الفنان القدير خالد تاجا
عجوز متصاب وأب شرير يتزوج من شابة صغيرة و جد انفض الأولاد والأحفاد من حوله فبقي وحيدا، انه سائق الشاحنة الذي يأخذ الفن الى بر الامان مجتازا جميع حواجز الرقابة، انه الفلاح البسيط الذي يتحدى الاقطاعيين في هجرة القلوب، انه الطبيب القاتل الذي قتل من يحب كي لا تكون لأحد في (جريمة في الذاكرة)، وهو الموظف الفاسد في يوميات مدير عام، وفنان متسلط في رجال تحت الطربوش، وزعيم المافيا في المحكوم انه ابن مدينة السليمانية في اقليم كوردستان، هاجر مبكرا مع والده الى دمشق حيث استقر فيها، انه عميد الفنانين في سورية وانطوني كوين الشرق خالد تاجا . ولد خالد تاجا الممثل الكوردي المخضرم في25 أغسطس 1942 بدأ حياته كممثل في فيلم سائق الشاحنة الذي انتجته المؤسسة العامة للسينما بدمشق عام 1966 وبعدها وقدم العديد من الافلام والمسلسلات التي تصل الى حوالي 104 اعمال وكما قلنا فقد بدأ حياته المهنية في اهم فيلم سينمائي عن القضية الفلسطينية انتجته المؤسسة العامة للسينما في سورية و كما هو معروف عن خالد تاجا انه فنان متنوع الادوار واستطاع في حياته المهنية ان يجسد جميع الادوار التي يحلم بها اي فنان.
الطفولة:
كان في صغره طفلا مختلفا عن بقية اقرانه من حيث التكوين النفسي، إذ كان نشيطا، كثير الحركة وعاشقا للعب، وللعيش في أحضان الطبيعة، فلا تراه إلا على أعلى شجرة، أو راكضا في الطرقات والشوارع، كان يشبه الطير أو الفراشة، يطل المكوث على مقعد الدراسة، فالمدرسة بالنسبة له كانت سجنا يقيد حركته.
أما والده فكان رجلاً بسيطاً وطيباً، بينما كانت والدته امرأة ذكية جدا وواعية، وكي تعرف سبب مشاغبته الدائمة قررت أن تصطحبه إلى مصلحة اجتماعية، وكان حينها في التاسعة من عمره، لتسألها عن الطريقة المناسبة التي يجب أن تعامله بها، وكان ردها بأن الطفل لديه فرط نشاط حركي، ويجب عليها أن تستوعب ذلك، وتعامله بأسلوب خاص.
وفي إحدى الجلسات العائلية التي جمعت أمه بابنة خالتها، وهي سيدة متخصصة ودارسة لعلم النفس في فرنسا، وتملك ثقافة عالية، عندما رأته قالت لوالدته: "من المحتمل أن يصبح ولدك في المستقبل فنانا، فلديه نزعات الفنان وشخصيته"، لكن والدته لم تفهم القصد من كلمة فنان، ولم تعلق على الموضوع، إلى أن بدأت تلحظ أنه يقلد الآخرين في تصرفاتهم وحركاتهم وحديثهم بطريقة احتفالية، إذ كان يرتدي ملاءة امه، أو يصنع لنفسه لحية عجوز، ويرتدي ملابسه مقلدا مشيته وصوته، مستخدما خياله الواسع، وكل ذلك أمام رفاقه مسرورا باستقطاب أنظارهم، وأنه يفعل شيئا مختلفا عنهم.
في العاشرة من عمره، ظهر بصيص الضوء المتعلق بمهنته الحالية، بعدما شاهد محترفا لفن المسرح يقدم في مقهى قريب من بيته مسرح خيال الظل للشخصيات المعروفة آنذاك بـ(كراكوز وعواظ)، أعجبته الفكرة كثيرا، ودون أن يعرف الآلية التي كان يعمل بها المحترف من وراء الشاشة، عاد إلى البيت، وقصقص الورق على شكل أشخاص، ووضع شاشة من قماش شفاف منفذا ما شاهده بصورة حرفية، وأدخل رفاقه إلى بيته ليشاهدوا (كراكوز وعواظ) اللذين صنعهما بنفسه، وذلك مقابل قطعة من السكر، أو بقرش واحد، واختار الحمام، لأنه مكان مظلم تظهر من خلاله الشخوص وراء الشاشة..
بدايته الفنية:
انتسب إلى فرقة مسرحية محترفة، تدعى مسرح الحرية، وذلك في الـ17 من عمره، وضمت هذه الفرقة نخبة كبيرة من الفنانين الكبار، أمثال: صبري عياد، وأنور البابا، وحكمت محسن، وكان يرأسها آنذاك الأستاذ عبد اللطيف فتحي الذي أعجب بعمله، ففسح له المجال للعمل، وكان أثناءها غرا صغيرا، لكنه لم يستمر في العمل ضمن الفرقة إلا مدة عام واحد فقط.
وبعدها اصبح من المؤسسين لـ"نادي الزهراء الفني" الذي ضم شبيبة المساكن الشعبية المستحدث بناؤها في دمشق، وهم نخبة من الشباب المتعلم والمثقف، والمهتم بالأمور الفنية والثقافية والاجتماعية والرياضية، وحينها كتب أول تجربة مسرحية اسمها (الطفركز لا يفنى)؛ وهي نص كوميدي من ثلاثة فصول، كتبها إبان الوحدة، يتحدث عن الإصلاح الزراعي، وأخرج النص في عرض مسرحي محترف، إذ شارك فيه فنانون محترفون مثل: رفيق سبيعي، ومحمد خير حلواني، وأبو شاكر.
