الملاحظ في الاونه الاخيره هو التعامل الساذج والروتيني مع الشأن الفلسطيني بكل مقوماته الوطنيه والانسانيه والمعيشيه وغيرها من مقومات حياه وحقوق انسانيه اساسيه يحتاج لها الشعب الفلسطيني
اينما كان وتواجد داخل الوطن او خارجه في الشتات والمخيمات, لكن الاكثر ملاحظة هو تحويل القضيه الفلسطينيه من قضيه سياسيه ووطنيه وتاريخيه الى مجرد قضيه انسانيه تتشعب منها قضايا معيشيه انسانيه كثيره وما لحظناه ونلحظه ان السلطه الفلسطينيه بشقيها الغربي والشرقي في غزه ورام الله في حالة "كل يغني على ليلاه", لكنهما يسعيان جاهدا لتثبيت وجودهم وبقاءهم في السلطه اللذي يتحكم فيه الى حد بعيد الاحتلال الاسرائيلي من جهه والمساعدات التي تقدمها الدول المانحه لشقي السلطه في رام الله وغزه من جهه ثانيه وبالتالي ماجرى ويجري في قطاع غزه من نقص في الوقود وازمة الرواتب في رام الله والنداءات المتكرره لسد العجز والنقص في ميزانية السلطَّتين يشير الى تحكم الاحتلال الاسرائيلي الكامل بحياة قطاعات كبيره من الشعب الفلسطيني تعيش في مناطق الضفه والقطاع وما على هذا الاحتلال اذا اراد عقاب هذا الشعب إلا ان يغلق المعابر ويحاصر القطاع والضفه متى شاء وكيفما شاء من خلال قطع الكهرباء وشل الحياه بالكامل في قطاع غزه ومن خلال توظيف امكانية قطع الامدادات عن سلطة رام الله والضفه والحيلوله دون دفع الرواتب.. سلطة الوقود في غزه وسلطة الراتب في رام الله يسعيان منذ فتره طويله فقط لتوفير الوقود والراتب وتأمين نوع من العيش وشبه العيش لملايين من الفلسطينيين الذي يعيش اكثريتهم تحت خط الفقر او في فقر مدقع ليس في مناطق الضفه والقطاع فحسب لابل في مناطق تواجد فلسطيني الداخل ومخيمات الشتات ايضا والسؤال المطروح : لماذا لم تفلح السلطه الفلسطينيه بتحقيق اي هدف وطني فلسطيني استراتيجي فيما عدى الاهتمام بقضايا الوقود والراتب الذي كانت اصلا من مسؤولية الاحتلال الاسرائيلي قبل قيام السلطه عام 1993؟؟
اسماعيل هنيه يصرح يوميا بقدوم الفرج والوقود الى غزه المحاصره ومحمود عباس منشغل بتوفير الراتب لجيش من موظفي سلطته من شرطه وقوات امن ومدنيين وسواء شئنا ام لم نشاء في مقابل الحصول على الراتب على السلطه ان تقدم مقابل للاحتلال والتنسيق معه امنيا وسياسيا الخ من نقاط التقاء بين السلطه وسلطات الاحتلال الاسرائيلي التي تحاصر قطاع غزه والضفه جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا والجاري الان بكل معطياته والتدقيق في الوصف هو ان القضيه الفلسطينيه صارت اسيرة وجود السلطه الفلسطينيه بشقيها الغربي والشرقي وبدوره يدرك الاحتلال الاسرائيلي هذا الامر ويلعب على هذا الحبل منذ وجود السلطه الفلسطينيه ومرورا بانشقاق السلطتين وحتى يومنا هذا والجاري اليوم ان سلطة رام الله وسلطة غزه تحاربان على وجودهم وسلطتهم ضمن سلطتهم على مواقع جغرافيه وديموغرافيه يتواجد فيها اجزاء من الشعب الفلسطيني وليست كامل الشعب الفلسطيني وهذه المواقع محاصره من قبل الاحتلال الاسرائيلي الذي يتحكم بحياتها بالكامل وبشكل مطلق ولا يخفى على احد ان محمود عباس يرفض رفضا قاطعا حل السلطه ولم نسمع اسماعيل هنيه ايضا يتكلم في هذا الاتجاه..