شعر فضيلة الموسوي
( تحية إلى روح والدي الخطيب العدناني)
وهج الصورة
كما تكتبنا شعرا
سأكتبك حبا، حلما
دعك كما كنت
جالسا في ألق الشباب
برجلين متقاطعتين كما العادة
واثق السحنة كما الملوك
بيد أن تلك الخصلة المتمردة على جبينك
تنبيء عن ابتسامة وشيكة على وجهك
سأكتبك كما كنتمختالا بمؤاخاة الكتاب
أحبك كما كنت في بهجة أناقتك
ولا سيما سلسال الساعة
الضاحك على معطفك
الوشاح الرومانسي الدافيء حول عنقك
لم يفتك ايضا جمال الحذاء وبريق خطوته
قادما من أيام الهند
منتعلا خطواتك الطويلة
قبل حشد القبيلة
والنساء اللاتي ينتظرن دورهن
عند عتبة قلبك
قبل مس الحرف وإيقاع الدمع
قبل أن يغرقك البيان.
* * *
سأكتبك حبيبا
وأكثف فيك كل الرجال الذين أحب
أصنع لك أعذارا قبل اقتراف العشق
أتعلق بثوبك وأرتق مزقه
أهرع لرايتك قبل الميل
أتبرك بتمائمك
ولا ألوذ إلا بوجدك ومجدك
ولا أفوّض قلبي إلا إليك
* * *
أعيد رسمك ووصفك كما أشتهي
وأغالي في وهج الصورة وهالتها.
________________________________________
جنـاح 12
كنت وحدي
ولي وحدي كل عيونه
عيون قفزت من محاجرها
بلا هدى، بلا هذيان
زفير يستطيل ويستطيل
حتى آخر الرجاء
لي وحدي
جسد معصفر
يشف عن أوجاع صموتة
وليس لي إلا يدان مبسوطتان بالدعاء
تطوف على أحوال الجسد الذابل
وقلبي يراهن على بضعة أيام.
* * *
في الهزيع الأخير
له عيون مذعورة
أرتني لونها، فزعها
ملأتني عجزا وغصة
وكلفتني بالنبأ
أذكر
عندما كانت تنظر إليّ تلك الأحداق
أطرقُ مهابة وحياء
بالكاد يرفع رأسه لرد السلام
ينظر إليّ هنيهة
نظرة حادة، هادئة في آن،
دامعة بفيض الشعور
نظرة ليست لي
فخلف البصر
بهجة عالقة على حدود القلم
* * *
المُقل الغائرة بالحروف
تضعني الآن في مهب السؤال
صارت تفقز في كل شهقة هواء
وليس لي إلا ياسين والقرآن الحكيم.
* * *
على سرير الله
لي وحدي
أطرافه الباردة
في ظهيرة باردة
أنامل مضمومة
في آخر إيقاع للحياة
لم تستطع حمل القلم
لترتجل نشيجا بقافية الألم
( دعها تخدر أعضاك الجميع عسى ....
تلقى بذاك الشفا بالموت والرشدا
______________________
ضريح الياسمين
لا تقيموا الرخام
زينة للزائرين
دعوا مسافة القلب قائمة بيننا وبينه
دعوا القبر مفتوحا ليتنفس رائحتنا
لا ضير من سماعه لوعتنا وأشواقنا
رشوا تربته بماء الورد
فهو يحب العطر
زينوها بالاخضر
فقلبه موسوم بالمحبة.
* * *
لا تقيموا الرخام ..
لو نحيتم المشموم قليلا
ونبشتم أقل التراب
سترون ساقين ملتفتين
في سروال أبيض
بعدها رأس يضج بالاحلام
أرخى الرأس على جنبه الأيمن لهنيهة
غفا عن كتاب لازال مفتوح الفؤاد
لكنه يسمعكم، يستأنس حسكم
ربما ينشد الهدأة الآن
ربما امتدت قليلا اغفاءة الظهيرة
لم يمت والشاهد شاهد
فالمكان عابق بهالته
والجدار وجوهه وقصائد عرسه
لقد حل ضيفا على ذويه
سلام عليك أيها الضيف الجليل
حللت روحا في اللامدى
روحا حالمة
ما زالت
تتلو القصيدة
تلو القصيدة.
_____________________
ترنيمة الكتاب
كلٌ مآلُه الموت إلا الكتاب
كلٌ مآله الفناء إلا الأسماء
كلٌ مآله النهاية إلا الدهر
كلٌ مآله الضياع إلا الأساطير
هذا القادم من ليل الحكايات
راوغ سيف الوقت
بترنيمة الكتاب
وزخرفة الأسماء.
