تمثل حقوق الإنسان منظومة متكاملة لا تتجزأ؛ فهي مترابطة ومتشابكة ووثيقة الصلة ببعضها البعض ولا يمكن أن تخضع للانتقاء.ولكي يستطيع المواطنون التمتع بهذه الحقوق وفى مقدمتها الحصول على فرصة العمل المناسبة،فإنه يستلزم تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة،ويستدعى ذلك بالضرورة اتخاذ خطوات محددة لجذب مزيد من الاستثمارات التى يسهم فيها رأس المال الوطني والأجنبي،وفى جميع القطاعات التى تتمتع فيها البلاد بمزايا تنافسية،باعتباره السبيل الرئيسى لزيادة معدلات النمو الاقتصادى ورفع كفاءة المنظومة الاقتصادية وبما له من أثر مباشر على توفير المزيد من فرص العمل والارتقاء بمستوى معيشة المواطن.يعكس مفهوم التنمية فكرة التكامل بين حقوق الإنسان فالتنمية (الشاملة) هي كما قرر إعلان الحق في التنمية الذي اعتمدته الجمعية العامة بموجب قرارها 41/128 الصادر في 4 ديسمبر 1986عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم، ورأى هذا الإعلان أن جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية متلاحمة ومترابطة، وأن تعزيز التنمية يقتضي إيلاء الاهتمام على قدم المساواة لإعمال وتعزيز وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.ويلاحظ أن المجتمع المصرى يعانى وبصورة ملحوظة من ضعف حلة حقوق الانسان وبخاصة الاقتصادية منها،حيث تتزايد معدلات البطالة والفقر فى مصر، وهو ما يتطلب ضرورة ضخ استثمارات جديدة لمواجهة حدة هذه المشكلة التي تتراكم يومًا بعد الآخر، مع انعكاساتها السلبية على المجتمع المتمثلة في انتشار الجرائم الاجتماعية، وارتفاع نسبة الإعالة وتأخر سن الزواج، فضلاً عن الآثار الأمنية والنفسية. فنحو نصف من المصريين تقريبا يعيشون على أقل من دولارين يوميا وأن نحو ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر ،بالاضافة الى تدنى اجمالى الانفاق العام و تدنى مستوى التعليم وافتقار مخرجاته الى المهارات اللازمة لتحقيق تنافسية على المستوى الدولى وحتى الاقليمى.الأمر الذى يؤكد على أن المجتمع المصرى ما زال أمامه العديد من التحديات الرئيسية التي ينبغي مواجهتها بصورة سريعة فى مجال اعمال الحقوق الاقتصادية للمواطنين.
وهناك عديد من المحاور لتعظيم تمتع المواطن المصرى بحقوقه الاقتصادية ويتم هنا الاشارة الى :
1-تحسين مناخ الاستثمار:
ينصرف تعبير مناخ الاستثمار الى مجمل الأوضاع والظروف المكونة للمحيط الذى تتم فيه العملية الاستثمارية،وتأثير تلك الأوضاع والظروف سلبا وايجابا على فرص نجاح المشروعات الاستثمارية،وبالتالى على حركة واتجاهات الاستثمارات،وهى تشمل الأوضاع والظروف السياسة والاقتصادية والاجتماعية والأمنية،كما تشمل الأوضاع القانونية والتنظيمات الادارية.و هذه العناصر عادة ما تكون متداخلة ومترابطة ،بعضها ثابت أو شبه ثابت.إلا أن غالبيتها ذات طبيعة متغيرة،ومن ثم فهى تؤثر وتتأثر ببعضها البعض،مما يخلق بالتفاعل مرة وبالتداعى مرة،أوضاعا جديدة بمعطيات مختلفة تترجم فى محصلتها الى عوامل جذب أو نوازع طرد لرأس المال.