(الجزء الأول)
لم تكن المرأة السورية في يومٍ من أيامها ، كما تصورها مسلسلات الفانتازيا التاريخية أو مايقال عنه مسلسلات البيئة الشعبية وخصيصاً (الشامية) منها ، إمرأة منغلقة في جحور الظلام ، لاهم لها إلا إرضاء زوجها ، ولا عمل لها إلا في منزلها الذي لاتخرج منه إلا ما ندر ولغرض زيارة أهلها.
للأسف إن هذه الصورة التي صورت بها المرأة السورية ، والتي امتزجت مع الجهل بتاريخ هذه المرأة ، ساعد بشكل أو بآخر ، على استباحة حقها بأن تلعب دوراً فاعلاً في المجتمع ، كالدور الذي كانت تلعبه منذ القدم.
منذ دخول سورية تحت مظلة الدولة العثمانية ، كانت المرأة السورية تشارك وبكل ثقة في سبيل تحرر بلدها من القمع العثماني الجاثي على صدره ، وهاهي مجلة (العروس) الصادرة عام 1910 والتي أسستها الشاعرة والصحفية ماري العجمي في سورية لتكون أول مجلة في الوطن العربي تعنى بقضايا المرأة وتسعى لتحررها من قيود الجهل والتخلف وتحث فيها المرأة على النضال في سبيل استعادة الوطن لاستقلاله من الدولة العثمانية ، في العدد الأول من مجلة العروس تقول الصحافية ماري العجمي في مقدمتها : إليكِ «العروس» فرحبي بها غير مأمورة ليذهب عنها شيء من حيائها ، فتُسِرُّ إليك بمكنونات قلبها وشعائر موقفها.
عروسة لا عريس لها سوى الشعب الجاثي على أقدام الوطنية تحت سماء العِلم والعَلم مسجلاً عقد قران عليها بمداد الفكر والقلب ، مكللاً رأسيهما ببراعم الآمال وأزهار الحب.
إلى أن تقول: إلى الذين يؤمنون أن في نفس المرأة قوة تميت جراثيم الفساد وأن في يدها سلاحاً يمزق غياهب الاستبداد وأن في فمها عزاء يخفف وطأة الشقاء البشري – إلى الذين بهم الغيرة والحمية – إلى الذين يمدون أيديهم لإنقاذ بنات جنسهم من مهاوي هذا الوسط المشوه بانتشار الأوهام أقدم مجلتي لا كغريبة تثقل بها عواتقهم بل كتقدمة إلى من يليق بهم الإكرام وتناط بهم الآمال.
لم تتوقف المرأة السورية عن النضال في سبيل تحررها وتحرر بلدها ، فبعد أن استقلت سوريا عن الدولة العثمانية عام 1918 ، شاءت الأقدار أن يأتي الاحتلال الفرنسي في العام 1920 ، ليضع عدته وعتيده على أرضها الطاهرة ، فهب السوريين جميعهم رجالاً ونساءاً في سبيل تحرير أرضهم من براثن الفرنسيين التي لاترحم .
ولأن النساء السوريات أخذنَ على عاتقهن صنع المعجزات لإيصال قضايا وطنهم المحتل من الفرنسيين إلى أكبر عدد ممكن من دول العالم ، فقد تم تنظيم المؤتمر النسائي الشرقي الأول في دمشق عام 1930 ، ونشرت العديد من الصحف السورية والعربية الصادرة في ذلك الزمان ومنها صحيفة "مصر الحديثة المصورة" صوراً عن هذا المؤتمر الهام والفريد من نوعه والذي يدل على تطور الفكر والوعي لدى المرأة السورية ، الأمر الذي جعلها تتفرد بتنظيم مؤتمر خاص بالنساء على مستوى الشرق أجمع .
وجاء الاستقلال السوري عن فرنسا في 17 نيسان عام 1946 ، استقلال صنعهُ السوريين رجالاً ونساءاً شيباً وشباناً ، وكان من حق المرأة في سوريا أن تجني ثمار كفاحها الذي بذلته لاستقلال بلدها ، فنهضت المرأة وأخذت دورها ومكانتها الفاعلة بالمجتمع وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية ….
فبالنسبة للسياسة ، كانت المرأة السورية من أوائل النسوة عربياً وعالمياً اللواتي أخذن حقهن بالانتخاب كاملاً ، وذلك في العام 1949 بموجب المرسوم رقم 17 والصادر في عهد الرئيس سامي الحناوي ، وذلك بعد أربع سنوات فقط من منحها حق الانتخاب في كلٍ من ايطاليا وفرنسا .
ولم يكن دور المرأة السورية في الانتخابات هامشياً على الاطلاق ، بل كانت تستطيع بأصواتها أن تقلب موازين المعادلة السياسية كلها ، ففي عددها الصادر في 4 تشرين الثاني 1954 تنشر مجلة الأثنين والدنيا مقالاً بعنوان : انتخابات سنة 1954 في سورية …. الفوز في المعركة لأصدقاء الجنس الناعم .
ويذكر الكاتب في المقال أن خالد العظم وزع على الناخبات عطر اسمه افتكرني من أجل أن يجذب الجنس اللطيف له في المعركة الانتخابية ، وكانت المرأة في سورية في هذه الانتخابات تبحث بكل تعقل عن المرشح الذي يدعم تحررها ومشاركتها في الحياة السياسية ، ولذلك فلقد وقفت الناخبات السوريات مع قائمة خالد العظم وخالد بكداش الشيوعي ، وكانت النتيجة غير متوقعة بنجاح هاتين القائمتين بسبب تأييد الجنس اللطيف لهما .
كما أن تاريخ سوريا ، يعيدنا للعام 1953 إلى رائدة العمل النسائي في سوريا " ثريا الحافظ" وهي صاحبة أول منتدى أدبي في الشرق (منتدى سكينة الأدبي) تم افتتاحه بمقر النادي العربي بدمشق عام 1953 ، وهي أول سورية ترشح نفسها للانتخابات في العام 1953 أيضاً ، والسيدة ثريا الحافظ غنية عن التعريف حيث كان لها دور كبير في النضال ضد المستعمر الفرنسي وتم اعتقالها في الكثير من المرات.