"ساطع الحصري" باحث تربوي ومفكر وأحد أعلام دعاة القومية العربية حيث
شارك في بناء الدولة العربية الحديثة على دعائم من الوطنية والقومية.
|
الباحث "بشير زهدي" قال عنه: «يعتبر "الحصري" من كبار المربين العرب
القوميين وواحداً من رواد الثقافة القومية، ترك بصماته في مناهج الدراسة
السورية عندما عين وزيراً للتربية بعد جلاء المستعمر الفرنسي عنها، والقى
العديد من المحاضرات القيمة في الجامعة العربية عن الثقافة القومية رغم أن
لهجته العربية كانت ضعيفة، ويعتبر شخصاً قومياً لأقصى حدود الحماس».
مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 13/3/2013 الباحث "حكمت هلال" الذي تحث عنه
قائلاً: «ولد "ساطع الحصري بن محمد هلال" عام 1880 من أبوين جليلين، تعلم
بالمدرسة الملكية الشاهانية باسطنبول وتخرج فيها 1900، وبعد تخرجه أصدر
مجلة بالتركية في التربية قيل إنها أول مجلة من نوعها بتلك اللغة، عاش في
بلاد البلقان مدة ثماني سنوات حيث مكنته وظيفته من الاطلاع على أحوالها عن
كثب، في العام 1918 وبعد أن رفرف العلم العربي السوري في سماء دمشق عاد
"الحصري" إليها ليتولى شؤون التربية فيها وعين وزيراً للمعارف وأصدر مجلة
باسم "التربية والثقافة والتعليم" نشر فيها عدة مقالات وطنية وتربوية، كما
أنه شارك في بناء الدولة العربية الحديثة على دعائم من الوطنية والقومية
وظهرت له محاضرات في نشوء الفكرة القومية وآراء وأحاديث في القومية العربية
والعروبة بين دعاتها ومعارضيها ودفاعاً عن العروبة وما هي القومية إلى
جانب كتب ومقالات لا تحصى».
وعن عمله في مجال التربية يضيف: «كان للحصري مقترحات لتطوير النظام التربوي
في سورية تصور شخصيته القومية وتنبئ عن وعيه اللامتناهي فضلاً عن حبه
للعربية، كما كان متحفظاً على تدريس مادة اللغة الأجنبية "الفرنسية" في
الصفوف الابتدائية، وقد اختصر مادة الفلسفة من الدراسة الإعدادية والثانوية
كتعبير عن الاعتقاد بأن الحضارة الحديثة هي بنت العلم والتقنية
|
الباحث بشير زهدي |
والتطور فكان رد فعل الطلاب عليه أن قاموا بمظاهرات صاخبة ضده بعد
أقل من سنتين على تطبيق برامجه فاضطر للاستقالة فذهبت جهوده أدراج الرياح
وغادر سورية لكن تأثيره في مجال التربية القومية ظل مستمراً على الرغم من
أنه لم يستمر في هذا المجال إلا ثلاث سنوات أغنى فيها العلم والتربية
الصحيحة.
وعندما احتل الفرنسيون سورية هاجر إلى بغداد وعين مديراً لدار الآثار
ورئيساً لكلية الحقوق، وأصدر مجلة التربية والتعليم خلال الأعوام
1928-1931، وأجبره الاحتلال البريطاني للعراق على مغادرتها عام 1941 فعاد
إلى حلب ووظف مستشاراً فنياً في وزارة المعارف وعام 1944 انتقل لمصر فعهدت
إليه جامعة الدول العربية بإنشاء معهد الدراسات الأدبية».
وتابع: «لقد ترك لنا الحصري "68" كتاباً من تأليفه، فهو من أكثر المفكرين
تدويناً لبحوثه وآرائه إذ ألف "12"كتاباً باللغة العثمانية، وكتب مئات
المقالات في الصحف والمجلات في سورية ولبنان والعراق ومصر، إلى جانب العديد
من المحاضرات وكانت أغلب أبحاثه تتناول مواضيع وطنية وقومية، وقد ألف تسعة
كتب تتحدث عن القومية العربية من عام 1944ولغاية 1963 وأحد عشر كتاباً
تتحدث عن تاريخ البلاد العربية بالإضافة إلى الحوليات في الثقافة العربية
وعددها ستة كتب فضلاً عن الكتب المدرسية ومئات الأبحاث والمقالات، لقد عارض
"الحصري" كثيراً من الكتاب بمقالات أمثال "طه حسين" في كتابه: "مستقبل
الثقافة بمصر"، ووقف بالمرصاد لعالم النفس السويسري "كالا باريد" حول
كتابه: "قياس ذكاء الأطفال المصريين" فتناول هذا البحث ونقضه من أساسه،
وتصدى لكتاب "روح التربية" للعلامة "غوستاف لوبون" الذي ترجمه "طه حسين".