من جانب آخر ،يمكن ربط مفهوم مناخ الاستثمار بمجال السياسات الاقتصادية التجميعية وذلك من خلال تعريف البيئة الاقتصادية المستقرة والمحفزة والجاذبة للاستثمار على مستوى الاقتصاد التجميعى،بأنها تلك التى تتسم بعجز طفيف فى الموازنة العامة،وعجز محتمل فى ميزان المدفوعات بحيث يمكن تمويله بواسطة التدفقات العادية للمساعدات الأجنبية أو الاقتراض العادى من أسواق المال العالمية.والتى تتصف أيضا بمعدلات متدنية للتضخم،سعر صرف مستقر،بيئة سياسية ومؤسسية ثابتة وشفافة يمكن التنبؤ بها لأغراض التخطيط المالى والتجارى والاستثمارى بواسطة الأفراد والمؤسسات والهيئات.وللسياسات والسلوكيات الحكومية تأثير قوى على مناخ الاستثمار من خلال تأثيرها على:التكاليف،والمخاطر،والعوائق أمام المنافسة.ولهذا فان تقرير التنمية فى العالم لعام 2005 يؤكد على الدور الهام الذى تلعبه الحكومة فى ايجاد بيئة آمنة ومستقرة،بما فى ذلك حماية حقوق الملكية .فقد أشار التقرير الى أن غموض السياسات وعدم الاستقرار فى الاقتصاد الكلى واللوائح التنظيمية العشوائية تشكل 51% من المخاطر المرتبطة بالسياسات على مخاوف الشركات المتعلقة بمناخ الاستثمار.كما خلص التقرير الى أنه من شأن تحسين وضوح ومعلومية السياسات وحده أن يؤدى الى زيادة الاستثمارات الجديدة بنسبة 30%.
ويساهم تحسين مناخ الاستثمار بدور رئيسي فى تحسين مستوى المعيشة وتمتع المواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية من خلال دفع عجلة التنمية من ناحية،وتحسين حياة الناس بصورة مباشرة.
1. دفع عجلة التنمية:
مع تزايد أعداد السكان فان التنمية الاقتصادية هى الطريق لتحسين مستويات المعيشة،ويؤدى مناخ الاستثمار الملائم لدفع عجلة التنمية عن طريق زيادة الاستثمارات وتحسين مستويات الإنتاجية.فمناخ الاستثمار الجيد يخفض التكاليف غير المبررة ويقلل من المخاطر ويقضى على العقبات التى تعوق المنافسة.فقد أكد تقرير التنمية فى العام الصادر عن البنك الدولي لعام 2005 أن إجراءات تحسين مناخ الاستثمار أدت الى تضاعف نسبة استثمار القطاع الخاص الى الناتج المحلى الاجمالى فى الصين والهند.كما أشار التقرير أيضا الى أن زيادة وضوح ومعلومية السياسات يمكن أن ترفع من احتمالية قيام الشركات باستثمارات جديدة بنسبة تزيد على 30%. أيضا يشجع مناخ الاستثمار الجيد على تحسين الإنتاجية،عن طريق إتاحة الفرص والحوافز للشركات لكي تقوم بتطوير أنشطتها والتوسع فيها واستخدام أساليب أفضل لتنظيم عمليات الإنتاج.كما يساعدها على الدخول والخروج من الأسواق بما يساهم فى زيادة الإنتاجية ودفع عجلة التنمية.وقد أشار تقرير التنمية لعام 2005 بأن احتمال قيام الشركات التى تتعرض للمنافسة القوية بالابتكار أكثر بنسبة لا تقل عن 50% من احتمال قيام الشركات التى لم تتعرض لضغوط المنافسة.
2. تحسين حياة الناس:
يساهم مناخ الاستثمار الجيد فى تحسين حياة الناس فى العديد من أوجه نشاطهم بصورة مباشرة،وذلك كما يلى:-
• بصفتهم عاملين:من شأن تحسين مناخ الاستثمار إتاحة الفرص أمام الأفراد للحصول على عمل سواء من خلال العمل الحر أو من خلال الحصول على عمل بأجر.فمن شأن تحسين فرص العمل حفز الأفراد على استثمار معارفهم ومهاراتهم،مما يكمل الجهود لتحسين التنمية البشرية.أيضا تستطيع الشركات الأكثر إنتاجية التى تنشأ من خلال مناخ استثمار جيد،أن تدفع أجورا أفضل وأن تخصص مزيدا من الاستثمارات لبرامج التدريب.
