حاورها : عباس بومامي
الاستاذة و الكاتبة سعدية حلوة ، استاذة اللغة العربية ، و جهها انتماؤها للادب الى حب هذا الميدان و الانتماء اليه ، و ليس هناك اجمل من ان ينتمي المرء الى محيطه الطبيعي الذي يرتاح فيه و يثبت فيه انسانيته باقتدار ، فيخدم مجتمعه و يعمل على فهمه و تغييره نحو كل ما هو افضل و ارقى و انفع ليحظى هو بالتقدير و الاحترام و المحبة . تنوعت كتاباتها بين القديم و الحديث ، عينها الاولى ترقب التراث و عينها الثانية ترقب المجتمع بصغاره و كباره ، و في كل ذلك خير . استغلينا حضورها بالمركز الثقافي لمدينة سيدي عيسى لتقديم مطبوعها الجديد حول الطبيب و الفيلسوف ابن سينا ، طباعة دار النشر للمؤسسة الصحفية بالمسيلة ، فكان لنا معها هذا الحوار فاليكموه .
اصوات الشمال / الاستاذة سعدية معروفة في مدينتها و لكنها غير معروفة لقراء اصوات الشمال ، هل من تعريف بشخصها الكريم ؟
أ / حلوة سعدية :
بسم الله الرحمان الرحيم , و الصلاة و السلام على نبيه الكريم ,صلى الله عليه و سلم
تحية طيبة من عند الله مباركة
و تقبلوا مني اسمى معاني التقدير و الاحترام . لقد شرفتموني مرتين :
- الاولى بتلبيتكم دعوة الحضور الى الندوة
و الثانية عندما فتحتم امامي هذا الفضاء للتعريف بنفسي و بكتابي الجديد الذي عنونته : رفع اللبس عن علامة العهد العباسي - ابن سينا –
و اعود الى سؤالك لأقول ان الاستاذة حلوة السعدية توقع كتابتها باسم :" عبير البحر " آديبة و شاعرة تحب الابداع الادبي و الكلمة الراقية ... من مواليد 1970 بمسقط رأسها سيدي عيسى ولاية المسيلة . - خريجة الجامعة المركزية سابقا : يوسف بن خدة " حاليا بالعاصمة . تخصص ادب عربي .حاليا أدرس بثانوية الرائد حمدي بن يحيى بسيدي عيسى لغة عربية و آدابها .
أ . الشمال / اعادة قراءة التراث بنظرة نقدية حديثة الا يمكن ان ينقص ذلك من قيمته الادبية و المعرفية ؟
** من لا ماضي له لا حاضر و لا مستقبل ينتظره .. و التراث عنوان الهوية و كيان الامة ...
أ / ح. سعدية :
إن إعادة قراءة التراث بنظرة نقدية حديثة لا يمكنه ان ينقص من قيمة التراث الادبية والمعرفية إلا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر فمن لا ماضي له لا حاضر و لا مستقبل ينتظره , و عليه ارى انه من الواجب و من الضروري إعادة قراءته و بعثه و الاستمداد منه فهو الاصل , ولان الزبد يذهب جفاء ً , و اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض , لانه عنوان الهوية و كيان الامة ...
أ . الشمال / كثير من الكتابات التي تتناول التراث تكون عبارة عن ردود افعال تجاه كتابات المستشرقين ، الا يطرح ذلك فرضية التحمس الزائد او الابتعاد عن النظرة النقدية المتوازنة ، بحكم ان الكاتب او المؤرخ في موقع الانتصار لشخصية عربية مسلمة ضد مستشرق غير نزيه ؟
** فالكاتب العربي فطر على قيم و اخلاق و يؤمن بالآخر و هو منصف ينطلق في رده من يقينه ان الحضارة نتاج مساهمة الانسان في كل مكان , بينما ينطلق المستشرق المتعصب من نظرة التميز و النظرة الفوقية .
