرة أيام وكان من الممكن خلاله أن تنجز الجيوش العربية أية عملية حربية حاسمة لو عمدت إلى الجد فى العمل . (31)
4- اليهود يستغلون الهدنة والقيادة الأردنية مستكينة
أعلن رسمياً في 10/ يونيو / 1948 أن الفريقين العرب واليهود قبلا اقتراح مجلس الأمن بوقف القتال ، وأن القتال سيقف في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي.
أصدرت قيادة الجيش العربي في 11/يونيو/1948 في عمان وقيادات الجيوش العربية الأخرى أوامرها بوقف القتال وأعلن رسمياً أن هدنة مدتها أربعة أسابيع تنتهى فى 9 يوليو 1948 ، والقتال لم يستمر إلا ما يقرب من ثلاثة أسابيع ثم يدخل فى هدنة تقترب من الشهر بخدعة جديدة وهى : وأن الوسيط الدولى سيسعى خلال هذه المدة لإيجاد حل لقضية فلسطين.
ولم يقم الجيش العربي خلال فترة الهدنة بأي ترتيب جدي يدل على أنه ينوي استئناف القتال أو أنه يتأهب لصد العدوان ، وما كان يبدو أنه آبه بالاستعداد الذي كان يجري في المعسكر اليهودي، فقد عمل اليهود على استيراد مختلف الأسلحة من أوربا ، وتحصين مواقعهم ،ومهاجمة المواقع العربية ، وتوصيل الإمدادات إلى القدس .
وبإختصار: استفاد اليهود من الهدنة فى كل الميادين ،والجيش الأردنى ظل على حاله ،لم يستورد أسلحة جديدة ، وظل بأسلحته التى بدأ بها المعركة ،والتزم أثناء الهدنة بموقف المدافع أمام هجمات اليهود . (32)
5- الحكومة الأردنية تتاجر بالمقدسات الإسلامية
يقول عبد الله التل تحت عنوان ( الحكومة الأردنية تريد بيع المبكى لليهود) : فى صباح يوم السبت 19 /6/ 1948 كلمنى هاتفيا من عمان الشيخ محمد الشنقيطى وزير المعارف وقاضى القضاة ، وطلب إلى أن أوافق على مقترحات قائد الفرقة لاش فيما يتعلق بحائط المبكى والسماح لليهود بزيارته يوميا .وأضاف الشنقيطى إن الحكومة وجلالة مولانا الملك موافقان على هذه العملية التى سيدفع اليهود 50 ألف جنيه لصندوق الزكاة، فقلت له : إن اليهود كانوا يعرضون على المجلس الإسلامى أن يدفعوا مليون جنيه لشراء حائط المبكى ............وكان رد عبد الله التل على رسالة لاش أنه موافق على مطلبه إذا كان اليهود يسمحون لنا بزيارة مقدساتنا فى يافا وعكا وحيفا ،فصمت لاش ، ولم يعد لبحث موضوع حائط المبكى ... (33)
6- تجريد الفلسطينيين من السلاح وإقصائهم عن القتال
لا يوجد فى التاريخ قوات خارجية من دول مختلفة نزلت بلدا ما بهدف إعادة الاستقرار والأمن إليه دون أن تُشرك قوات من أصحاب الأرض فى القتال والمسئولية إلا أن تكون قوات احتلال. لم نرَ ذلك إلا فى حرب فلسطين التى أعفت الجيوش العربية الشعب الفسطينى من الدفاع عن أرضه، ولم تشركه فى قتال اليهود إلا فى أضيق الحدود.
وقد اتضحت المؤامرة أكثر أثناء الحرب ، فلم يكد الجيش الأردنى يدخل فلسطين نجد جلوب باشا لم ينتظر طويلا ،وأخذ يكشف عن خطته السرية شيئا فشيئا .وكان أول عمل قام به ، هو الإيعاز لجميع الوحدات فى فلسطين بتقديم المساعدات اللازمة لسماسرة السلاح الذين نشرهم الباشا فى فلسطين لشراء جميع أنواع الأسلحة ، وحجته الظاهرة أن هذه الأسلحة لازمة الجيش العربى، وتصاريح شراء السلاح التى وردت من جلوب كانت مشهورة بين الضباط وضباط الصف والأهلين فى جميع أنحاء فلسطين. وغاية جلوب الرئيسية من هذا هى غاية الاستعمار الأولى فى كل بلد مستعمر ، وهى تجريد السكان من السلاح ... (34)
7- تسليم مدن فلسطين لليهود بدون قتال
لاجئون فلسطينيون يفرون من مناطقهم في فلسطين عام 1948م
وضع القائد العام الإنجليزى للجيش الأردنى بصماته على أرض القتال ، فلم يكد يبدأ القتال حتى سعى لتجنب الاستيلاء على القدس بحجة أنها تحت الإدارة الدولية وأن الجامعة العربية أسقطتها من حساب المعركة الحربية ، ولعب دورا كبيرا فى قبول العرب للهدنة الأولى ... (35)
واتسمت سياسة جلوب ـ بعد الهدنة الأولى ـ بتسليم المدن الفلسطينية لليهود واحدة تلو الأخرى .وسوف نوضح ذلك بأمثلة لا للحصر .
تسليم عرطوف:
سارجلوب فى خطته لتسليم مدن فلسطين عن طريق سحب قواته من المدن ؛ ليستولى عليها اليهود دون قتال ،ومن ذلك أننا نجده فجأة يسحب قواته من عرطوف التى يتولى حمايتها جنود من الجيش المصرى والأردنى ، ليظل الجنود المصريون وحدهم فى المدينة لا يقدرون على حمايتها ، فتسقط فى أيدي اليهود ، وهو ما حدث بالفعل .يقول عبد الله التل : الجيش العربى(الأردنى) يغدر بالجيش المصري :
عرطوف قرية عربية تقع مسيرة ستة كيلو مترات جنوب باب الواد ، وهى تتحكم فى طريق باب الواد ـ بيت جبرين ، وتؤلف حصنا منيعا ، ويتم به تطويق القدس ، وكان فى عرطوف قلعة حصينة للبوليس ........وكان يتولى حمايتها قوة من الجيش الأردنى والمصرى ....ولم يمضِِ على نشوب القتال فى فلسطين سوى بضعة أيام حتى فوجئت القوات المصرية بانسحاب جنود الجيش الأردنى من عرطوف بحسب الأوامر الصادرة إليهم من عمان دون سابق إنذار إلى زملائهم وإخوانهم فى السلاح . ولم يكن أمام المفرزة المصرية إزاء هذا الغدر إلا أن تنسحب من القلعة التى جاءت للمساهمة فى حمايتها بعد أن تركها حماتها الأصليون .....كان يحتم على السلطات الأردنية أن تبلغ عن خطتها هذه قبل تنفيذه بثلاث أيام على الأقل ، ولكنها لم تفعل ،لأن عرطوف ضرورية لتأمين (الكوريدور ) اليهودى بين القدس وتل أبيب ، وقد أمنت تسليمها لليهود دون أن يخسروا أحدا من جنودهم أو يطلقوا رصاصة واحدة ، وقد اتخذ اليهود عرطوف قاعدة لهم واستعملوها لتيسير قوافلهم للقدس ولجنوب فلسطين وخاصة فى معركة النقب . (36)
تسليم اللد ّوالرملة:
