نعم، هي بلاد مليئة بالجهلة، أو الحمقى، أو السفهاء، مليئة بهمج يكرهون العالم لأنهم فاشلون، نعم هنا ثقافة مضطربة بسبب دوافع ثقافية كامنة، تحثنا على الكراهية والعداء، نعم خرج منها عشرات المجرمين ممن قتلوا الأبرياء لا يختلفون عن مجرمي إسرائيل إلا في القضية والقوة، ونعم هناك مئات الألوف ممن يحبونهم، ويعجبون بأعمالهم. نعم هنا أناس يعشقون الوصاية والتطفل في حياة الإنسان، ولا تشغلهم في أي لحظة فكرة بناء الأرض بالعلم والمعرفة والحرية ولا يملكون أي قدرات على ذلك فيجدون أنفسهم دعاة للهدم. نعم هنا مدعون يقولون أنهم صفوة الناس على الأرض، فخدعوا معهم الكثير من البسطاء، رغم أنهم الأردأ في سلم التطور البشري مع كل من هو رديء في العالم. ولا يملكون إلا التحريم والتخوين والتكفير بأنواعه، وإطلاق الأحكام على الآخرين، دون بحث ولا اكتشاف ولا فهم!
ولكن هذا أبدا لن يلغي وجود مواطنين أذكياء، مبدعين، رائعون، بل هم في قمة الروعة، بل تفوق روعتهم روعة الكثير من رائعي العالم، وليسوا قليل، بل هم كثير وإن كانوا ليسوا هم الأبرز، وربما كانوا الأغلبية فحب الخير طبيعة في الإنسان أينما كان، يمكنك التجول في الكثير من المناطق والتحاور مع الناس ستجد حتما مواطنين بهذا النوع. أعلم أن هناك برامج وثائقية غربية فعلت ذلك بمصداقية وكان عارا مجلجلا، ولكن أيضا من يبحث عن أولائك الرائعين سيجدهم وخاصة في الشبكات الاجتماعية والتي ستكشف لك مجتمعا غير المجتمع، شباب متعلم، ذكي، فاهم، يريد التغيير، يحب الحرية والديمقراطية والعدل، واحترام البشرية، والأخوة الإنسانية، يؤمن بالقانون والعلم والعمل ولا يدعي الحقائق المطلقة، ومتفهم للمخالفين في الأفكار، معهم شباب من نوع آخر، لا يقرأ ولكنه في سلوكه يعشق الديمقراطية والعدل واحترام البشرية وحب الحياة بحبه للعقلانية والإنسانية ويقدر الاختلاف مهما كان اتجاهه، وإن كان لا يعرف تلك المصطلحات الكبيرة.
فقط أمامهم مشكلة واحدة، فلكون الفئة الأولى هم من المتعلمين إما علموا أنفسهم أو خرجوا من أسر راقية، غير أنهم ليسوا بأغلبية، كما أن الفئة الأخرى لا تملك من المعرفة والعلم ما يؤيد ما تملكه من تصورات، أمام مقاومة هادئة أو منفعلة تهدد بالعنف والإرهاب النفسي والذهني العصابي حتى بالخطاب الذي يدعي الحسنى، أو مع أدلجة وتدجين فكري مسبق ومحاولات مقننة لتفريغ الإنسان من معنى الحياة وإدعاء المعنى في بساطة مفرطة لا تصلح لهذا العالم الجديد عالم الجين والمين والنانو لما بعد الكمية والنسبية. ولكن الخبر الجميل أن هؤلاء مثل الجين الوراثي، ففي مرحلة من مراحل التطور الجيني حسب علم الأحياء، ستجد بأن الجينات التي تمثل الأغلبية، والتي لا تملك قدرة على مقاومة الظروف البيئية، ستختفي مع مرور الوقت في صراع البقاء للأصلح، فلا يتبقى إلا عدد قليل من الجينات المتفوقة، والتي تمتلك قدرة وراثية على مقاومة الظروف البيئية ثم البقاء، ومع مرور الوقت تتناسل تلك الجينات التي امتلكت صفات وراثية أكثر تفوقا لتصبح أكثر عددا، وبالتالي تصبح هي الأغلبية، ويموت الجين الضعيف في ذلك الصراع.
رغم هذه المقاربة بين التقدم الاجتماعي وبين نظرية التطور الأحيائي، بمنهجية هربت سبنسر، غير أنني لا أقول أن هذا القانون حتمي أو مؤكد أو مسلم به، كما هو في نظرية التطور الأحيائي، ولكن أرجو أن يكون مقاربا في هذه الحالة، وأنا متفاءل بذلك وإن كنت من أكثر الناقمين، خاصة أن هؤلاء المواطنين كانوا أقل وأقل، فصاروا أكثر مما كان، وكل ذلك بحكم الظروف، وخاصة في عصر الإندماج مع الإنسان الآخر!
ماجد حمدان