• بصفتهم أصحاب عمل حر: يساعد مناخ الاستثمار الجيد على تشجيع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وأصحاب الأعمال الحرة للدخول فى الاقتصاد الرسمى،حيث يعمل أكثر من نصف سكان الدول النامية فى الاقتصاد غير الرسمى.فهذه المشروعات تواجه نفس المشكلات التى تواجهها الشركات الأخرى،بما فى ذلك الفساد،وعدم وضوح السياسات،وحفظ حقوق الملكية،ومحدودية القدرة على الحصول على التمويل والخدمات العامة.ويؤدى تخفيف هذه العوائق الى زيادة دخل أصحاب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وأصحاب الأعمال الحرة،وتمكينهم من توسيع أعمالهم.
• بصفتهم مستهلكين: يساعد مناخ الاستثمار الجيد على إتاحة السلع والخدمات وتنوعها من ناحية وتخفيض أسعارها من ناحية أخرى بما فى ذلك السلع التى يستعملها محدودي الدخل وغير القادرين.
• بصفتهم مستخدمي للبنية الأساسية والموارد التمويلية والممتلكات: يمكن أن ينتج عن تهيئة البنية الأساسية وتحسين شروط الحصول على الموارد التمويلية،وحماية حقوق الملكية،العديد من المزايا التى تستفيد منها كافة فئات المجتمع.فمثلا ساهم بناء الطرق فى المغرب فى زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية من 28% الى 68%.أيضا يؤدى التوسع فى القدرة على الحصول على الموارد المالية الى مساعدة الشركات على تطوير أعمالها.فضلا عن مساعدة محدودي الدخل على لدفع مصاريف تعليم أبنائهم،وتحمل نفقات الطوارىء التى تتعرض لها أسرهم.أيضا يساعد تسهيل تملك الأراضى وتخفيض أسعارها على تشجيع الاستثمار وبناء المصانع وتسهيل الحصول على التمويل اللازم.
• بصفتهم متلقين لخدمات تمولها الضرائب أو التحويلات: تعتبر أنشطة الشركات المصدر الرئيسى لإيرادات الضرائب بالنسبة للحكومات.لذا يساهم مناخ الاستثمار الجيد فى توسيع المصادر المتاحة لدى الحكومات للعثور على التمويل للخدمات العامة،بما فى ذلك خدمات قطاعي الصحة والتعليم،التحويلات النقدية المخصصة للطبقات الفقيرة والمحتاجة فى المجتمع.تؤدى بعض التحسينات التى تجرى على مناخ الاستثمار إلى العديد من المنافع لكافة قطاعات المجتمع،كتحسين استقرار الاقتصاد الكلى،والتقليل من تفشى الفساد،وبعض الإصلاحات الأخرى فى قطاعات أو أنشطة بعينها،مما يتيح الفرص للحكومات للتأثير فى توزيع هذه المنافع.ويمكن للحكومات أن تضع خطط لهذه الإصلاحات بحيث تزيد التركيز على صالح محدودي الدخل من خلال التركيز على القيود المفروضة على أماكن معيشتهم وعلى الأنشطة التى يستفيدون منها،بما فى ذلك مختلف مجالاتهم كعاملين،وأصحاب أعمال حرة ،ومستهلكين،ومستخدمي للبنية الأساسية والموارد التمويلية والممتلكات.
ولذا فانه من الضرورى التأكيد على أن بيئة الاستثمار النموذجية لا تقتصر على مجرد منح الاعفاءات الضريبية وتسهيل اجراءات التسجيل والترخيص،بل تتعداه لتشمل حزمة متكتملة من العناصر الضرورية التى لابد من توافرها مجتمعة منها:-
أ- استقرار السياسات الاقتصادية الكلية: حيث يعتبر وجود سياسة اقتصادية كلية عامة ثابتة ومستديمة شرطا ضروريا لجذب مزيد من الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية.
