إن بوصلة الموقف الإسلامي هو ما تعلمناه في أدبياتنا الفكرية: وهو "إن الحق فوق كل أحد، والوطن قبل كل شيء".
بعد يومين، يقف الرئيس أبو مازن على منصة الأمم المتحدة مطالباً المجتمع الدولي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومنح الفلسطينيين حق التمثيل الكامل في مجلس الأمن.. السؤال الذي يطرحه الشارع الفلسطيني بقوة: هل يتحقق من وراء هذا المسعى كسباً يعزز من مواقفنا السياسية والقانونية والإنسانية والمعنوية، ويوفر الطمأنينة لمستقبل قضيتنا وحق شعبنا في تقرير مصيره، بالرغم من التعنت الإسرائيلي والموقف الأمريكي المعارض بشدة لمثل هذا التوجه؟
لا شك بأن الأيام القادمة ستكشف الحقيقة، وستضع أمريكا على المحك في منظار الرؤية التي ستشكلها مواقع النخب والجماهير، والتي تقود المنطقة إلى آفاق جديدة أكثر وضوحاً في الدفاع عن مصالح الأمة؛ وعلى رأسها قضية فلسطين.
قبل أكثر من خمسة أشهر، أعلن الرئيس أبو مازن بأنه يعتزم الذهاب إلى المنظمة الدولية في نيويورك، للاستعانة بمواقف أكثر من 120 دولة قررت دعم الحق الفلسطيني، وتقديم الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي عملت إسرائيل منذ عام 1967 على طمس حدودها، وتفريغ مضامين وجودها.
ربما فاجأ هذا الإعلان المنفرد الكثير من فصائل العمل الوطني والإسلامي، من ناحية أن الرئيس لم يتشاور مع أحد، ولم يكلف نفسه عناء الأخذ برأي أصحاب الثقل السياسي داخل الساحة الفلسطينية من إخوانه في حماس، سواء من كانوا في الحركة أو الحكومة، خاصة وأننا قد عقدنا العزم على انجاز المصالحة، وشهدت القاهرة على توقيع كلا من فتح وحماس على الوثيقة المصرية المعنية بذلك.
في الحقيقة، أن موضوع استحقاق الاعتراف بالدولة في سبتمبر – على أهميته القيميّة والإستراتيجية– لم تتم إثارته بشكل مستفيض داخل الأطر التنظيمية والسياسية الفلسطينية، ولكنه شهد بعض الجلسات التي عقدتها منظمات المجتمع المدني وبعض الفصائل لعدد من النخب الممثلة لطبقة التكنوقراط والأنتليجنسيا لتداول الموقف والتعليق عليه، ليس إلا.
بشكل عام، كانت مواقف الأغلبية - في البداية - هي مع دعم الموقف بالذهاب إلى الأمم المتحدة، باعتبار أننا إذا لم نكسب تأييد المجتمع الدولي لصالح قضيتنا فإننا لن نخسر شيئاً، بل ربما – وهذا أضعف الإيمان – أننا سنسجل موقفاً مربكاً لإسرائيل، ومحرجاً لأمريكا، وكاشفاً للغشاوة عن عيون من ضللتهم ماكينة الدعاية الصهيونية لستة عقود من الزمن، حاولوا فيها إلباس الفلسطينيين ثوب الشيطان واتهامهم بالتطرف والإرهاب.
