قد تكون شهادتي مجروحة –كفلسطيني- أن أنقض اتهام الفلسطينين ببيع أرضهم على أمكانية أن اتندر بمدى الذكاء الفلسطيني الذي يبيع أرضه ثم يطالب باسترادها. وقد آلمني أن يتم تدوين هذا الزيف والزور في كتب التاريخ وقد كان أحدها للمؤرخ كامل أبو ليلة وكان جزءاً منه مقرراً علينا بإعدادي هندسة عين شمس، وللحق فإن الجزء الذي تحدث عن بيع الفلسطينيين أرضهم لليهود كان خارج الجزء المقرر لكن حب القراءة أغراني أن أقرأ الكتاب كله فأصدم بما وثقه كحقيقة تاريخية وكان بمقدوره مراجهة الوثائق البريطانية ويثقاكد من موضوع بيع الأراصي هذا.
قد يتذكر معي بعض قراء مقالي هذا حادثة اسقاط اسرائيل لطائرة مصرية مدنية –أعتقد في بدايات عام 1971 أو أواخر 1970 والمؤكد أنها بعد ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية- وكانت المذيعة المشهورة في وقتها سلوى حجازي أحد ضحايا هذه الحادثة. وقليل من الناس من يذكر أول وزير خارجية لليبيا الثورة المرحوم صالح مسعود بويصير والذي كان هدف إسرائيل الحقيقى من أسقاط الطائرة فهو مجاهد حقيقي ومناضل في سبيل فلسطين. ومن ضمن نضالاته إعادة صياغة الرسالة الجامعية القيمة التي نال عليها درجة الماجستير من جامعة الأزهر والتي كان موضوعها يتمحور حول توثيق بيع الأراضي الفلسطينية وانتقال ملكية جزء ضئيل منها للوكالة اليهودية والممولة من أغنياء اليهود بمصر وبريطانيا وأمريكا وذلك من الوثائق البريطانية. هذا المؤلف صدر في مصر عام 1968 باسم "جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن" ومنع من التداول في معظم العالم العربي حيث تحدث وبالوثائق عن خيانات الملوك العرب للقضية مع توثيق كامل لموضوع بيع الأراضي.
رابط هذا الكتاب : http://www.fustat.com/books/yasir/cont.shtml
وألخص موضوع بيع الأراضي كالتالي:
1. هناك عدد محدود من حالات بيع الفلسطينيين لا تتعدى أصابع اليدين وقد أعدم ثوار فلسطين كل من باع أرضه فارتدع بذلك كل ضعاف النفوس المحتمل استجابنهم لإغراءات الوكالة اليهودية وإرهابها في معظم الأحيان. ولعلي أشير إلى ممارسة نفس أسلوب الإرهاب الذي يتبعه الاسرائيليون حتى الآن ومؤخراً قالت الخارجية الأمريكية أن ممارسات المستوطنين بالضفة الغربية ضد الفلسطينين قد تصل للإرهاب.
2. القسم الثاني من الأراضي تمت بواسطة عرض الانتداب البريطاني لمساحات كبيرة للبيع بنظام المزايدة فاستحال على رأس المال الفلسطيني المحدود من شراءها وأمامه تمويل تسليح الفلسطينين للدفاع عن أرواحهم وأرضهم ضد العصابات الصهيونية –الأرجون والهاجناة-. وكنت قد ذكرت بأحد مقالاتي الأولى على "زيدوني" أن خالي –رحمه الله- كان ضمن وفد زار مصر واجتمع مع أغنياء مصر لتشجيعهم على شراء الأراضي المعروضة من حكومة الانتداب بدلاً من تركها لملكية اليهود. وعاد الوفد إلى فلسطين مستغربا فتور حماسة أغنياء مصر لشراء أراضي في فلسطين لكن تكشف لهم فيما بعد تعرض المصريين لضغوط صهيوبريطانية كبيرة. وقد يكون من المفيد أن أذكر أن الجالية اليهودية بمصر كانت ليس فقط أكبر ممول مالي بل وأكبر مركز تدريب أفراد العصابات الصهيونية وهما معا أديا إلى قيام دولة اسرائيل.
3. القسم الثالث من الأراضي كان ضمن نظام الحسبة العثماني حيث باع القائمون على إقطاعيات الحسبة المتركزة في شمال فلسطين ويقطنون خارج فلسطين على رأسهم حسبة آل القباني وحسبة آل سرسق وغيرهم. ونظام الحسبة العثماني يعتمد على تسديد المحتسب مقدما للصدر العالي باسطنبول مبلغاً مقدماً من المال على أن يتولى المحتسب جمع مكوس يفرضها على ملاك الأراضي بالإكراه والتعجيز فيقضم المحتسب جزء من الأرض مقابل المكوس أو يستولي على الأرض بالاكراه. وما حدث أن أصبحت الوكالة اليهودية هي المحتسب عن أراض واسعة بمجرد شراء الامتياز من المحتسبين المعينون من قبل الخلافة العثمانية.
سأكون على استعداد للرد على استفسارات وتعليقات قراء هذا المقال مع أملي أن يدرك الجميع أن تزييف التاريخ هو من بث في هذا الجيل قناعة ليس فقط العجز لكن كذلك إتهام جيلنا بالقصور خاصة وأن هذا الجيل لا يعرف أن حرب الغرب وإسرائيل على المنطقة لم تتوقف وأن قوة جيلنا العسكرية كانت وليدة وجوبهت بقوى طاغية.
.
فايز إنعيم