تلقى تعليمه في مكتب عنبر ثم تابع تحصيله العالي بكلية الآداب في
الجامعة السورية وتخرج فيها حائزاً على شهادة الليسانس في اللغة العربية
وآدابها وهو ما أهله لتعليمها في المدارس الثانوية بدمشق.
|
إنه الكاتب والمؤلف والأديب ورائد التجديد الشعري في سورية "أنور العطار".
مدونة وطن eSyria التقت الباحث "محمد مروان مراد" بتاريخ 13/2/2013 فتحدث
عنه بالقول: «بعد التدريس في مدارس دمشق انتقل إلى بغداد ليعلم في معاهد
وزارة المعارف العالية لمدة أربع سنين، ثم عاد إلى سورية وعهد إليه برئاسة
ديوان الإنشاء فساهم بتأسيس المجمع الأدبي بدمشق وفي هذه الآونة أصدر
ديوانه الأول والوحيد "ظلال الأيام" عام 1948».
وعن بداياته الشعرية يتابع: «بدأ "العطار" ينظم الشعر منذ حداثته المبكرة
وكانت قصيدته "الشاعر" باكورة إنتاجه وتألفت من ستة وخمسين بيتاً عبر فيها
عن خلجاته وعواطفه المتدفقة، ثم بدأ اسمه يذيع في دنيا الأدب مترافقاً مع
ظهور شاعرين مجددين "زكي المحاسني، وجميل سلطان" ما حفز مجمع اللغة العربية
لإقامة حفل تكريم تشجيعاً لهم وتقديراً لنبوغهم».
وتابع: «نشر طائفة من قصائده في مجلتي "الزهراء، والرسالة"، وبعيد إصداره
ديوان "ظلال الأيام" أخذ يجمع قصائده في عدد من الدواوين من بينها "وادي
الأحلام، ربيع بلا أحبة، منعطف النهر، البواكير، البلبل المسحور"، إضافة
لمجموعة من كتب النثر منها "الوصف والتزويق عند البحتري، أسرة الغزل في
العصر الأموي الخلاصة الأدبية، شوقيات لم تنشرها الشوقيات، ألف بيت وبيت".
إن أول ما نلمس في شعر "أنور العطار" تلك الرومانسية الحادة الممتزجة
بالصوفية حيناً وبالمثالية حيناً آخر، فهو يكثر من تصوير حالاته النفسية
وانفعالاته الجياشة وعواطفه العطشى، فهو يرى في قلبه الذي لم يخلق إلا للحب
والعذاب مضنى يشقيه:
في فؤادي اللهيف داء قد استعصى / وجرح يمضني تعذيبا
صاغه الله للعذاب وللحب / وأحياه بالدماء خصيبا.
ومثل الشعراء الرومانسيين هام "العطار" بالطبيعة ولجأ إليها يتلمس في
أحضانها عزاء لقلبه المهموم، ومن يقرأ قصائده تطالعه مفاتن الطبيعة بكل
سماتها الساحرة وتفاصيلها الخلابة:
عالم من نضارة واخضرار / فاتن الوشي عبقري الإطار
ضم دنيا من البشاشة والبشـ / ر وما تشتهيه من أوطار
وينابيع حفل الأغاريـ / د تناجي بالساكب الهدار
وحقول بالزهر مؤتلقات / من أقاح ونرجس وبهار.
وإضافة لهذا
|
أنور العطار |
فإن النبرة الرومانسية في شعر "العطار" تمتزج بالصوفية التي تدعو إلى
السمو والارتفاع بالنفس الإنسانية فوق تفاهات الحياة اليومية وفي هذا
المجال نجد في العديد من قصائده ابتهالاً هو مزيج من الحب والخوف والرجاء:
يا إلهي! قلبي الرقيق تنهد / مذ صداك الحبيب فيه تردد
يا إلهي! طيف الغناء يناجيـ / ك ونجواه أنة تتصعد
يا إلهي! أنا الفناء أناديـ / ك وأنت اللقاء ترجى وتقصد.
إضافة لكل ذلك يمكننا القول إن "أنور العطار" عاش بوطنية صادقة مرحلة كفاح
سورية من أجل حريتها واستقلالها، كما عاش مأساة فلسطين المغتصبة وتجلى
إبداعه في هذا المجال في قصائده الوطنية والقومية التي تغنى فيها بوطنه
ونضال مجاهديه وبأبطال فلسطين الذين افتدوها بأرواحهم ودمائهم:
علمتني الحياة أن حياتي / ملك أرضي عزت على الدهر أرضي
من ينابيعها تلقيت شدوي / من شحاريرها تعلمت قرضي
فجرتني هوى فبغضي حب / وبالحب ما إن يلمّ ببغض
هي نجواي إن جنحت لصحو / والخيالات إن جنحت لغمض.
