الامم المتحدة أم الفوضى الدولية
الفيتو الامريكى بمنع ادانة أغتيال شيخ المجاهدين أحمد ياسين00 صفعة لوجدان البشرية000
- الأمم المتحدة أو الفوضىالدولية :
هناك عبارة لأوسكار أرياس سانشيز الحاصل على جائزة نوبل للسلام 1987 لاشرافه على خطة السلام الخاصة بأميركا الوسطى تلخص الوضع الدولي الحالي.
تقول العبارة «اذا اصرت الولايات المتحدة على ان تلصق نفسها بمفهوم القوة حق بدلاً من الحق قوة فإنها يمكن ان تحول نفسها من بطل القرن العشرين الى وغد القرن الـ 21».
وطبيعة الاوغاد تفرض عليهم عدم الالتزام بشرائع أو قوانين إلا تحت اكراه ما، وقد ثارت المخاوف على مستقبل النظام الدولي ومؤسسة الامم المتحدة منذ ان ذهبت اميركا وبريطانيا منفردتين الى الحرب على العراق دون قرار دولي، وتعززت هذه المخاوف حينما استمرت الحرب نحو ثلاثة اسابيع دون ان يجتمع مجلس الامن مرة واحد ليصدر بياناً بارداً حول وقف اطلاق النار كما تعودنا، لتصل الى ذروتها بالقرار الاخير، وهذا ما يزيد من احتمالات تلاشي المؤسسة الدولية لمصلحة انفراد الولايات المتحدة بإدارة العالم.
ويمكن فهم الرغبة الاميركية في تطويع العالم على ضوء حقيقتين الاولى التذرع بمحاربة الارهاب وذلك بدافع الانتقام للكرامة الاميركية التي انتهكت يوم 11 سبتمبر 2001 والثانية ان الادارة الاميركية الحالية ومنظريها يرون ان الولايات المتحدة باتت في وضع يؤهلها لحكم العالم منفردة دون شريك آخر حتى وان كان هذا الشريك مؤسسة أو منظمة عالمية كالامم المتحدة.(1) والواقع ان نظرة كهذه تستبعد نهائياً موازين قوة الآخرين من افق الحياة الدولية وتجعل التعايش مستحيلاً مع مؤسسات التداول الجماعي في شئون الامم وحربها وسلامها ومختلف اوجه حياتها.(2) ويقول أوسكار سانشيز السابق الاشارة اليه ان «كثيراً منا كانوا يأملون في ان يكون القرن الـ 21 مختلفاً عن سابقيه.. لقد حلمت بأن يكون قرناً متعدد الاطراف، من العمل معا وتسوية المنازعات من خلال التفاوض، لكننا بدأنا بالفعل بداية في غاية السوء، فنحن نواجه الآن نظرية جديدة تماماً. نظرية الحروب الاستباقية وهي دائما غير مشروعة.. يبدو ان حكومة الولايات المتحدة قد تخطت حدود التزاماتها وبددت كافة المساعي الحسنة والتضامن الذي تلقته من المجتمع الدولي عقب هجمات 11 سبتمبر.
وأي قراءة للوضع الحالي تؤكد ان نظام الامم المتحدة لم يعد فاعلاً فيما اثبت النظام الدولي الآخر «الاميركي» فعاليته وقدرته على النجاح.. أما الشرعية الدولية فباتت لزوم ما لا يلزم.. مجرد شيء وهمي هلامي يصلح فقط لمباركة المبادرات غير المشروعة لاميركا وحلفائها (3).
اخلاق واسترقاق
ذات يوم تحدث الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان عن الحاجة الى حقن الامم المتحدة والهيئات العالمية بجرعة من الاخلاق، أو بنوع من العبق الروحي الذي يقود الى دستور سلوك يحدد الحقوق والواجبات ويحث على الانطلاق من وحي الجوانب المشتركة ويضم في ثناياه مبدأ عدم اللجوء الى الاكراه.. والاعتماد على نظام دولي جماعي غير ان ذلك يتطلب بالقطع تفكيراً جريئاً واستعداداً للعمل معا وجهداً متواصلاً وهناك حاجة عاجلة الى خطوات محددة منها: تحديث نظام الامن الجماعي الوارد في ميثاق الامم المتحدة سواء بالنسبة للدبلوماسية الوقائية، أو بالنسبة لتدابير القمع، فهذا النظام الذي ارسيت اسسه في اعقاب الحرب العالمية الثانية، والذي استهدف بناء نظام عالمي لم يعمل على النمو المخطط له.
