دراســـة بعنـــوان
تــوطــين اللاجئين الفلســــطينييـن فــي العـــــراق
خامساً: الموقف البريطاني والأمريكي من ترحيل الفلسطينيين إلى العراق:
v الموقف البريطاني:
تدرج الموقف البريطاني الرسمي اتجاه ترحيل الفلسطينيين إلى العراق بين مؤيدٍ مرة وساخرٍ مرة أخرى، فعندما علمت وزارة الخارجية البريطانية ووزارة المستعمرات بخطة إدورد نورمان ترك ذلك لديها رد فعل سلبي ووصفتها بأنها من صنع هواة وغير عملية ([28]) وليس لها حظ من النجاح.
أما حزب العمال البريطاني وفي مؤتمره المنعقد عام ألفف وتسعمائة وأربعة وأربعين 1944 ـ وتحت ضغط الصهيونية ومناصريها من أعضائه ـ فقد اتخذ قراراً يصب في مصلحة ترحيل العرب خارج فلسطين، لكن من دون اقتراح وجهة الترحيل.
وفي كشف للوثائق البريطانية تم عام 1985 ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين تبين تأييد بريطانيا لترحيل الفلسطينيين للعراق؛ فقد دأبت بريطانيا منذ عام 1955 على بحث إمكانيات توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق, وتعاونت في هذا المجال مع سفارتها في بغداد وقسم التطوير في المكتب البريطاني في الشرق الأوسط في بيروت ووكالة الغوث وبقية السفارات البريطانية في المنطقة, وخرجت عدة توصيات بشأن استيعاب العراق لمزيد من اللاجئين وتوطينهم، فقد كان متوقعاً في مدى عشرين عاماً أن يوافق العراق على استيعاب نحو مليون لاجئ فلسطيني على حسب ما ورد في الوثيقة ([29]).
v الموقف الأمريكي:
في جهود السعي التي بذلها الصهاينة للحصول على الدعم الغربي لمشروع ترحيل الفلسطينيين إلى خارج فلسطين, وفي ظل تعاطف الرئيس الأمريكي روزفلت ومساندته للصهيونية، فقد طرح الصهاينة عليه مشروعهم من خلال ممثله الشخصي الجنرال باترك هرلي حين زار فلسطين عام ألف وتسعمائة وثلاثة وأربعين 1943، فقد نص إدوارد نورمان في خطته على ضرورة توريط الجانب الأمريكي في دعم مشروع الترحيل إلى العراق, ملوحا بأهمية العراق وثرواته في دعم الحرب الأمريكية ([30]).
وفي تشرين الأول عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين 1945 وجّه نورمان رسالة إلى الرئيس الأمريكي هاري ترومان يطلب فيها مساندته لمشروع ترحيل الفلسطينيين مبيناً أن إعادة توطينهم في العراق لا يتضمن أية صعوبات وأن الصعوبات التي يمكن أن تظهر تكمن في الوجود الفلسطيني في فلسطين.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت الحركة الصهيونية علناً حملة تبنت خطة بن ـ حورين الداعية إلى ترحيل الفلسطينيين إلى العراق وسورية سميت حملة الترحيل الصهيونية الأمريكية والتي نالت كل الدعم من الرئيس الأمريكي هاري هوفر ورجال المال والقرار المتصهينين المتنفذين في الولايات المتحدة الأمريكية([31]).
وتتالت المشاريع الأمريكية بعد النكبة الداعية في معظمها إلى التوطين خارج فلسطين ورفض مبدأ العودة إلى الأراضي التي خرج منها الفلسطينيون عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين 1948 أو العودة في أحسن الظروف إلى أراضي الدولة الفلسطينية القادمة.
فجاء مشروع جونستون أو مشروع الإنماء الموحد لموارد مياه نهر الأردن في الفترة مابين عامي ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسين وألف وتسعمائة وخمسة وخمسين 1953 و1955 ليدعو الفلسطينيين إلى إخلاص العيش مع جيرانهم والقبول بالدولة الإسرائيلية في حين يجري توطين الآخرين في البلاد العربية، ثم تلاه مشروع دالاس عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين 1956 لينزع عن القضية الفلسطينية الصبغة السياسية ويعدها قضية لاجئين تحل عن طريق التوطين، وفي عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين 1969 قدم هنري كيسنجر مشروعاً يقضي بعودة لاجئي عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين 1967 وتوطين لاجئي ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين 1948 في البلدان العربية التي لجؤوا إليها، وفي عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين 1997 شكل مجلس الشؤون الخارجية الأمريكي مجموعة بحثية برئاسة دزن أرزت لدراسة الجوانب المعقدة من القضية الفلسطينية, فجاءت توصياتها بتوزيع اللاجئين الفلسطينيين على مختلف أنحاء العالم ([32]).
