بينما كنت أجلس داخل إحدى غرف فندق بالعاصمة الإيرانية طهران, ومن سقفها تدلى سهم معدني يشير إلى مكة المكرمة, خطر إلى ذهني, في تلك اللحظة بالذات, أن أكتب شيئاً عن المشكلات التي تجابهنا في التعامل مع الإسلام.
كيف لا والغالبية من مواطني ما نسميه تسمية اصطلاحية فضفاضة بـ"الغرب", تتفق على أننا نواجه مشكلة ما مع الإسلام, لا سيما بعد أن قطعنا العام الرابع من هجمات الحادي عشر من سبتمبر على مدينتي نيويورك وواشنطن, مع العلم بأنها خطط لها وشنت باسم الله والإسلام. يبقى علينا إذن أن نثير السؤال: لمَ المشكلة, وما هو لبها على وجه التحديد؟ هناك ست وجهات نظر مختلفة في الغرب, غير أن من المهم أن نضمنها, تلك التي تسمع في البلدان الإسلامية نفسها –ومنها إيران بالطبع-. ولدى مطالعتك للقائمة التالية, فما عليك إلا أن تحدد أيها يتوافق ورأيك الشخصي. وها هي القائمة أدناه:
1- إن المشكلة الرئيسية لا تكمن في الإسلام بحد ذاته, وإنما في الدين عموماً. ووفقاً لوجهة النظر هذه, فإن العالم سيكون مكاناً أفضل بكثير عما هو عليه الآن, فيما لو تفهم كل واحد منا الحقائق الموضوعية التي كشف عنها العلم, ووثق بما يكفي, بمقدرات الذهن البشري, وآمن بمفاهيم وقيم العلمانية الإنسانية. وعليه فإن الذي نحتاجه بحق, ليس دولة علمانية فحسب, وإنما مجتمع علماني أيضاً. يجدر بالذكر أن وجهة النظر هذه تعبر عن قطاع واسع جداً من خيرة المتعلمين في شتى المجتمعات الغربية, في مرحلة ما بعد المجتمع المسيحي, لا سيما في أوروبا الغربية. وفيما لو ترجمت هذه الفكرة إلى وصفة سياسية محددة, فإنها تمثل ارتداداً عاماً عن الدين, لكونها تطالب ما يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة مليارات نسمة في البلدان المذكورة, بالتخلي عن معتقداتهم الدينية. ولكن المشكلة أن تجربة النظم والحكومات العلمانية التي حكمت هذه البلدان, خلال المئة عام الماضية, ليست ملهمة بذاك القدر هي الأخرى.
2- المشكلة ليست في الدين بحد ذاته, وإنما هي في الإسلام على وجه التحديد من وجهة نظر بعض الغربيين, لكن لماذا الإسلام بالذات؟ لأنه لا مجال فيه للفصل بين المسجد والدولة, بين الدين والسياسة، حسب رأيهم. والاعتراضات المثارة على وجهة النظر واسعة الرواج هذه, أنها تشجع نزعة التفكير الأحادي إزاء الإسلام, كما أنها مسرفة في اعتمادها على المفاهيم الغربية. وفيما لو نظرنا إلى الإسلام كما يراه المسلمون أنفسهم ويطبقونه, فإننا لاشك سنجد مذاهب وتيارات شتى للإسلام.
3- المشكلة لا تكمن في الإسلام, وإنما في "الإسلاموية". والمعني بالأخيرة, تحريف المهووسين والمتطرفين من أمثال أسامة بن لادن, لهذه الديانة العظيمة, إلى أداة لنفث سموم الكراهية والحقد. وعليه فإن في الإمكان تخليص شجرة الإسلام الطيبة هذه, مما علق بها من ثمار مسمومة خبيثة. تلك هي نظرة كل من جورج بوش وتوني بلير, اللذين لا يريدان تجريح مشاعر ملايين الناخبين المسلمين في بلديهما, كما يتحاشيان الإساءة لشعوب الدول النفطية, التي يعتمد عليها بلداهما. ولكن هل تمثل هذه قناعة داخلية صميمة لدى الحليفين, أم أنها محض "لعبة دبلوماسية" لابد منها؟ أنا أرجح الاحتمال الثاني.
4- المشكلة ليست في الدين ولا الإسلام, بل ولا حتى "الإسلاموية", إنما في التاريخ العياني العربي الملموس. فبين كافة الدول الأعضاء في الجامعة العربية –عددها 22 دولة- لا توجد واحدة منها, يمكن وصفها بالدولة الديمقراطية. فمع توفر بذور بعض الديمقراطية في العراق الآن, إلا أنها ليست ديمقراطية ناشئة من التربة العراقية نفسها. ليست هذه نظرة عنصرية متحيزة, وإنما هي تقرير موضوعي لحقائق الواقع العربي السياسي والاقتصادي, ولمصائر الفشل التي آلت إليها كافة محاولات التحديث التي أعقبت فترة ما بعد الاستعمار في البلدان المذكورة.
5- ليسوا "هم", بل "نحن" الغربيين من بذر بذرة المشكلة, منذ عصر الحروب الصليبية, وصولاً إلى عراق اليوم. فهناك الإمبريالية الغربية والاستعمار, ثم الهيمنة الآيديولوجية المسيحية وما بعد المسيحية. وقد شكل كل هذا التاريخ, وقوداً لأتون الكراهية والحقد الدفين, الذي يكنه العرب والمسلمون لقيم الديمقراطية الليبرالية. ليس ذلك فحسب, بل إننا واصلنا خلال نصف القرن الماضي كله, تجاهلنا لمعاناة ومأساة الفلسطينيين, في غمرة تعاطفنا وقبولنا ودعمنا لدولة إسرائيل, عقب تعرض اليهود لجرائم "الهولوكوست".
6- إن أكثر الصدامات حدة بين الغرب والإسلام, إنما تنشأ في نقطة التلاقي بين هاتين الظاهرتين, حيث يصطدم الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين المسلمين, بالحداثة العلمانية الغربية للمرة الأولى. ومكمن هذا الصدام, هو في انجذاب المهاجرين المسلمين إلى مفاتن الحداثة الغربية العلمانية وغواياتها الكثيرة, ولكن أشد ما يصدهم عنها, إسراف تلك الحداثة, وإغراقها في الملذات الدنيوية, مصحوبة بطغيان الشعور العارم بالحرمان والتهميش وخيبة الأمل في أوساط فئات المهاجرين. ولذلك فإنهم يلوذون ويستعصمون بتلك النسخة المتطرفة العنيفة العدوانية من التأويل للإسلام, عساهم يستمسكون بشيء من الجذور والمنابت الثقافية الدينية العريقة, التي جرفها التيار.
فأي الآراء الستة تختار؟ قل لي, حدثني عن إسلامك, وعندها سأقول لك من تكون!
ـــــــــــــــــــــ
تيموثي جارتون آش