وأهم ما يميز كتاباته أنها كانت مقالات تدبج على صورة ملاحظات ولهذا كثرت له المؤلفات التي يبدأ عنوانها بكلمة "أحاديث" وتعني
|
الباحث حكمت هلال. |
مقالات وخواطر ولو أمعنا في كتبه التاريخية في البلاد العربية
والدولة العثمانية لأيقنا أنها مجموعة مقالات وخواطر تاريخية، ويقول
"الحصري" إن ما كتبته ونشرته عن القومية ينقسم لقسمين أساسيين:
1- الكتابات التي تعرض وتشرح مسائل القومية ونظرياتها عرضاً مباشراً
2- الكتابات التي تبحث المسائل المذكورة عن طريق انتقاد الآراء الخاطئة
التي تنشر في هذا المضمار وكان دائماً يردد بكلماته المأثورة "إني عربي
صميم، أدين بدين العروبة بكل جوانحي"».
ويتابع الباحث هلال بالقول: «كان "الحصري" يقضي أوقات فراغه بكتابة
المواضيع الحساسة والمفيدة وكانت تشغله أمور كثيرة وبخاصة أمور التربية،
فكان في عصره بحق أعظم مربّ بلا جدال، وطني النزعة إلى أبعد الحدود وذا
نزعة قومية فذة، وكان يجسد القومية العربية بلحمه ودمه، ونرى ذلك بوضوح من
خلال آرائه القومية والاجتماعية والعلمية والتربوية، كان شخصية دؤوبة على
العمل يتحمل المسؤولية ويتقن عمله بشكل صحيح، وكان عالماً يقظاً وعقلاً
متفتحاً متعدد المواهب لكتب دروس الأشياء وعلم الإحصاء وعلم الاجتماع وأصول
التدريس وعلم التاريخ والآثار، لقد كان بحق موسوعة علمية متنقلة ومعرفة
نادرة وذكاء متوقداً».
الأستاذ "فريد جحا" قال عنه: «يعد ساطع الحصري بين رجال النهضة العربية
الحديثة الذين أثروا في تقدم الأمة العربية وأثروا بحياتهم وأبحاثهم هذه
النهضة ودفعوا جوانب كثيرة منها إلى الأمام».
وقال الدكتور "محمد عبد الرحمن برج" في كتابه "ساطع الحصري": «إن ساطع
الحصري جواب في كل آفاق المعرفة، إنه أشبه ما يكون بالموسوعة العربية التي
تناولت شتى المواضيع واشتهر بأنه العربي والمؤرخ وعالم الاجتماع والبحاثة
والمفكر القومي».
وقال فيه "جميل صليبا" على صفحات مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق المجلد /19/ ص63 لعام 1942: «إنه واحد من أكبر علماء التربية والتعليم العرب».
أما الدكتورة "ليلى صباغ" فقالت فيه: «عشرون عاماً عاشها في العراق كانت
كلها سني نضال حار جابه فيها شامخاً قوى عديدة متنوعة، وفي شتى المناصب
التي تسلمها أكان معاوناً لوزير المعارف أو مديراً عاماً للمعارف أو
أستاذاً في دار المعلمين أو مراقباً للتعليم العام أو رئيساً لكلية الحقوق
أو جامعاً بين رئاسة كلية الحقوق ومديرية الآثار العامة فكانت حياته في
أخصب مراحلها تكويناً لذاته العربية ومن أغناها إنتاجاً عربياً ثراً
ونبراساً للأمة العربية في جميع أقطارها"».
رحل "الحصري" للديار السماوية عام 1968 تاركاً آثاره الفكرية والتربوية.