أ / ح. سعدية :
مما لا يختلف عليه اثنان هو ان الرد في الكتابات لا يخلو من الذاتية , فهو ردة فعل مشحونة بالأحاسيس و المعتقد و النظرة الخاصة لمن يريد ادحاض حجة او تفنيدها , إلا أنه لا يبتعد عن النظرة النقدية المتوازنة عند نقادنا العرب عكس النظرة التي يتبناها المستشرقون , فالكاتب العربي فطر على قيم و اخلاق و يؤمن بالآخر و هو منصف ينطلق في رده من يقينه ان الحضارة نتاج مساهمة الانسان في كل مكان , بينما ينطلق المستشرق المتعصب من نظرة التميز و النظرة الفوقية , و عقدة الشعور بالأفضلية و التميز ...وهذا ما صرح به د : توينبي " حينما قال اني اسعى في كتاباتي الى مساعدة الرجل الغربي من اجل اخراجه من التفكير المسيطر عليه بكونه الافضل و المتفرد بانجاز هذه الحضارة , و يقصي الاخر و يمسح من على وجه الارض مساهمة الشعوب الاخرى في ارساء دعائم حضارة اليوم ...
في حين ينطلق كتابنا في ردهم على ما ورثوه من قيم و مبادئ , و موضوعية , و تسامح و تعايش سلمي يقر بحضور الاخر و الاعتراف بمساهمته في بناء حضارة اليوم بدون تعصب او اقصاء , و هذا ما يشهد به المسشرقون المنصفون ..
أ . الشمال / حماية التراث و الدفاع عنه ضد حملات التشويه المتعمدة حتى من ابنائه المتغربين ، ترى من يتحمل مسؤولية ذلك ؟
أ / ح. سعدية :
تقع مسؤولية الحفاظ على التراث من تشويه القريب و البعيد على الجميع , على أفراد المجتمع عامة , و على حملة الاقلام خاصة .
أ . الشمال / في كتابك الصادر منذ اسابيع / رفع اللبس عن علامة العهد العباسي الشيخ الرئيس و الفيلسوف ابن سينا / تناولت مفهوم و مبادئ ما يعرف اليوم ب : نظرية التنمية البشرية ، كيف تناول ابن سينا الموضوع و كيف استنبطت انت ذلك ؟
** مارس ابن سينا الطب في سن مبكرة , و كان يؤسس لعلم التنمية البشرية دون ان يعلم ذلك .
أ / ح. سعدية :
مارس ابن سينا الطب في سن مبكرة , و كان يؤسس لعلم التنمية البشرية دون ان يعلم ذلك , من خلال تنظيره و تطبيقه على ارض الميدان في علاجه لمرضاه , لأنه ادرك ان العلة لا تكون فقط على المستوى المادي ، أي الجسد , و انما تأثير العامل النفسي
و العقلي و الروحي كثيرا ما يكون اشد تأثيرا على الانسان , و ما يصيبه من امراض و انتكاسات , و كتبه في علم النفس خير دليل على ذلك ..
و قد استنبطت ذلك بمقارنة طريقته في علاجه لمريض الوهم سلطان بوخارى " الامير نوح بن منصور " الذي عجز الأطباء عن فهم حالته المرضية , لأنهم اهتموا بالجانب الفيزيائي فقط أي الجسد و غفلوا عن الجانب العقلي و النفسي الذي اهتدى اليه ابن سينا من اول حوار اجراه مع المريض , و تشخيصه الصحيح , ووصفه الدواء المناسب للحالة التي تتبعها حتى شفي المريض تماما .
و كان يدون باستمرار ملاحظاته حول حالة مريضه , و يضع نظرياته الخاصة التي طورت فيما بعد لتصل الى ما اصبح عليه علم التنمية البشرية اليوم ...
