هو رمز للتصوف ومقاومة الغزاة عند أبناء دمشق منذ عشرة قرون، مرقده
أصبح اليوم مزاراً لكثير من سكان دمشق وسياحها على حد سواء، واسمه وقصص
بطولاته وتعبده لا تكاد يخلو منها كتاب يحكي تاريخ دمشق ويوثق رجالاتها.
|
مدونة وطن "esyria" التقت بتاريخ 11/12/2012 السيد "زياد زند
الحديد" من أهالي حي السادات، فتحدث بالقول: «من منا لم يسمع باسم الشيخ
أرسلان!، سمعنا اسمه في كتب "التراث الشامي" وفي العراضة الشامية حيث كانوا
يتغنون به قائلين: "شيخ رسلان يا شيخ رسلان يا حامي البر والشام".
وأعرف كثيراً من الرجال والسيدات يذهبن لزياره مقامه الواقع في منتصف
الطريق الواصل بين "باب توما وباب شرقي"، البعض يتوسل به عند دعائهم
لإيمانهم بأنه من الأولياء الصالحين».
ذكر الباحث "عزة حصرية" في كتابه "شرح رسالة الشيخ أرسلان في علوم التوحيد
والتصوف": «عاش الشيخ أرسلان خلال فترة النصف الثاني للقرن الخامس هجري،
والنصف الأول من القرن السادس هجري، وفي حينها كانت بلاد الشام تعاني من
حالة اضطراب سياسي وفتن ومعارك، وتنافس بين الأمراء، ما جعلها مجزأة في تلك
الفترة، انقضى القرن الخامس والمعارك سجال بينهم وبين الفرنج الصليبيين،
فجاء القرن السادس الهجري بحالٍ أسوأ، وباضطراب داخلي وخارجي.
أثناء ذلك ظهرت دولة "عماد الدين زنكي" صاحب الموصل بحلب، والذي تسلم بعد
مقتله ابنه "نور الدين زنكي"، الذي عمل جاهداً ليوحد المدن ويجعل الأمن
والاستقرار نِعم البلاد داخلياً، ولكن ما زال التهديد الصليبي على الحدود.
والشيخ أرسلان كان من جنود قلعة جعبر في عهد "عماد الدين"
|
صورة لمقام الشيخ ارسلان |
وفي العشرينيات من عمره جعله "نور الدين" من أجناد "دمشق"، ولكثرة
الاضطرابات والمشكلات السياسية، كانت اهتمام "نور الدين" بترميم السور
القديم والأبواب، لحماية دمشق من العدد وبناء رباط بمنارة للمراقبة.
تقول المصادر إن الشيخ اسمه: أرسلان بن يعقوب بن عبد الله بن عبد الرحمن
الجعبري، الدمشقي التركماني الشافعي، قيل ينتهي نسبه إلى جابر بن عبد الله
الأنصاري.
نسبة لقلعة جعبر التي ولد فيها– والتي تقع على شاطئ الفرات بجوار قلعة نجم،
ولا يُعرف شيء عن تاريخ ولادته بالضبط، سوى أنه عاصر الإمام عبد القادر
الجيلاني، وأنه عاش نيفاً وثمانين عاماً، ولقب بالدمشقي بعد أن انتقل
إليها.
وكلمة أرسلان تركية الأصل معناها "الأسد" وقد شاعت في تلك الفترة هذه
التسمية لدخول الأتراك مسرح الحياة العامة في القرن الثالث الهجري.
عندما انتقل الشيخ إلى دمشق مبتعداً عن الاضطرابات والمعارك المستمرة في
تلك المنطقة، انتقل الشيخ أرسلان إلى مسجد صغير داخل باب توما اسمه "درب
الحجر"، وبدأ بتلقي المعرفة والعلم على يد شيخه أبا عامر المؤدب، وكان
للشيخ أرسلان دار صغيرة ودكان لنشر الخشب بجانب المسجد، وحفر بئراً صغيراً،
كان أهل تلك البئر يشربون منه للبركة».
وأضاف "حصرية": «أجمع المؤرخون على أن الشيخ "أرسلان" كان يقيم بداره في ظاهر باب توما، وقريباً من دكانه
|
صورة لمزار الشيخ ارسلان - يمين الصورة -القبة الخضراء |
بنشر الخشب، ويقسم أجرته إلى ثلاثة أجزاء: ثلث لنفقته وثلث يتصدق بها
وثلث لكسوته ومصالحه، وقيل: كان يدفع الأجرة لشيخه وشيخه يطعمه، فتارة
يجوع وتارة يشبع.
أما ساعات العبادة فكان يقضيها في المسجد المعروف الآن بمقامه، وإذا
تساءلنا عن سر اختياره لهذه المنطقة، وقد عرفنا أنه ممن اختير أيضاً للدفاع
عن دمشق، ذكرت بعض المصادر أنه اختار ذلك المكان ليقيم ثغراً أو "رباطاً"
في مكان الخيمة التي نصبها "خالد بن الوليد" خارج السور أيام الفتح العربي.
ويشكك المؤرخون بأن للشيخ أرسلان مؤلفات أخرى، ولكن قد ذهبت مع طوفان النهر
"الداعياني" الذي يمر من مدرسته ومقامه أو بسبب المعارك والفتن أو بإغفال
مقصود من حساده، والله أعلم».
انتقل الشيخ أرسلان إلى الرفيق الأعلى في عام 541 هـ، وذلك خلافاً لما ورد
في بعض التواريخ، من أنه توفي سنة 699 هـ، وأنه أسهم في الحروب ضد التتر.
(*) من أقواله وشذراته:
إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو شكراً لقدرتك عليه.
الكريم من احتمل الأذى، فلم يشكُ عند البلوى.
أحسن المكارم عفو المقتدر، وجود المفتقر.
مكارم الأخلاق: العفو عند القدرة، والتواضع في الذلة، والعطاء دون منة.
لو احتجبت عني طرفة عين، لتقطّعتُ من ألم البيّن.
قلب العارف لوح منقوش بأسرار الموجودات، فهو يدركُ
حقائقَ تلك السطور، ولا تتحرك ذرّةٌ حتى يعلّمه الله.
كلما اجتنبت هواك قوي إيمانك، وكلما اجتنبت ذاتك قوي توحيدك.
العمل طريق العلم، والعلم طريق المعرفة، والمعرفة طريق الكشف والكشف طريق الفناء.
أول المقامات الصبرُ على مراده، وأوسطها الرّضى بمراده، وآخرها أن تكون بمراده.