اتجاه حل السلطه واعادة الكُره الى ملعب الاحتلال واعادة الشعب الفلسطيني الى مواجهة هذا الاحتلال... بعد انشاء السلطه 1993وبعد التطورات في غزه وانشقاق السلطه عام 2007 اصبحت المناطق الفلسطينيه معزوله ومحاصره ولا يوجد فيها نقاط احتكاك مباشره مع الاحتلال..غزه التي تحكمها السلطه الغربيه محاصره وبعيده عن الاحتكاك ونقاط التماس مع الاحتلال والوضع نفسه جاري في الضفه حيث تفرض قوات امن السلطه الفلسطينيه طوقا امنيا على المناطق الفلسطينيه يليه طوقا اسرائيليا محكما من خلال المعابر والحائط العازل والاستيطان وغيره من وسائل الحصار التي تجعل الاحتكاك والتماس مع قوات الاحتلال صعبا او مستحيلا.. بالنسبه للاحتلال والاستيطان الاسرائيلي هذا الوضع مريح جدا ويسمح باستمرار تطبيق مخططاته دون اي عائق ودون اي شكل من اشكال المقاومه والاحتلال يدرك تماما انه يقبض على عُنق ومفتاح حياة وبقاء السلطه الفسطينيه وهو الراتب في رام الله والوقود والراتب في غزه..الراتب والوقود مقابل الامن والهدوء والاستمرار في الوضع القائم واجتراح كذبة المفاوضات والدوله الفلسطينيه والامم المتحده والرباعيه الخ من اكاذيب مفضوحه هدفت وتهدف الى كسب الوقت واعطاء الاحتلال المزيد من الوقت لفرض الحقائق على الارض لا بل التمادي في تهويده للقدس ومناطق الضفه الى حد اخراج الفلسطينيين من بيوتهم بالقوه واحلال المستوطنين مكانهم كما جرى مؤخرا في بلدة بيت حنينا شمال القدس وفي القدس نفسها وسلوان ناهيك عن اغلاق البلده القديمه والشارع الرئيس في مدينة الخليل منذ عقود من الزمن وبوجود وصمت سلطة رام الله على هذا الجاري والقادم ايضا..!!
لا يدور الحديث عن سلطه عاجزه عن الدفاع عن القضيه الفلسطينيه فحسب لابل عن سلطه هالكه وعاجزه عن الدفاع عن قطعه جغرافيه يقطنها الفلسطينيون في فلسطين وعاجزه عن توفير الوقود والراتب والعيش الكريم لجموع الديموغرافيا الفلسطينيه اللتي تعيش داخل هذه القطع والجزر الجغرافيه التي تحاصرها و تحتلها اسرائيل منذ عقود..وعندما نتحدث عن جموع او قطاعات ديموغرافيه فلسطينيه فنحن نقصد التمييز بين الشعب الفلسطيني وقطاعات واجزاء من مكونات هذا الشعب تخضع لسلطة اوسلو وسلطة الاحتلال, بمعنى واضح هذه القطاعات والقطع الديموغرافيه والجغرافيه ليست كامل الشعب الفلسطيني وليست كامل التراب الفلسطيني مع التاكيد على انها جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والتراب الفلسطيني اللذي فرطت وما زالت تفرط به السلطه الفلسطينيه بشقيها الشرقي والغربي ناهيكم عن الانشقاق الجاري في اطار ارضية واسس وقوانين هذه السلطه التي صارت اليوم عنصرا مهما في استراتيجية السيطره الاسرائيليه على الشعب الفلسطيني من جهه وصارت عنصرا مهما في تعويم القضيه الفلسطينيه الى ما لانهايه من جهه ثانيه وبالتالي وببساطه وجود السلطه الفلسطينيه وبقاءها يعني القضاء على القضيه الفلسطينيه وحقوق الشعب الفلسطيني خطوه خطوه وقطعه قطعه تماما كما تخطط وخططت لهذا استراتيجية السيطره الاسرائيليه منذعام 1948 ومرورا بعام 1967 وفيما بعد اوسلو 1993 وحتى يومنا هذا.