ب- تكامل السياسات الصناعية والنقدية والمالية والتجارية والتشغيلية مع مبدأ تشجيع الاستثمار وتعزيز البيئة الاستثمارية.
ت- وجود منظومة قوانين وأنظمة اقتصادية فعالة وكفؤة مما يتطلب مراجعة القوانين بها وتحديثها لتنسجم مع التوجه العام لتنشيط حركة الاستثمار وسن قوانين جديدة تتلاءم مع المستجدات على الساحتين المحلية والدولية.
ث- تبسيط الاجراءات الادارية فى جميع المؤسسات المرتبطة بالنشاط الاستثمارى وألا يقتصر فقط على فترة الترخيص والتسجيل،بل يتضمن أيضا تشخيص العوائق والمشاكل التى تواجه المستثمر على جميع المستويات وايجاد الحلول لها.
ج- تكثيف الجانب الرقابى لتعزيز الثقة فى البيئة الاستثمارية وبما يكفل الطمأنينة للمستثمر على حقوقه فى المشاريع التى يستثمر فيها،بالاضافة الى ضرورة محاربة الفساد وسوء الادارة.
ح- تقنين وترشيد الحوافز المالية والاعفاءات الممنوحة بحيث تكون أداة لتوجيه وتحفيز الاستثمار فى المشاريع التى تضيف الى الاقتصاد الوطنى بما يتطلب وجود خريطة استثمارية واضحة ومتكاملة مع الخطة التنموية.
2-العدالة وتكافؤ الفرص:
تؤكد الدراسات الحديثة على أهمية العدالة وتكافؤ الفرص لدفع عجلة التنمية ورفع مستويات المعيشة،فتقرير "التنمية في العالم" لعام 2006 الصادر عن للبنك الدولي تحت عنوان: "الإنصاف يعزز قوة النمو من أجل تخفيض أعداد الفقراء"،يؤكد على أن العدالةلابد أن تكون جزءاً لا يتجزأ من أية إستراتيجية ناجحة لتخفيض أعداد الفقراء في أي مكان من العالم النامي.
ويمكن القول بأن هذا التحول فى الفكر الرأسمالى قد بدأ فى تسعينيات القرن العشرين،فنظريات التنمية الأولى افترضت أنه على الرغم من أن عدم المساواة غير مرغوب فيه كغاية فى حد ذاته،الا أنه وسيلة لتحقيق النمو فى الأجل الطويل حيث أن الميل الحدى للادخار مرتفع عند الأغنياء فهم عادة ما يدخرون ويستثمرون جزء كبيرا من دخولهم (يزيد الاستهلاك مع زيادة الدخل ولكن بنسبة أقل من زيادة الدخل ).وفى سبعينيات القرن العشرين ظهر اتجاه يدعوا الى وضع استراتيجيات من أجل النمو مع اعادة التوزيع،واتخاذ اجراءات تدخلية قصيرة الأجل (غير ديناميكية) مثل معدلات الضرائب المرتفعة،أو نزع ملكية الأصول لتحقيق عدالة التوزيع وتحقيق المساواة فى الدخل والثروة ،وهو ما يعنى توترا بين النمو والعدالة،بسبب ما يمكن أن تحدثه من ضعف حوافز العمل والاستثمار والابتكار لدى الأفراد والفاعلين فى الاقتصاد،ولذلك تمثل التحدى فى تحقيق معدلات نمو مرتفعة ثم بعد ذلك يتم اعادة التوزيع.