وقبل أن تنتهى الهدنة الأولى إذا به يخطط لتسليم المدن الفلسطينية لليهود ، ففى مساء الاثنين 5/7 /1948 م .زار جلوب باشا منطقة عجلون بشرق الأردن واتفق مع نديم السمان فى مقر المنطقة باربد على خطة فيما بينهما لتسليم بعض المدن الفلسطينية ، وقد اتضح ذلك من البرقية التى أرسلها إلى جلوب عقب وصوله إلى عمان بعد الاجتماع مباشرة بأن تجمعات يهودية كبيرة فى منطقة بيسان تتنقل ما بين مستعمرات اليهود فى الغور ." وحينما تسلم جلوب باشا برقية منطقة عجلون ، أصدر أوامره إلى أقوى كتيبة فى الجيش العربى للإسراع إلى منطقة طوباس المشرفة على الغور لتراقب تجمعات اليهود ........وقد حرص جلوب باشا على تنفيذ أوامره قبل انتهاء مدة الهدنة الأولى وبدأ القتال ثانية ......فى مساء الخميس الموافق 8/7/1948 أى قبل نشوب القتال.....، وبذلك أخلى جلوب باشا منطقة اللّّّّّّّد والرملة من القوة الوحيدة التى كان يعول عليها فى صد أى هجوم يهودي ". (37)
ولم تكد الهدنة تنتهي فى 9/7/1948 حتى كانت قوات يهودية كبيرة تساندها الطائرات تزحف نحو اللد والرملة ، واستمرت فى قصف منطقة اللد والرملة حتى تم لهم الاستيلاء على القرى المحيطة بهما وتمكنت من دخول المدينتين يوم الأحد 11/7/1948 ، وبذلك سحب جلوب الكتيبة التى كانت تدافع عن اللد والرملة تمهيدا لتسليمهما لليهود الذين لم يجدوا أى مقاومة . ولو كانت الكتيبة الأولى ترابط فى مواقعها الأولى لما تجرأ اليهود على الدنو منها لأنهم لو فعلوا فإنهم لاشك خاسرون . (38)
وحاصر اليهود سكان المدينتين الذين يزيد عددهم عن ستين ألف من الأنفس .واستطاعوا أن يستولوا عليها دون مقاومة تذكر .ولعل السؤال الذي يطرح نفسه ، لماذا اللدّ والرملة ؟ كان الهدف بالنسبة لليهود من احتلال اللد والرملة يرجع إلى أهمية هاتين المدينتين ووقوعهما بين أهم مدينتين ساحليتين ( يافا وتل أبيب )والقدس وكان سقوط هاتين المدينتين بالنسبة للعرب يعنى عزل مدينة يافا وقراها نهائيا عن المدن الداخلية والساحلية، وشطر القوات العربية إلى شطرين بعد الاستيلاء على أهم محور داخلي فى فلسطين ، وهو الذي يمر من ( يافا ـ الرملة و اللدّ ـ اللطرون ـ القسطل ـ القدس) إضافة إلى أن اللد تمتاز بموقع استراتيجي وفيه يقع أكبرمطارفى فلسطين وأكبر محطة للخطوط الحديدية. (39)
وقد فوجئت القيادة الصهيونية بأن سكان المدينتين لم يرحلوا عن مدينتهم بعد أن استولى اليهود عليها ، وكما يقول موقع (Word iQ .com): وهذه مشكلة كبيرة ،لأنهم لا يستطيعون ترك هذا العدد الكبير من السكان في هذا المجال. ولذلك طردوا قسرا بعض السكان من منازلهم 60.000 بدءا من 14 يوليو. (40)
That was a large problem to them as they couldn't leave such a large and hostile population in that area Therefore some 60,000 inhabitants were forcibly expelled from their homes starting from July 14.
وهذه بداية أكبر عملية تهجير للفلسطينيين عن مدنهم ، ولم يسمح اليهود لأي منهم بحمل أي مال أو متاع ، وجردت النساء من حليهن ، وبلغت الخسائر البشرية 426 شهيدا ،وبلغ عدد الشهداء من النساء والأطفال الذين مات أكثرهم وهم فى الطريق من اللد إلى رام الله من جراء العطش والجوع والحر ..(41)
وقد فتح استيلاء اليهود على اللد والرملة الطريق أمامهم للاستيلاء على المدن الفلسطينية واحدة تلو الأخرى ، واتسع نطاق التشريد للشعب الفلسطيني ، وأدى إلى كشف ميمنة الجيش المصري وميسرة الجيش العراقي مما أدى إلى تراجعهما . واستطاع اليهود أن يأمنوا مدينتي يافا وتل أبيب ويزول الخطر الذى كان يهددهما ( اللد والرملة).
والأغرب من ذلك أن جلوب أرسل يطلب مساعدة اللد والرملة من الجيش العراقي والمصري الذي اعتذر كل منهما حتى إذا ما سقطت المدينتان يحملهما النتيجة .(42)
ويعلق عبد الله التل على ذلك بقوله : الاضطرابات في الأردن وفلسطين احتجاجا على تسليم المنطقة لليهود (اللد والرملة).
ما أن انتشر خبر المأساة فى المدن والقرى الفلسطينية والأردنية حتى هب الشعب معلنا سخطه ونقمته على مدبري المؤامرة ومنفذي الخيانة العظمى فى عمان ، فقامت المظاهرات الشعبية فى مدن فلسطين وشرق الأردن .، ونادت الجماهير بسقوط الملك عبد الله وحكومته وقائد جيشه جلوب ومساعده لاش ..........أما حكومة اللصوص فى عمان ،فكانت فى واد وقضية الجيش فى واد ....ولم تحاكم جلوب أو تحقق معه فى شيء وكأنه فى نظرها لم يفعل شيئا ، وسكوتها عن المأساة دون أن تتعرض لجلوب بشيء أكبر دليل على اشتراكها فى الجريمة ، وأن المأساة لم تقع إلا بمعرفتها واطلاعها .......ولكن حكومة عمان لم تفعل شيئا مع جلوب ورفاقه ، بل على العكس من ذلك فقد منحت لاش بك وساما كبيرا تقديرا لإخلاصه للسدة الملكية ثم رقاه الملك من رتبة زعيم إلى رتبة لواء ليوطد قدميه فى الجيش ، ويعده لتسلم منصب أستاذه جلوب حينما ينتهي من تنفيذ برامج لندن الاستعمارية فى الشرق العربي ويتقاعد نهائيا وعندما فوتح جلالة الملك في أمر جلوب وضباطه الإنجليز وطلبت الجامعة العربية الاستغناء عنهم أو سحب القيادة منهم أجاب الملك في جلسة هامة بقصر رغدان بما يلي : "أنا لا أستطيع أن أغير سرجي فى المعركة"، ولعل الأمة العربية تشهد ـ بل العالم بأجمعه يشهد ـ أن جلا لته لم يغير سرجه "جلوب باشا " لسبب بسيط هو أن السرج أو البردعة كان الملك نفسه ، وليس جلوب . (43)
والعجب أن يكون تسليم اللد والرملة إلى اليهود بالاتفاق مع الملك عبد الله ،وأن انسحاب الكتيبة التى كانت تدافع عن المدينتن كان مرتبا ومتفقا عليه ، وقد أورد عبدالله التل وثيقة أمرَ الملك عبد الله بكتابتها بحضور عبدالله التل ردَّ فيها على رسالة اليهود إليه ، ومما جاء فيها بخصوص اللد والرملة ".......4ـ مسألة اللد والرملة يجب أن تكون على الحالة التى سبقت الانسحاب منها ؛ لأنكم لا تدركون المتاعب التى لحقتنا بعد الانسحاب ...." (44)
مأساة النقب الجنوبى (أم الرشراش ):