_______________________
عندما يحين الكتاب
تِكْ .. تِكْ .. تِكْ
ترافقه تكات ساعة الحائط
تنزل عليه من وهب النيازك
ثم ترقب عن كثب
كيف يذوب في حرير الكلمات
ويترقرق في عشقه الحميمي
كيف ينسج خيوط عمامته
كيف يجدل الشِعر ياسمينا
ويعلقه في ضفائر النساء
كيف يُضيء الزمان.
* * *
وحده هناك
يعتزل العالم في محفل البحث
في حضرة خيال يترع الكؤوس
خلف طاولة مخلصةٍ لسيدٍ مطاع
تحفه الكتب الخمرية وهي تزخرف السماء.
* * *
تِكْ .. تِكْ .. تِكْ
تدق ساعة الحائط
كم من التكات تمضي
كل تكة تنتخب حرفا من كتاب
كل كتاب موهبة
كل موهبة هبة
هبات كثر
غزلتها شهوة الحلم
* * *
تِكْ .. تِكْ .. تِكْ
لا شيء غيرُ
الساعةِ
والقلم
والورق
والتاريخ المشرع على الغبار الكثيف
يمسح الغبار
ليسمح بالكشف والأسفار
يدرك من أين تنهض السيوف
وأين تكمن خزائنُ الاسرار
ببصر شحيح
وبصيرة لا تشيخ
يرصد الاشارة
ويفتح العبارة
يسمع موسيقى القوافي أينما بعُدت
والأنف لا يكف عن رائحة المرأة
مهما غُيبت عن شرفات التاريخ.
_____________________
ليل طويل الكلمات
منذ ليل المشكاة
وأول دموع اليتم
على وجهٍ غاب قبل أوانه
وجه أزهَرَه في خياله
وجنَّ في البحث عن توأمه.
* * *
منذ ليل لكنو
منذ حظوتك الأولى
وصباك الفارع بالملذات والاحلام
تهيأت لك الأيام
مثلما تهيأ الحبر للكلام.
* * *
منذ ليل الدراجة الهوائية
شق بها الهواء
شقت صدره بالهوى
وقلب الصبية ما فتيء يخفق رهبة
كلما انبرى أمامها بقامة الجبة
أيتها العرافة
انثري صبّانك
أعيدي لي نصابي الناقص
حيث يكتمل ويتكلل.
منذ ليل الهوى
وشاعر إذا فاح الحب من قصيدته
انداح سلسبيلا
لا تمهله فاصلة
ولا توقفه نقطة.
* * *
منذ ليل النِعيم
والنافذة مفتوحة على الزقاق
يمر العابرون السكارى
هم خارج النافذة
هو داخل النافذة
وكلٌ ثملٌ بأغنيته.
* * *
منذ ليل البلاد القديم
وفرحة الطفل اليتيم
بكراسه الأول
منذ أبجد هوز
إلى أمس القريب
مررت ثانية هناك
محمولا على أكفٍ باكية
بين مولدك ومعراجك
حبل سري يصل الطين بالطيف
كلمات تصل الصورة بالمعنى.
______________________
اسم من التاريخ
صغيرة كنتُ
أراه متصومعا في معبده
يرتكب الشعر بجريرة اللغة
ويشيدُ صروحا من الكتب
يلهث من الدواة
حتى آخر نقطة من سواد الليل
كأنه وجه التاريخ
وجه خرافي أقرأه في كتب السير
مخلوق يحلق بأجنحة من ضياء
حين أفتح عيني
أراه في البيت
* * *
كل يوم
يغطس في غبطة المعرفة
يتناهبه الحبر والورق
ينتابه هوس يعلو النجوم
فيضيع عنا
يضيع منا
* * *
لا تسعه الأيام
لا تسعه الحروف
أينما يذهب يتأبط شعرا ونبوءة
أينما يحل يفتح مصحفا جديدا
يدون جراح التاريخ
ويتوّجه بالاسم
حتى صار تراثا
* * *
هو الذي يطلق أسماءنا المسجوعة
أسماؤنا الكثيرة التي تتقدم اسمه الطويل،
المعطر بالعلم والنسب الهاشمي
كأنه أيضا اسمٌ من كتب السير،
اسم من التاريخ!
_______________________________
استعانة
كلما استمالته غواية
نصّب الشعر غافرا لخطاياه.