فالعدالة،ليست غاية بحد ذاتها فحسب، ولكنها وسيلة لزيادة الاستثمارات وجعلها أكثر إنتاجية، الأمر الذي يُفضي إلى تسريع عجلة النمو.فالهُوَّة الشاسعة في عدم المساواة في الثروات والفرص، داخل البلدان وفيما بينها تتسبب في استمرار الفقر المُدقع لشريحة كبيرة من السكان، وهو ما يؤدي إلى هدر الإمكانيات البشرية، ومن شأنه في كثير من الحالات إبطاء وتيرة تحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستمرار. ومن شأن السياسات الهادفة الى تحقيق مزيد من العدالة وتكافؤ الفرص أن تسد هذه الهُوَّة.
ولا شك فى أهمية تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص،فالاقتصاد ينمو ويتطور عندما يكون لدى السواد الأعظم من السكان الأدوات اللازمة للمشاركة فى المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادى،ولهذا ينبغى أن تستهدف استراتيجيات التنمية تخفيض حدة عدم المساواة ومن ثم تحقيق المساواة فى الفرص وتحسين كل من الكفاءة والعدالة.وعلى سبيل المثال يؤدى ضمان القدرة على الحصول على الخدمات التعليمية والرعاية الصحية الى تحسن انتاجية الفقراء،مما يعطى دفعة لنوعية حياتهم وأيضا لديناميكية وحيوية المجتمع عموما.كما أن القدرة على الحصول على فرص العمل تؤدى الى تخفيض احتمال لجوء الناس الى الجريمة.وبما أن القوة الاقتصادية غالبا ما تترجم الى قوة سياسية،فانه اذا جرى تنفيذ اجراءات تحقيق المساواة فى الفرص أمام الناس تنفيذا جيدا فانهم يحيون حياة منتجة،مما يؤدى الى الاتفاق فى الرأى والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسى وزيادة الانتاجية.
وتجدر الاشارة هنا الى قضية فى غاية الخطورة وهى ما يسمى " فخ عدم المساواة " وتعنى أن عدم المساواة يستمر بين الأفراد والمجموعات مع مرور الوقت من جيل إلى آخر وداخل كل جيل. وهذا الفخ يتسم بارتفاع في معدلات وفيات الأطفال، وانخفاض في معدلات إتمام الدراسة، والبطالة وانخفاض الدخول، وهو أمر يتكرّر مع مرور الوقت وعبر الأجيال. فالفرص، كبرت أم صغرت، تنتقل من الآباء إلى الأبناء ومن الأمهات إلى البنات. ويؤدي ذلك إلى تقليل الحوافز أمام الاستثمار والابتكار الفردي، فضلاً عن إضعاف عملية التنمية. وحالة عدم المساواة تستمر من خلال تشابك الآليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية معاً، كما هو الحال بالنسبة للمواقف والممارسات التمييزية المتعلقة بالعرق، والانتماء الاثني، والنوع، والطبقة الاجتماعية.
ولزيادة العدالة لا بد من وضع سياسات تعمل على تصحيح أشكال استمرار عدم تكافؤ الفرص، وذلك من خلال تحقيق المساواة في الفرص أمام الجميع في المجالين الاقتصادي والسياسي. وسيؤدي الكثير من هذه السياسات إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية وتصحيح إخفاقات الأسواق وزيادة المساهمة الاقتصادية للفقراء في مجتمعاتهم، ومن ثم تخفيض حدة فقرهم. وتشمل هذه السياسات ما يلي:
• الاستثمار في الناس من خلال توسيع نطاق القدرة على الحصول على خدمات جيدة النوعية في مجالي الرعاية الصحية والتعليم، وإتاحة شبكات الأمان للفئات الضعيفة.
• توسيع نطاق الوصول إلى العدالة، والحصول على الأراضي وخدمات البنية الأساسية الاقتصادية، كالطرق والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والاتصالات السلكية واللاسلكية.
• تشجيع الإنصاف في الأسواق المالية وأسواق العمل وأسواق المنتجات، وذلك لتسهيل قدرة الفقراء في الحصول على الائتمانات وفرص العمل، ولضمان عدم التمييز ضدهم في الأسواق.