كانت القوات الأردنية تحتل مساحة شاسعة من النقب الفلسطيى وهى عبارة عن مثلث طول ضلعه الشرقي في وادي عربة مائة كيلو متر، وطول ضلعه المقابل على الحدود المصرية مائة كيلو متر كذلك ، وطول قاعدته أى المسافة بين وادى عربة والحدود المصرية فى سيناء تزيد على 60 كيلو متر ، وملتقى الضلعين فى أم الرشراش، وهى المركز أو الميناء على خليج العقبة وتبعد عن ميناء العقبة الأردنى حوالى خمسة أميال.......كانت القوات الأردنية فى النقب تقترب من الألف جندى ، تنتشر فى مراكز حربية هامة تسد كل الطرق التى يمكن للعدو أن يسلكها إذا فكر فى احتلال أم الرشراش ، وكانت تلك القوة مزودة بمدرعات ثقيلة وخفيفة ومجموعة من فرقة التدمير ......أرسل جلوب إلى المنطقة القائد الإنجليزى (برومج) ، وبدأت الحركات الحربية فى جنوب فلسطين 25 /2/1949، وبدأ اليهود بإرسال دورياتهم الخفيفة لكشف المسالك المؤدية إلى العقبة عبر الصحراء ، ومن جهتنا كان الجيش العربى قد كشف جميع الممرات والطرق التى يمكن اجتيازها بالسيارات بما فى ذلك المنطقة الواقعة ما بين وادى عربة وصحراء سيناء وحينما وصلت طلائع القوات اليهودية لمراكز الجيش فى 4/3 /1949 اشبك معها ودمر السيارة الأولى وفر الباقى .... ولما كثرت الدوريات الكشفية ، وأصبح الاشتباك بين قوات الجيش العربى واليهود متوقعا فى كل لحظة،.....أرسلت قيادة الجيش فى عمان الأوامر إلى قائد القوات الأردنية فى المنطقة بالانسحاب الفورى إلى العقبة .وهذا نص البرقية:
" الرقم من 3/17/2/811
التاريخ 6/3/1949
برقية (فورى )
إلى ق م الجنوب مكرر ق م عمان
من القيادة
اسحبوا قواتكم من المراكز التالية فورا :
أولا ـ جبل الردادى ثانيا ـ وادى الحياتي ثالثا ـ رأس النقب رابعا ـ أم الرشراش .تجتمع القوات فى العقبة بالمواقع التى يعينها لكم الجيش البريطاني .تنقل الأسلحة والذخائر بقدر الإمكان وتتلف التجهيزات الثقيلة ج"
(الردادى:جبل يشرف على سهول العقبة ووادي عربة .)
(الحياتي :وادي يقع على خط مواصلات اليهود الذين زحفوا من بئر سبع إلى الخليج .)
(رأس النقب : تل عا ل ِيشرف على أم الرشراش وميناء العقبة .
هذه أوامر جلوب باشا ونفذها الكابتن (برومج)فسحب جميع القوات من مراكزها قبل أن ترى اليهود بأعينها وكانت صدمة عنيف للجنود الأبرياء أن تأتيهم الأوامر بترك ميناء أم الرشراش الحصين ، وهم لا يعلمون السر فى ذلك ، وكانت الأوامر مستعجلة لدرجة أن أغلب تجهيزات الجيش بقيت فى المراكز .
عرف اليهود كل هذا، وكشفت طائراتهم فوجدت أن القوات الأردنية تنسحب بسرعة وتتحاشى الاشتباك مع اليهود ، فما كان منهم إلا أن أسرعوا بزحفهم مارين بنفس المراكز والمسالك التى أخلاها الجيش العربى وفى 8/3/1949 وصلوا لنقطة تبعد 30 كيلومتر عن الخليج ولما لم يجدوا من يعترضهم تابعوا سيرهم فوصلوا خليج العقبة فى 10 /3 /1949 واحتلوا ( إيلات ) بسلام آمنين دون أن تطلق عيهم رصاصة واحدة .وإن ما يزيد من فداحة المأساة أن نعلم أن القوات اليهودية التى وصلت إلى أم الرشراش لم تزد على 200جندى جاءوا بسيارات الجيب واللوريات وبعدد قليل من المدرعات الخفيفة ، ولو بقيت القوات الأردنية مكانها لأبادتها مجموعة صغيرة.وهكذا خسرنا منطقة تعتبر من أخطر المواقع الاستراتيجية فى الشرق العربى تزيد مساحتها ـ التى سلمها جلوب ـ لليهود على ثلاثة آلاف كيلومتر مربع .
ومن العجيب أن الحكومة الأردنية احتجت على خرق اليهود للهدنة حتى تهدأ ثائرة الرأى العام الأردنى والعربى ، فقابل اليهود الاحتجاج بالسخرية والتهكم بأنهم لم يعتدوا على أحد ، ولم يشتبكوا مع قوات أردنية ولا غيرها ،وإذا كانت الحكومة الأردنية صادقة فى ادعائها ، فلماذا لم توقف زحف اليهود أو تشتبك مع اليهود ليحدث أثر مادى لاعتداء اليهود على منطقة أردنية ؟ وهل عندما يتحرك جنودنا فى بلادهم يكونون خرقوا الهدنة ؟! (45)
8- القائد الإنجليزى يعاقب جنود الجيش الأردنى لأنهم طلبوا أن يقاتلوا اليهود
حقيقة إن جنود الجيش الأردنى ظلموا ،واتهموا بالتخاذل أمام اليهود ، وماذا يفعل الجنود وهم مكبلون بأغلال الحكومة الأردنية والضباط الإنجليز الذين يتلقون منهم الأوامر؟ . فلم تكد تبدأ الحرب بعد الهدنة الأولى يوم 9 يوليو ، و لم يمر أسبوع على القتال حتى اجتمع مجلس الأمن للتشاور فى فرض هدنة ثانية تبدأ من 18 يوليو حتى 15 أكتوبر ،فمدة القتال عشرة أيام يقابلها هدنة لمدة ثلاث شهور. فهل تمكن الجيش العربى من قتال اليهود حقا ؟
ولما سرى نبأ الهدنة الجديد ة بين الجنود شعروا بالمؤامرة ، وبدأت حركة المعارضة للهدنة ،فما أن سمع أفراد الجيش العربي الأردني فى منطقة باب الواد بالقدس أن هدنة ثانية تفرض عن قريب ، فى الوقت الذى كان فيه إخوانهم يقاومون اليهود بشدة ، وهم مكتوفو الأيدي . ولما لاحظ قائد اللواء الرابع " القائمقام أشتن col. Asthenia حاول إقناع الجنود والضباط بقبول الهدنة ،لكن دون فائدة ، فقرر الزحف على البرج يوم 16 /7 / 1948، وقد اختار قائد اللواء وقتا لا يختاره إلا جاهلا بفنون القتال أو متعمد الإخفاق وهو الساعة الرابعة عصرا ،حينما يكون الجنود يواجهون أثناء تقدمهم أشعة الشمس الغاربة ، ويكونون بذلك هدفا واضحا للعدو، وأن يسير الجنود باتجاه البرج نحو ستة كيلومترات ، فما أن اقترب الجنود من منطقة الهدف حتى كان الإعياء قد أخذ منهم مأخذه .ولم يعمل قائد اللواء ما يمليه عليه الضمير والشرف العسكري و قذف بالجنود ؛ لينتقم منهم ويريهم أن محاولة التمرد على الإنجليز ليست بالشيء الهين . (47)
9- فرض الهدنة الثانية وأمريكا تطلب من الأردن قبول الهدنة
اجتمع مجلس الأمن الدولى لدراسة الحالة التى وصلت إليها فلسطين .ولم تدم اجتماعاته طويلا فقد أصدر بتاريخ 15 /7 /1948 قرارا يفرض بموجبه الهدنة فى القدس حالا بدون قيد أو شرط وفى جميع أنحاء فلسطين بعد ثلاثة أيام من صدور القرار........وحينما صدر قرار مجلس الأمن قبلته الدول العربية وقبلته إسرائيل ، أما الدول العربية فقد فعلت ذلك ، لأنها كانت منقسمة على نفسها تتخبط فى بيداء الجهل السياسى ، وتعجز عن إصلاح الأخطاء العسكرية التى تراها واضحة جلية ، وأهمها الاطمئنان للفريق جلوب باشا ، وهو يقود الجيش العربى لا ليحارب اليهود ، بل ليحمى اليهود .
