يا سيدي كان يا ما كان... ولد بعمر الزهور.. الولد لم يتجاوز العاشرة من عمره.. ليس مهماً أن نذكر اسمه.. فأطفال فلسطين يتشابهون في البطولة والتضحية والفداء.. البعض قال إن السبب عائد إلى الحليب الذي يرضعون.. والبعض رأى أن السبب عائد إلى التاريخ والجذور وما شابه.. المهم أنّ الجميع اتفقوا على أنّ أطفال فلسطين يولدون كباراً.. أما الصهاينة فقد اعتبروا هؤلاء الأطفال مجرد أبالسة وشياطين.. وأحياناً يظن الصهاينة أنّ الرصاص لا يخترق أجساد هؤلاء الأطفال.. وهذه ليست نكتة يا سيدي.. إنها من صلب الحقيقة.. نعود إلى القصة.. قصة الولد الذي لم يتجاوز العاشرة.. ربما تريد الآن أن تعرف شيئاً عن أوصافه.. ستقول بإلحاح غريب "ما هي أوصاف الولد"؟؟ وأقول لك أنه مثل كل الأولاد هناك.. يجوع أحياناً ولا يجد لقمة.. ربما تستغرب.. فالأولاد في أمكنة أخرى يجوعون ويأكلون.. أما هم فإنهم يجوعون ولا يأكلون.. وليس في الأمر معضلة.. إنه الاحتلال.. وهذا الاحتلال يظن أن أطفال فلسطين يمكن لهم أن يعيشوا دون طعام.. وأحياناً دون ماء..
تظن أنني نسيت القصة.. قصة الولد الذي لم يتجاوز العاشرة.. قصة الولد الذي فعلها في زمن الانتفاضة.. ها أنت تبعدني عن قصة الولد وتسأل "وهل للانتفاضة زمن خاص"؟؟ وصدقني إن قلت لك هذا سؤال يملأني بالغيظ.. لأنه سؤال غبي.. أجل يا سيدي للانتفاضة زمن وتاريخ وأيام.. خذ مثلاً أي يوم من أيام الانتفاضة، وحاول أن تقارنه بأي يوم آخر في أي مكان آخر.. صعب أن تجد أي تشابه.. هذا اسمه يوم من أيام الانتفاضة.. وذلك اسمه "يوم" وكفى..
ويا سيدي هناك مثال آخر: خذ أي يوم من أيامك في الساعة الأولى تنهض من فراشك وتتمطى على كيفك كبقية خلق الله من حقك طبعاً أن تتمطى، فهذا حق كفلته كل القوانين والشرائع.. وفي الساعة الثانية- أي تلك التي تأتي بعد الساعة الأولى- تتناول طعام الإفطار.. ثم تلاعب أولادك، وقد تقذف الصغير في الهواء ثم تتلقفه بيديك منشرح الصدر ضاحكاً مسروراً.. وهذا حقك يا سيدي.. وتمضي ساعات النهار.. الآن خذ يوماً من أيام الانتفاضة.. حاول أن تقارن.. في الساعة الأولى عليك أن تحارب الاحتلال.. والويل لمن يحاول أن يتمطى.. فهذا ممنوع مع منع التجول.. وفي الساعة الثانية عليك أن تجهز الحجارة وتحارب الاحتلال.. ومن يحاول أن يقذف ابنه في الهواء فربما يتلقفه بين يديه غارقاً بالدم. فالاحتلال يظن أن الصغير قذيفة.. وهو -أي الاحتلال- لا يحب أن يرى شيئاً في الهواء، لذلك يطلق عليه الرصاص.. ستقول لي: هذا محال.. وسأقول لك: هذا حقيقة.. لكن ماذا عن قصة هذا الولد.. الولد الذي لم يتجاوز العاشرة.. الولد الذي فعلها في زمن الانتفاضة.. الولد الذي قلب الدنيا وأشعل فتيل التحدي..
يا سيدي سأهمس في أذنك.. ولكن لماذا أهمس.. سأقول لك بصوت مرتفع.. في زمن الانتفاضة.. يصعب أن تحكي قصة فرد.. قصة هذا أو ذاك.. فقصة الولد هي قصة شعب. وقصة الشعب أطول من طويلة.. في كل دقيقة حكايات وحكايات.. ويبقى هذا الولد.. الولد الذي لم يتجاوز العاشرة.. الولد الذي فعلها في زمن الانتفاضة.. يبقى في كل الأولاد هناك.. وعليك يا سيدي أن تعرف قصته دون حاجة إلى أن أرويها..أعرف أنك قادر على ذلك.. فلماذا لا تحكي لأولادك عن قصة هذا الولد، قصة هذا الشعب؟؟.. لماذا لا تبدأ الآن يا سيدي؟؟..
طلعت سقيرق