أ . الشمال / تثني المستشرقة الالمانية زيغريد هونكه كثيرا على ابن سينا و على غيره من رواد الحضارة العربية و الاسلامية في كتابها / شمس العرب تسطع على الغرب / و في المقابل يتناول المستشرق يوحنا قمير شخصية ابن سينا بكثير من التجني . ترى هل اختلاف النظرة الى موضوع واحد مرده اختلاف ادوات التحليل و السبر و الاستخلاص ام ان هناك امر آخر ؟
** المستشرقة الالمانية زيغريد هونكه ما شهدت إلا بما رأت ....
أ / ح. سعدية :
لا نرد اختلاف النظرة الى الموضوع بسبب اختلاف الادوات أو السبر او التلخيص , لأنه لكل كاتب اسلوبه و ادواته , و انما الفرق بين هونكة و قمير , هو ان يوحنا كان ينطلق من تعصبه , و نظرة الاستعلاء التي تتملكه , بينما هونكة انطلقت من ارض الواقع، فقد عاشت مدة زمنية طويلة في البيئة العربية الاسلامية , و كانت عينها الكاميرا اللاقطة لما يؤمن و يعتقد به العرب و المسلمون من سمو الفكر , و قدرة على التعايش السلمي و تقديس مكارم الاخلاق , و ذم و محاربة الفساد الاخلاقي ...هذا ما جعلها تشهد بما رأته , و ان ما قرأته من كتب عن المسلمين كان صحيحا , فما شهدت إلا بما رأت ....
أ . الشمال / الكتاب مؤشر بترخيص من وزارة التربية الوطنية . هل معنى ذلك انه يدخل ضمن مقرر مادة الفلسفة ؟ و ما مدى استفادة الطلبة منه ؟
أ / ح. سعدية :
الكتاب يدخل في مجال المطالعة , و هو دعم و إثراء لبرنامج النصوص الادبية و التواصلية في جميع الشعب , و يخدم الفلسفة من باب شرح بعض المصطلحات, و المفاهيم الفلسفية ...
أ . الشمال / من مؤلفاتك ايضا / حكايا الامثال / و قد تناولت فيه قصة كل مثل قيل ، بشكل يفهم فيه القارئ القصة الحقيقية للامثال و الحكم . هل للاستاذة سعدية حلوة طموح آخر لمؤلف اخر ؟
أ / ح. سعدية :
هناك مؤلفات اخرى تحت الطبع منها : ديوان شعر في الوجدانيات بعنوان " رحيق الزنبق " و اخر من الشعر السياسي الملتزم بقضايا الامة " عودة التتار في زمن العار " , و كتاب يدخل في ادب المقاومة للأطفال من حلقات : " الأميرة جوهرة " , و كتاب في ابداع المراة ، و آخر أشتغل عليه الان له علاقة مباشرة بتحليل النص الادبي في التعليم الثانوي مكتوب على المسودة , اما الكتب السابقة الذكر فهي في المطبعة ان شاء الله لترى النور في الايام القادمة .
أ . الشمال / و انت في حقل التعليم و قد تعاملت مع اصناف من الجيل الجديد . هل من امل يعلق للوطن وللأمة و للتاريخ على مستقبل ابنائنا ؟
** تفاءلوا خيرا تجدوه
أ / ح. سعدية :
قال صلى الله عليه وسلم : " الخير في أمتى الى يوم الدين " , فالأمل موجود بالرغم من تدني المستوى مقارنة بالأجيال الماضية ، و هذه الظاهرة عالمية , لان تقديس العلم انطفأت شمعته في العالم بأسره , و هذا بسبب الاكتفاء بالثقافة الجاهزة, و انقلاب المفاهيم ... و ما براعم الامل إلا دليل على الامل ...قد تقول انت متفائلة , فانا اؤمن بقوله : " تفاءلوا خيرا تجدوه " و هذا ما اثبته علم التنمية البشرية .
أ . الشمال / هل تودين البوح بكلمة لقراء اصوات الشمال ؟
** وجودكم افضل مثل على وجود الامل
أ / ح. سعدية :
أقول لقراء اصوات الشمال , شكرا لكم على اثراء و اغناء هذا الفضاء باهتمامكم بما يبثه , و ما تدعمونه بحضوركم و تواصلكم , شكرا لكم على الحفاظ على الامانة و وجودكم افضل مثل على وجود الامل , و أختم بشكري الخاص الى السيد المحترم : عباس بومامي " على تنشيط هذا الفضاء الاعلامي الادبي القيم , و على استضافتي , و على المساهمة في الرقي بالفكر الانساني و السمو به حيث يجب ان يحلق ... شكرا للجميع . و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
الاستاذة حلوة السعدية الملقبة ب : عبير البحر