وأما اليهود قبلوا الهدنة لأنهم خشوا أن يوحد العرب قيادتهم ويحاربوا بجد وعزم ......ولا صحة للإشاعات السخيفة والآراء التافهة التى كانت ولم تزال تقول بأن الهدنة أنقذت الجيوش العربية من هزيمة محققة . (48)
يقول عبد الله التل : الولايات المتحدة تطلب من الأردن قبول الهدنة :
فى صباح 18 /7/1948 سلمني قنصل عام أمريكا فى القدس برقية مرسلة من حكومته إلى حكومة شرق الأردن تطلب فيها أمريكا العمل على تنفيذ أمر وقف النار . فهل يعقل أن انزعاج أمريكا واهتمامها بأمر الهدنة كان لصالح العرب ؟! وهذا يدلنا على خطورة الوضع عند اليهود فى ذلك الحين مما حدا بأمريكا إلى استعمال نفوذها لفرض الهدنة الثانية من أجل إنقاذ اليهود .......وقد بعثت البرقية إلى عمان وردت الحكومة بالسمع والطاعة ، وهى الحكومة التى يسيرها جلوب باشا كما يريد . (49)
10- الملك عبد الله يعين حكاماً على مدن القسم العربى من فلسطين عقب قرار التقسيم
تطلع الملك عبد الله إلى ضم القسم العربى من فلسطين عقب قرار التقسيم الذى أصدرته الأمم المتحدة وقبل الحرب ، فقام بتعيين حكاما من قبله على مدن فلسطين ، وهذا مالم تفعله دولة أخرى مجاورة فى هذا الوقت ، وقد احتوى المجلد السادس من وثائق الملك عبدا لله على الوثائق الملكية بتعيين الحكام العسكريين الأردنيين على مدن فلسطين ،وقد صنفت الوثائق تحت عنوان :( الإدارة الأردنية فى فلسطين 1948 ـ 1951) .
ومن هذه الوثائق وثيقة برقم 1/443عمان بتاريخ 10 رجب 1367هـ بتعيين بهجت باشا طيارة حاكما عسكريا لمدينة أريحا .وثيقة رقم 2/ عمان433بتاريخ11رجب الخير 1367هـ بتعيين إبراهيم باشا هاشم حاكما عسكريا عاما على جميع مناطق فلسطين التي يتواجد فيها الجيش العربي الأردني .وتم تعيين جميع الأعمال الإدارية من قبل الحكومة الأردنية ،وقد احتوى المجلد السادس على ( 346) وثيقة إدارية صادرة من الحكومة الأردنية فى عمان بتعيينات إدارية فى فلسطين . (50)
ثالثا: إحكام الملك عبدالله المؤامرة
1- الملك عبد الله يغدر بالجيش المصري بعد الهدنة الثانية
لم تكد تمضى أيام على الهدنة الثانية حتى بدأت مؤامرة جديدة نسجت خيوطها هذه المرة على الجيش المصري ، فإذا بقيادة الجيش الأردني تسحب سرية من منطقة بيت لحم يوم الأحد 25 /7 /1948 بحجة أسباب عسكرية ، وتلقى العبء كاملا على القوات المصرية، في الوقت الذي لم يلتزم فيه اليهود بالهدنة واستمروا على اعتداءاتهم في جميع الجبهات . (51)
وفى 14 أكتوبر 1948 جمع اليهود أعدادا كبيرة من القوات اليهودية وهاجموا الجيش المصرى من الجنوب مدركين أنه لن ينجده جيش عربى . ولقد استطاع اليهود أن يفصلوا القوات المصرية المرابطة فى الفالوجا عن المواقع المصرية فى المجدل والخليل ، وبذلك تم لهم عزل اللواء المصرى بقيادة الأمير ألاى السيد طه . (52)
وبذلك تم حصار القوات المصرية فى الفالوجا ، وتقاعست حكومة الأردن عن إنقاذ الجيش المصرى بالرغم من أن ذلك فى استطاعة الجيش الأردنى ، وخاصة أن مصر طلبت المساعدة بطريقة رسمية ، وبالرغم من أن جنود الجيش الأردنى كانوا يرغبون فى مساعدة الجيش المصرى إلا أنهم كانوا مقيدين بقادتهم الإنجليز ،وخاصة أن الأسلحة كانت بيد الإنجليز .
يقول عبد الله التل : لم يعد خافيا على أحد من رجالات عمان العسكريين والسياسيين أن الملك كان يعلم بهجوم اليهود على الجيش المصري ، والدليل على ذلك تصريحات جلالته الكثيرة فى مجالسه الخاصة بالشونة ، تلك التصريحات التى تناقلها أفراد الحاشية ونشروها بين الناس ، والمعروف عن الملك الصراحة وعدم المبالاة . وكان جلالته لا يخفى سروره وابتهاجه بانسحاب الجيش المصرى فى بعض المواقع متخليا عن بعض المراكز، ولطالما صرح بأنه يفضل انتقال جنوب فلسطين إلى اليهود على بقائه فى يد المصريين ؛ لأن استرداد النقب من اليهود أهون بكثير من استرداده من المصريين (بحسب رأى جلالته ).
وأن عبارته المشهورة فى هذا الباب يرددها الخاص والعام وهى :( إننى أخاف على فلسطين من قريب حاسد أكثر من عدو حاقد ) . وفى اجتماع لجلالة الملك مع ضباط عراقيين وأردنيين أثناء زيارتهم للشونة يوم الجمعة الموافق 7/1/1949، وكنت من بين أولئك الضباط صرح جلالته بأنه يرغب من صميم قلبه أن يحتل اليهود غزة ، لأنهم وعدوه بجعلها ميناء عربيا ، وبجرأته الغريبة ووقاحاته العجيبة نطق بجملته المشهورة التى حفظها الضباط ، وما يزالون يرددونها وهى : (أما المصريين ، فقد تعفرت أنوفهم ، وأما الشمال ، فلا حول لهم ولا قوة) ويقصد بأهل الشمال سوريا ولبنان .وقد تبجح فى ذلك الاجتماع بسلامة الجيشين الهاشميين ، وهكذا نجد أن الأدلة قد توفرت لدينا على تآمر جلالة الملك الهاشمى على بنى قومه فى أشد محنة مرت بهم فى تاريخهم الحديث ، وإننى ألخص الأدلة كما يلى :
1ـ اتصاله السري مع اليهود بواسطة طبيبه الخاص شوكت باشا،ذلك الاتصال الذى كان يتم فى الخلوات بين ساسون والدكتور .