أما الرئيس بيل كلينتون فقد بنى رؤيته لعملية السلام وحق العودة وإنهاء قضية اللاجئين في مفاوضات كامب ديفيد في على وثيقة (أبومازن ـ بيلين) التي عدَّت حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم حلاً غير عمليٍّ, ولذا يجب العمل على عودة الفلسطينيين إلى أراضي الدولة الفلسطينية وتسهيل هجرة الفلسطينيين في البلدان العربية المجاورة وتوطينهم بالإضافة إلى إمكانية لـم ِّ شمل بعض الأسر من مواليد عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين 1948 فما دون.
وفي عام 2003 أطلَّ علينا الرئيس جورج بوش بخارطة الطريق التي تبنتها المجموعة الرباعية (أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) والتي نادت بالاتفاق على حل واقعي شامل وعادل لقضية اللاجئين.
وفي سياق الحل الأمريكي المطروح حالياً من الرئيس باراك أوباما فقد رأى في أن وثيقة جينيف ([33]) تمثل الحل الأمثل للتفاوض بشأن عدد من القضايا المصيرية من بينها حق العودة. وحسب ما نقلت الصحافة الإسرائيلية، عن رئيس طاقم البيت الأبيض رام عمانويل فإن مبادرة جنيف هي أساس التسوية الدائمة.([34])
من الملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلعب يوماً دوراً حيادياً حيال القضية الفلسطينية, وإنما كانت منحازة دوماً إلى الجانب الإسرائيلي بشكل واضح وجلي.
سادساً: الموقف العراقي والفلسطيني من توطين الفلسطينيين في العراق:
v الموقف العراقي
نستطيع أن نقسم الموقف العراقي تجاه هذه القضية إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق ومرحلة ما بعد الاحتلال.
مرحلة ما قبل الاحتلال:
رفضت الحكومات المتعاقبة على حكم العراق رسمياً فكرة توطين اللاجئين الفلسطينيين فيه انطلاقاً من موقفها القومي الرافض أصلاً للاحتلال الصهيوني لفلسطين.
فقد أكد مندوب العراق في الجامعة العربية سلطان الشاوي أن بلاده لن تقبل أية صفقات مشبوهة لرفع الحصار, وأن العراق لن يكافئ الكيان الصهيوني بالموافقة على توطين الفلسطينيين مهما امتد أمد الحصار, وأن سيناريو التوطين هذا محكوم عليه بالفشل. ([35])
إلا أنه مع استمرار الحصار وازدياد الضغوط على حكومة صدام حسين بدأت مشاريع توطين اللاجئين في العراق تظهر من جديد فقد أكدت د. لارا دراك المحاضرة في جامعة واشنطن أن ...ضغوطاً تمارس على العراق منذ عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين 1993 كان آخرها وساطة مغربية فرنسية تدخلت من أجل قبول توطين اللاجئين إلا أن العراق رفض المشروع آنذاك.
وكذلك قام وفد من الكونغرس الأمريكي بزيارة العراق مطلع أيلول (سبتمبر) عام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين 1999 دعا فيها الرئيس صدام حسين القبول بفكرة التوطين في جنوب العراق مثمنين له قرار منح الجنسية للاجئين الفلسطينيين للعراق منذ 1948([36]).
v مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق:
تسعى الحكومة العراقية إلى توطين عشرين إلى ثلاثين ألف فلسطيني في شمال العراق في منطقة أربيل ([37]).
فالرئيس جلال طالباني لم يستبعد هذه الفكرة موضحاً أنها طرحت منذ سنوات، عندما اقترحت الإدارة الأمريكية أول مرة تطبيقها في كردستان العراق ([38]).
ونقلاً عن صحيفة المدار إن وفداً دولياً زار كردستان للاطلاع على مشاريع جذبٍ إسكانيةٍ للبدء عملياً بتوطين اللاجئين في العراق، حيث وافقت حكومة إقليم كردستان العراق على ذلك مقابل إغراءات مالية وأمنية ووعود بإقامة دولة كردية هناك ([39]).
v الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي:
لا يستطيع أحد من القادة الفلسطينيين سواء المتأخرين منهم أم المتقدمين المساومة على حق الشعب الفلسطيني في العودة لأنه حق مقدس لدى كل الفلسطينيين, وقانوني حسب كل الشرائع الدولية ([40])، وبالتالي فلا يحق لأحد القبول بمشروع توطين الفلسطينيين وشطب هذا الحق.
