انتظرت دول التحالف الدولي أسابيع للحصول حتى تمت الموافقة على السماح للقوات الأجنبية استخدام أراضي عربية لتحرير الكويت ، ولم يكن هذا السماح أمرا سهلا يمكن تمريره إلا أنه تم تمريره بقرار من الجامعة العربية بالأغلبية وليس بالإجماع رغم امتناع ثمانية دول عربية في تلك القمة من التصويت مع القرار ، ذلك لان قرار الجوار العربي على درجة من الأهمية الكبيرة فكان موقف الجوار العربي مهما للإدارة الأمريكية للبدء في الحرب ، الأمر الذي تكرر في حرب الخليج الثانية بحصول الولايات المتحدة على غطاء عربي وإن لم يكن معلنا بسبب عدم وجود فعل غير قانوني قامت به العراق ضد دولة عربية كما حصل عندما قامت العراق بغزو الكويت ، هذه الأيام أعلنت الدول العربية بالإجماع تأيدها للتوجه للأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 67 وفقا للقرارات الدولية وانسجاما مع قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بصراحة لم يكن للفلسطينيين أن يتوجهوا للأمم المتحدة منفردين لولا وجود دعم عربي واسلامي ومساندة عربية وموقف عربي واسلامي يضع نصب عينيه المصالح العربية العليا كون القضية الفلسطينية قضية العرب الاولى ، وقضية امن قومي عربي في قمة المصالح العربية ، مع أني كنت أفضل أن يقوم العرب بعقد قمة عربية واسلامية موحدة طارئة خاصة لإعلان التوجه العربي إلى مجلس الأمن إلا أن انشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية ، وإعلانها لموقف المساندة علنا على رؤوس الإشهار في تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين سواء بتحمل النتائج مع الفلسطينيين سواء برفع مساعداتها للفلسطينيين لتغطية العجز الناجم عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقطع المساعدات عن الفلسطينين الامر الذي تجسد في اعلان المملكة العربية السعودية بتحويل مبلغ 200 مليون دولار لخزينة السلطة الوطنية الفلسطينية وكذلك استعداد تركيا تعويض اي نقص بالمساعدات يمكن ان يحصل نتيجة قطع المساعدات الامريكية ، الامر نفسه الذي نتوقعه حال قيام إسرائيل باحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية .
المواقف العربية والاسلامية كانت معلنة وتصل إلى درجة عالية الوضوح وتحميل المسؤولية للولايات المتحدة إذا ما استخدمت الفيتو في مجلس الأمن ، والعرب اليوم أمام اختبار حقيقي لعلاقاتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية أما أن يكونوا كما أوضح الرئيس الأمريكي ( رونالد بغان ) بأنهم حلفاء غير موثوقين ، وخصوصا إذا ما قورنوا بإسرائيل صاحبة الشراكة الإستراتيجية مع أمريكا ،او وسائل ايضاح في السياسة الامريكية .
صحيح أن إسرائيل هي جزء من الجوار فيما يخص موضوع الدولة الفلسطينية ، ومع ذلك فان قسم مهم في اسرائيل يساندون حل الدولتين ، إسرائيل الرسمية تتعامل في منتهى الصراحة والوضوح أنها مستمرة في احتلال الأراضي الفلسطينية، ولم تعترف حكومة نتنياهو بحل الدولتين وبدول فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 67 ، وأكثر من ذلك مستمرة في أكبر عملية تطهير عرقي ضد الفلسطينيين ، إسرائيل تعترض على حصول الفلسطينيين العضو الكاملة في الأمم المتحدة حتى لا تنظم فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية وبالتالي جلب المجرمين في إسرائيل هذه المحكمة في إشارة واضحة أن إسرائيل تريد أن تبقى دولة فوق القانون وفي هذا الإطار فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتماهى مع إسرائيل في هذا الموقف الذي يشكل ذريعة إسرائيلية ، رغم أن أي دولة عضو في محكمة الجنايات بإمكانها التقدم بطلب لمحاكمة وتقصي الجرائم ضد الفلسطينيين وهذا الأمر قد يتحقق في قضية القرصنة على أسطول الحرية في المياه الإقليمية الدولية الأمر الذي يعتبر جريمة حرب ومن اختصاص المحكمة كل هذه الأمور تصب في حصول شرخ حقيقي في العلاقات مع الولايات المتحدة والشعوب العربية حيث النظام العربي الرسمي لا يمكنه مواجهة الشارع العربي في الدفاع عن الموقف الأمريكي أو إدارة الظهر للموقف الفلسطيني .
والأنظمة العربية ستعرف بأن الإدارة الأمريكية ومن لديه شك في أن العرب السنة مستهدفين في إطار السياسة الغربية وقد وقعوا في خديعة السياسة الأمريكية لسنوات طويلة ، وان الفيتو الامريكي يشكل احراجا للجهد العربي ، وتأليبا على الانظمة العربية ، أنا اقدر حجم المواجهة الدبلوماسية والسياسية بل المجابهة والاشتباك الذي لا يمكن للعرب أن يتراجعوا عنه أمام العالم وأمام شعوبهم وأمام الله سبحانه وتعالى ، وأما أنفسهم وضمائرهم ، لا مكان لظلم دائم للفلسطينيين ولا مكان لبقاء الفلسطينيين ضحايا أبديين ولا مكان لاحتلال إسرائيلي ابدي على صدور الفلسطينيين ، فالموقف العربي جاء حصيلة إجماع واجتماعات ولقاءات وتصميم عربي بالدفع في القضية الفلسطينية إلى الواجهة لحلها مرة واحدة و إلى الأبد بشجاعة ، لايمكن التراجع عنه ولا التردد فيه ، العالم اليوم يعتبر الموقف العربي والفلسطيني هو أكبر هجوم سلام عربي يستند للمبادرة العربية بدعم اسلامي وأممي ليصبح مبادرة أممية في اتحاد عالمي من أجل السلام في الأمم المتحدة ، تشاركهم فيه غالبية دول العالم .
أيما كانت نتائج التصويت فإنها ستخلق فجوة كبيرة جدار بل جرفا عميقا دوليا ذلك لأن الولايات المتحدة على لم تأخذ الحديث عن موقف عربي للتوجه إلى الأمم المتحدة على محمل الجد ، وكانت واثقة من امكانية التوصل الى صفقة قبل الوصول للامم المتحدة ،وارسلت رسائلها الى 192 دولة في العالم وتعاملت بشكل جدي مع الامر ، ولكنها لم تكن تدرك ان العرب هذه المرة في منتهى الجدية ، آن الوقت الذي يحق لها أن تعرف بأن قواعد اللعبة لا يمكن أن تبقى ثابتة لأنها أصبحت جدية وكذلك الموقف العربي جدي ويساوي يثقله ذهبا ذلك لأن العرب لا يمكنهم مجتمعين ليسوا بأقل من تركيا سياسيا والتي تساندهم او اسبانيا اقتصاديا والتي تساندهم كذلك .
احمد حنون
معا الاخبارية
hanoun@palnet.com