ويوم 16 مايو الماضي 2003 اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دولا عظمى باستغلال جيوشها القوية المسلحة بأحدث الاسلحة في توسيع مناطق نفوذها الاستراتيجي في العالم تحت غطاء مكافحة الارهاب والحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، ولم يكن بوتين في حاجة الى ان يذكر هذه الدول بالاسم، ولفت الانتباه الى ان الامم المتحدة مازالت تعتبر آلية مهمة لحل النزاعات الدولية، صحيح انها تواجه صعوبات بالغة في صنع القرار واحياناً تعجز عن منعه وهذا دافع للمطالبة بتحديث الامم المتحدة وزيادة فاعليتها وليس دافعاً للانقضاض عليها.
وبعكس الاتجاه التفردي الذي يسود الولايات المتحدة والذي يقود العالم الى مخاطر بوصف الكثيرين فإن هناك اتجاهاً تعددياً تمثله أوروبا القديمة، ويدعو اصحاب هذا الاتجاه الى انشاء وتفعيل هيئات ومؤسسات قادرة على ضبط فوضوية النظام الدولي 00 وردع محاولات الهيمنة والعدوان واعادة ترسيخ قواعد القانون الدولي، واستناداً الى هذه الرؤية فإن على الدول العظمى مسئولية اخلاقية تتمثل في تفعيل ادوات النظام واحترام تعددية الفكرية والثقافية والدينية.
غير ان هذه الآمال الخيرة تسير في واد والممارسات الاميركية في واد آخر.. فواشنطن تمارس الاسترقاق في السياسة الدولية بعد 11 سبتمبر كما مارست استرقاق العبيد في القرون الماضية، ويحدث هذا عن طريق الاتفاقات الثنائية وبممارسة النفوذ المباشر والضغوط الشديدة والحصار الاقتصادي والتحالفات الوقتية خارج اطار الشرعية الدولية 00 مما خلق حالة من الاستتباع مع شيء من الاسترقاق بمعناه الحقيقي.
واذا كانت الجماعة الاجتماعية التي سنت قوانين الرقيق في الماضي قد عملت على محو تاريخ من تسترقهم وقطع صلتهم بمواطنهم وعقيدتهم الدينية وتاريخهم الوطني فإنها تمارس نفس البشاعة عن طريق العولمة المتوحشة وفرض مناهج تعليمية بعينها تسقط الهوية الوطنية والقومية. وكما بذل السود في الولايات المتحدة جهوداً هائلة في ستينيات القرن الماضي «خلال حركة الحقوق المدنية» لاختراع تاريخ خاص بهم وقومية تميزهم عن السيد الابيض فإن الدول التي تقع تحت اكراهات حالية يمكن ان تجد نفسها مضطرة لفعل نفس الشيء في المستقبل.
وربما اسهم قبول الحكومات بهذا الاستتباع في نشوء منظمات وشبكات دولية غير حكومية كفاعل دولي جديد ولفتت الانتباه وثيقة صدرت عن المنتدى الاجتماعي العالمي في بورتو الجيري تحت عنوان يمكننا بناء عالم آخر.
هذه الوثيقة تقول ديباجتها «نحن خليط متنوع. نساء ورجال وشابات وشباب. سكان اصليون.. فلاحون وحضر.. عمال وعاطلون طلبة ومهاجرون ومهنيون.. شعوب من كل الديانات والعقائد من مختلف الالوان والاجناس.. ان هذا التنوع مصدر قوتنا واساس وحدتنا، نحن حركة تضامن عالمي موحدة العزم في النضال ضد تركز الثروة وانتشار الفقر وعدم المساواة، وضد تدمير الكوكب، نحيا ونشيد انظمة بديلة وتستخدم اساليب مبتكرة في بنائها، نشكل تحالفاً عريضا لنقاوم ونناضل ضد نظام قائم على العنصرية والعنف، نظام يعطي الاولوية للمصالح الرأسمالية وللنظام الابوي على حساب احتياجات الشعوب وطموحاتها00 واذا كانت المنظمات والشبكات الحكومية تحتاج الى سنوات طويلة وجهود كبيرة من اجل ان يكون لها تأثير كبير في المجتمع الدولي فإن هناك من يصارع الزمن من اجل هدم الامم المتحدة واستعجال موتها.
اسرائيل واحدة من هذه الدول، فهي تحلم ان تزول القرارات الخاصة بالصراع العربي الاسرائيلي على الرغم من عدم التزامها بما صدر وعرقلة الجزء الاهم الذى لم يصدر 00 مع زوال المنظمة الدولية، ربما يتحول ذلك الى أمر واقع، غير ان قاعدة التوارث في القانون الدولي تحول دون تحقق هذه الاوهام. فاستناداً الى معاهدة فيينا للاتفاقات الدولية تظل قرارات الامم المتحدة سارية وان انهارت المنظمة كما ظلت قرارات عصبة الامم بشأن الوصاية الدولية رغم زوال العصبة.