نحن نتحدث اليوم عن واقع مرير ونجاح استراتيجية السيطره الاسرائيليه على الشعب الفلسطيني والارض الفلسطينيه في تسجيل نقاط كثيره وعزل اجزاء من قطاعات الشعب الفلسطيني عن مسار القضيه الفلسطينيه وتغريب جزء اخر وابعاده بالكامل عن الهَّم الفلسطيني العام, لكننا نتحدث اليوم ايضا عن ماهو اخطر من استراتيجية السيطره الاسرائيليه التي اعتمدت عناصر السيطره الجغرافيه والديموغرافيه والاقتصاديه والسياسيه منذ ما قبل عام 1948 وحتى يومنا هذا والاخطَّر اليوم هو دمج عنصر السلطه الفلسطينيه كعنصر مهم في منظومة الاحتلال والسيطره الاسرائيليه على كل ما يمت للقضيه الفلسطينيه بصله..ضرب مقومات القضيه الفلسطينيه بعناصر سيطره مُحكَّمه من بينها عنصر السلطه.. الحديث يدور عن سيطره جغرافيه مبرمجه منذ عام 1948 من خلال استيلاء إسرائيل على أراضي الفلسطينيين وأماكِنْ تواجِدهُم الجُغرافي,إِما بالقوة أو من خلال مُصادرة الأراضي من خلال قوانين إسرائيليه سُنّت خِصيصا لهذا الغرض أو من خلال الاستيطان الإسرائيلي وفرض سياسة الأمر الواقِع . هُنا لا بُد من التذكير أولا باستيلاء إسرائيل عام 1948 على أكثرية المدن الفلسطينية,ومن ثُم تدمير أكثّر من418 قرية فلسطينيه,بالإضافة إلى الاستيلاء على ملايين الدونمات من ألأراضي الزراعية التابعة لِمُلكية فلسطينيي الداخل واللاجئين الفلسطينيين, وعن ماجرى ويجري اليوم في غزه والضفه بعد عام 1967 وكامل فلسطين التاريخيه حدث بلا حرج.. والحديث يدور ايضا عن السيطرة الديموغرافية [السكانية] : وَهِيَ السيطرة الإسرائيلية بِواسطة تَغيير التركيبة السكانية لِصالح القِطاع اليهودي والمستوطنين اليهود من خلال زَرِعْ المُستوطنات والمُستوطنين اليهود[التهويد] في مناطق التواجد الفلسطيني في الجليل والمُثلث والنقب وهو الامر نفسه الجاري في الضفه الفلسطينيه والقدس منذ عام1967.. ليس هذا فقط..منذ اتفاقية اوسلو 1993 ازداد عدد المستوطنين والمستوطنات في الضفه والقدس عشرات الاضعاف..سيطره جغرافيه وديموغرافيه..تغيير التركيبه الجغرافيه والديموغرافيه لصالح الاحتلال ومستوطنيه فيما تمارس ومارست اسرائيل منذ نشأتها وحتى يومناهذا السيطره الاقتصاديه على جميع مفاصل ومناحي الحياه الفلسطينيه والاقتصاد الفلسطيني المرتبط بالكامل بسلطات الاحتلال والشركات والمؤسسات الاسرائيليه وقد بَدأَت إسرائيل بِفرض السيطرة الاقتصادية على الفلسطينيون في الداخل مُنذ عام 1948 من خلال مُصادرة الأراضي الزراعية [ أكثرية العرب في فلسطين كانت تعتاش على الزراعة] دون طرح أو بِناء مُقومات اقتصاديه وبنيه اقتصاديه بديله للعرب,وبالتالي مُصادرة ألأراضي العربية كَأَساس اقتصادي رئِيسي ومن ثُم تَحوِيل مناطق تواجد فلسطينيي ال48 إلى مُجرد مُعسكرات بشريه تنقُصها البنية التحتية والمُقومات الاقتصادية حتى يومنا هذا.. الامر نفسه قامت به اسرائيل في الضفه وغزه بعد عام 1967 حيث سَعَت إسرائيل إلى ربط اقتصاد وسوق العمل الفلسطيني بالاقتصاد وسوق العمل الاسرائيلي من اجل التحكم بحياة سكان الضفه والقطاع وجعل هذه المناطق مجرد سوق استهلاكي للبضائع ألإسرائيليه والحيلولة دون قِيام اقتصاد فلسطيني مُستَقل كَي لا يُنافس القِطاع الاقتصادي اليهودي ولا يؤثر على سيطرة الشركات الاسرائيليه على سوق الاستهلاك الفلسطيني.. اسرائيل بامكانها اليوم تجويع الضفه وغزه واي قريه او مدينه فلسطينيه وشل الحياه العامه من خلال امر بسيط وهو التوقف عن إمداد هذه المناطق بالوقود او الحيلوله دون وصول المواد الاساسيه والغذائيه الى المناطق الفلسطينيه او منع العمال من العمل في الداخل.. الخ..