السينما:
فيلمه سائق الشاحنة كان مع المخرج اليوغسلافي بوشكو فوتشينيتش عام 1967 حيث جسد في الفيلم دور مساعد سائق شاحنة يصور الفيلم حياة شاب مكافح يتخلى عن حياة الريف ليعمل مساعدا لسائق شاحنة. يدفعه طموحه لأن يكون هو نفسه سائقا، ويعيش صراعا يمزقه بين حبه لفتاة من قريته وعرفانه بجميل معلمه الذي يرجو تزويجه من ابنته. ومن خلال القصة نرى الصراع الذي يحتدم بين سائقي الشاحنات المطالبين بزيادة الأجور من جهة وبين رب العمل من جهة أخرى.ويرصد الفيلم التجارب القاسية التي يخوضها البطل ويتعلم من خلالها فداحة المعركة الفردية في الحياة.
لكن بعد فيلم "سائق الشاحنة" عانى خالد تاجا من مرض التهاب رئوي دخل على إثره المستشفى، وخضع لمدة سبع سنوات لعلاج مكثف، وبعدها بدأ اليأس يتسلل إلى قلبه، إذ لم يكن باستطاعته الاستمرار، سواء من الناحية المادية أم الجسدية. إضافة إلى أنه كان يعاني من جهل الوسط الفني في ذلك الوقت.بعد سائق الشاحنة جاءته فرصة فيلم سينمائي أخر بعنوان زواج بالاكراه سنة 1970 بعدها طلب منه المخرج الكبير نبيل المالح ان يلعب دورا في فيلمه الاول بعنوان (رجال تحت الشمس) وقد شاركته مجموعة كبيرة من نجوم الفن العالميين و المحليين امثال: يوسف حنا، نبيلة النابلسي، ريجينا أولبريشت بعدها في سنة 1972 استدعاه مرة أخرى نبيل المالح لفيلمه الثاني بعنوان الفهد وتدور قصة الفيلم حول فلاح بسيط، يكتشف أن السلطة الاقطاعية هى امتداد للسلطة الاستعمارية حين انتزعت منه أرضه، يدخل السجن، ويعذب، ويهان، وتضيع كرامته ويعامل بوحشية من قبل أدوات القمع ممثلة بالدرك، يهرب من السجن ويتمكن من الحصول على بندقيته، وهناك يبدأ صراعه الدامى مع الدرك وعصابات الاقطاع، ويبدأ الفلاحون بالتعاطف معه، لكن أرادتهم ليست قوية، يحس أن تمرده فردي يشعر باليأس وشيئا فشيئاً يبدأ الفلاحون بالتمرد الجماعى، ضد الإقطاعى.
بعد ذاك الفلم المهم اضطر خالد تاجا لأن يقبل ادوارا في افلام تجارية حتى يستطيع الاستمرار في هذا الوسط هذه الافلام هي (عرس التحدى، بنات آخر زمن، ذكرى ليلة حب، فاتنة الصحراء، لقاء هناك، ايام في لندن، ثلاثية العار غراميات خاصة جدًا ، حب وكراتيه، عروس من دمشق)
بعد هذه الافلام يتوقف خالد تاجا عن العمل لفترة بسبب ازمة السينما و ظهور التلفاز فيتجه الى العمل في الدراما التلفزيونية حيث يلعب اهم الادوار التلفزيونية مثل شخصية ابو طعان في هجرة القلوب الى القلوب و الدغري من اخراج هيثم حقي وشخصية ابو عبدو في ايام شامية من اخراج المخرج الكوردي بسام الملا بعدها يعود للسينما بفيلم آه يا بحر عام 1994 مع ابنة جلدته منى واصف وتدور أحداث الفيلم في نهاية الثلاثينيات وبداية الاربعينيات من القرن الماضي، في ظل الاحتلال الفرنسي، وتبدأ الأحداث مع وصول أسرة البحار صالح حزوم من لواء اسكندرون إلى اللاذقية ومحاولة البحث عنه، حيث يحاول ابنه سعيد اقتفاء أثره بعد أن انطلقت أكثر من اشاعة عن سبب اختفائه، ويقرر أن يصبح بحارا مثل أبيه ويتعرف على الريس عبدوش ويعمل معه في البحر، لكن عاصفة تواجه السفينة المبحرة، فهل يغرق سعيد حزوم أم ينجو؟
بعدها يتعاون مع المخرج الشاب غسان شميط سنة 1993 في فيلم شيء ما يحترق. كما تعامل من المخرج الايراني سيف الله داد في فيلم المتبقي سنة 1995 وخلال الـ 15 سنة الأخيرة مثل في حوالي 60 مسلسلاً تلفزيونياً كان خلالها الرقم الصعب والمطلوب في معظم الاعمال التلفزيونية وآخر اعماله أسعد الوراق و لعنة الطين.
تزوج خالد تاجا من اربع نساء الاولى هولندية والاخرى ماتت بحادث سيارة والثالثة والرابعة انتهتا بالانفصال وزوجته الأخيرة طلقها بعد زواج استمر 18 عاما، لخالد تاجا ابنة من زواجه من الهولندية اسمها ليزا تعيش في هولندا. اما عن قوميته يقول أنا كوردي واعتز بنسبي ، الكورد شعب عريق له لغته وثقافته وله حضارة ولغة وتعرض لمظالم عبر التاريخ ومن حقه أن يحيا بحرية وكرامة. خالد تاجا هو فنان و ابن هذا الوطن ويوما ما سوف يعود الى احضان الوطن لكنه بحاجة الوطن لكي يمنحه بقعة عليه و تكريما يستحقه في آخر مشواره هذا الفنان الذي بلغ السبعين، خالد تاجا انطوني كوين الشرق كما وصفه الشاعر محمود درويش
المصدر
رولان جعدان- مجلة الصوت الآخر- العدد- 303 -