مناقشة الرسائل الجامعية بين الوهم والحقيقة/هدى قزع

زائر

مناقشة الرسائل الجامعية بين الوهم والحقيقة :

(مقالة تتبع المنهج الوصفي لوصف مناقشة إحدى الرسائل الجامعية )

بقلم : هدى قزع .

يكفيك أن تحسن الظن بإحدى قاعات مناقشة الرسائل الجامعية ، وتحل عتباتها بثقة المريد ، الذي يرى أن نقاش العلماء هو المعين الأصيل الذي تستقى منه الحقيقة.

     ولتختار إحدى المقاعد التي ارتادها العديد من المغفلين مثلك من قبل ، ولا بأس أن تنظر إلى الوقت لتجد أنك جئت بموعدك ، كالمناقَش ، ولكن للأسف تخلفت لجنة المناقشة ، وهذه إحدى المبشرات أو لنقل المؤشرات على عدم الالتزام بالدقة .

     دعنا نتغافل عن هذا ، ونجيز بعض ما يستهجن ، وننتظر وصول اللجنة الكريمة ، فإن وصلوا فالمشرف هو الأول ومن بعده المناقش الخارجي ، وأخيرا يصل مناقشو القسم الأفاضل ، أحدهم بسنه الضاحك ، وهيئته المضحكة ، إذ يمسك ما يسمى" بالروب" بطريقة فوضوية تثير الاشمئزاز ، والآخر أكل النعاس عليه وشرب ، وهو ثقيل الخطا .

     ومع هذا، فالله الحمد ، أن وصلت اللجنة الكريمة ، ومن العجب أن يكون سؤالهم الأول : هل قرأ الطالب ملخصه قبل حضورنا ؟

ويكأنهم لا يملكون وقتًا ليخلصوا لدقائق معدودة _تنقل الطالب من مرحلة لأخرى_ ليسمعوا ما أملاه من فكر علمية ونتائج جديدة .

ومن المؤسف أن تشعر بهذا التثاقل من اللجنة قبل بداية المناقشة.

لكنهم مضطرون لسماع الملخص ، وما أدراك ماذا صار الملخص:

باختصار أصبح كلاما مبعثرًا مزخرفا ، لا ينقل لسامعه أي معنى ، تسمعه كلحن ولكنه متقطع ، ومع هذا تحسن الظن بما تسمع ، وتغض سمعك لعدم رهافة أذنك لمثل تلك الأنغام .

     المهم أن ما تسمعه كلام عابر كله يوحي بأن ما كتبه الطالب في رسالته بدع لا تجد مهما نقبت في الكتب مثيلًا له ، فالرسالة بموضوعها جديدة ، والمنهج جديد ، والطالب هو الفارس المتوحد ، وويل للذي يقول غير هذا.

لا أدري ما الذي يجبرنا على الصمت ، وإلى متى الصمت ؟

قالوا إن الباحث عندما يعرض لموضوعه ينبغي أن يظهر أهميته وأسئلته المعرفية والجديد الذي جاء به والدراسات السابقة وهي موجودة بالضرورة وكاذب من يحاول نفيها .

ومع هذا انقلبت المناقشة ليعطى وقت لتضخيم الذات وللقول المعاد المكرور ، و للإهداء والشكر، وأسأل _أنا المتلقي _ما شأني بهذا ؟

ينهي الطالب ملخصه ، فيبدأ المناقش الأول بحواره ، فيستخرج للطالب بعض الأخطاء، ويبقى يدور في فلك فكرة واحدة ويشعبها لإطالة الوقت، ويميل إلى أن الرسالة فيها حشو كان الطالب في غنى عنه .

ويثير بعض الأسئلة لأنه يجد بأن بعض المصطلحات ضبابية وغير مضبوطة ، ولا يفهم بعض إحالات الضمائر فيسأل ولا يمنح وقتًا كافيًا للرد على سؤاله ، وإن منحه فإن الطالب يشرِّق ويغرِّب ليقول لنا في النهاية :هذا رأيي وكل ما قيل هو جديد وأتمنى أن تقدروا هذا .