مثال تعطيل ووقف عمل وانتاج المصانع القليله في غزه بسبب نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي هو مثال حي على سيطرة اسرائيل على مناحي الحياه االفلسطينيه والاقتصاد الفلسطيني حتى في ظل وجود سلطه فلسطينيه تدير الشؤون المحليه في بعض مناطق التواجد الفلسطيني.. ومثال نسبةالبطاله العاليه في المناطق الفلسطينيه مثال حي على استراتيجة اسرائيل واثرها على هذا القطاع الحيوي والمهم ... شل حركة وقدرة القوه العامله والمنتجه في المجتمع الفلسطيني..نشير الى ان السلطات الاسرائيليه استبدلت نسبه كبيره من العمال الفلسطينيين في سوق العمل الاسرائيلي بالعمال الاجانب منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا.. نحن نشير هنا الى سلاح سيطره فتَّاك تستعمله اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في مناطق الضفه وغزه والى حد بعيد في مناطق فلسطين الداخل...نسبة البطاله والفقر في الضفه والقطاع[ايضا فلسطينيي الداخل] عاليه جدا ويَصِل عدد من يعيشون تحت خط الفقر في بعض المناطق االفلسطينيه إلى اكثر من نسبة50 % , وإجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر يصل إلى اكثر من 60% وفي قطاع غزه بالذات هنالك كارثة فقر وبطاله وعوز مدقع تعاني منه اكثرية سكان قطاع غزه..
من الواضح ان اسرائيل قد اضافت منذ تسعينات القرن الماضي عنصر " السلطه الفلسطينيه" الى عناصر استراتيجية السيطره على الشعب الفلسطيني وهي: السيطره الجغرافيه والسيطره الديموغرافيه والاقتصاديه والسياسيه وبالتالي ماهو جاري منذ العام 1993 هو ادراج السلطه الفلسطينيه عمليا وموضوعيا في منظومة الاحتلال والسيطره الاسرائيليه والسلطه اليوم صارت بوضوح جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال وجزء من امنه ايضا و تساعد في استمراره وتوسعه الاستيطاني في الضفه والقدس, لكن الاخطر ان السلطه بشقيها اصبحت رهينة الاحتلال من خلال التحكم بالراتب والوقود كأمور حيويه ومهمه في عملية المحافظه على السلطه وبقاءها والاخطر من هذا وذاك ان كامل مقومات القضيه الفلسطينيه اصبحت في مهب الريح بسبب وجود السلطه وتقاعصها وتعاونها مع الاحتلال وارتباطها به...معضله ليست بالبسيطه, لكنها كارثيه وتعكس نفسها على مستقبل القضيه الفلسطينيه..الارض.. واللاجئين وكل شئ يخص الشعب الفلسطيني والقضيه الفلسطينيه اصبح مرهون ببقاء السلطه الفلسطينيه..بقاء السلطه يعني استمرار الاستيطان والتهويد الاسرائيلي من جهه وضياع مقومات ورسن القضيه الفلسطينيه من جهه اخرى...المطب والشرَّك.. الراتب والوقود: مكانة السلطه الفلسطينيه في منظومة الاحتلال اصبحت واضحه ومتجذره في استراتيجية السيطره والتهويد التي تتبعها سلطات الاحتلال بالذات في مناطق الضفه والقدس وكامل فلسطين التاريخيه..!!
د.شكري الهزَّيل
*كاتب وباحث فلسطيني