نكـــبـــة فلســـــــــطين 1948
نجح اليهود في الاستفادة من الحرب العالمية الثانية بما يخدم مصالحهم ، فقد أثاروا تعاطف العالم الأوروبي بشكل خاص مع قضيتهم عندما نجحوا بالدعاية والترويج لمذابح النازية ضدهم في ألمانيا ، مستغلين تلك المذابح في دعم زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين .
وقد نجحت الصهيونية في زيادة الضغط على بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين للحصول منها على تسهيلات لهجرة اليهود مقابل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في الحرب العالمية الثانية ، وتقديم مساعدات اقتصادية لبريطانيا تعينها على تجاوز هزائمها المتتالية من قبل هيتلر ، وكان من أبرز نتائج هذا الضغط سحب القضية الفلسطينية ومشكلة تزايد الهجرة اليهودية من خزائن اللعبة السياسية في بريطانيا إلى طاولة هيئة الأمم المتحدة ، التي اسرعت بتبني قرار عام 1947م يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين ، دولة يهودية ودولة عربية بينهما وحدة اقتصادية ، على أن تبلغ مساحة الدولة اليهودية 56% من مساحة فلسطين وتضم المناطق الشمالية بما فيها الجليل و النقب ومعظم السهل الساحلي ، والباقي من فلسطين 43% تقوم عليه دولة عربية ، أما القدس وما حولها 1% فقد جُعلت منطقة دولية تخضع لإشراف هيئة الأمم المتحدة ، ويلاحظ هنا أن قرار التقسيم جاء مشابها لمطالب الوكالة اليهودية في مؤتمر لندن 1946م مما يؤكد مدى سيطرة الصهيونية على قرارات هيئة الأمم المتحدة منذ إنشائها .
حصل قرار هيئة الأمم على موافقة 33 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وعارضة 13 دولة مع امتناع 10 دول عن التصويت في مقدمتها بريطانيا !!!!!
جاء قرار التقسيم بمثابة طعنة في قلب الوطن العربي وتصميما غربيا واضحا على فرض إرادته وسلطانه على الشعوب العربية . الأمر الذي دفع العرب إلى رفض قرار التقسيم لأنه يتنافى مع مبادئ الأمم المتحدة التي نادت بحق الشعوب في تقرير مصيرها .
كانت فلسطين في تلك الفترة تكيل للوجود اليهودي على أراضيها أروع أمثلة البطولة وضروب الشجاعة على يد جيشين شعبيين : الأول جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني و الثاني بزعامة فوزي القاوقجي ، وقد نجحت هذه الجيوش الشعبية بمقدرتها البسيطة وبدعم المجاهدين الأحرار من أبناء الوطن العربي الذين جاؤوا من كل مكان للدفاع عن فلسطين من الوقوف في وجه المخططات الصهيونية .
في ذات الوقت كانت بريطانيا تحزم حقائبها تمهيدا لإنهاء انتدابها على فلسطين ، بعد أن سهلت لليهود سبيل الهجرة ومكنتهم من استقدام السلاح اللازم لمحاربة عرب فلسطين وإقامة دولتهم وتركت لهم ثكنات عسكرية تمكنهم من مهاجمة الفلسطينيين ، في الوقت الذي أبقت فيه على قواتها في المناطق العربية لتشلّ حركة المقاومة الفلسطينية وتمنعها من التصدي للقوات الصهيونية ، وقد مارست القوات البريطانية ضد الشعب الفلسطيني أقسى أنواع الإرهاب المسلح الذي يفوق في حجمه ما قام به هتلر ضد اليهود في ألمانيا .
عشية الرابع عشر من مايو سنة 1948م أعلنت بريطانيا انسحابها من فلسطين بعد أن سلّمت للقوات الصهيونية أجزاء كبيرة من أراضى الجليل الأعلى لتكون نواة للدولة الصهيونية المرتقبة ، فسارعت القوات الصهيونية في نفس الليلة إلى الإعلان عن إقامة دولتهم ، وفور الإعلان سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتراف بها تبعها الاتحاد السوفيتي وباقي الدول الأوروبية .
فهبّت الدول العربية المستقلة ( مصر ـ سوريا ـ الأردن ـ اليمن ـ العراق ـ لبنان ـ السعودية ) في تلك الفترة إلى الإعلان عن قمة عربية !!!!!!أصدرت من خلالها قرارا يقضي بدخول الجيوش العربية إلى فلسطين نجدة لأهلها .
