نظم قصائد مفعمة بالمشاعر الفياضة، والصور الخلابة، ليتحول "عبد القادر
الأرناؤوط" إلى شاعر يرسم بالفرشاة، وينظم لوحته بأحاسيس الشاعر.
|
مدونة وطن eSyria التقت الباحث في التاريخ والتراث "بشار منافيخي"
بتاريخ 28/2/2013 فتحدث عن الفنان "عبد القادر الأرناؤوط" بالقول: «ولد
بدمشق من أبوين فقيرين، فبدأت موهبته للرسم مبكراً، رغم تعدد هواياته
ومواهبه، إلا أنه كان يصرف أكثر نقوده على أقلام التلوين، وقد جرب كتابة
الشعر أيضاً، ومارس الكتابة والنقد الفني، كما كان مولعاً بالمطالعة
والموسيقا واهتمامات أخرى بالفنون والآداب، وحين اختار الفن التشكيلي
أخيراً، سخر كل هذه الهوايات والمعارف لتخدم هذا الاتجاه الذي استقطب
إمكاناته كلها، فصمم ملصقات "معرض دمشق الدولي"، وملصقات وشعارات وأغلفة
العديد من الكتب، إضافة إلى تصميم شعارات دورة "ألعاب البحر الأبيض
المتوسط" في "اللاذقية"».
وأضاف: «لقد كانت الفترة الممتدة ما بين /1954/، /1956/ بداية التحول الهام
في حياة "عبد القادر الأرناؤوط" الفنية واختياره الفن التشكيلي، حيث بدأ
التحول عن الشعر إلى التفكير بالعمل الفني، أما الفترة الزمنية الممتدة بين
عامي /1955/ و/1962/ فقد تركت آثارها الفنية عليه من خلال التقاء
"أرناؤوط" بعدد من الفنانين العرب، أولهم صديقه الفنان "مروان قصاب باشي"
ليكتشف من تجاربهم والحوار معهم أهمية الحداثة الفنية وما يمكن أن تعطيه
للفنان، ليكتشف أهمية التراث العربي من خلال أعمال عمالقة الفن العالمي
أمثال "موديلياني" و"بول كلية" و"جوجان"، فأدرك ضرورة أن يقدم الفنان ما هو
أعمق من مجرد رسم تقليدي، وبأسلوب مألوف عند رواد الفن التشكيلي، فيما
كانت المرحلة الحاسمة في حياة "الأرناؤوط"، ضمن الفترة الممتدة ما بين
/1954/ و/1956/ حين اكتشف أهمية "الفن الحديث" في تخطي الأساليب التقليدية
السائدة، ليكون ذلك دافعاً له، لإعادة النظر في كل ما اقتنع به، وأخذ يفكر
في أسلوب فني خاص به، لارتباط الفن بذلك».
وتابع "منافيخي: «إن "أرناؤوط" يتحدث عن تلك الفترة في النصف الثاني من عام
/1957/: غادرني الأصدقاء، ووجدت نفسي في عزلة تمثل انفعالاتي بشكل واع،
رحت أحاور الألوان، وأحس بأنها تتجاوب معي وهكذا دون
|
من لوحات الفنان الراحل "عبد القادر أرناؤوط |
تفكير أمسكت الريشة، ورسمت لوحة أعجبتني، وارتحت للعمل، وانغمست فيه
وأتبعت اللوحة بلوحات... لقد عرفت أخيراً أن التيار قد اتخذ مجراه النهائي،
وأن الإنسان لا يستطيع التوقف منذ اللحظة التي يحس فيها بالمسؤولية،
وبواجبه أن يكون مخلصاً لما هو مسؤول عنه».
أما الباحث في التاريخ والتراث "محمد مروان مراد" فتحدث عن الفنان
"الأرناؤوط": «إن فترة الستينيات شهدت تقديمه لوحات تكشف عن موهبة خاصة،
وعن أسلوب ينطوي على لغة فنية متميزة فيها شاعرية وبساطة معبرة تنطلق من
القلب إلى القلب، فجعلت المشاهد يهتم باللوحة، ويحاول تذوقها دون الانشغال
بالمضمون الأدبي للكلمة، فيهتم بالكلمات والزخارف، بما تحمله من قيم
جمالية، وتشكيلية وتجريدية، ومع أن العقبات المادية وقفت حائلاً دون متابعة
الدراسة الأكاديمية، إلا أنه استطاع مبكراً أن يكتشف إمكانات الخط العربي،
فأقبل عليه يبتكر ويستخرج منه جماليات كامنة فيه، ليخلق التناغم الضروري
بين تصميم اللوحة والكتابة العربية، وبذلك انتشرت أعماله في أوساط جديدة،
وجدت في تصاميمه مزيجاً من الدقة والشاعرية، وروح التراث، أضاف إليها
"الأرناؤوط" رموزاً قابلة للتداول في إيطاليا، فتعرف على أسرار الخط
اللاتيني الحديث، وتفرغ أكثر إلى الخط العربي، ففازت لوحاته وتصاميمه
بالعديد من الجوائز، وإثر عودته إلى دمشق أصبح مدرساً للفنون الجميلة، وأسس
فيها مدرسة لفن الإعلان، فتعرف إلى عناصر جديدة ومهمة دون أن تبدل في
شاعريته، فكانت تجربة حافلة بكل جديد، من وسائل التعبير التي باتت أكثر
عمقاً، وفيها الصيغ والتقنيات الحديثة التي جعلت أعماله أكثر التزاماً
بالصيغ الفنية الجديدة، ومحاولات الوصول إلى التعبير عن الشاعرية بمفاهيم
تشكيلية».