2 ـ اتفاقه السري مع اليهود على الهدنة الدائمة ،ذلك الاتفاق الذى نقله الدكتور لساسون واستطاعت أن أكون فكرة عنه فيما بعد .
3ـ منعه الجيش العراقى من تقديم أى مساعدة للتخفيف عن الجيش المصرى ، وكان بإمكانه ذلك ، ومع تسليمنا بأن جلالته لا سلطة له على جيش جلوب باشا ، فليس له عذر فى كبح جماح الجيش العراقى .
4ـ ابتهاجه لتطور معركة الجنوب لصالح اليهود .
5 ـ أحاديثه وتصريحاته حول النقب ومعركة الجنوب ، تلك التصريحات التى أثبتت معرفته بالهجوم قبل وقوعه ثم أثبتت أنه أروى غليله عند احتلال اليهود للنقب . ... أما جلوب باشا فقد سبق أن بينا أنه كان يعلم عن الهجوم اليهودى ، وذلك نتيجة الاجتماع الذى عقده مع الضباط والطريقة التى اتبعها فى توزع القوات الأردنية.
نتائج المعركة :
1 ـ أثبتت المعركة أن هناك مؤامرة عربية استعمارية على الجيش المصرى فقد تكتلت جميع القوة اليهودية فى فلسطين ضد الجيش المصرى ، ولم تخف الجيوش العربية الأخرى إلى نجدته وفتح جبهات أخرى للتخفيف عنه ، وتعتبر هذه المأساة اللأخلاقية فى نظرى أبشع من المآسى التى سبق ذكرها وخسرنا فيها الأرض والمال .مما أدى إلى حصار ثلاثة آلاف جندى وضابط مصرى فى الفالوجا .
2ـ اضطر الجيش المصرى إلى ترك كثير من المواقع إلا أنه خرج من المعركة محتفظا بشرفه ، لأنه استطاع الحيلولة دون تطويقه ، وخاصة فى معركة التبة 86 التى انتصرت فيها القوات المصرية وحالت دون وقوع كارثة أو تمكن اليهود من الوصول إلى البحر المتوسط من تلك النقطة وكان القائد العام للقوات المصرية فى تلك المرحلة من الحرب هو اللواء أحمد فؤاد صادق الذى تسلم القيادة خلفا للواء أحمد على المواوى .
3ـ أدت معركة النقب إلى مفاوضات رودس التى بدأت فى 7 يناير 1949، وانتهت بإعلان اتفاقية الهدنة بين مصر واليهود وتوقيعها فى24 فبراير 1949 ،وذلك بعد أن تحطمت قوات اليهود أمام دفاعات الجيش بالرغم عن العتاد الذى وصل إليهم من الغرب .
4ـ أظهرت المعركة مدى تسلح إسرائيل أيام الهدنة . (53)
2 ـ استمرار الاتصالات السرية بين الملك عبد الله واليهود أثناء الحرب .
والغريب أن الجيش الأردنى أمام العالم يحارب اليهود فى فلسطين ، والملك الأردنى مستمر فى اتصالاته باليهود أثناء الحرب ،وكان مسرحها الشونة ولندن وباريس .يقول عبد الله التل " ولما كنت بحكم مركزى مطلعا على الاتصالات والاجتماعات السرية بين جلالته واليهود فإنى سأشرح بالتفصيل محاضر الجلسات التى وقعت فى الشونة وتل أبيب . وبحكم اطلاعى على خفايا القصر، فإنى سأثبت ما وصل إلىّ من معلومات موثوقة عن اتصالات باريس لندن . (54)
وفى أحد لقاءات الملك عبد الله السرية باليهود فى عمان أثناء الحرب بتاريخ 16 /1 /1949، وحضره عبد الله التل الذى يروى ما قاله الملك عبد الله للوفد اليهودى : " أنا ملك عربى لا أخلف وعدا ولا أخون عهدا تعرفون نواياي وشعوري نحوكم، وأرى أنا لا يقف أحد بيننا الآن بعد أن خمدت الفتنة وانتهى لكم الأمر فى الجنوب ، وأنت تعلم يا ساسون أننا لم نحاربكم ولم نعتدِ على ماخصص لكم ، وأنا الآن لا أصغى لنصائح حلفائى الإنجليز، فهم أصدقاؤكم المخلصين ، وقد أحجموا عن مساعدتنا ، ولم يبعثوا لنا خرطوشة واحدة منذ الاضطرابات ، وكانت تنقصنا الذخيرة ولاتزال ..." ويعلق عبد الله التل على ذلك بقوله : قال جلالته كل هذا وأفهمَ اليهود بعبارات موجزة أنه لم يخن العهود ، ولم يعد يعتمد على الإنجليز، فنخسر بذلك ورقة رابحة ، لأن اليهود كانوا يعتقدون عكس ذلك تماما ثم أوضح لهم أنه مطمئن لما وقع فى الجنوب ، وفى هذا أحط أنواع التزلف لأعدائه ،وأكد جلالته أنه لم يحارب اليهود ثم كشف عن ضعف جيشه وقلة ذخيرته ."
والخلاصة: لقد دوّن على نفسه فى أقل من خمس دقائق اعترافات خطيرة . كل هذا وساسون ودايان يستمعان ، وقد زاد قائلا : " أنت تعلم يا أخى (مخاطبا ساسون ) أننا اتفقنا على أسس سبقت ......." ويعلق عبدالله التل على ذلك بقوله: وهكذا سجل بهذه الفقرة الصغيرة اعترافا خطيرا آخر، وهو اتفاق جلالته معهم على (أسس سبقت ). . (55)
وفى لقاء آخر باليهود بتاريخ 30 /1/1949 وحضره عبدالله التل ورواه بقوله : وبكل جرأة ولم يخجل من أحد قال جلالته مخاطبا ساسون : " كنت والله أريدكم أن تأخذوا لنا غزة ، فهى منفذنا على البحر ،ولابد لنا من ميناء ولتكن مجدل عسقلان "وطرب ساسون ودايان لسماع تصريحات كهذه وقال ساسون :"الله يقدرنا على تنفيذ ما يرغب فيه سيدنا ". (56)
ثم تنتهى الحرب بمفاوضات رودس 1949 وإقرار الهدنة الدائمة بعد تشريد الفلسطينيين ،وأصبحت الدولة اليهودية واقعا على أرض فلسطين . وأصبح الفلسطينيون لاجئين ولا يملكون من أرض فلسطين سوى 5ملايين دونم ،بينما يمتلك اليهود 21 مليون دونم .
2- استمرار الاتصالات السرية بين الملك عبد الله واليهود أثناء الحرب .