ان كثير من المراقبين يرون ان عجز الامم المتحدة التي تبدى كأوضح ما يكون خلال التعامل مع المجازر التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى وعدم قدرتها على توفير الحماية لهم أو حتى على الاقل أضعف الايمان وهو ادانه ما يحدث من عنف والوقوف ضد الفيتو الامريكى الذى لم يسمح لمجلس الامن ادانه جريمة اغتيال شيخ المجاهدين أحمد ياسين 00 انما هو عجز طبيعي فالمنظمة التي مضى على تأسيسها نحو ثمانية وخمسين عاماً ذات سجل متخم بالفشل، وليس صحيحاً انها حافظت على السلام الدولي خلال السنوات السابقة، ان الامم المتحدة لم تنجح إلا في تسوية 9% من النزاعات التي عرضت عليها بين عامي 46 ـ 1971وتؤكد الدلائل ان الذي كفل السلام هو عامل التوازن العسكري مما دفع البعض الى تسمية حالة السلام التي تسود العالم منذ الحرب العالمية الثانية بأنها «السلام النووي» وحتى نهاية الحرب الباردة كان الحفاظ على السلام والامن الدولي يتم عن طريق نظام يجمع بين التحالفات ومناطق النفوذ، ولكن مع تفكك الاتحاد السوفييتي وظهور عالم احادي القطب حدثت تغييرات هائلة على خريطة الامن الدولي وبالتالي اختفت الكثير من التحالفات ومناطق النفوذ القديمة التي ارتبطت بالثنائية القطبية00
بما كان اول من ادرك ذلك الدكتور بطرس غالي امين عام الامم المتحدة السابق حيث استشعر اختلال الموازيين الدولية منذ وقت مبكر وشهد بوادر المحاولات الاميركية لاحتكار سلطة القرار الدولي، وطالب وقتها بالشروع في اصلاح هياكل الامم المتحدة ووضع قيود على حق الفيتو وتوسيع العضوية الدائمة والمؤقتة في مجلس الامن وتنشيط دور الجمعية العامة لاستعادة صلاحيتها واسترداد الحياة والفعالية لها. وحينما اصاب الشلل مجلس الامن اثناء الحرب على العراق توقع كثيرون ان تتم جلسة طارئة للجمعية العامة وفق مبدأ الاتحاد من اجل السلام الذي ارسيت قواعده ابان الحرب الكورية مطلع الخمسينيات وتأكد اثناء العدوان الثلاثي على مصر، غير ان عوائق كثيرة ثارت في الدهاليز وجعلت حتى تلك الاداة معطلة.. وادت الى سقوط التنظيم الدولي بأكمله.
ووفق هذه الرويه يغدو منطقيا ان ترفض واشنطن ادانه العدوان الاسرائيلي وتستخدم حق الفيتو ضد اي محاوله لتوفير الحمايه للشعب الفلسطيني الاعزل وتكون مجازر جنين ونابلس وغزه مبرره في سياق الدفاع عن النفس ويكون مطلب ادانه' الارهاب' الفلسطيني ضروريا للبدء في مناقشه جريمه غزه التي ارتكبتها اسرائيل.
ا
ان كل ما يجري علي ارض فلسطين من جرائم ما كان ان يتم لولا الرعايه الامريكيه الكامله لدولة الاحتلال ولجرائمها وفي الوقت الذي تستفيد فيه اسرائيل من هذه الرعايه الامريكيه فان الولايات المتحده تخسر كثيرا من جراء هذا الانحياز. وتكفي نظره فاحصه الي العلاقات الامريكيه العربيه لتكشف عن ان العداء الذي تحظي به واشنطن في الشارع العربي يعود بالاساس الي التبني الامريكي للاجنده الاسرائيليه, وليس لمكونات الاجنده الامريكيه الخالصه فالاخيره قد يترتب عليها بعض الاختلاف في الرؤيه والتقدير ولكنها لا تولد بالضروره حاله العداء الشديد الموجوده حاليا. ايضا يبدو واضحا ان الشق الاعظم من الاتهامات الصحيحه الموجهه للولايات المتحده بممارسه معايير مزدوجه يعود بالاساس الي التبني الامريكي للاجنده الاسرائيليه فكل ما تطالب به واشنطن من ديمقراطيه واحترام حقوق الانسان وحق التدخل الانساني..الي آخر قاموس حقوق الانسان تمارس واشنطن عمليا عكسه تماما دعما لاسرائيل ودفاعا عنها.