حمص-سانا
تعتبر القصة القصيرة أحد الفنون الأدبية المعاصرة التي تعبر عن الواقع فترصد ما فيه من شخصيات وأحداث وربما تطير بمخيلتنا نحو آمال نحلم بتحقيقها فتميل إلى الخيال حيناً وإلى الفانتازيا حيناً اخر لكنها تعود بنا إلى عالمنا فتبهجنا وتداعب مشاعرنا تاركة لنا الإجابة عن كل سؤال يدور في أذهاننا وربما تترك الباب مفتوحا لنهايات لا أجوبة لها.
وعرفت مدينة حمص التي تحتضن كل الأنواع الأدبية فن القصة القصيرة فلمعت فيها أسماء تركت بصمة عريقة في هذا الميدان حيث برز خلال الأربعين سنة الماضية نحو خمسة وعشرين قاصاً وقاصة تنوعت موضوعاتهم وأساليبهم في السرد القصصي.
يعد الدكتور دريد يحيى الخواجة وهو من مواليد حمص عام 1944 أحد أعلام القصة القصيرة في سورية والوطن العربي ففي قصصه القصيرة "وحوش الغابة" و"التمرير" و"رسام البحر" و"رهائن الصمت" يستخدم الاسلوب السهل الممتنع فيعبر عن هموم اجتماعية ويجعلنا نعيش مع شخصياته ونحاورها ونتابع الأحداث بشغف ومتعة فهو ينتقي ابطال قصصه من المحيط الشعبي في حمص وحاراتها راصداً الواقع بجزئياته البسيطة والمريرة.
وقال الناقد علي الصيرفي في كتابه "صدى الأقلام" إن الخواجة في مجموعته القصصية "التمرير" استطاع أن يعيد النسيج القصصي بإدخاله العامل النفسي المشحون بالتذبذبات المكبوتة محاولاً تفتيت الأمراض المدفونة ليخرج في النهاية ضميراً انسانياً يقظاً يتحسس الواقع الحياتي بحس إنساني ينمو بنمو النفس البشرية.
في ذات الاتجاه تبدع القاصة الحمصية حسنة محمود في مجموعاتها القصصية العصفورة والشلال وأغنية لشروق الشمس وذكريات حصان عجوز والقبلة الأخيرة وشلال أمي فنجدها تكشف عن ظواهر اجتماعية سلبية محاولة معالجتها باسلوبها السردي الذي يعتمد على التحليل الاجتماعي والوصف التقليدي الذي يغلب عليه الطابع الوعظي الأخلاقي.
وترتكز القاصة "حسنة" في قصصها على الحكاية التي تعكس تفكيرها وأحاسيسها الإنسانية فتقترب من القارىء وتعطيه النتيجة دون أن تترك له فرصة التفكير بحل لأي نهاية لقصتها المثيرة.
وتميل القاصة رنا صائب أتاسي التي فازت بمسابقة القصة القصيرة لفرع اتحاد الكتاب العرب في حمص عام 2001 في قصصها نحو الحكاية لكن بضمير المتكلم وكأنها تعبر عن ذاتها فتدمج الأنا في كل شخصية من شخصيات قصصها فلا تترك للقارىء أن يتصور بقية الحدث وإنما تعكس بقصصها الواقع بكل تفاصيله فتسلط الأضواء على الأماكن معتمدة على النهايات المفتوحة للقصص تاركة للقارىء أن يصل للنهاية بنفسه وهذا من أهم ميزات القصة القصيرة الجيدة.
تبحث أتاسي في قصصها القصيرة صخب الصمت وابتسامتها لي عن الحرية فترفض سكون المكان والزمان وتتوق نحو الانطلاق بجناح الأمل في الحياة رغم قساوتها.
ورأى الناقد الصيرفي أن القاصة أتاسي ترى أن الوقوع في مصيدة الصمت عبر الزمان والمكان قد يحصل في أي لحظة حيث يفقد الفعل الإرادي قدرته ليبرز دور الأفعال الجبرية فالروتين القاتل في الدوائر الرسمية يمثل حصاراً للمواطن العادي حيث العلاقات المشبوهة وأساليب اللف والدوران.
غير أن القاص سامر أنور الشمالي يأخذ طريقاً مختلفة في القصة القصيرة التي تغلب عليها الفانتازيا الغرائبية فتدهشنا موضوعاته غير المألوفة حين يتخيل آثار الجفاف وحين يتحدث عن أكلة لحوم البشر وغيرها من الموضوعات المثيرة في أعماله القصصية البحث عن الضياء وتصفيق حتى الموت وماء ودماء والساعة الآن يبحث الشمالي عن الاختلاف فهو يعتمد على الخيال بأسلوب كلاسيكي كقصته قصة مختلفة.
تتنوع الشخصيات عند الشمالي فتقترب من الرواية وتدور القصة حول الشخصية ذاتها وليس حول المكان أو الزمان فنرى البطل هو المحور الذي يجعل الزمان والمكان لصالحه ويربط في قصصه الظاهرة بالحقيقة فيصل الى حلول لمعالجتها.
وأشار الناقد الصيرفي إلى أن قصص الشمالي محاولة لإيجاد مكان يكون به مندمجاً مع الآخر وهذا المجال يعيه الأديب ويدركه ويقصد به منطقة العلاقة بين الأشخاص والاهتمامات من خلال التناظر معهم وبطريقة دقيقة.
ويعتمد القاص الحمصي يحيى الصوفي الذي كتب القصص القصيرة منذ نعومة أظفاره على تحليل الشخصيات التي عايشها فترانا نحس بأحاسيسها ونتعاطف معها ونبرر لها أخطاءها فنسامحها تارة ونلومها تارة أخرى.
كتب الصوفي قصصاً قصيرة في الحب وقصصاً في الحياة إضافة إلى مجموعته القصصية قطرات الندى.
ومن أبرز القاصين في حمص مراد السباعي ونزيه بدور ونبيه الحسن وعيسى اسماعيل الذين أبدعوا في مجموعات قصصية تحتضنها المكتبات العربية.
تقرير حنان سويد