والغريب أن الجيش الأردنى أمام العالم يحارب اليهود فى فلسطين ، والملك الأردنى مستمر فى اتصالاته باليهود أثناء الحرب ،وكان مسرحها الشونة ولندن وباريس .يقول عبد الله التل " ولما كنت بحكم مركزى مطلعا على الاتصالات والاجتماعات السرية بين جلالته واليهود فإنى سأشرح بالتفصيل محاضر الجلسات التى وقعت فى الشونة وتل أبيب . وبحكم اطلاعى على خفايا القصر، فإنى سأثبت ما وصل إلىّ من معلومات موثوقة عن اتصالات باريس لندن . ( 54) وفى أحد لقاءات الملك عبد الله السرية باليهود فى عمان أثناء الحرب بتاريخ 16 /1 /1949، وحضره عبد الله التل الذى يروى ما قاله الملك عبد الله للوفد اليهودى : " أنا ملك عربى لا أخلف وعدا ولا أخون عهدا تعرفون نواياي وشعوري نحوكم، وأرى أنا لا يقف أحد بيننا الآن بعد أن خمدت الفتنة وانتهى لكم الأمر فى الجنوب ، وأنت تعلم يا ساسون أننا لم نحاربكم ولم نعتدِ على ماخصص لكم ، وأنا الآن لا أصغى لنصائح حلفائى الإنجليز، فهم أصدقاؤكم المخلصين ، وقد أحجموا عن مساعدتنا ، ولم يبعثوا لنا خرطوشة واحدة منذ الاضطرابات ، وكانت تنقصنا الذخيرة ولاتزال ..." ويعلق عبدالله التل على ذلك بقوله : قال جلالته كل هذا وأفهمَ اليهود بعبارات موجزة أنه لم يخن العهود ، ولم يعد يعتمد على الإنجليز، فنخسر بذلك ورقة رابحة ، لأن اليهود كانوا يعتقدون عكس ذلك تماما ثم أوضح لهم أنه مطمئن لما وقع فى الجنوب ، وفى هذا أحط أنواع التزلف لأعدائه ،وأكد جلالته أنه لم يحارب اليهود ثم كشف عن ضعف جيشه وقلة ذخيرته ." والخلاصة: لقد دوّن على نفسه فى أقل من خمس دقائق اعترافات خطيرة . كل هذا وساسون ودايان يستمعان ، وقد زاد قائلا : " أنت تعلم يا أخى (مخاطبا ساسون ) أننا اتفقنا على أسس سبقت ......." ويعلق عبدالله التل على ذلك بقوله: وهكذا سجل بهذه الفقرة الصغيرة اعترافا خطيرا آخر، وهو اتفاق جلالته معهم على (أسس سبقت ). . ( 55 ) وفى لقاء آخر باليهود بتاريخ 30 /1/1949 وحضره عبدالله التل ورواه بقوله : وبكل جرأة ولم يخجل من أحد قال جلالته مخاطبا ساسون : " كنت والله أريدكم أن تأخذوا لنا غزة ، فهى منفذنا على البحر ،ولابد لنا من ميناء ولتكن مجدل عسقلان "وطرب ساسون ودايان لسماع تصريحات كهذه وقال ساسون :"الله يقدرنا على تنفيذ ما يرغب فيه سيدنا ". ( 56) ثم تنتهى الحرب بمفاوضات رودس 1949 وإقرار الهدنة الدائمة بعد تشريد الفلسطينيين ،وأصبحت الدولة اليهودية واقعا على أرض فلسطين . وأصبح الفلسطينيون لاجئين ولا يملكون من أرض فلسطين سوى 5ملايين دونم ،بينما يمتلك اليهود 21 مليون دونم .
رابعا : إنجازات الجيش الأردنى
لم يمض أسبوعيين على بدء القتال حتى استطاعت الكتيبة السادسة بقيادة عبد الله التل ومساعدة بعض الفرق الأردنية الأخرى أن تحاصر اليهود فى القدس بحيّها القديم و الجديد أو ما يطلق عليه القدس القديمة والجديدة ، وشدد الحصار عليها حتى ضاق اليهود ونضبت المياة واشتد الجوع حتى لم يبقى أمامهم سوى الاستسلام أو الموت جوعا وعطشا أو تحت نيران المدفعية التى لم تكف عن الرمى مما جعل الحياة فى هذا الجو شبه مستحيلة إن أرادوا الحياة .
وبالرغم من النقص الشديد فى عدد القوات الأردنية التى تبلغ ما يقرب من 700جندى وضابط فى مقابل فى الجانب اليهودى 100ألف من السكان من بينهم 10 آلاف مسلح تقريبا .واستمر الحصار والقصف حتى ضاق يهود القدس القديمة ويقدر عددهم 1500 يعيشون على ربع مساحة القدس القديمة ،وطلبوا التسليم يوم 28 /5/1948 ،وتم الاتفاق على التسليم مع قائدهم الذى فاوض القائد عبد الله التل على شروط التسليم ،وقد أوردها عبدالله التل فى كتابه وهى :
وثيقة التسليم :
الفريق الأول :وكيل القائد عبد الله التل .
الفريق الثانى :قائد الهاجناة.
فى القدس القديمة بناء على الطلب المقدم من يهود القدس القديمة للاستسلام قدم الفريق الأول الشروط فقابلها الفريق الثانى،وهى :
1- إلقاء السلاح وتسليمه للفريق الأول .
2- أخذ جميع المحاربين من الرجال أسرى حرب .
3- السماح للشيوخ من الرجال والنساء والأطفال ومن كانت جراحهم خطيرة بالخروج إلى الأحياء اليهودية بالقدس الجديدة بواسطة الصليب الأحمر .
4- يتعهد الفريق الأول بحماية أرواح جميع اليهود المستسلمين .
5- يحتل الجيش العربى الأحياء اليهودية فى القدس القديمة .
28 /5 /1948
الفريق الأول / [عبدالله التل]
الفريق الثانى / موشيه روزنك
كانت تلك المعركة أهم معركة خاضتها الجيوش العربية فى حرب فلسطين لأنها أتت بنصر تاريخى لا تنمحى آثاره فقد كانت السبب فى بقاء القدس القديمة وما جاورها من الأحياء فى يد العرب .واحتشد اليهود كأنهم يوم الحشر ، وأخذ 340 أسيرا أرسلوا إلى عمان ، غير القتلى الذين يبلغون 300 وعدد الجرحى 80 جريح .ودمر الحى تدميرا ،ورحل النساء والأطفال والشيوخ إلى القدس الجديدة ( 46 )
أما القدس الجديدة ، فقد اشتد الحصار عليها وكانت على وشك التسليم لولا الخيانة بقبول الهدنة ووقف إطلاق النار . هذا إضافة إلى معاركه فى كفار عصيون واللطرون وباب الواد وغيرهم من الإنجازات الباهرة التى تضاف إلى رصيده بالرغم من القيود التى فرضت عليه ،ولعل الأمر يطول بنا إذا حاولنا تتبع إنجازات الجيش الأردنى فى الحرب ، ويكفى معركة القدس لبيان دور بعض الكتائب الأردنية التي تمكنت من القيام بواجبها ،وحرمت بعض الكتائب الآخرى من مشاركة إخوانهم فى الجهاد نتيجة أوامر جلوب الذى كان يعتصر غيظا وهو يرى بعض جنوده يحرز نصرا على اليهود فى القدس .ولذلك لابد من التفرقة بين دور الحكومة الأردنية ودور الجيش فى الحرب .
خامساً: النتائج المترتبة على الموقف الأردنى من الحرب
إن المآسىء التى كانت سببا فى الكارثة كثيرة ، وقد بدأت من الانتداب البريطانى المسئول عن حماية البلاد التى أؤتمن عليها ، فخان الأمانة وغدر بعرب فلسطين ، وسلم مدنهم الرئيسة إلى اليهود قبل جلائه عن البلاد فى 15 مايو 1948 . ومن أهم تلك المدن العربية الخالدة حيفا ويافا وصفد وطبرية وبيسان وعكا . وحينما تسلمت الدول العربية فلسطين ، وتولت أمر الدفاع عنها وإنقاذها من الإجرام الصهيوني المدمر، وقعت عدة مآسى ساعدت على خلق الكارثة ، ومن أهمها:
1- مأساة القيادة
فقد اطمأنت الحكومات العربية إلى الملك عبد الله ، وهى تعلم أنه لا يملك من أمر نفسه شيئًا . وحينما سلمته زمام القيادة كانت تعلم أن الجنرال جلوب سيكون القائد الفعلى للمعركة .
