يعد الدكتور "عادل العوا" واحداً من أبرز أعلام الفكر العربي المعاصر،
حيث رفد المكتبة العربية بعشرات الكتب الفلسفية التي تحكي عن الأدب، وكان
فاعلاً ومؤثراً في الحركة العلمية والتعليمية.
|
مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث في التاريخ والتراث "محمد مروان
مراد" بتاريخ 22/2/2013 فتحدث قائلا: «للدكتور "العوا" الفضل الكبير في
تأسيس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة دمشق، كما أرسى دعائم
كلية الآداب في "جامعة دمشق"، وقد بدأ حياته العلمية بالتدريس في المدارس
الثانوية، حتى افتتحت كلية الآداب والمعهد العالي للمعلمين، وترأس قسم
الدراسات الفلسفية والاجتماعية حتى إحالته إلى التقاعد عام /1990/، وأصبح
عميداً لكلية الآداب منذ عام /1965/، حتى عام /1973/، كما أسهم في أعمال
اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، وهو عضو مجمع اللغة العربية في
دمشق، وحاضر في عدد من الجامعات الأردنية واللبنانية والجزائرية، حيث واكب
"العوا" الحركة العلمية والفلسفية والتعليمية، وكان فاعلاً ومؤثراً فيها
وله الكثير من المحاضرات والمقالات المنشورة والموسوعات في مجال الفلسفة،
مثل "الموسوعة الفلسفية"، وما يميز الدكتور "العوا" أنه أبدع اصطلاحاته بعد
أن أعمل فكره الانتقادي في الفكر والفلسفة».
وأضاف: «انطلق الدكتور "عادل العوا" من أن أول دروس الفلسفة وأهمها على
الإطلاق هي احترام الحق والحقيقة أكثر من أي شيء آخر، فمن يحترم الحقيقة من
واجبه أن ينتقد ومن حقه أن يخالف، فيما كان أهم ما تحدث عنه "العوا" مسألة
التراث والمعاصرة، فرأى أن البلبلة والجدل الذي لا طائل منه يكمن في
الكثير مما يثار حول التراث، فنحن ننهل بصورة طبيعية من معين التراث العربي
الإسلامي، ومن علومه وآدابه، ونستفيد من كنوزه، ما
|
الباحث في التاريخ والتراث محمد مروان دراد |
يغني حياتنا ويطور مجتمعنا ويجدد علومنا، كما ننهل من التراث العالمي
الإغريقي والروماني والهندي وسوى ذلك، ونستفيد من الفكر الحديث والمعاصر،
ولا عجب في ذلك، لأن مصادر المعرفة متعددة، ولا يمكن للعالم أن يكون عارفاً
ما لم يكن على اطلاع واسع وثقافة متنوعة، والتراث عندنا واسع جداً، وهو ما
يجعل مسألة التراث لدى الكثيرين مشكلة».
وأضاف: «إن "العوا" يرى عدم وجود أي مشكلة في ذلك، خاصة أن في تراثنا
جانبان يخلط بينهما بعض الباحثين وهما الجانب الديني الإلهي، وهو عنوان
الأخلاق ومصدر الهداية والجانب الفكري والعلمي الذي ينقسم إلى مجالات
كثيرة، فالجانب الديني جوهرة الحث على طلب العلم وبث الهداية والسعي لمكارم
الأخلاق والمساواة والحرية والتعاون والتكاتف الاجتماعي، ومن منا يكره هذه
المبادئ، ومن منا لا يستجيب لهذه الحوافز؟! أما الجوانب الأخرى فينبغي أن
نستفيد منها ونتصرف بها، لا أن نجعلها تتصرف بنا، وهذا هو الفرق بين أن
نمتلك التراث، وأن يمتلكنا التراث».
وحول أهم ما تناوله "العوا" يؤكد الباحث في التاريخ والتراث "حسن الصواف"
في مقابلة مع مدونة وطن: «إن من أبرز ما تناوله فكر "العوا" اللغة التي رأى
أنها رهينة التطور، وكذلك اللغة العربية، فلا مجال لإنكار التطور فيها،
أياً كانت مواقف اللغويين منه، ولكل لغة خصائص ومزايا يمكن أن تقسم إلى:
ذاتية داخلية تتعلق بطبيعة اللغة نفسها، وخارجية زمنية بيئية تتعلق بتقدم
المجتمع والعلوم وتنوع البيئات
|
المفكر الراحل عادل العوا |
المكانية، ففي الخصائص الذاتية رأى أن العربية لا تجارى في دقتها
وطواعيتها وسعتها وغنى تراثها، وما فيها من إمكانات التوالد الاشتقاقي
والتغير الدلالي والنقل المجازي، أما في الخصائص الخارجية فالأمور لا تمس
اللغة نفسها لسبب يرجع إليها، بل لسبب يتصل بالعوامل الاجتماعية والتاريخية
والبيئية؛ وهذا هو ما جرى للعربية في العصور المتأخرة، إذ توارت عن العلوم
وغابت عن ميدان الاستعمال لتقهقر أبنائها وضعف ثقافتهم وتخليهم عن مسيرة
التقدم والحضارة، فلا خوف على العربية حقاً ما دام أبناؤها عاملين على
خدمتها».
الدكتور "أحمد أبو زيد" يقول عن فكر "العوا" الفلسفي: «إن الأستاذ "عادل
العوا" باحث أخلاقي، قدم عرضاً للمذاهب الفلسفية وفندها، في معظم كتاباته
ودراساته، فقد عمل على اتساق توجهه الفلسفي في سبيل فهمه الانتقادي،
واقتناعه الفكري، فكان بحق فيلسوفاً ذا ثقافة انتقادية واعية».
وحول الإسهامات الفكرية والفلسفية للعوا يضيف الدكتور "خالد قوطرش": «إن من
يقرأ مؤلفاته يشعر بأنه يمزج الفلسفة بالأدب، كأنما يريد أن يؤدب الفلسفة
ويفسلف الأدب، فصار بحق أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، ويخيل أن فلسفته،
والفلسفة تأمل لا خيال، تقوم على النظرة إلى الوجود بعقل تأملي وواقعية
يشوبها شيء من الصوفية الرمزية الميتافيزيقية، وعلى الجملة، فإن فلسفته على
قدر ما تهتم بالذات الجماعية البراجماتية، فإنها مزيج من المنطق التقليدي
والتصوف الديني الشمولي، فشموليته المعرفية وشموليته الروحية تتوازنان
كتوازن السماكين في كبد السماء، وقد لقبه طلابه بـبرجسون
|
الباحث في التاريخ والتراث حسن الصواف |
سورية».
ولد الدكتور "عادل العوا"، في دمشق عام /1921/، وسافر في خريف العام نفسه
إلى فرنسا ليتابع دراسته العليا في كلية الآداب بجامعة باريس "السوربون"،
فحاز الإجازة ثم الدكتوراه عام /1945/.
عاد إلى سورية في آب /1945/، وكان رحيله في كانون الأول 2002، بعد مسيرة حافلة بالعطاء المبدع، فكان جديراً بالتقدير.
ومن مؤلفاته: الفكر الانتقادي لجماعة إخوان الصفا "بالفرنسية" والمذاهب
الأخلاقية (جزآن)، الفلسفة الأخلاقية، المزاج الحضاري في الفكر العربي
دمشق، أما ترجماته فهي كثيرة تنوف عن /60/ كتاباً.