2 زائر
| | قراءة في "أنظر إليك" للشاعرة السورية مرام المصري | |
قراءة في "أنظر إليك" للشاعرة السورية مرام المصري
"ثمة صور في خبايا الكتب تملك من صفاء الحياة ما لا يملك الكثير من الرجال والنساء". (فرناندو بيسوا)
لا يمكن أن تقرأ "أنظر إليك" للشاعرة السورية مرام المصري دون أن تنجذب إلى حبائله الجميلة والشيقة, وكأنه مغناطيس شعري يجذب كلك إليه: أحاسيسك, مقروؤك الشعري وتاريخ عشقك الدفين. كتاب أنظر إليك الشعري "رمانة تحتفظ بأسرار لآلئها" لقارئ/ عاشق موعود بأسرار لا تنضب, لتطفئ فيه لهب عطش الصحراء.
إنه "نهر مسكر" يهديك بسخاء "انتفاضة حياة", و كأنك بقراءته تتجدد وتولد من جديد فكل قراءة تمنحك إمكانية جديدة للحياة. أو بالأحرى, هي دعوة مفتوحة لممارسة الحياة. أوَلا تذكرنا قصائدها القصيرة بقصر الحياة نفسها ولكن بثرائها أيضا؟. أوَلا تستحق هذه الحياة الثرية أن تعاش؟, أوَلا نستحق في المقابل أن نعيش هذه الحياة؟. قصائد رشيقة أشبه بخطوات راقصة باليه بارعة, نغمات قيثارة على السلم الموسيقي للقلب, ونجوم نثرتها يد فنانة لتضيء عتمة الليل. عتمة الليل!! عتمة الليل التي يضيئها"مصباح الرغبة المتوهج" كما تقول العبارة الرائعة للشاعرة. العتمة سكون والرغبة حركة, العتمة انطفاء والرغبة اشتعال...هكذا تشتعل أزهار الرغبة لتضيء ليل الجسد المتوحد على سرير بارد وموحش: "لماذا نسيت/ أن تطفئ/ قبل أن تنام/ مصباح/ رغبتي المتوهج؟/ تركتني/ مضيئة/ لطيور شرسة.." طيور شرسة تحلق في سماء الرغبة أمام "امرأة في عرس شهوتها" لتكتمل الاحتفالية المدهشة "بدموع اللذة" إيذانا بالارتقاء إلى مدارج اللذة العظمى.
هذه المرأة التي نجدها في عرس شهوتها هي امرأة إيجابية عكس ما كرسه المخيال العربي وأعاد إنتاجه على مدى عصور, إنها امرأة فاعلة ومنفعلة في آن, وكأن لسان حالها يقول أنا سيدة جسدي, معلنة أمام العالم انتهاء عصر الحريم على الأقل بالنسبة إليها. عصر الحريم؟ّّ! نعم عصر الحريم بكل تناقضاته ومحرماته المنافقة, حيث المرأة مرغوبة لا راغبة, إنها تلك الموطوءة الموءودة الأحاسيس, التي يحرم عليها إظهار رغباتها ولو على سرير اللذة. على عكس هذه الصورة السلبية الضعيفة تتبدى لنا امرأة "أنظر إليك" قوية شامخة دون عقدة نقص, سيدة لا مسودة: "لا تكن فاترا/ فأتقيؤك../ اشتعل/ مثل/ جمرة مثل/ احتكاك غصنين/ توهج هكذا أحب/ الحياة/ في مضجعي.." وإذا كان للجسد احتفالياته وطقوسه شديدة الخصوصية, بحثا عن مكامن اللذة القصوى - تحت "لحاف رغبة" - تتحرر عبرها الذات في سفرها اللانهائي نحو المتعة, إلا أنه جسد موشوم بالأحزان. أحزان خلفتها التجارب التي لم يتبق منها سوى الذكريات وأشيائها: "لقد رحل/ منذ مدة طويلة.. لم يبق منه/ إلا قمصان/ وأحذية.." وبين الحزن والصمت عروة وثقى, وكأنهما خيطا دخان يمتزجان روحا واحدة في علياء سمائهما: "روح خفيفة/ لهذا تثقلها/ ذرة حزن فتحط/ صامتة.." والحزن طريق يؤدي إلى الألم, وكأن الحزن لا يكتمل إلا في الألم المضجر: "الألم...؟/ كيف تعرف إلي؟/ لم أكن/ أضع وردة حمراء/ على صدري ولم أكن/ على موعد معه.." وعلى سبيل الختم وحتى لا أتوغل كثيرا في المتاهات الجميلة والآسرة لنصوص "أنظر إليك" الرائعة, أتوقف عند محطة الاغتراب في هذا الكتاب, وإن كان القول الشعري برمته اغترابا في الزمان والمكان. "ورثت أطفالها/ أما تحلم/ ترقص/ تبتسم أما تبكي/ تعشق/ أما لا تملك مالا/ ولا ترفو جوارب أما تكتب أشعارا/ بلغة لا يفهمونها.." و لكن أليس بوسع الترجمة أن تقلص حجم الغربة بين الشاعرة وأطفالها بشكل من الأشكال وهي المغتربة في اللغة و المكان؟.
أقول هذا الكلام و بين يدي "أنظر إليك" في طبعته المغربية حيث تتجاور لغتان وقصيدتان العربية وترجمتها الفرنسية وكأن المترجمة المغربية الكاتبة ثريا إقبال تحقق بذلك تلك الرغبة المكنونة للشاعرة بأن يقرأ أطفالها قصائدها ولو بلغة غير لغتها التي لا يفهمونها. "مباركة شهواتك آلامك.. مبارك عبثك.."
استدراك: وأنا أطالع كتابا شعريا صدر مؤخرا للشاعرة المغربية ليلى عابر بعنوان: "كل هذا الكلام" عن سلسلة الكتاب الأول ضمن منشورات وزارة الثقافة سنة 2005 أثارني تشابه إلى حد الاستنساخ بين قصيدتين: نص شعري ليلى عابر معنون ب"ما أفعله دائما" يقول: "أقيس مقدار حبي لك بقدرتي على خيانتك و حين أعجز أستغفرك وأعود إليك". وهو نص ركيك مقارنة مع النص المستنسخ أو المنحول بعبارة الأوائل عن كتاب "أنظر إليك" للشاعرة مرام المصري الصادر في طبعته الأولى سنة 2000 والذي يقول: "أقيس مدى استطاعتي خيانتك بأن أتخيلك في حضن امرأة أخرى.. فأتوب وأستغفرك". أتمنى ألا يكون هذا ما تفعله دائما ليلى عابر وأن يكون الانتحال عابرا في شعرها.
هامش: - "أنظر إليك" للشاعرة السورية مرام المصري ترجمة ثريا إقبال(je te regarde ). دار النشر مرسم الرباط المغرب 2003. - ملحوظة: الكتاب يضم الترجمة إلى جانب القصائد المترجم عنها. - الكلمات والجمل بين " ..." هي مقتطفات من قصائد الشاعرة مرام المصري.
محمد الإمام ماء العينين
|
|