إلا أنه في الآونة الأخيرة وتحديداً فترة اتفاق أوسلو وما تلاها بدأت مرحلة جديدة ظهر فيها التلاعب جلياً بموضوع مشكلة اللاجئين وحق العودة، كان أول سمات هذه المرحلة تأجيل الحديث بمشكلة اللاجئين إلى مفاوضات الحل النهائي, ثم تلا ذلك صدور وثائق فلسطينية كوثيقة (أبومازن ـ بيلين) ووثيقة جينيف اللتين أبدت فيهما السلطة الفلسطينية استعدادها للتخلي عن حق العودة والتفاوض من أجل الوصول إلى
"حل عادل متفق عليه" يحمل في طياته التوطين في دول اللجوء أو العودة إلى الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها، واتضح ذلك أكثر عندما تبنت السلطة خارطة الطريق والمبادرة العربية للسلام.
فالحراك السياسي للسلطة الفلسطينية ما كان ليخرج عن النطاق الذي رسمته له من حكومة الاحتلال والإملاءات الأمريكية عليها، فزيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى شمال العراق في شهر نيسان من هذا العام ولقاءه مع المسؤولين العراقيين هناك خير شاهد على تصميم السلطة على المضي بتنفيذ الأجندة الأمريكية والصهيونية بخصوص توطين الفلسطينيين في العراق.
ومن المؤكد أن هناك تباين واضح بين موقف السلطة وموقف الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون كانوا وما يزالون يرفضون كل أشكال التوطين متمسكين بحقهم في العودة إلى ديارهم التي خرجوا منها، وصدرت بذلك فتوى رسمية تعتبر القبول بالتوطين تنازلاً عن أرض الإسراء والمعراج ومحرماً شرعاً.
النتائج والتوصيات:
يستطيع القارئ لهذه الدراسة أن يستخلص دروساً وعبراً نجملها في ما يلي:
·الصهيونية كانت وما تزال مشروعاً استعمارياً دولياً يخدم مصالح الدول الاستعمارية في المنطقة.
·التوطين مصطلحاً سياسياً ترفضه كل الشرائع والقوانين الدولية فإن فيه اعتداءً سافراً على أهم المبادئ التي كفلتها الشرعية الدولية في الحق بالعودة وتقرير المصير.
·الترحيل فكر وعقيدة صهيونيان تمتد جذورهما إلى عمق التاريخ لأنهما مبنيان على فكر عنصري ديني توراتي مزيف.
· الولايات المتحدة الأمريكية ومن قَبلها بريطانيا وأوروبا لم تكن يوماً في موقف الحيادي أو النزيه من القضية الفلسطينية, وإنما كانت منحازة وداعمة لمشاريع ترحيل الفلسطينيين والتوطين وشطب حق العودة.
· رفضت جامعة الدول العربية توطين الفلسطينيين في الدول العربية بشكل قاطع حتى مرحلة تبني الجامعة للمبادرة العربية للسلام.
· الموقف الرسمي العراقي قبل الاحتلال الأمريكي هو رفض العراق للتوطين.
·ساهم الاحتلال الأمريكي للعراق في إيجاد حكومة تقبل بالتوطين وتتبنى مشاريعه.
·لم يجرؤ أحد من القادة الفلسطينيين قبل مرحل أوسلو أن يشطب حق العودة.
·شكلت مرحلة أوسلو منحىً خطيراً على القضية الفلسطينية ولا سيّما مشكلة اللاجئين والحق بالعودة إلى الأرضي الفلسطينية التي احتلت عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين 1948.
·الشعب الفلسطيني متمسك بحقه في العودة ولا يسمح لأحد التصرف فيه لأنه حق فردي غير قابل للتصرف.
وأخيرا فلئن طال ليل الغربة واشتد ظلم القريب والغريب, فإن لكل ليل نهاية وهاهو فجر العودة بدأ يشق الضوء ليكشف لنا عن صبح ٍ جديد تتألق فيه بنادق المقاومة القادمة بالنصر والتحرير.
إعداد: إبراهيم العلي
تجمع (واجب)- قسم الدراسات و الأبحاث