2- مأساة الهدنة الأولى فى 11/6/1948
وفيها ساعدت الحكومات العربية اليهود على إنقاذ القدس الجديدة من السقوط بأيدينا كما ساعدتهم على توطيد دولتهم الوليدة المجرمة بأن منحتهم فرصة استيراد الأسلحة والمحاربين من الغرب ، وظلت هى غافلة عما يجرى عند العدو .
3- مأساة اللد والرملة 10 ـ 12 /7 /1948
فيها سلم الإنجليز وحكام الأردن إلى اليهود منطقة عربية بمدنها وقراها وسهولها الخصبة التى لا تقدر بثمن وأخرج اليهود من تلك المنطقة عشرات الألوف من العرب أضيفوا إلى قائمة المهاجرين الذين أبعدوا عن وطنهم فلسطين .
4ـ المأسأة الخُلقية أو مسلك الجيوش العربية فى معركتى النقب 4/10 /1948 و23 /12 /1948 .
ففى هاتين المعركتين وقف الجيش المصرى وحده ، وغدرت به الحكومات العربية ، ولم تهب لنجدته أو تخفيف الضغط عنه ؛ فخسرنا النقب ، بيد أنّى أعتبر ذلك الموقف مأساة خُلقية تفوق خسارة الأرض ؛ لأن الأرض يمكن استردادها ،ولكن الأخلاق حينما تنهار فمن الصعب بناؤها .
5- مأساة النقب الجنوبى وخليج العقبة مارس 1949
وفيها سلم جلوب إلى اليهود جزءا خطيرا من وطننا فلسطين، وهو عبارة عن النقب الجنوبى الذى ينتهى طرفه على خليج العقبة حيث الميناء الفلسطينى أم الرشراش وبنى اليهود ميناء( إيلات ) بدلا عن المينا ء العربى ووطدوا أقدمهم على خليج العقبة بين المنطقة المصرية والمنطقة الأردنية وبذلك فصلوا أفريقيا من آسيا لأول مرة فى التاريخ ، وحقق المستعمرون حلما قديما هو شطر العالم الإسلامى ـ العربى إلى شطرين ، ولعمرى لتلك مأساة ما بعدها مأساة .
6- مأساة اتصال حكام الأردن باليهود
وإنى أعتبر تلك الاتصالات قد أكدت لليهود انقسام حكام العرب ،فوجهوا قواهم إلى كل دولة عربية على انفراد ، فهزموا الدول العربية واحدة تلو الأخرى فى حين خيل للعالم أن الدول العربية كانت مجتمعة تحارب كقوة واحدة .
7- مأساة المثلت والخليل مارس 1949
وفيها سلم حكام الأردن إلى اليهود عشرات الألوف من الدونمات نتيجة اجتماعات سرية باليهود ومباحثات طويلة أخفوها عن الحكومات العربية الأخرى .
8- مأساة شمال القدس وجنوبها
وفيها سلمت حكومة عمان إلى اليهود جبل سكوبس وجزءا من قرية صور باهر وثلثى جبل المكبر ونصف قرية بيت صفافا وسكة حديد تل أبيب ـ القدس مما ساعد على تقوية اليهود وإضعاف العرب .
9- مأساة إبعاد عرب فلسطين عن المعركة
وتلك كانت ثالثة الأثافى وفيها تآمر الحكام الخونة من العرب مع سادتهم الإنجليز على حرمان أهل الدار من حق الدفاع عن دارهم وعرب فلسطين هم أقدر من العرب على الدفاع عن وطنهم والذود عن حماهم وأهل مكة أدرى بشعابها والمستعمرون يعلمون هذا جيدا فحاربوا فكرة إشراك الفلسطينيين فى المعركة ومازالوا يحاربونها حتى يومنا هذا ولم يكتف المستعمرون بهذا بل أخذوا في تشريد مليون من عرب فلسطين عن ديارهم يشنون عليهم حرب الإشاعات التى تشوه ماضيهم وحاضرهم وتقلل من قدر جهودهم واستبسالهم عن الدفاع عن وطنهم .
10- الحقيقة بالأرقام
وردد المستعمرون واليهود أن عرب فلسطين قد باعوا أرض فلسطين لليهودولا يسعنى إلا أن أورد هنا مقارنة بالأرقام بين ما كان بأيدى اليهود من أرض فلسطين عند نهاية الانتداب يوم سلم عرب فلسطين بلادهم إلى الدول العربية وبين ما آل إلى اليهود من أرض فلسطين يوم وقعت الحكومات العربية الهدنة الدائمة مع اليهود .
وتبلغ مساحة أراضى فلسطين 26مليون دونم تقريبا .لم يتمكن اليهود خلال حكم الإنجليز الطويل (30 عاما ) من امتلاك غير مليونين و75 ألف دونم أى 8%من أرض فلسطين مع أن الإنجليز لم يدخروا وسعا فى إيجاد التشريعات والقوانين الإرهابية التى تسهل لليهود امتلاك الأرض، وإكراه العرب أصحاب الأرض على بيعها وحتى هذه ال 8%فإنها لم تنتقل جميعها إلى ملكية اليهود عن طريق عرب فلسطين وإنما انتقلت إليهم على الشكل التالى :
650.000 دونم استولى عليها اليهود فى عهد الدولة العثمانية .
500.000 دونم منحتها حكومة الانتداب الإنجليزى من أملاك الدولة (الأراضى الأميرية ) للوكالة اليهودية.
625.000 دونم باعها غير الفلسطينيين لليهود .
300.000 دونم باعها فلسطينيون ،وقد نال من عرف منهم جزاءهم على أيدى أبطال الثورات العربية فى فلسطين ،ونفذ الثوار حكم الإعدام فى الكثير ممن باعوا أو سمسروا لليهود .
المجموع 2.075.000
(الدونم ألف متر مربع أو ما يعادا ربع فدان فى مصر تقريبا .)
وقبل أن يخرج الإنجليز من فلسطين 15/5/1948 سلموا لليهود حوالى مليون ونصف مليون دونم من أراضى حيفا وطبرية وعكا وصفد ويافا فصار مجموع ما بأيدى اليهود من أرض فلسطين 3.5 مليون دونم تقريبا وما بأيدى العرب 22.5 مليون دونم تقريبا .
وحينما تسلمت الحكومات العربية مسئولية الدفاع عن فلسطين استولى اليهود على 17.5 مليون دونم تقريبا ضموها إلى ما كان فى حوزتهم وإليك المساحات التى سلمها العرب لليهود أثناء الحرب دون قتال :
1ـ صفقة اللد والرملة .وفيها استولى اليهود على 950 ألف دونم تقريبا .
2ـ صفقة النقب .وفيها استولى اليهود على 12.875 مليون دونم تقريبا .
3ـصفقة الجليلين الشرقى والغربى .وفيها استولى اليهود على مليونيى دونم تقريبا .
4ـ صفقة الشونة ورودس .وفيها استولى اليهود على 1.675 مليون دونم تقريبا .وأغلبها من أراضى المثلث العربى(منطقة نابلس بما حولها والتى على شكل مثلث ) ومنطقة الخليل .
ومجموع هذه الصفقات 17.5 مليون دونم أضيف إلى ماكان بحوزتة اليهود ،فصار مجموع ما بأيدى اليهود 21مليون دونم .وبقى بأرض العرب خمسة ملايين دونم تقريبا ،وهى ما يسمى بالضفة الغربية من مملكة الأردن ، وما يسمى بقطاع غزة فى الجنوب .
