لقاء بغزة بأسير محرر من "جنين".
ما أن حلّ بين اهله في غزة الصمود والإباء معززا مكرماً الأسير الفلسطيني الجنيني "باسم نزال" حتى قررنا "صديقتي بسمة وأنا" أن نقوم بواجب الضيافة والترحيب بهذا الأسير المحرر البطل كعادة العرب.
تسابقت خطانا باتجاه دار إقامة الأسير المحرر، شعور جميل بالسعادة والسرور ذاك الذي أحسست به حين اقتربت من داره، أن نرى بأم أعيننا ونجالس رمزاً من رموز صمود وصبر أحد أبناء فلسطين ممن ترك الأهل والولد واختط له نهج التصدي للعدو الغاشم دافعاً من سنيّ عمره وشبابه ليقبع مكرهاً في غياهب سجون الاحتلال وهو مرفوع الرأس والجبين.
وقفنا بباب الدار، طرقناه وقلبي يخفق بشدة، كيف لا وأنا سأكون خلال لحظات في حضرة من افتدى حرية وطنه وكرامة شعبه بسنيّ عمره، أن ألتقي بفلسطيني كان قد أبى الاحتلال وتصدى له فغـُيـِّبَ قسراً عن أسرته ومكث خلف قضبان الاحتلال البغيض عشرين عاماً، وما هي إلا لحظات حتى فتح الباب فإذا بنا أمام رجل في خريف العمر ومظاهر الشهامة والكرم تبرقان من عينيه، ابتسم لنا ورحب بنا كثيراً معرفاً عن نفسه بأنه أخو الأسير المحرر، دخلنا إلى الدار واتجهنا إلى الصالون لنجد هناك سيدة متقدمة في السن ترحب بنا وقد علا وجهها البشر والترحيب، تقدمت نحونا واحتضنتنا فأحسسنا وكأنها تعرفنا منذ أعوام طويلة، إنها ولاشك الصابرة المحتسبة "أم الأسير المحرر" وقد وقفت إلى جانبها "إبتسام" زوجة الأسير المحرر بابتسامتها الساحرة التي لم تفارق ثغرها فحقّ لها أن تكون اسماً على مسمى، فرحبت بنا هي الأخرى، فيما كان يقف جنبها الأسير المحرر "باسم" بوجهة السموح المبتسم وقد ظهر على محياه الفرح والسعادة.
جلسنا في صالون الدار المطل على بحر غزة، رحبت وصديقتي "بسمة" بالأسير المحرر بكلمات تسارعت بالخروج منا لتعاظم مشهد لقائنا الحميمي بعائلة الأسير الكريمة ولطف وحفاوة ما رأيت، بدأ أخوه الأكبر "خالد" بالحديث مبدياً سعادته الجمة لوجوده في غزة وبين أهلها الصابرين المحتسبين، كان سعيداً منبهراً بالحفاوة التي لقوها من أهل غزة، وأطرق ساكتاً ليتيح للأسير المحرر "باسم" أن يبدأ حديثه إلينا معرباً عن امتنانه للحفاوة الكبيرة واحتضان أهل غزة له ولأسرته، أحسسنا بكلماته قوة العزيمة والشكيمة والإصرار على تكملة المشوار الذي بدأه ودفع من أجله عشرين عاماً، كنا نتابع حديثه إلينا بوجل وذكرياته عن الأسر، فيما كانت عيناه ترنو بحنان بين الحين والحين صوب والدتة وزوجتة واخوتة أحسسنا وقتها بحجم الجريمة التي اقترفتها قوات الاحتلال البغيض حين حرمت انسان من العيش بين اهلة واسرتة كما حرمت ولداً لعشرين عاماً من رعاية والده، وحرمت زوجة من زوجها، وأماً من احتضان ولدها!!.
شعور رائع أحسسناه بتلك الزيارة، شعور التحدي والإصرار على مواصلة الدرب، شعور الأمل بتحقيق الأماني واسترداد الكرامة، فما كان لنا إلا أن نعرب عن أمنياتنا للأسير المحرر طيب الإقامة في غزة، وأن يعينه الله سبحانه وتعالى كي يرعى أسرته الكريمة، زوجته الصابرة المحتسبة التي انتظرته عشرين عاماً كي تراه من جديد، ولده "سلاح" الذي كان جنيناً في رحم أمه حين أسر "باسم" ليتربى عشرين عاماً بعيداً عن والده ورعايته وحنانه، وأكبرنا لهم إصرارهم على تكملة المشوار والتمسك بمبدأ الجهاد حين أطلقوا على ابنهم اسم "سلاح". والذى لسوء حظنا لم يسعفنا الوقت من مشاهدتة لانة كان خارج المنزل عند وصولنا
كان لقاءً ممتعاً ممتلئ بمشاعر وطنية جياشة ملؤها الفخر والاعتزاز والإباء، أظهر لنا فيها آل نزال الكرام أجمل صور اللقاء الصادق الرائع، كنا نتمنى أن يطول بنا المقام لنسمع المزيد من حكايات البطولة والصمود لهذا الأسير المحرر، وقبل أن نهم بالاستئذان والخروج، رفعت هاتفي النقال، وأجريت اتصالاً هاتفياً بالزميل الصديق "حسان نزال" الذي لولاه ما كان قد تحقق لنا هذا اللقاء، فشكرته على هديته القيمة التي كانت ديوان شعره "وتقبلوا مني السلام"، ثم دفعت بالهاتف النقال إلى الأسير المحرر الذي راح يستعيد مع الصديق الطيب حسان نزال ذكريات الطفولة والصداقة الجميلة التي جمعتهما في جنين، وتذكرا سوية مرحلة الزمالة الدراسية، فيما أعرب الأسير عن أمله واشتياقه للعودة إلى جنين، حيث مهد الطفولة.
ما أن أنهى الأسير مكالمته الهاتفية، حتى استأذنا بالانصراف، معربين عن سعادتنا الغامرة بلقائهم، وتمنياتنا للعائلة الكريمة طيب الإقامة في غزة، وأملنا أن تتحقق أمانيهم بالعودة سريعاً إلى "جنين" أرض الملاحم والبطولات، وأن يتحرر كل أسرانا من سجون الاحتلال الصهيوني البغيض، وودعنا كما استقبلنا بأجمل مظاهر الترحيب والحفاوة وطيب المشاعر، مع وعد كريم منهم بزيارتي في داري.
نائلة عزمي السقا