23 سبتمبر: يومٌ مشهود
اليوم، المطلوب منّا جميعاً أن نقف خلف قرار الرئيس بالذهاب للأمم المتحدة، والتحضير لفعاليات تؤكد وحدة الموقف الفلسطيني، وخلق حالة من الحراك الشعبي يستعيد معها المجتمع الدولي ذاكرته فيما صدر عنه من قرارات، وعلى رأسها القرار 194؛ والخاص بحق عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم.. سؤالي: ما الضرر أن تخرج الألوف في تظاهرات سلمية باتجاه الحدود مطالبة بتفعيل قرار حق العودة 194..؟ مذكرين العالم بحقنا كشعب محتل أن يكون له وطن، وأن نأخذ مكاننا كدولة لها مكانة بين الأمم؟
اليوم، وأنظار العالم كلها مشدودة باتجاه الجمعية العامة والأمم المتحدة، نتمنى أن يلتزم الصمت كل من يشكل حالة اعتراض على قرار الرئيس، وعلينا أن نوفر الانتقادات لما بعد هذه الخطوة.. إن في جعبتنا الكثير مما يمكن أن نوجهه للرئيس أبو مازن من انتقادات وعتب، ولكن اللحظة التي نريد أن نستثمر فيها مواقف الدول وتعاطفها مع الحق الفلسطيني يجب ألا تفسدها ذرائعَ هي موضع خلاف في وجهات النظر، تمثله قلة من السياسيين والمفكرين وبعض القانونيين، لتثبيط الهمم أو تحريض الشارع، فلا نحقق التفاعل والزخم الذي نريده لفعاليات 23 سبتمبر، حيث يقف الرئيس مناشداً المجتمع الدولي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبالحق الفلسطيني.
الرأي والمشورة يا سيادة الرئيس
إن من حقي كإسلامي أن أقول للأخ الرئيس (أبو مازن): إن السياسة الفلسطينية يجب أن تخضع للرأي والمشورة، فلا يُعقل – يا سيادة الرئيس – أن تطوف أرجاء الأرض طولاً وعرضاً لحشد الدعم لاستحقاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتتجاهل قوى وفصائل العمل الوطني والإسلامي داخل هذه الديرة..!! لقد كان الغموض في عرض الموقف سبباً في زيادة الشكوك لدى الأطراف الإسلامية، ودافعاً وراء عدم مباركتها لهذا الجهد وحتى بدء التشكيك فيه.
إن أزمتنا – يا سيادة الرئيس – أن القيادة السياسية كانت دائماً تتعاطى مع الشأن الفلسطيني بعقلية الأغا أي مالك الضيعة؛ الأرض وما عليها، إذ ليس من حقنا أن نسأل أو حتى أن نعلم، وعلينا التسليم للسيد "الأغا" باعتباره عالماً بالسر وكل ما يخفى..!!
في الواقع، إن مسيرتنا التاريخية على هذا المنوال هي التي أضعفت مكانتنا بين الأمم، وجعلت العدو الإسرائيلي يتغول علينا، والأمريكي لا يأبه بنا، والكل يرى أن النجاح في إقناع رأس السلطة يكفي لتمرير الموقف على الشعب بكافة قواه وممثليه..!!
أدعو الله أن يكلل مساعيك بالتوفيق، وأن تعود إلينا أكثر جمعاً وأشد قوة، وأحرص على إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام، حتى نتحرك في اتجاه الانتخابات لبناء شراكة سياسية وتوافق وطني، وتواصل لا تنفك أواصره بعمقنا العربي والإسلامي، استثماراً لنغمات ثورة الجماهير وعزمها الأكيد على دعم الحق الفلسطيني، حتى يتحقق لشعبنا النصر والتمكين ولوطننا الحرية والاستقلال.
إن متغيرات الساحة العربية والإسلامية هي لصالح قضيتنا، فلا تعطى الدنيّة من حق شعبك وقضيتك، فالزمن يعمل لصالحنا، وأن من أوجب الواجبات عليك بعد عودتك من أمريكا هو المباشرة في إنجاز ما توافقنا عليه في القاهرة، لأن المصالحة هي قدرنا وهي حتمية وطنية لاستمرار رابطتنا كشعب وقضية.
يا سيادة الرئيس، في السياسة هناك ما نختلف فيه معك، ولكن عليك أن تعلم أن قلوبنا يوم الجمعة ستكون معك.
د. احمد يوسف
/ المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء - غزة