فهل يصح بعد هذه البيانات أن يصدق إنسان ما يشيعه الصهيونيون من أن عرب فلسطين فرطوا فى أرضهم وتساهلوا فى أمرالدفاع عنها ؟! (57)
سادساً: الخاتمة
مما سبق عرضه نخلص إلى الحقائق الآتية :
1 ـ إن كارثة فلسطين لم يكن سببها الرئيسى هزيمة الجيوش العربية عسكريا ، وإنما تآمر الساسة على القضية ،فالملك عبد الله باعترافاته السابقة لم يدخل جيشه فى الحقيقة لقتال اليهود خلافا للظاهر ، وقد انعكس ذلك فى تكبيل الجيش الأردنى حتى لا يقاتل اليهود قتالا حقيقيا ، وكم ظُلم هذا الجيش الأبىّ الذى شاركت بعض كتائبه فى حصار اليهود فى القدس وأذاقوهم ألوان العذاب ؟ ، فما بالك لوتركت باقى كتائبه تحارب اليهود ، لكن أنىَ له ذلك ، وهو مقيد بقادته الإنجليز الذين ينفقون عليه ويقومون بتسليحه ،إضافة إلى أن الملك عبد الله لم يكن يريد منه حربا لليهود أصدقائه .ولم يتم النظر إلى الموقف السياسى الذى أدى إلى تكبيل الجيش الأردنى عن مهمته ،وقد كثر الكلام حول خيانة الجيش الأردنى ، وأنه وقف موقف المتخاذل أمام اليهود ولم يقاتل ،وهذه مجافاة للحقيقة .
2 ـ بدا واضحا تآمر الملك عبد الله على القضية الفلسطينية ، وأنه أقر مشروع التقسيم ، وأدخل جيشه لتنفيذه ، وضم القسم العربى فى فلسطين إلى شرق الأردن ، وبذلك تنتهى القضية تمهيدا لتحقيق مشروع سوريا الكبرى .وقد ظهرتآمره مع اليهود عندما أوقف الكتيبة الأردنية المحاصرة لليهود فى القدس عن القتال ،وكان اليهود على وشك التسليم ،لولا أن أصدر الملك أوامره بوقف قتال اليهود قبل إقرارالهدنة الأولى بعشرة أيام مما أنقذ مائة ألف يهودى كانوا محاصرين فى القدس على وشك التسليم خلال أيام لا تتجاوز عدد أصابع اليد بعد أن ساءت أحوالهم. وقام بتسليم مدن فلسطين لليهود عن طريق سحب الجيش الأردني من المدن التى يدافع عنها ليستولى عليها اليهود بسهولة كما حدث فى اللد والرملة وغيرهما، و تآمره على الجيش المصري حتى تمكن اليهود من محاصرة إحدى فرقه فى الفالوجا ،ومكن اليهود من الاستيلاء على أكثر مما كان مقررا لهم فى قرار التقسيم فاستولوا على 78% من مساحة فلسطين،وضمت كل من الضفة الغربية للأردن، وقطاع غزة لمصر إدارياً ، وتم انضمام إسرائيل عضوا الأمم فى الأمم المتحدة . (58)
وبالرغم من وقوع الحرب إلا إنه كان مستمرا فى اتصالاته باليهود .وهكذا نجد أن المؤامرة قد خطط لها ، ونفذت بإتقان نحو تسليم فلسطين لليهود.ومن هنا لابد أن نشرك فى المسئولية تلك الجبهات التى كان حكامها يحولون بين جيوشها وبين خوض غمار الحرب . (59)
3ـإن الإنجليز أخرجوا مسرحية الحرب ببراعة فى الميدان بمساعدة القادة العرب الذين اعتبروا الإنجليز ( الحليفة) عونا لهم فى حربهم وستمدهم بالسلاح لقتال اليهود الذين زرعوهم فى أرض فلسطين ، وساندوهم بكل أنواع القوة .وقد دلت الأحداث على تعاون الإنجليز مع اليهود فى تسليم فلسطين لليهود بطرق مختلفة ،منها : تجنب التعرض لليهود والاشتباك معها فى المناطق العربية التى يسيطرون عليها مثل خليج العقبة ، فقد أبلغوا اليهود أنهم لن يتعرضوا لأى قوات يهودية . وفى ذلك دعوة صريحة لاحتلال المنطقة المشارإليها .
4ـ إن الجيش الأردنى لم يحارب فترة الحرب ، فلم يكد القتال يبدأ فى 15/5/1948حتى يقف بالهدنة فى 11/6/ 1948 لمدة أربعة أسابيع بعد 26 يوم من القتال ،ثم يستأنف القتال فى 9/7/1948،ثم يتوقف فى 18/7/1948 بعد أسبوع من القتال بعد أن تمكن اليهود خلال الأيام العشرة من احتلال مساحات أخرى من الأرض ، ولم يحدد المجلس زمناً لهذه الهدنة على أمل أن تتحول إلى هدنة دائمة ،وبعد أن خرق اليهود الهدنة واعتدوا على الجيش المصرى وحاصروه فى الفالوجا فى 16 /10 /1948 ، أصدر مجلس الأمن مجدداً قرراً في 29/12/1948 بوقف إطلاق النار، وأعلنت بريطانيا أنها ستقوم بمساعدة مصر إن لم تلتزم إسرائيل بالهدنة، وبعد هذا توقفت الاشتباكات ، واستمر الصراع السياسي حتى انتهي الأمر بعقد كل دولة من الدول العربية المشتركة فى الحرب اتفاقيات هدنة دائمة كل على حدة فيما عرف باتفاقيات رودس، وكانت هذه نهاية الحرب في تلك الفترة.
أى أن جملة المدة التى حاربها الجيش العربى الأردنى لاتزيد عن أربعين يوما خلال فترة الحرب ،وخاض معركته الرئيسة معركة القدس ، واستطاع أن يحافظ عليها ولولا جهاد الجيش الأردنى وجهوده لما ظل بالقدس عربا إلى يومنا هذا .وقد قدم الجيش الأردنى من الشهداء عشرة من الضباط وثلاثمائة واثنين وخمسين صف ضابط ومائتين من الشهداء الأردنين المتطوعين ،فيكون مجموع ما قدمه الأردن من الشهداء خمسمائة واثنين وستين شهيدا. وهكذا انتهت جولة من جولات معركة الأمة العربية تعاون عليها انحرافات القيادات وضعفها ،وتعاون الاستعمار بكل قوته مع الصهيونية الباغية لإذلال العرب وجيوشهم . (60)
5 ـ إن الجيوش العربية التى حاربت فى فلسطين لم تكن متعاونة فيما بينها ،وإن بدا أنها دخلت فى وقت واحد مجمعة على الحرب إلا أنها أثناء المعركة كانت متفرقة ،بل لم يشترك بعضها فى قتال حقيقي مع اليهود ،مما سهل المهمة أمام اليهود فى مواجهة كل دولة منفردة ،وكان أشد ما يخشاه اليهود أثناء القتال اجتماع الجيوش العربية عليها ، وقد فشل العرب فى الاتحاد والتعاون أثناء المعركة ،ونجح اليهود فى التعامل معهم ، وعقدت اتفاقيات الهدنة الدائمة سنة 1949 مع كل دولة منفردة عن الأخرى فيما عرف باتفاقيات رودس سنة 1949 .
موسوعة الويكيبيديا