كان حب "العطار" رومانسياً مثل الينبوع الأبدي الدائم للنشوة والانفعال،
ومن خلاله حاول أن يتعرف على الوجود وحقائقه ويطل على مملكة الروح ويقيم
فيها، وهو حين يخاطب محبوبته يتدفق رقة وشاعرية في تصويره لسحرها وعذوبة
حديثها:
وجهك هذا أم رؤى حلوة / وثغرك اللماح أم سلسل
يفتنني فيك صبا ناضر / آذار في أعطافه يرفل
مزوق الأفياء يندى منى / كأنه من ضحكه جدول
تضيع في أمواهه حسرتي / وما يعاني القلب ما يحمل».
ثم أضاف: «لم يكن "أنور العطار" فتى عادياً منذ صباه ويصفه صديقه ورفيق
فتوته العلامة الأديب "علي الطنطاوي" بأنه كان شارداً ومحباً للعزلة،
نظراته حالمة وهمساته حائرة، يتأمل الزهرة وكأنه يناجيها، ويبحر بنظراته في
الأفق فترتسم على شفته ابتسامة رائقة تنبئ بالغبطة والسعادة، ثيابه تدل
على فقره، ونحول جسمه ينطق بمعاناته، ورافقت هذه السمات الشاعر في مراحل
حياته فعاش منطوياً على نفسه بعيداً عن الناس والمجتمع».
الأستاذ "عبد الغني العطري"
|
الباحث محمد مروان مراد |
قال عنه في كتابه "حديث العبقريات": «في السنوات الأخيرة من حياة
الشاعر، اختارني "العطار" صديقاً له، فكان يتردد على مكتبي في السنجقدار
زائراً مرة أو أكثر كلّ أسبوع، كنت آنس بلقائه، وأسعد كلّ السعادة بحديثه،
وأستمع إلى أخباره وأشعاره، وأنا أتأمل يده المرتعشة أبداً بفعل المرض،
فأعض على شفتي ندماً، لأني قصرت في إبراز مواهبه والحديث عنه حين كنت في
موقع المسؤولية، خلال عملي الصحفي الطويل. وطال غيابه عني ذات مرة في صيف
عام 1972 تصرم الأسبوع كله دون أن أراه، فالتمست له العذر بادئ الأمر،
وجاوز غيابه الأيام العشرة، فاشتدّ قلقي عليه فقررت أن أسعى إليه متسائلاً
مطمئناً على سلامته وكنت وقتها على وشك أن أفعل ذلك حين أخذت أقلب صحف
اليوم فوقع نظري فجأة على خبر صغير مهمل في ذيل صفحة مهملة، وكان الخبر
يحمل الشكر لمن شاركوا في التعزية بوفاته فصعقت يومئذ للنبأ، وغامت الدنيا
في عيني وطفرت منهما دمعتا حزن وألم، فقد مات الشاعر الكبير بصمت ولم يشعر
برحيله إلا قلة من الناس ولم تنشر الصحف خبر وفاته ولم تتحدث عن تاريخه
وأعماله"».
عنه قال الأديب "عبد القادر الأرناؤؤط": «عرفت الشاعر "أنور العطار" زميلاً
في تدريس الأدب العربي وصديقاً في الثقافة والأدب، فقد كان من الشعراء
المرهفين الذين عاشوا لفنهم وما سخروه لمطمع أو جاه او مالٍ، كما آثر
العزلة واطمئن لأحلامه فكانت حياته كالنهر الهادئ يمر به العابر فيسحره
سيره البطيء، وهو يغدق الحب والعطاء على من حوله من الناس، ولا نبالغ إذا
قلنا إن الشاعر "أنور العطار" رائد تجديد الشعر في سورية، فقبله كان الشعر
حبيس التعابير الموروثة والأطر التقليدية المتداولة، وكانت ظلال الجمود
والرتابة تخيم على القصيدة فتختنق مشاعر الشاعر ولا يستطيع أن يتحرر من
اقفاصها. كان الحياء سمة "أنور العطار" البارزة فما عرف عنه أنه خاصم
إنساناً او تعدى لحقوق، فكان يشكو من بعض الأصدقاء نكرانهم للجميل
وانحرافهم عن طريق الصدق والإخلاص، كل ذلك يعبر بصوت خفيض وبحة تنم
عما كان يعتمر في صدره من اسى وحزن لأولئك الذين
قدم لهم صداقته فقدموا له النكسة والخداع. ويمكننا القول إن من أبرز مظاهر
الإبداعية في شعر أنور العطار تمجيد الطبيعة، والهرب إليها من متاعب الحياة
وإخفاقها، والطبيعة عنده عالم من الأحلام والرؤى يمتزج بسحر جمال بيئته
التي نشأ فيها، فهو ابن دمشق ونزيل غوطتها الفيحاء والمتردد على لبنان لوحة
العطر والجمال، والمقيم في بغداد المأخوذ بسحر نهريها الخالدين دجلة
والفرات، ولذا احتلت القصائد التي وصف بها الطبيعة حيزاً من ديوانه اليتيم
"ظلال الأيام"».
* يذكر أن "أنور العطار" ولد في دمشق 1908، وبقي ملتزماً بكل القضايا التي
وهب لها عصارة قلبه وفكره، وصادحاً بالحب والإيمان والخير والجمال إلى آخر
نبضة في حياته إلى أن رحل بصمت كما ترحل العنادل بعد ربيع أخضر سخي العطاء
في 20 تموز 1972.