3- التركيز على المشروعات الصغيرة كركيزة لبرامج التنمية: تشجيع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر،فهذه المشروعات تتميز بقدرتها العالية على توفير فرص العمل من حيث انخفاض تكلفة فرصة العمل المتولدة فى هذه المشروعات،كما أنها وسيلة جيدة لتحفيز التشغيل الذاتى والعمل الخاص،فضلا عن أنها تحتاج الى تكلفة رأسمالية منخفضة نسبيا لبدء النشاط مما يشجع الكثيرين على بدء النشاط بالاستثمار فيها.من جانب آخر فان هذه المشروعات تتميز بقدرتها على توظيف العمالة نصف الماهرة وغير الماهرة وذلك لانخفاض نسبة المخاطرة من ناحية ،ووجود فرصة أفضل للتدريب أثناء العمل لرفع القدرات والمهارات من ناحية أخرى.ويمكن أن تحسن هذه المشروعات فرص قيام النساء بأعمال لحسابهن الخاص من خلال توفير الائتمان والقروض وتوفير التدريب اللازم لهن.كما أنها تتلاءم مع رغبة كثير من النساء فى عدم العمل فى أماكن بعيدة عن مساكنهم. وقد أثبتت الدراسات أن التمويل الأصغر, خاصة القروض متناهية الصغر وزيادة دخل الأسرة يلعب دورا مهما في الالتحاق بالتعليم بجميع مراحله،أيضا يساعد الحصول على مزيد من الدخول من خلال هذه المشروعات على تحسين المستوى الصحى وتوفير الحياة الكريمة للعاملين بها.
4-ضرورة ترقية شبكات الأمان الاجتماعي: تعد شبكات الأمان الاجتماعي أدوات أكثر كفاءة لتخفيض أعداد الفقراء والتنمية البشرية. ولكن نظرا للظروف التى مر بها الاقتصاد المصرى ،يلاحظ أن أجزاء شبكة الأمان التي تتسم بالفعالية تفتقر إلى الكفاءة، أما الأجزاء التي تتسم بالكفاءة نسبيًا فإنها تفتقر إلى الفعالية. فعلى سبيل المثال، يصل دعم السلع الغذائية والطاقة إلى عددٍ كببر من الأشخاص وهي، في إطار هذا المعنى، تتسم بالفعالية من حيث وصولها أيضًا إلى الفقراء. بيد أن هذا الدعم يفتقر إلى الكفاءة، حيث أنه ينطوي على تسرب قدر كبير من الموارد إلى غير الفقراء. فتحويلات المنافع من الدعم المُوَجَّهَ إلى الطاقة، على وجه الخصوص، تميل بشدة لصالح غير الفقراء: إذ تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 93 في المائة من دعم البنرين في مصر تذهب إلى أغنى 20 فى المائة من المستهلكين. وفي الوقت ذاته، يتم توجيه التحويلات النقدية،بشكل أفضل نسبيًا، إلى الفقراء والفئات اُلمعرضة للمعاناة، ولكنها تعاني من تدني مستويات تمويلها،مما يجعلها غير مؤّثرة بالمرة في تحسين الأحوال المعيشية للفقراء. وبينما شهدت في السابق بعض التحسّن في مستوى الكفاءة فيما يتعلق بتصميم دعم السلع الغذائية، فقد ضاعت عليها، إلى حد كبير،فرص إحداث تغيير كبير من خلال إصلاح الدعم المُوَجَّهَ إلى الطاقة، الذى ينطوي على عائد أكبر بكثير للمالية العامة.