في البداية استطاعت الجيوش العربية ة إحراز انتصارات على القوات الصهيونية والتمركز في عدة مناطق من شمال ووسط وجنوب فلسطين لتمنع استمرار التوسع الصهيوني في المنطقة ، لكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا أن الجيوش العربية في تلك الانتصارات اعتمدت كثيرا على جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس هذان الجيشان الشعبيان اللذان كانا على علم كامل بأحوال القوات الصهيونية وإمكاناتها العسكرية ، كما كانت لديهما خبرة عسكرية بفلسطين وطرقها والمواقع الاستراتيجية فيها ، كل هذا ساهم في الانتصارات التي أحرزتها الجيوش العربية في بداية حرب عام 1948م ، مما دفع باليهود إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة الأمريكية للضغط على العرب لقبول هدنة مدتها أربعة أسابيع من 1يونيو إلى 9 يوليو ، تلك الهدنة التي ما كان على الدول العربية قبولها لأنها جاءت في مصلحة القوات الصهيونية فقد مكنتهم من إعادة تنظيم أنفسهم وتعزيز قدراتهم العسكرية وقدوم النجدات الأمريكية فخرقوا الهدنة في الوقت الذي قررت فيه الدول العربية حلّ قوات جيش الإنقاذ وتسريح الجيوش الشعبية !!!!!!!!
فاستفادت القوات الصهيونية من تلك الأحداث بشنّ هجوم موسع على مواقع القوات النظامية للدول العربية مستفيدة من عدم انتظامهم وعدم وجود قيادة موحدة للجيوش العربية ، كل هذا مكنّ الصهاينة من السيطرة على ما تبقى من منطقة الجليل الأعلى والمثلث ، تبعها توغل وسيطرة القوات الصهيونية على منطقة النقب ، ثم عادت الولايات المتحدة الأمريكية لتقرر هدنة ثانية مع العرب لوقف الحرب ، تلك الهدنة التي كانت للمحافظة على المكاسب التي حققها اليهود في حرب فلسطين عام 1948 .
خلال هذه الأحداث كانت عصابات الهاجانا الصهيونية ترى أن لابد لنجاح استكمال سيطرتها على العديد من المناطق من طرد أهالي القرى والمدن تمهيدا لإسكان المهاجرين اليهود فيها ، فأقدمت على مهاجمة قرية دير ياسين وقتل أكثر من 450 من سكانها وارتكبت أفظع أنواع المجازر بين سكانها مما دفع بالقرى المجاورة إلى الهجرة الجماعية عن أراضيها هربا بأعراضهم وأطفالهم من وحشية المجازر الصهيونية وأملا منهم بمقدرات الجيوش العربية في إعادة الحق إلى أصحابه وطرد القوات الصهيونية من فلسطين .
وهنا بدأت مأساة الشعب الفلسطيني ، ليس في الدفاع عن فلسطين فحسب ، بل في كارثة تهجير أكثر من مليون فلسطيني إلى البلدان العربية المجاورة ( الأردن ـ سوريا ـ لبنان ) لتسارع هيئة الأمم المتحدة بإقامة مخيمات اللجوء لألئك النازحين الجدد وتقديم المساعدات والمعونات لهم بعد أن ساهمت بقراراتها المكبلة بسلاسل صهيونية في تهجيرهم عن وطنهم .
هنا لابد أن نتوقف عند الأسباب التي أدت إلى نجاح قيام دولة إسرائيل و ضياع فلسطين :
1ـ ضعف الجيوش العربية وعدم اكتمال مقدراتها العسكرية خاصة وأن تلك الدول كانت حديثة العهد بالخروج من دائرة الاستعمار الأجنبي .
2ـ عدم وجود خطة عسكرية موحدة لدى الجيوش العربية ، كما لم تكن هناك قيادة موحدة لها في الوقت الذي كان الصهاينة فيه تحت قيادة واحدة ، تمارس عملها بشكل منظم .
3ـ الخلافات بين الدول العربية حول القيادة أفسد الدور الحقيقي المرجو لتلك الجيوش .
4ـ التباعد الشديد بين القرار السياسي العربي والقرار العسكري للجيوش العربية فقد كان الساسة العرب يطلقون بياناتهم وتصريحاتهم بعيدا عما تقوم به القوات العسكرية ودون حدوث تشاور بينها .
5ـ فساد الأسلحة لدى بعض الجيوش العربية وبخاصة مصر لعب دورا هاما في عدم مقدرة الجيش المصري من القيام بالمهام الدفاعية اللازمة .
6ـ وقوع العديد من تلك الدول العربية تحت ضغط الدول الكبرى وتأثيراتها وقدراتها العسكري لدرجة أن وزير الدفاع الأردني في تلك الفترة كان ( كلوب باشا ) البريطاني الأصل !!!!!!
7ـ اتفاق الدول العربية على وقف الأعمال العسكرية التي كان يقوم بها جيش الإنقاذ والجهاد المقدس في خطوة مبهمة يصعب تفسيرها!!!!!
8ـ التدخلات الأجنبية التي لعبت دورا بارزا في تحقيق حلم الصهاينة في تأسيس دولة لهم على حساب الوطن العربي .
ولا تزال نكبة الشعب الفلسطيني مستمرة وشلال الدم يروي الأرض الطاهرة .
ولا تزال نكبة الشعب الفلسطيني مستمرة وشلال الدم يروي الأرض الطاهرة .