ولا يكتفي المناقِش بهذا وإنما يخرج للطالب بعض الأخطاء ، وهي ظاهرة لا يصح لمن يدعي الجدّة الوقوع بها .

ويلتفت لبعض الأحكام الخارجة عن إطار الموضوعية من مثل : الرسول الكريم محلل نفسي .

والجميل بأن حديث المناقش الأول يقتطع من المناقش الخارجي ، ليتحفنا هو الآخر بتضخيم ذاته وحديث لا علاقة له بموضوع الرسالة ، من مثل : أنا حفظت الأحاديث النبوية وأنا في الصف الثالث وما زلت أذكرها وكلام العرب خير كلام ، فمن هو شكسبير أمام المتنبي؟ وأحسب أن كل هذا مضيعة للوقت وخروج عن صلب الموضوع .

ثم ينهي المناقش الأول كلامه ، ويوَّقِع الورقة ويغادر.

ومن حين لآخر تُوَّجَهُ للطالب عبارات من مثل أنت عنيد وفيك عرق العناد النابلسي ، وهذا كلام لا صلة له بالعلم ولا أهله ينطق به أصحاب لجنة مناقشة طالب الدكتوراة.

وبعدها يبدأ المناقش الثاني وفي الحقيقة كانت له بعض الأسئلة والتهويمات المختصرة ، وأنا عن نفسي لم أفهمها لذلك سأعزف عن وصفها .

وأكتفي بالإشارة إلى اقتطاع كلام هذا المناقش من قبل المشرف ، حتى يبدأ المناقش الثالث وهو من خارج الجامعة بمناقشة الطالب .

فيبدأ هذا المناقش بداية طيبة معطرة بحمد الله والصلاة على رسوله ، وإن هذا ليضفي الطمأنينة على النفس ، وبعدها يفجؤك بِحُكْمِهِ القائل : أنا لا أحب امتداح الرسائل، ولا بد من التقويم ، وأنا ناقشت مائتي رسالة ولم يمر علي من قبل مثل هذه الرسالة بجودتها وجدتها ، لدرجة أنني لم أجد ما أقوله للطالب سوى :

"ول عليك" .

أنت لم تدع مجالًا لنقدك ، بل لقد جاوزت ما قاله علماء اللسانيات كافة وقلتَ ما عجزوا عن قوله؟!

ولديك ستة أخطاء نحوية وهذا عيب كبير وأنا رسبت طالبًا لأنه رفع اسم إن مرتين .

وأخيرا يأتي قرار اللجنة الكريمة التي ينقصها أحد المناقشين :

وهو يأتي خلافًا لكل الرسائل التي كنت قد حضرتها من قبل ، إذ جرت العادة أن يخرج الحاضرون للمناقشة ، وتجري مداولات بين أعضاء اللجنة ، ثم يتخذ القرار .

ولكن يبدو أننا أصحاب قرار مسبق ولا حاجة لكل هذا .

والوضع الطبيعي لمثل هذه المناقشة المهلهلة ، واللجنة المريضة :

الطالب ناجح ، ونوصي بتعيينه بالقسم ، وطباعة الرسالة.

"وسلام على من أدى الأمانة ، وصدق القول ، وقد كنت ممن جمعه الحظ بهذا الممتحَن الذي عرفته طويلًا وإني أتنكر منه الآن لأني وعيت أنني لم أعرفه على حقيقته ، فقد عاينت بحوثه ، وسمعت حواره في قاعة الدرس ولم أجد فيه ما قالته تلك اللجنة ".

وكان من حقي عليكم يا أصحاب اللجنة الموقرة أن أعرف ما الموضوع وما الجديد ، بعيدًا عن كل هذه المجاملات التي لا تغني ولاتسمن من جوع أي طالب للعلم .