لهذا فانه من الضرورى أن تكون شبكات الأمان الاجتماعي أدوات أكثر أهمية في إستراتيجيات تخفيض الفقر في المستقبل من خلال التركيز على الأهداف المتعلقة بتحقيق الكفاءة والتأمين. في حين مازالت الإجراءات التي تستهدف زيادة معدلات النمو وتعزيز قدرة الفقراء على الحصول على خدمات الرعاية الصحية والتعليم تشكل الركيزتين الرئيسيتين لإستراتيجية تخفيض الفقر ، فمن الضروري أيضًا إيلاء الاهتمام إلى الركيزة الثالثة، ألا وهي شبكات الأمان الاجتماعي. وينبغي إصلاح هذه الركائز من خلال مراعاة هدفين اثنين: زيادة مستوى الكفاءة بحيث يتم توجيه الموارد المحدودة إلى احتياجات الفقراء واُلمعرضين للمخاطر، وتحسين قدراتهم على التكيّف مع صدمات الدخل غير المواتية التي قد تحدث فى ظل آليات السوق والتوجه نحو القطاع الخاص، وتحرير التجارة، والاندماج فى السوق العالمية. وسيكون لتحسين مستوى الكفاءة أثر أكبر على تخفيض أعداد الفقراء عند أي مستوى من معدلات نمو الاقتصاد وحجم موارد المالية العامة المخصصة لهذه المهمة؛ كما يمكن أن يتيح ذلك أيضا قدرا من الموارد لا يكفي فقط لمساعدة أولئك الذين يحتاجون مساعدات شبكة الأمان، ولكن أيضًا لزيادة الإنفاق الذي يراعي مصالح الفقراء في مجالات أخرى،كخدمات الرعاية الصحية العامة، وتحسين إمدادات المياه، وتحسين البنية الأساسية في المناطق الريفية.
ورفع كفاءة شبكات الأمان عرضة لقيود تفرضها في الوقت الحالي أوجه النقص في القدرة على الوصول إلى البيانات، ونوعية تلك البيانات، بالإضافة إلى بعض الاعتبارات الفنية.ويمكن جعل شبكات الأمان أكثر كفاءة من خلال إعادة تصميمها لتركيز الجزء الأكبر من الموارد المتاحة على الفقراء واُلمعرضين للمخاطر، وذلك من خلال تحسين استهدافها. ولذلك بُعدان، سياسي وفني. يتصل البُعد السياسي بحقيقة أن اعتماد توجيه الموارد على نحو يراعي مصالح الفقراء كهدف يتعلق بالسياسة المعنية يمكن أن يثير قلاقل ويلقى مقاومة من الفئات الأيسر حالا، وهي أعلى صوتًا وأكثر قوًة من الناحية السياسية، نظرًا لأنها في وضعية تؤهلها للتعرض للخسارة بسبب هذا الإجراء. ويتصل البُعد الفني بأمور التصميم والتنفيذ، فضلا عن مدى توافر البيانات الملائمة واستخدامها. حيث يتطلب حُسن الاستهداف توافر بيانات جيدة لتحديد الفقراء وأماكنهم، وإجراء تحليل جيد لتصحيح الصلة بين السياسات والنتائج المتعلقة بتخفيض الفقر، ووضع ترتيبات تنظيمية كافية للتعّلم من الخبرة العملية.
ويمكن أيضًا تدعيم شبكات الأمان من خلال اعتماد تدابير تساعد على توفير التأمين ضد مخاطر فقدان العمل والدخل. فعلى سبيل المثال، يمكن لبرامج التأمين ضد البطالة، المموّلة من الاشتراكات التي تؤديها الشركات والعاملون، المساعدة في تخفيف ما يلاقيه العامل عند الانتقال من وظيفة إلى أخرى ، ولذا ينبغي توخي العناية في جعلها متسقة مع الاستدامة المالية، والعدالة، والحوافز الخاصة بالعاملين، وذلك لتشجيعهم على الخروج من دائرة البطالة. كما يمكن لبرامج العمالة المؤقتة المساعدة في هذا الصدد.، ومن اُلممكن استخدامها لجعل تلك البرامج أكثر فعالية من خلال التركيز على كثافة العمالة في المشروعات، وجعلها أكثر كفاءة من خلال التأكيد على استهدافها للفقراء عن طريق تحديد ملائم للأجور.
حسين عبد المطلب الأسرج