وأضاف: «هكذا ابتعد "عبد القادر أرناؤوط" عن الرسم بالخطوط وحدها،
والإشارات والرموز المختلفة، نحو التجريد اللوني، المعبر عن أعمق الأشكال،
وبدأ يرى التصوير الحديث، عن طريق حركة اللون وتمازجها، ويقدم المفهوم
العربي في التصوير الزيتي عن طريق تداخل درجات اللون وامتزاجها، وشفافيتها،
وما تقدمه من قيم ووجد في أحياء
|
الفنان "عبد القادر أرناؤوط |
"دمشق القديمة" وأبنيتها الأثرية الباقية، الإيحاءات التي مكنته من
تصوير لوحة لها لونها الشاعري، ولها ارتباطها بالواقع المحلي، فأضافت
التجربة الجديدة إلى لوحته صياغة لونية، ساعدته على التعبير عن الانفعالات
الذاتية، التي كانت نتيجة لتفاعلات مع البيوت القديمة، والجدران المتآكلة،
التي تحمل البصمات الإنسانية».
وتابع "مراد": «في بداية السبعينيات سافر "أرناؤوط" ثانية إلى "باريس"
فأمضى فيها عامين، تابع خلالهما دراسة فن الإعلان، ونال دبلوم المدرسة
الوطنية العليا للفنون الزخرفية في "الاتصالات البصرية" ولما عاد إلى
"دمشق" أصبح رئيساً لقسم الفنون الزخرفية بكلية الفنون، ليقدم لوحات فيها
لغة فنية خاصة به، فظهرت في هذه المرحلة خصائص فنية لم تكن مألوفة لديه،
فقدم اللوحة المتوازنة والمتماسكة التي عبرت عن المفاهيم الرئيسية المجردة،
خاصة أن اللوحة لها توازنها من حيث الأشكال، ومفاهيمها المرتبطة بالإطار
الذي يحد اللوحة من أطرافها وتتوزع العناصر والأشكال ضمنه، وهذا التوازن
وصل إلى أقصى مراحله، لأن السكون هو المسيطر، والتناظر يغلب على التكوينات.
وبعد أن قدم اللغة الشاعرية المثقلة بالرموز في البداية، انتقل إلى مرحلة
"تعبيرية – تجريدية" ليجعل الرموز تعبر عن المواضيع المأساوية والصيغ
الإنسانية بالتأليف الخاص».
وختم "مراد": «أما في الثمانينيات فقدم "أرناؤوط" التجارب اللونية والنظام
المبتكر لعلاقات الأشكال العضوية والزخرفية، وتداخلات الألوان، وهكذا فتح
الباب على مصراعيه أمام بحث لوني جديد، مربع أو مستطيل ملون، فيه البساطة
والمقدرة على الابتكار الأصيل الذي تشعر بأنه يجمع بين اللون والتأليف،
ليخوض بحثه في مجال اختيار لغته الفنية لتحقيق ما يريد من بحوث وأشكال تجمع
الهندسة والعفوية، كما اعتمد على اللوحات البيضاء التي لا تخلو من
تـأثيرات لونية، إضافة إلى العلاقات البيضاء، مع الزخارف والأشكال النافرة،
وقد امتد هذا الأسلوب الفني ليشمل كافة أشكال التعبير الفني التي مارسها،
من تصاميم إلى ملصقات، حتى في مجال الكتابة العربية، حينما قدم أسلوباً
يتضمن تطوير الحروف ويقاربها مع الأشكال».
الأستاذ
|
من إبداعات الفنان الراحل "عبد القادر أرناؤوط |
الفنان التشكيلي "سعد يكن" قال عنه: «إن من يعرف
الفنان "أرناؤوط" يعرف أن هذا الفنان من أصدق الناس الذين يلتقيهم في
حياته، وأكثرهم انسانية بخلقه الرفيع وحبه لكل من حوله، فأتى الابداع الفني
فوق صفاته لتكتمل صورة الفنان الانسان بكل معاني الكلمة. كان فناناً يعرف
كيف يوظف ريشته وألوانه لتكون كما كلمات أشعاره».
ولد الفنان عبد القادر أرناؤوط في دمشق، سورية سنة 1936.
عمل في وزارة الثقافة مصمماً ومشرفاً على تصميم لوحات إعلانية، فأبرزت موهبته "الغرافيكية".
اقتنيت أعماله من قبل وزارة الثقافة السورية والمتحف الوطني بدمشق، ومتحف دمّر، ضمن مجموعات خاصة، وفي روما وباريس أيضاً.
توفي "عبد القادر أرناؤوط" سنة /1992/ في دمشق.